تبليغ المدعى عليه مجهول العنوان
زهير بن سليمان الحربش
يشترط لانعقاد الخصومة إعلان المدعى عليه بالدعوى المقامة ضده، والهدف من ذلك إعلام المدعى عليه بالدعوى المرفوعة لتحقيق دفاعه واستجوابه وسماع ما لديه. ولأهمية هذا الأمر وضرورته لتحقيق العدالة أفرد نظام المرافعات الشرعية السعودي المواد من الثانية عشرة وحتى الثانية والعشرين منه لهذا الأمر. وأهم ما نصت عليه هذه المواد، طرق التبليغ ومن يقوم بها ووقتها ولمن تسلم وتصرف المحضر عند امتناع الموجه له التبليغ الاستلام ثم طريقة تبليغ المقيم خارج المملكة. وطرق التبليغ التي حددها نظام المرافعات الشرعية تنحصر إما في التبليغ بواسطة المحضرين (وهم موظفون تابعون للمحاكم) وإما أن يتم التبليغ بواسطة صاحب الدعوى (المدعي)، أو وكيله بشرط أن يطلب صاحب الدعوى ذلك.
ويكون التبليغ بواسطة المحضرين بناء على أمر القاضي أو طلب الخصم أو إدارة المحكمة. ونلاحظ أن نظام المرافعات الشرعية لم ينص صراحة على التبليغ بواسطة الإعلان في الصحف المحلية رغم سماح لائحته التنفيذية بذلك شريطة استيفاء عدة متطلبات تجعل الإعلان في الصحف نادرا أو عديم التطبيق من الناحية العملية.
بعد هذه المقدمة نستعرض الإجراء المطبق حالياً في بعض اللجان القضائية التي تهم رجال المال والأعمال. ففي لجنة تسوية المنازعات المصرفية يقوم صاحب الدعوى أي المدعي بتبليغ خصمه ويتم التبليغ في صحيفة الدعوى ومستنداتها وكذلك التبليغ بمواعيد الجلسات والقرار الصادر، وتتلخص قواعد التبليغ في النواحي التالية: – في حال تسليم مذكرة التبليغ للمدعى عليه شخصياً فيلزم كتابة عبارة “نفسه” أمام كلمة الصفة واسمه كاملاً أمام كلمة اسمه وكتابة تاريخ الاستلام أمام كلمة التاريخ، وتوقيع المستلم أمام كلمة التوقيع. – وفي حال تسليم مذكرة التبليغ لمن يقرر أنه وكيله الشرعي فيلزم كتابة عبارة “الوكيل الشرعي” أمام كلمة الصفة واسمه كاملاً أمام كلمة اسمه وكتابة تاريخ الاستلام أمام كلمة التاريخ، وتوقيع المستلم أمام كلمة التوقيع مع إرفاق صورة من الوكالة الشرعية. –
أما إذا تم تسليم مذكرة التبليغ لمن يقرر أنه يعمل في خدمته فيلزم كتابة عبارة “يعمل في خدمته وتحت كفالته” أمام كلمة الصفة واسمه كاملاً أمام كلمة اسمه وكتابة تاريخ الاستلام أمام كلمة التاريخ، وتوقيع المستلم أمام كلمة التوقيع مع إرفاق صورة من رخصة الإقامة. – وفي حال ما إذا تم تسليم مذكرة التبليغ لمن يقرر أنه من الساكنين معه من الأزواج والأقارب والأصهار فيلزم توضيح صلة القرابة مقرونة بعبارة “وساكن معه” أمام كلمة الصفة واسم المستلم كاملاً أمام كلمة اسمه وكتابة تاريخ الاستلام أمام كلمة التاريخ، وتوقيع المستلم أمام كلمة التوقيع. – وإذا كان المدعى عليه شركة أو مؤسسة، فيتم إجراء التبليغ إلى أي من العاملين لدى الشركة أو المؤسسة مع كتابة عبارة “يعمل تحت كفالتها” أمام كلمة الصفة واسمه كاملاً أمام كلمة اسمه وكتابة تاريخ الاستلام أمام كلمة التاريخ وتوقيع المستلم أمام كلمة التوقيع مع إرفاق صورة من رخصة الإقامة في حال كان العامل المستلم غير سعودي. – وفي حال ما إذا كانت الشركة أو المؤسسة تحت التصفية فيتم تسليم مذكرة التبليغ للمصفي فقط مع كتابة عبارة “المصفي” أمام كلمة الصفة واسم المستلم كاملاً أمام كلمة اسمه وكتابة تاريخ الاستلام أمام كلمة التاريخ وتوقيع المستلم أمام كلمة التوقيع مع إرفاق صورة من قرار تعيين المصفي.
ويلاحظ أنه في ظل غياب لائحة مرافعات خاصة بلجنة تسوية المنازعات المصرفية – رغم مرور أربع وعشرين سنة على إنشائها – فأن اللجنة تستأنس بمواد نظام المرافعات الشرعية، ولذلك فإن الإعلان في الصحف المحلية لم يرد كإحدى وسائل التبليغ. أما لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية فقد تبنت عدة طرق ووسائل لإعلان وتبليغ المدعى عليه حيث سمحت لائحة إجراءات الفصل في منازعات الأوراق المالية الصادرة بتاريخ 23/1/2011م، المادة التاسعة، بإجراء الإخطار والتبليغ عن طريق النشر في الصحف المحلية لمن لا يعرف محل إقامته، وهي مسألة تسجل لهيئة السوق المالية. كما سمحت نفس اللائحة تبليغ المعروف عنوانه بواسطة البريد المسجل، الفاكس، أو البريد الإلكتروني وغيرها من الطرق.
أما مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية ولجان الأوراق التجارية التي تنظر قضايا الشيكات والسندات لأمر والكمبيالات، فقد تبنت جميعها أسلوب التبليغ بواسطة صاحب الدعوى أو قسم الشرطة عدا مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية في الدمام الذي بدأ أخيرا بالأخذ بأسلوب إعلان المدعى عليه بواسطة الصحف المحلية وهي مسألة تستحق التنويه، حيث يقوم المكتب بإبلاغ المدعى عليهم مجهولي العنوان في قضايا الأوراق التجارية “الشيكات والسندات لأمر والكمبيالات”
بموعد الجلسات عن طريق الإعلان في الصحف اليومية بشرط أن يسبق هذا الإعلان استيفاء المكتب الشروط التالية: 1. الحصول من الشرطة على إفادة توضح بأن عنوان المدعى عليه غير معروف. 2. الحصول من إمارة المنطقة على إفادة توضح أن عنوان المدعى عليه غير معروف. وبعد استيفاء هذين الشرطين يقوم المدعي بالطلب من (ناظر الدعوى) الإعلان في الصحف المحلية لقاء سداده مصاريف الإعلان.
وهذا يأتي تمشياً مع كتاب سعادة وكيل وزارة التجارة والصناعة المؤرخ 4/4/1428هـ على الرغم من أن القرار الوزاري رقم 546 وتاريخ 12/5/1413هـ الصادر من معالي وزير التجارة قد أجاز منذ زمن التبليغ عن طريق الإعلان في الصحف اليومية حيث نص على إمكانية إجراء التبليغ عن طريق نشر ملخص للورقة المراد إعلانها في صحيفة يومية توزع في آخر موطن معلوم للمدعى عليه وبحيث تتضمن اسم المدعي والمدعى عليه وموضوع النزاع والجهة التي ستنظره ومكان وزمان انعقاد الجلسة ورغم مضي أكثر من تسعة عشر عاماً على صدور هذا القرار فإن الابتداء بتطبيقه حالياً ببعض الشروط يعد وإن كان متأخراً جداً، نقلة في سير إجراءات التقاضي الصرفي وحفظ الحقوق.
أما في الجانب التطبيقي فإن تبني أسلوب تبليغ المدعى عليهم عن طريق صاحب الدعوى دون غيره من طرق التبليغ الأخرى جعل الأفراد (الأشخاص الطبيعيين) يواجهون مشكلات كثيرة في تبليغ خصومهم وذلك لصعوبة معرفة عناوينهم والاستدلال على مكان تواجدهم مما جعل هؤلاء الأفراد يتخلون عن الخصومة أو لا يتابعونها فيتم حفظها لحين إعلان المدعى عليهم أو شطبها أو تركها، ولا يواجه الأشخاص الاعتباريون (المعنويون) هذه المشكلة لما يملكونه من إمكانيات وشبكة علاقات. ونجد أن الدول المجاورة قد تغلبت على هذه المشكلة بتنظيمها وسيلة التبليغ عن طريق الصحف، وهو ما وفر على أطراف الدعوى (وخاصة المدعي) كثيراً من العناء والمشقة وسد الطريق أمام المماطلين والمتهربين من إيفاء ما عليهم من حقوق وأعان على تحقيق العدالة.
إلا أنه وحيث بدأت بعض اللجان في تطبيق هذه الطريقة (الإعلان عن طريق الصحف) فإننا نرى أن يتم تعميم وتوحيد هذه المسألة لدى كافة الجهات واللجان القضائية على أن يشمل ذلك تبليغ المدعى عليهم بلوائح الادعاء وبمواعيد الجلسات والأحكام الصادرة، الأمر الذي سيسهم في تحصيل الدائنين لحقوقهم ويحرك القضايا الراكدة ويسهم في سرعة البت فيها بدلاً من تراكمها في أرشيف المحاكم واللجان القضائية. لأن الإعلان عن طريق الصحف يمكن أن يستخدم في عدة أشكال وصور وجميعها يوفر الجهد والوقت سواء للمحاكم واللجان القضائية من جهة أو لأطراف الدعوى، ومن الأمثلة التي يمكن أن تستخدم فيها وسيلة الإعلان عن طريق الصحف إعلان الأحكام التمهيدية التي تقضي على سبيل المثال بتعيين خبير محاسبي في الدعوى وكذلك إعلان قاضي التنفيذ أحد أطراف الدعوى بإقامة دعوى تنفيذ حكم عليه وفي ذات الإعلان يعلن بأن المحكمة ستباشر ضده إجراءات التنفيذ ما لم يلتزم بالقرار أو الحكم الصادر ضده، هذه بعض أشكال الإعلانات التي يمكن أن تتبناها المحاكم واللجان القضائية لإعلان أطراف الدعوى عن طريق الصحف.
إلا أن الوصول إلى هذا يستدعي تعديل بعض مواد نظام المرافعات الشرعية وإصدار لائحة مرافعات للجنة تسوية المنازعات المصرفية تتضمن التبليغ بلائحة الدعوى ومواعيد الجلسات عن طريق الإعلان بشتى صوره ومنه الإعلان في الصحف المحلية، في حين يمكن مراعاة واستدراك ذلك بشأن إعلان المحكوم عليه بالحكم الصادر ضده في مسودة نظام التنفيذ الذي يجري التصويت عليه في مجلس الشورى. والله الموفق ،،،
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً