مقال قانوني بعنوان لا حاجة لإعادة تشكيل مجلس الأعيان
الدكتور ليث نصراوين
تناقلت وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية أخبارا عن قرب إعادة تشكيل مجلس الأعيان الأردني وذلك كاستحقاق دستوري قبل بدء الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة السابع عشر والتي أرجئت بإرادة ملكية سامية إلى بداية شهر تشرين الثاني بموجب أحكام المادة (78) من الدستور والتي تعطي الملك الحق الدستوري في إرجاء اجتماع مجلس الأمة في دورته العادية المقررة دستوريا في الأول من شهر تشرين أول من كل عام مدة لا تتجاوز شهرين.
إن من خلال استعراض نصوص الدستور الأردني الخاصة بتشكيل مجلس الأعيان وعلاقته بمجلس النواب نجد أنها خالية من أي إشارة إلى ضرورة حل مجلس الأعيان وإعادة تشكيله قبل بدء أي دورة عادية لمجلس الأمة. فمدة مجلس الأعيان وفقا لأحكام الدستور هي أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ صدور الإرادة الملكية السامية بتعيين أعضائه وذلك بغض النظر عن الوضع الدستوري لمجلس النواب ودورة انعقاده. فقد صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيين أعضاء مجلس الأعيان الحاليين في 25 تشرين أول 2011، بالتالي فإنه يفترض أن تستمر عضويتهم حتى عام 2015، حيث سبق أن اجتمع الأعيان الحاليون مع النواب بعد انتخابهم في دورة غير عادية تلتها دورة استثنائية، ولا يوجد ما يمنعهم دستوريا من أن يتم دعوتهم إلى الاجتماع في الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة السابع عشر في بداية الشهر القادم.
ولا ينال من هذا الرأي الدستوري أن المشرع الدستوري قد أعطى الملك الحق في أن يحل مجلس الأعيان ويعيد تشكيله في أي وقت يشاء، ذلك أن الأصل هو أن يكمل مجلس الأعيان مدته الدستورية، وأن الحل هو طريق استثنائي يجب أن لا يتم اللجوء إليه إلا في ظروف استثنائية وعند وجود مبررات دستورية أو سياسية تبرر حل مجلس الأعيان وإعادة تشكيله.
كما لا يرد القول أن إعادة تشكيل مجلس الأعيان سببه أن عدد أعضاء المجلس الحالي يقل عن نصف عدد أعضاء مجلس النواب بعد أن أسفرت الانتخابات التشريعية الأخيرة عن زيادة عدد السادة النواب إلى 150 نائبا، في الوقت الذي يقل فيه أعضاء مجلس الأعيان عن 60 عضوا وذلك بسبب استقالة عدد من السادة الأعيان من المجلس الحالي الذي تشكل من نصف عدد أعضاء مجلس النواب السادس عشر والذي بلغ عدد أعضائه 120 نائبا. فالدستور الأردني لم يشترط ابتداء أن يكون عدد الأعيان دائما هو نصف عدد النواب، إذ يمكن تعيين أي عدد من الأعيان شريطة أن لا يتجاوز عددهم نصف عدد النواب وذلك استنادا لأحكام المادة (63) من الدستور التي تنص على أن يتألف مجلس الأعيان بما فيه الرئيس من عدد لا يتجاوز نصف عدد مجلس النواب.
إن النهج الذي دائما ما تتبعه الدولة الأردنية والمتمثل في تعيين نصف عدد النواب تحديدا في مجلس الأعيان من شأنه أن يثير مشاكل في العلاقة بين مجلسي الأعيان والنواب حيث تكون نسبة عدد أعضاء مجلس الأعيان إلى عدد أعضاء مجلس الأمة في الجلسة المشتركة مرتفعة مما يمكن مجلس الأعيان المعين من إعاقة إصدار أي تشريع يقره مجلس النواب المنتخب ويرفضه مجلس الأعيان.
ففي أية جلسة مشتركة، فإن مجلس الأعيان الذي يضم في صفوفه نصف عدد النواب يشكل أعضاؤه ثلث عدد أعضاء المجلسين معا وهو ما يضمن هيمنة الأعيان المعينين على القرارات التي تصدر عن الجلسة المشتركة لمجلس الأمة والتي يشترط لصدورها أغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين استنادا لأحكام المادة (92) من الدستور. فإذا صمم مجلس الأعيان على رفض مشروع قانون معين فإنه يسقط، إلا إذا صوت مجلس النواب وبالإجماع بالموافقة عليه وهو ما يكاد أن يكون من المتعذر تحقيقه. لذا فإن مجلس النواب المنتخب لا يملك بمفرده أي يقرر مصير مشروع أي قانون يعارضه الأعيان في الجلسة المشتركة إلا إذا تكتل بصورة جماعية في مواجهة النسبة المرتفعة لأعضاء مجلس الأعيان وهو أمر لا مثيل له في أي من الديمقراطيات النيابية.
إن قيام الدولة الأردنية بإعادة تشكيل مجلس الأعيان ليضم في صفوفه نصف عدد السادة النواب على الرغم من الآثار الدستورية السلبية المترتبة على ذلك والمتمثلة في ظاهرة الثلث المعطل للجلسات المشتركة من شأنه أن يساء فهمه بأن الحكومة الأردنية تعد العدة للتصدي للتشريعات التي سبق وأن أقرها مجلس النواب وأرسلها إلى مجلس الأعيان والتي تثار حولها ضجة شعبية وإعلامية كبيرة كقانون التقاعد المدني، وأنها تحشد صفوفها لكسب معركة مشاريع القوانين التي سيتم حسمها خلال الجلسة المشتركة القادمة التي سيتم عقدها في الدورة العادية الأولى وفي مقدمتها قانون الضمان الاجتماعي وقانون الكسب غير المشروع.
خلاصة القول
وعلى ضوء الشروط التي حددها المشرع الدستوري لأعضاء مجلس الأعيان والتي عادة ما تسفر عن إعادة تعيين معظم أعضاء المجالس السابقة، فإن الحكمة الدستورية تقضي الإبقاء على مجلس الأعيان بوضعه الحالي، وأن لا يتم إعادة تشكيله وذلك لعدم الحاجة الدستورية لذلك. أما الاستحقاق الدستوري الوحيد ذات الصلة بمجلس الأعيان فيتمثل في ضرورة تعيين رئيسا له على اعتبار أن مدة رئاسته هي سنتان استنادا لأحكام الفقرة الثانية من المادة (65) من الدستور، والتي تنتهي بحق الرئيس الحالي خلال الأيام القليلة القادمة.
اترك تعليقاً