المطلب الأول: نزول الشفيع عن حقه في الأخذ بالشفعة
أن الشفعة هي استثناء تقررت على خلاف الأصل في حرية التملك وحق التملك بحرية لذلك أجازت التشريعات نزول الشفيع عن حقه في الأخذ بالشفعة وبذلك فقد ورد النص على سقوط الحق بالشفعة في القانون المدني المصري في المادة ( 948 /أ) وذلك بقولها يسقط الحق في الأخذ بالشفعة في الأحوال التالية: إذا نزل الشفيع في الأخذ بالشفعة ولو قبل البيع إما المادة (3/1161 ) من القانون المدني الأردني فقد نصت على ذلك بقولها تحت عنوان دعوى الشفعة لا تسمع إذا نزل الشفيع عن حقه صراحة أو دلالة.
أما في مجلة الأحكام العدلية فقد نصت المادة ( 1024 ) على ذلك بقولها “يشترط أن لا يكون الشفيع قد رضي بعقد البيع الواقع صراحة أو دلالة مثلا إذا سمع عقد البيع وقال هو مناسب يسقط حق شفعته وليس له طلب الشفعة بعد ذلك وكذلك إذا أراد أن يشتري أو يستأجر العقار المشفوع من المشتري بعد سماعه بعقد البيع يسقط حق شفعته وكذلك إذا كان وكيلا للبائع فليس له حق شفعة في العقار الذي باعه، وقد ورد في قرار محكمة التميز الأردنية أن طلب الشفيع شراء أو استئجار العقار المشفوع من المشتري يسقط حق شفع ته عملا بأحكام المادة( 1024 ) من المجلة.(1) أما القانون المعدل للأحكام المتعلقة بالأموال الغير منقولة رقم ( 51 ) لسنة 1958 الأردني والمطبقة أحكامه في فلسطين لم يتعرض لهذه المسألة. أما عن التعريف بنزول الشفيع عن حقه وماهيته “فهو تصرف قانوني بالإرادة المنفرد ة . يؤدي إلى سقوط الشفعة” وهذا الحكم مستمد من أحكام المادة( 91 ) مدني مصري(2) أما عن كيفية هذا النزول فقد يكون بمقابل أو دون مقابل وقد يكون صريحًا وقد يكون ضمنيًا والنزول الصريح يكون فقط بلفظ أو بكتابة أو باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكًا في دلالته على حقيقة المقصود. ولما كان النزول يتضمن معنى الإسقاط فإنه أن كان ضمنيًا يجب استخلاصه بوضوح بحيث علينا أن نتوخى الدقة والتشدد في استخلاص التعبير الضمني. ولا يلزم فيه شكل خاص ولو كان أثناء سير الدعوى ولا يشترط في النزول أن يسبق بطلب ترك الدعوى مثلا بل يكفي أن يمكن استخلاصه من أي قول أو تصرف يقوم به الشفيع. إن النزول عن الشفعة قد ورد عامًا مطلقًا والمطلق يجري على إطلاقه ولا مجال للقول بأن النزول يكون بشكل معين والقول بغير ذلك استحداث لحكم مغاير لم يأت به النص وتخصيص لعمومه بغير مخصص. وسأبحث في مسألة النزول عن الشفعة من حيث الزمان ثم المكان ثم من حيث الأشخاص.(3)
أولاً: مسألة زمان النزول عن الشفعة
تختلف هذه المسألة باختلاف التشريعات ففي القانون المدني المصري قد يكون النزول عن الشفعة مقدمًا قبل وقوع البيع وكذلك الأمر بعد وقوعه وأثناء السير في الدعوى وحتى بعد صدور قرار إذا تنازل الشفيع عن تنفيذ الحكم(4) أما في القانون المدني الأردني فقد اختلف الوضع بين التشريع والقضاء ففي التشريع المستند أصلا إلى أحكام الشريعة الإسلامية والمستمد منها لا يجوز التنازل عن الشفعة باعتبارها حق قبل نشوء هذا الحق وهو لا ينشأ إلا بالتسجيل إلا أن محكمة التميز قد أصدرت قرارات متناقضة في هذا الموضوع فتارة حكمت المحكمة بعدم وجود أساس للتنازل قبل البيع وتارة حكمت بأن التنازل الصادر من الشفيع يعتبر مسقطًا لحقه. وأرى أن الأخذ بالشفعة حق ضعيف وجاء استثناء ويجب التضييق من مجاله قدر الإمكان وأؤيد اعتبار التنازل الصادر من الشفيع ولو قبل البيع أو قبل تمام التسجيل.( 5) مسقطً الحقه في أخذ العقار بالشفعة.
ثانيًا: النزول عن الشفعة من حيث الأشخاص
إذا نزل الشفيع عن الحق في الأخذ بالشفعة فإن هذا النزول يؤدي إلى عدم جواز مطالبته بالأخذ بالشفعة لسقوط الحق في الأخذ بها ولكن بالنسبة للخلف العام فان النزول عن الحق في الأخذ بالشفعة يعتبر من قبيل الالتزامات وبالتالي يعتبر دينًا يتركه المورث ويسأل عنه الورثة في حدود التركة ويجب الوفاء به عينًا، وعلى ذلك إذا كان المورث قد نزل عن الأخذ بالشفعة صراحة أو ضمنًا كأن يشتري عقارًا ويلتزم في عقد البيع بعدم طلب الشفعة عند بيع أحد العقارات المجاورة لهذا العقار فأنه لا يجوز لهذا الوارث أن يأخذ بالشفعة بعد ثبوت الحق فيها. وذلك بسبب نزول الورثة عنها أما أن كان المورث قد نفذ الالتزام بعدم طلب الشفعة في حياته فان تم بيع العقار ولم يطلب الشفعة فلا يكون على الورثة قيد في هذا الصدد فإذا توفر لهم سبب أخر لأخذ الشفعة خاص بهم بالنسبة للعقار الذي سبق وان نزل المورث عن حق الأخذ في الشفعة فيه فإنه يجوز لهم في الأخذ بالشفعة وأرى ان في ذلك تحقيق للعدالة باعتبار أن الوريث لا يملك أكثر من هذا الحق الذي كان يملكه المورث أساسًا(6) أما عن الخلف الخاص وهم من يتلقى من سلفه مالا معينًا أو حقًا عينيًا كان قائمًا يورثه السلف كالمشتري والموهوب له والموصى له بعين معينة ومثال ذلك من اشترى قطعة أرض وشركة استصلاح أراضي والتزام في عقد الشراء بعدم المطالبة في الشفعة عن بيع الشركة للقطع المجاورة ثم قام المشتري ببيع هذه القطعة التي اشتراها إلى مشتر ثان فهل يتقيد هذا المشتري في النزل الصادر من سلفه(7) إن الرأي السائد في الفقه أن المشتري الثاني يتقيد بالنزول الصادر من سلفه استنادًا إلى أن العقد أنشأ التزامًا وحقوق شخصية تتصل بشيء انتقل إلى خلف خاص فأن الالتزامات والحقوق إلى الخلف الخاص في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إلى هذا الخلف لأنها من مستلزمات هذا الشيء وتعتبر الالتزامات التي عقدها السلف مستلزمات الشيء إذا توافرت فيها شروط ثلاثة:
1. أن يكون الالتزام محددًا للشيء أي يقيد من استعماله أو يحد من سلطات المالك عليه.
2. أن يكون ليس في الوسع أن ينفذ عينًا إلا إذا انتقل إليه الشيء.
3. أن يكون الشيء هو محل الاعتبار في تقريره فلم تراع فيه شخصية السلف(8).
وبناءً على ذلك فإن نزول الشفيع عن الشفعة يعتبر ملزمًا للخلف.
أما موت الشفيع هل يورث الشفعة؟
ترك المشرع المصري الأمر في ذلك لاجتهاد القضاء أما القانون الأردني فانه أقر بحق الورثة بالأخذ بالشفعة إذا لم يثبت تنازل المورث عن هذا الحق باعتباره من التركة. وأرى أن الموضوع يعود لاجتهاد القضاء فقد يكون المورث راغبًا في الأخذ بالشفعة بينما لا يرغب الورثة بذلك. حيث أن هناك اعتبارات عديدة بذلك. أما في الفقه الإسلامي فهي مسالة خلافية فقد ذهب الشافعي ومالك على أن الحق في الشفعة يورث فيحل الوارث محل مورثه لأنه حق متعلق بالمال وقد ثبت لصاحبه بسبب ما يملك من عقار فإذا انتقل العقار إلى الوارث ينتقل بحقوقه وأما الإمام أحمد بن حنبل ذهب إلى أنه يورث إذا ما تمت المطالبة به كتأكيده وتحققه إما قبل المطالبة فلا يورث(9).
أما عند الحنفية فالحق في الشفعة لا يورث إذ هو إرادة ومشيئة والوارث لا يرث مورثه في رغباته لأنها صفات شخصية(10)
المطلب الثاني: عدم إيداع الثمن
إن إعلان الرغبة في القانون المدني المصري لا يكفي للمطالبة بالشفعة إنما هناك مجموعة من الإجراءات خلال المواعيد السابقة التي تم الحديث عنها في المسألة السابقة ومنها إيداع الثمن قبل إقامة الدعوى للمطالبة بالشفعة استنادًا لأحكام المادة 942/2 من القانون المدني المصري “يجب أن يودع الشفيع كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع”. والحكمة من اشتراط إيداع الثمن هو ضمان الجدية في طلب الشفعة وقطع الطريق على الضارين لكي لا يتخذ أحد من جواز أخذه العقار بالشفعة وجعله للإنذار والمساومة لذا اشترط المشرع إيداع كامل الثمن لهذا السبب.(11) إلا أن الأمر يختلط حول الثمن إذا كان صوريًا وبهذا يجب البحث والتفرقة بين فرضيتين.
أولاً: إذا كان الشفيع يطعن بالثمن بالصورية وبأنه يزيد على الثمن الحقيقي وقام بإيداع الثمن الذي قدر أنه الثمن الحقيقي عندئذ يقع عليه عبء إثبات هذه الصورية بكافة طرق الإثبات لأنه يعتبر من الغير فإن أثبتها كان إيداعه صحيحًا وإلا اعتبر متخلفًا عن الإيداع المفروض عليه مما يجعلها سببًا في سقوط الحق في الشفعة والسبب في ذلك أنه قبل المجازفة في ما اعتبره ثمنًا حقيقيًا فمن باب أولى أن يتحمل خطر هذه المجازفة.
ثانيًا: إذا كان الثمن المذكور في العقد أقل من الثمن الحقيقي الذي تم فيه البيع ويتصور ذلك عند رغبة أطراف البيع في التهرب من دفع الرسوم الخاصة بالتسجيل بالنسبة لأطراف العقد فحقه أن يتمسك بالعقد الظاهر ولا يحتج عليه بالعقد المستند إليه وشرط ذلك أن يكون الشفيع حسن النية(12).
أما إذا لم يعلم الشفيع بالثمن لعدم إنذاره أو لعدم وجود وسيلة للعلم بالثمن الذي حصل فيه البيع فهل يجازف بتقدير الثمن؟
لم يضع المشرع حًلا لهذه المسألة إلا أن محكمة النقض قد بحثت الموضوع واعتبرت أن السماح للشفيع بإكمال الثمن يعتبر صحيحًا طالما لم يتسنى له أن يعلم أو طالما لم يتم إنذاره. وأما بالنسبة للنفقات فلم يشترط المشرع المصري إيداعها وعبارة النص واضحة في ذلك.
أما في القانون المدني الأردني في المادة ( 1163 ) فلا نص على وجوب إيداع الثمن وإنما أعطى المشرع المحكمة الحق في إمهال الشفيع شهرًا لدفع ما تطلبه منه دفعه تحت طائلة السقوط وبذلك لم يشترط القانون المدني الأردني إيداع الثمن قبل إقامة دعوى المطالبة بالشفعة(13). إلا إن القضاء والإجراءات القضائية بقيت تتطلب إلزام الشفيع بإيداع الثمن باعتباره شرطًا لقبول الدعوى باعتبار أن المادة( 1448 ) والتي أوجبت مراعاة ما نص عليه في القوانين الخاصة من ذلك القانون رقم ( 51 ) لسنة 1958 المعدل للأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة والذي يشترط في المادة الثانية/ب “على الشفيع إيداع الثمن المسمى في عقد البيع نقدًا أو تقديم كفالة مصرفية- خطاب ضمان وبذلك فقد تجاوز المشرع الأردني موضوع صورية الثمن من غيره حيث أن الثمن في الشفعة الذي يشترط إيداعه هو الثمن المسمى في العقد لأن الشفعة لا تطلب إلا في الأراضي المملوكة الأمر المختلف عن الأولوية وهي في الأراضي الأميرية لثمن المثل( 14) بعد أن يودع الشفيع الثمن المسمى إلا أنني أميل لما ارتضاه المشرع المصري من اشتراط الثمن الحقيقي وذلك تضييقًا للأخذ بالشفعة وأحاطتها بالمزيد من المخاطر. لأنها على خلاف الأصل أما بخصوص النفقات التي تكبدها المشتري فهل يعتبر من الثمن أم لا ؟ اختلف الرأي في ذلك بين الفقه والقضاء كون المسألة غير واضحة في المدني الأردني إلا أن قضاء التمييز استقر على أن تملك المشفوع بحق الشفعة يكون بما قام على المشتري من الثمن والنفقات وان العبرة في مقدار الثمن إنما هو للبيان المدرج أمام مأمور تسجيل الأراضي والمصادق عليه من قبله، وان النفقات التي يلزم الشفيع بها والمبحوث عنها في المادة ( 1150) هي تلك التي يتكبدها المشتري في سبيل الحصول على المبيع ولا يعد من النفقات التي يلزم الشفيع بها ما يدفع دون التزام قانوني حين الشراء،وعليه فليس من حق المشتري مطالبة الشفيع بالسمسرة التي دفعها إلى شخص آخر حين الشراء، وارى أن من العدالة أن يضمن الشفيع السمسرة ونفقاتها إذا اثبت المشتري أنها كانت من المستلزمات الضرورية لتمام البيع في كل حالة على حده . فدفع المشتري ضريبة العقار مثلا يوجب على الشفيع دفعها بالإضافة لرسوم التسجيل ونفقاته القانونية التي يتطلبها النص القانوني أو النظام وقد استقر على ذلك اجتهاد محكمة التمييز الأردنية بقولها:”إن الاتفاق بين البائع والمشتري على أن يتحمل المشتري دفع الضريبة بالإضافة لرسوم التسجيل هو اتفاق لا يخالف القانون ويعتبر من النفقات التي قامت على المشتري والتي يلتزم بها الشفيع بالإضافة إلى الثمن إذا تضمن عقد البيع شرطًا بمضمون اتفاق كهذا وعلة ذلك أن الشفيع باعتباره من الغير بالنسبة لطرفي عقد البيع لا يكون الاتفاق المذكور حجة عليه إلا إذا ثبت في سند رسمي أو تضمنه سند رسمي مما يعتبر حجة على الناس، وبذلك فان اعتماد محكمة الاستئناف في استئناف الحق المذكور على الشهود رغم اعتراض المميز على هذه البينة في جميع المراحل تكون قد خالفت صريح نص المادة ( 7/1) من قانون البينات ويكون حكمها مخالفًا للقانون ومستوجبًا للنقض”.(15)
المطلب الثالث: عدم رفع الدعوى أو عدم إعلان الرغبة في الميعاد
حددت المادة ( 948 ) قانون مدني مصري ميعادًا للمطالبة بالشفعة مدته أربعة أشهر من يوم تسجيل العقار وذلك بقولها “يسقط الحق في الأخذ بالشفعة إذا انقضت أربعة أشهر من يوم تسجيل العقار وكذلك المادة ( 940 ) من القانون المدني المصري “على من يريد الأخذ في الشفعة أن يعلن رغبته فيها إلى كل من البائع والمشتري وألا سقط حقه في ذلك ” وكذلك نصت المادة 943 من ذات القانون على سقوط حق الشفيع في المطالبة بالشفعة بقولها” يسقط حق الشفيع إذا لم يرفع الدعوى في ميعاد الثلاثين يومًا من تاريخ إعلان الرغبة. يتبين من ذلك أن هناك مدد أربعة في القانون المدني المصري فهي استنادًا للمادة 940 خمسة عشر يومًا من تاريخ تبلغ الشفيع للإنذار الرسمي الذي يوجهه إليه البائع أو المشتري أما عن مدة الثلاثين يومًا الوارد في المادة ( 943 ) فتكون في حالة علم الشفيع بالبيع وعدم توجيه البائع إنذارًا رسميًا الرسمي تكون المدة بحقه هي ثلاثين يومًا من تاريخ عمله بتفاصيل البيع وهي مسألة إثبات إذ يتعين إثبات عمله من حيث التاريخ والمضمون؛ إما عن المدة الثالثة فهي أربعة أشهر من تاريخ التسجيل فيما لو لم يعلن البيع أو لم يتم إنذاره أو كان الإنذار باطلا لأي سبب كان في جميع هذه الحالات تكون مدة المطالبة بالشفعة هي أربعة أشهر من تاريخ عقد البيع أما بعد ذلك فلا يحق للشفيع الأخذ بالأخذ بالشفعة مطلقا( 16)ما لم يكن العقد غير مسجل رسميًا فأنها تخضع للتقادم المدني الطويل وهو خمسة عشر عامًا. أما في القانون المدني الأردني فقد اختلف الأمر فيما إذا علم الشفيع بتسجيل البيع أم لم يعلم إذا يجب التفرقة بين حالتين:
الأولى: حالة علم الشفيع اليقيني بتفاصيل عقد البيع من حيث المشتري لكي يقرر ما إذا كان يرتضي مجاورته أم لا وعلمه أيضًا بالثمن لكي يقرر فيما إذا كان مناسبًا أم لا فأن تحقق ذلك فان عمله هذا يجعل من شفعته مهددة بالسقوط إذا لم يقيد دعوى خلال ثلاثون يومًا من تاريخ هذا العلم على أن تكون هذه المدة بعد تسجيل عقد البيع لا قبله(17)
ثانيًا: إذا لم يعلم الشفيع بالبيع فإن المدة المسقطة لحق مطالبته بالشفعة هي مدة ستة أشهر تبدأ من تاريخ التسجيل وتبدأ هذه المدة تحديدًا من تاريخ دفع الرسوم .
المطلب الرابع : مسقطات أخرى
نصت المادة ( 948 /ج) على سقوط الحق في الأخذ بالشفعة “في الأحوال التي نص عليها القانون بذلك فان يبدو واضحًا أن المشرع المصري لم يحصر حالات سقوط الشفعة في نص المادة ( 948 ) وإنما أوضح ما أمكن أن يثير الخلاف حوله ولم يكن حصرًا لأسباب السقوط فهي تسقط مثًلا بمضي خمسة عشرة يومًا من تاريخ الإنذار إذا لم يبدي الشفيع رغبته بها ومضى أربعة أشهر وإذا لم يكن هنالك إنذارًا أو خمسة عشر سنة على البيع غير المسجل أو عند زوال حق الشفيع أو انتقاله إلى الغير أو إلى أي سبب يؤدي إلى تخلف السبب في الشفعة كما لو ترتب بطلان إجراء ما من إجراءاتها أو عند مخالفة أحكام الدعوى(18) وهناك أسباب لا يمكن تجاهلها مثلا كما لو تبين بطلان البيع الذي طلبت فيه الشفعة ولأي سبب كان. وكذلك يسقط الحق في الشفعة أن قبل الشفيع بتجزئة الشفعة أو المساومة عليها كما لو صرح مثلا بقبوله ثلث العقار المشفوع به دون الباقي أو كما لو طلب من المشتري عقارًا آخر بديلا عن العقار المشفوع به وقد وردت حالتي المساومة والقبول بالتجزئة في المادة ( 1160) من القانون المدني الأردني. كذلك يسقط الحق في الشفعة حتى بعد صدور القرار القضائي بذلك إذا لم يقم الشفيع بتنفيذ الحكم بعد مضي شهرين من تاريخ صيرورة القرار نهائيًا. وقد قضت محكمة التميز الأردنية بأن مساومة الشفيع للمشتري على شراء قطعة الأرض المطلوب تملكها بالشفعة لقاء ثمن يزيد عن الثمن الذي بيعت به للمشتري بموجب عقد البيع الرسمي تدل على رضا الشفيع بعقد البيع عملا بأحكام المادة ( 1024 ) من المجلة.(19) وبذلك يمكننا أن نجمل أسباب السقوط كما يلي:
1. عدم إعلان الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ الإنذار عملا بأحكام المادة ( 940 ) مدني مصري.
2. عدم إيداع كل الثمن الحقيقي الذي تم به البيع خزانه المحكمة الكائن بدائرتها العقار المشفوع فيه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة عملا بأحكام المادة 942 مدني مصري.
3. عدم إقامة الدعوى وقيدها خلال ثلاثين يومًا من إعلان الرغبة عملا بأحكام المادة 943 مدني مصري.
4. انقضاء خمسة عشر عامًا من تاريخ البيع غير المسجل في جميع الأحوال ما لم يثبت علم الشفيع اليقيني بتفاصيل عقد البيع .
5. تخلف سبب الشفعة كزوال صفة الشفيع أو انتقال الحق إلى الغير.
6. تنازل الشفيع عن حقه في الأخذ بالشفعة ولو قبل البيع، على أن هذا السبب يكون فقط وفقا لأحكام المدني المصري سواء أكان هذا النزول صريحًا أو ضمنيًا أما المدني الأردني فان التنازل عن الشفعة لا يتصور إلا بعد تمام البيع. وقد استقر القضاء على اعتبار الحالات التالية من قبيل التنازل الضمني:
أ. أن يعتبر الشفيع المشتري شريكًا على الشيوع.
ب. أن يستأجر الشفيع العقار المبيع من المشتري.
ج. أن يحيل الشفيع حق الشفعة إلى غيره لان هذه الحوالة وان كانت باطلة إلا أنها قاطعة الدلالة في العزوف عن الأخذ بالشفعة.
د. قيام الشفيع بالوساطة في البيع وتهنئته للمشتري بالصفقة.
ه. مساومة الشفيع للمشتري بان يبيعه بثمن أكثر من الثمن المعلن.
و. أن يكون الشفيع وكيلا عن المشتري أو عن البائع.
7. عدم إقامة الدعوى خلال مدة ثلاثين يومًا من تاريخ العلم اليقيني للشفيع بتفاصيل عقد البيع أو. خلال ستة أشهر من تاريخ التسجيل(20)
________________
1- تمييز حقوق 7/76 مجلة نقابة المحامين، عمان، 1976
2- طلبه خطاب ومحمد ناصر الدين، الحقوق العينية الأصلية، منشورات جامعة عين شمس، 2001 ، ص 438
3- القلاب، سليمان خليف، الشفعة في القانون المدني الأردني، عمان، المكتبة الوطنية 1995 ، ص 95
4- نص المشرع الفلسطيني في مشروع القانون المدني على هذه المسألة في المادة( 1083 ) بقوله يسقط الحق في الأخذ
بالشفعة في الأحوال الآتية:
أ. إذا نزل الشفيع عن حقه في الأخذ بالشفعة ولو قبل البيع.
ب. إذا انقضت أربعة أشهر من تاريخ تسجيل عقد البيع.
ج. في الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون
تعرضت المذكرة الأيضاحية لشرح هذه المادة لأسباب سقوط الحق في الأخذ بالشفعة، وأولها نزول الشفيع عن حقه في الأخذ بالشفعة، سواء أكان النزول وقع قبل البيع أم بعد البيع، وقد كان من المفروض أن يقع النزول بعد ثبوت الشفعة، ولكن هذه المادة أجازت للشفيع أن ينزل عن حقه حتى ولو قبل أن يتم البيع، رغبة من المشرع في تضييق الحق في الأخذ بالشفعة بعد أن حصر المشرع هذا الحق في أضيق نطاق. ورغبة منه من أن يأمن المشتري جانب الشفيع قبل أن يقدم على الشراء. “والنزول تعبير عن الإرادة، فيجوز أن يقع كتابة رسمية كانت أم عرفية، كما يصح أن يكون شفويا، ولكن يقع على من يدعي بالنزول، أن يقيم الدليل (البائع والمشتري) وفقا للقواعد العامة في الإثبات، ويصح النزول في أي وقت إلى يوم صدور الحكم بثبوت الشفعة، والنزول، قد يقع صريحا وقد يقع ضمنيا، وذلك بشراء العقار من قبل الشفيع من المشتري. كما يسقط حق الشفعة بمرور أربعة اشهر من تاريخ تسجيل عقد البيع وفي الأحوال التي ينص عليها القانون. يتطابق حكم هذه المادة مع المادة 948 من القانون المدني المصري. ” المذكرة الايضاحية لمشروع القانون المدني الفلسطيني(1) “رغم أن ذلك يخالف ما استقرت عليه محكمة التميز الأردنية في قرارها رقم 518/81/ مجلة نقابة المحامين – عمان 1982 ،ص675 ، حينما قررت ان التنازل عن حق الشفعة أما ان يكون صريحًا بإظهار الشفيع رغبته فيعدم الأخذ بالشفعة، وأما ان تكون عن طريق الدلالة بأن يوجد من الشفيع ما يدل على رضاه بعقد البيع، كما لو علم بالشراء فساوم المشتري على العقار المشفوع أو استأجره منه وانعقد إجماع الفقهاء على أنه عندما يكون إسقاط حق الشفعة صريحًا بعد وقوع البيع الرسمي فأن هذا الحق يسقط سواء أكان الشفيع قد علم بعناصر عدا البيع الرسمي من حيث مقدار الثمن ومقدار البيع أم لم يعلم لأن الشفعة حق خالص للشفيع فيملك التصرف فيه استيفاءً وإسقاطًا، أما إذا كان التنازل عن الشفعة قد وقع عن طريق الدلالة فان حق الشفيع لا يسقط ألا بالعلم بمقدار المبيع وبالثمن وبالمشتري وذلك لأن الدلالة في هذا الصدد هي دلالة الرضى بالبيع والرضى بالشيء دون العلم به محال”.وقد ورد في ذات الحكم قرار مخالفة جاء فيه:
إن الرضا بعقد البيع لا يكون إلا بعد العلم بالثمن من حيث مقداره ونوعه وبالمشتري أيضًا ويستوي بها ذلك الرضاء الصريح مع الرضا الضمني. إلا أن محكمة التميز عادت وخالفت ما استقرت عليه في قرارها السابق الذي جاء فيه: إن اجتهاد محكمة التميز بهيئتها مستقر أن إسقاط الشفعة وتبعات لذلك الأولوية نفذ بحق من صدر عنه ولو لم يعلم بالثمن والمشتري، تميز حقوق 440/87 بتاريخ 11/6/1987.
5- البدراوي، عبد المنعم، حق الملكية، الطبعة الثالثة-جامعة القاهرة، 1994 ، ص 403
6- أبو السعود، رمضان، الوجيز في الحقوق العينية الأصلية، دار الجامعة الجديدة، 2004 ، ص218
7- سعد، نبيل إبراهيم، الحقوق العينية الأصلية في القانون المصري واللبناني ، الجزء الثاني، بيروت، دار النهضة العربية، 1997 ، ص 531
8- لقد قرر المشرع الفلسطيني إن الحق في الشفعة لا يسقط بموت البائع أو المشتري والشفيع في المادة 1072 من مشروع القانون المدني حيث نص على أنه إذا ثبت الحق في الشفعة فلا يسقط بموت البائع أو المشتري أو الشفيع. وتقول المذكرة الإيضاحية في ذلك أن ثبوت الحق في الشفعة يكون وفقا للمواد التي سبقت هذه المادة، فضلا عن ذلك كله، أن يكون الشفيع قد أعلن رغبته بالشفعة أو سجلها، فإذا توافر كل ذلك، فان موت البائع أو المشتري أو الشفيع، لا يؤدي إلى سقوط الحق في الأخذ بالشفعة، وإنما ينتقل إلى الورثة، فالحق في الشفعة يورث لأنه حق متعلق بالمال ويفضي إلى تملكه وهذا قول الإمام مالك والإمام الشافعي (انظر المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الأردني الجزء الثاني ص 695) يتطابق حكم هذه المادة مع المادة 1158 من القانون المدني الأردني، والمادة 139 من مرشد الحيران (فقه حنفي).
9- طلبة، أنور، الشفعة والتحيل لإسقاطها، الطبعة الأولى، القاهرة، المكتب الجامعي الحديث، 2004 ، ص 502
10- سعد، نبيل إبراهيم، الحقوق العينية الأصلية في القانون المصري واللبناني ، الجزء الثاني، بيروت، دار النهضة العربية، 1997 ، ص 531.
11- سعد، نبيل إبراهيم، الشفعة علمًا وعملا، بدون طبعة، الإسكندرية منشأة المعارف، 1997 ، ص 113
12-سوار، محمد وحيد الدين، الحقوق العينية الأصلية، الطبعة الثانية، عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر، 1999 ،ص208
13- سوار، محمد وحيد الدين، الحقوق العينية والأصلية، مرجع سابق، ص 207
14- تميز حقوق356/88 بتاريخ 2/5/1988 م ، مجلة نقابة المحامين، 1990 ، صفحة، 1344
15- طلبه أنور، الشفعة والتحيل لإسقاطها، المرجع السابق، ص 433
16- عباسي، جلال، الخلاصة الجلية في أحكام الشفعة والأولوية، الطبعة الأولى، عمان، المكتبة الوطنية، 1994، ص 1099
17- أبو جميل، وفاء حلمي، حق الملكية والحقوق المتفرعة عنه ، الجزء الأول، حق الملكية، مكتبة النصر، الزقازيق،. 2003 ، ص 215
18- تمييز حقوق34/78 مجلة نقابة المحامين الأردنيين 1978 ، ص 572
19- القلاب، سليمان خليف، الشفعة في القانون المدني الأردني، المرجع السابق، ص 97
20- وانظر أيضًا: هرجه، مصطفى مجدي، الشفعة في ضوء أحدث الآراء وأحكام النقض، دار المطبوعات الجامعية، 1993 ، ط 2، ص 203 وما بعدها
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً