التحايل على القانون في التحكيم الدولي
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
إن كل قاعدة إسناد تسترشد بضابط معين يشير إلى القانون الواجب التطبيق، وهناك جانب من هذه الضوابط قابل للتغيير وفقا لإرادة الأفراد، ومن هنا فإن من المتصور أن يعمد الشخص إلى تغيير ضابط الإسناد لمجرد التوصل إلى تطبيق قانون معين والتهرب بذلك من أحكام القانون الواجب التطبيق أصلا، وعليه فإن التحايل أو الغش نحو القانون يتم لتغيير ظرف نقل الاختصاص من قانون لآخر يتفق مع رغبة الشخص ويجنبه القواعد الآمرة والمختصة أصلا[1].
ومثال ذلك السفر إلى بلد معين للاتفاق فقط على إبرام عقد معين للاستفادة من محل إبرام العقد كمحل قانونه على العقد أو على عملية التحكيم إذا كان هذا العقد يعتبر باطلا في بلد آخر. فإذا كان قانون الجنسية لا يجيز تعدد الزوجات فيلجأ الراغب بالزواج من ثانية إلى تغيير جنسيته (ظرف الإسناد) والحصول على جنسية دولة أخرى يسمح قانونها بتعدد الزوجات مستفيدا من قانون الجنسية الجديد. والتغيير الذي يقوم به الأفراد في ضابط الإسناد لم يقصد لذاته وإنما قصد به أساسا الإفلات من أحكام قانون معين بهدف التحايل على أحكام قانون معين، وهو ما درج الفقه على تسميته بالغش نحو القانون. وإن استبعاد القانون الأجنبي في حالة الغش نحو القانون يقوم على أساس الحد من إرادة الأفراد التي تسيء استعمال الحق الذي منحها إياه القانون، ومنعها عند تغيير ظروف الإسناد والغش نحو القانون يكون وقت الاحتجاج بالمراكز القانونية لا وقت إنشائها.
شروط الدفع بالتحايل نحو القانون[2]:
يشترط لإمكان الدفع بالتحايل أو الغش نحو القانون شرطان:
* الشرط الأول: التغيير الإرادي في ضابط الإسناد
إن استبعاد القانون الواجب التطبيق يرجع هنا إلى إرادة الأطراف، ومقتضى ذلك أن تلعب الإرادة دورا في هذا الخصوص ويكون ذلك عن طريق إحداث تغيير، أو تعديل في ضابط الإسناد، أو ظرف الإسناد الذي يتم بمقتضاه تحديد القانون الواجب التطبيق، وإن ضابط الإسناد مما يكون للإرادة دور في تحديده فمن المعلوم أن ضابط الإسناد ينقسم إلى قسمين: ضوابط إسناد ثابتة وضوابط قابلة للتغيير، مثال الأول: ضابط موقع العقار وضابط محل وقوع الفعل الضار. ومثال الثاني: ضابط الجنسية وموقع المنقول والموطن، ويلزم في التغيير الإرادي الطارئ على ضابط الإسناد أمران، الأول: يكون من شأنه تعديل الاختصاص التشريعي، والثاني: أن يكون تغيير ضابط الإسناد قد وقع سليما قانونا[3].
* الشرط الثاني: نية التهرب من القانون الواجب التطبيق أو التحايل نحو القانون الواجب التطبيق
يجب للدفع بالتحايل نحو القانون أن يكون الهروب من أحكام القانون الواجب التطبيق هدفه هو تغيير ضابط الإسناد وهذا شرط هام للدفع، لأنه يلزم أن يكون تغيير ضابط الإسناد قد تم سليما من الناحية القانونية، فإذا انعدم فيه التحايل أو الغش كان القاضي أمام استحالة عدم الاعتداد بالتعديل الذي طرأ على ضابط الإسناد وعلى القاضي أن يتحقق من نية الأطراف في التهرب أو التحايل نحو القانون الواجب التطبيق بالنظر إلى عدة قرائن والتي تجسدها الوقائع المادية. فقد يكتشف القاضي نية التحايل من التزامن بين التغيير الطارئ على ضابط الإسناد وبين طلب تطبيق القانون الذي يشير به هذا الضابط، كأن ينقل البائع المنقول إلى إقليم دولة معينة ويطلب إبطال الحقوق التي قررت عليه والتي كانت صحيحة وفقا لقانون الموقع الأول[4].
الجزاء المترتب على الغش أو التحايل نحو القانون:
إذا توافر الشرطان السابقان كان على القاضي أن التصدي للتحايل الذي وقع سواء قصد به التهرب من أحكام قانون القاضي أو من أحكام القانون الأجنبي، وسواء كان الغش قد تم بقصد الهروب من الأحكام والقواعد الآمرة أو المكملة في أي منهما[5].
وبالتالي فإن آثار الدفع بالتحايل نحو القانون ينحصر في حرمان الأطراف من تحقيق الغاية أو الهدف المقصود من ارتكاب الغش، أو التحايل على القانون ويكون بذلك عن طريق عدم الاعتداد بالتغيير الذي طرأ على ضابط الإسناد وإعمال القانون الواجب التطبيق أصلا حسب قاعدة الإسناد الوطنية، كما لو لم يتم هذا التغيير في ضابط الإسناد، وبعبارة أخرى ففي التحايل على القانون لا يطبق القاضي قانونه بل يعيد إلى القانون الذي تم التحايل عليه اختصاصه ويستوي أن يكون هذا القانون هو قانونه الوطني أو قانون دولة أجنبية[6].
موقف المحكم في منازعات التجارة الدولية من الغش أو التحايل نحو القانون:
إن موقف المحكم في المنازعات التجارية الدولية يشبه دور القاضي في المنازعات الداخلية ويكون المحكم في الواقع بمثابة قاضي المنازعات الخاصة بالتجارة الدولية مع فارق جوهري هو عدم ارتباط المحكم بدولة ما أو بقانون خاص، فإذا ما وجد المحكم بأن هناك غشا أو تحايلا نحو القانون الواجب التطبيق على موضوع المنازعة عليه أن يعيد للقانون الذي تم التحايل عليه نفوذه وسلطانه ويطبقه على موضوع النزاع، ويسلك مسلك القاضي الوطني ويقطع الطريق على هذا الغش حتى ولو كان اختيار أطراف المنازعة ينصب على هيئة دائمة للتحكيم التجاري الدولي للفصل في منازعاتهم. ومن الأمثلة على ذلك رفض محكمة التحكيم في (براغ) تطبيق القانون الإنجليزي الذي اختاره الأطراف في المنازعة بين باكستان و تشيكوسلوفاكيا ومصدرها عقد نموذجي لتنفيذ أحد المشاريع بدعوى عدم وجود أي علاقة بين هذا القانون والنزاع المطروح[7].
[1] – د. عز الدين عبد الله، القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين وتنازع الاختصاص الدوليين، الجزء الثاني، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة السادسة، 1977، ص 555-556.
[2] – د. هشام علي صادق، تنازع القوانين، منشأة المعارف، الإسكندرية، الطبعة الثانية، 1973، ص 326.
[3] – د. هشام علي صادق، تنازع القوانين، مرجع سابق، ص 187.
[4] – د. أحمد عبد الكريم سلامة، قانون العلاقات الخاصة الدولية، مرجع سابق، ص 190.
[5] – د. عز الدن عبد الله، القانون الدولي الخاص، مرجع سابق، ص 570.
[6] – د. محمد كمال فهمي، أصول القانون الدولي الخاص، مرجع سابق، ص 235.
[7] – د. أبو زيد رضوان، الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 134.
اترك تعليقاً