لمحات قانونية حول محاكمة رئيس الوزراء من قبل مجلس النواب
** المحامي الدكتور نوفان العجارمة
لقد تابعت ومن زاوية قانونية خالصة التحقيقات التي أجريت حول قضية الكازينو، وما أسفرت عنه من نتيجة في يوم أمس تكللت في منع محاكمة دولة رئيس الوزراء وتوجيه الاتهام لأحد الوزراء السابقين ولم يتم استكمال باقي إجراءات الاتهام بالنسبة للأشخاص الآخرين.
وهذه القضية- ومنذ بداياتها – طرحت العديد من الإشكالات القانونية التي نحاول تسليط الضوء عليها والتي تتمثل بما يلي:
أولا: لقد أعطى الدستور الحق لمجلس النواب باتهام الوزراء:
وان اعتبر الاتهام جزاء من التحقيق و لكنه لا يستغرق كل إجراءات التحقيق، ومن ثم ، فان الاستدلال وجمع الأدلة والتحقيقات الأولية التي أجريت من قبل هيئة مكافحة الفساد، هي إجراءات قانونية سليمة ، كون الهيئة جهة فنية متخصصة لديها الكفاءة العلمية والفنية اللازمة التي تمكنها من القيام بهذا الأمر ، وهذا ليس بالضرورة أن يتوفر لدى السادة أعضاء مجلس لنواب. وكثير من الأنظمة القانونية في العالم (ومنها قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني 76 لسنة 1951) تفرق ما بين التحقيق و الاتهام، ودور مجلس النواب أشبه ما يكون بدور النائب العام بالنسبة للجنايات من حيث التصديق على قرارات الادعاء العام في التحقيق الابتدائي.
ثانيا: إن الوزارة تملك حق الرد و مناقشة التحقيقات قبل التصويت على قرار الاتهام وللأسباب التالية:
1. إن المادة (92) من النظام الداخلي لمجلس النواب أعطت الحق ((للوزارة ومندوبو الحكومة في أن تسمع أقوالهم إثناء المناقشة كلما طلبوا ذلك )). وهذا النص مطلق، لم يفرق ما بين المناقشات القانونية أو السياسة أو الجنائية، والمطلق يجري على إطلاقه، عدا عن ذلك، إن إعطاء رئيس الوزراء الحق في توضيح بعض الأمور يمكّن مجلس النواب الكريم من اتخاذ قراره بعيون مفتوحة. لان جميع القرارات الصادر عن لجنة التحقيق قائمة على الأدلة المتوفرة إذ كيف يتأنى لمجلس النواب تحديد وصف الجرم ونسبته للفاعل أو إصدار قرار الاتهام أو قرار منع المحاكمة بغير وزن وتقدير لهذه الأدلة ؟؟ و الاستماع إلى أقول رئيس الوزراء يدخل ضمن سلطة مجلس النواب في وزن الدليل وليس في هذا الإجراء من جانب مجلس النواب أي تأثير أو تعارض مع دور المحكمة( المجلس العالي لمحاكمة الوزراء) في وزن البيئة وفي الخصوص يقول أستاذتنا في القانون الجنائي(أنه في مرحلة التحقيق تكون مهمة القاضي المحقق تقدير الأدلة القائمة من حيث كفايتها أو عدم كفايتها للاتهام وهي بطبيعة الحال تختلف عن مهمة قضاة الحكم الذين يجب عليهم تقدير الأدلة من حيث كفايتها أو عدم كفايتها للحكم للإدانة والتجريم، الجهة الأولى تسعى إلى ترجيع الظن والثانية تسعى إلى توكيد اليقين ولهذا فليس ثمة أي تناقض بين القرارات التي تصدرها دوائر التحقيق بالاتهام والإحالة أمام هذه المحاكم المختصة وبين القرارات التي تصدرها هذه المحاكم بالبراءة).
2. إن منح رئيس الوزراء حق الرد يدخل ضمن باب حق الدفاع: الذي كفلته كافة الشرائع السماوية و كافة الدساتير وإعلانات الحقوق و المواثيق الدولية، والتي صادق عليها الأردن ، ومن المعلوم أن هذه المواثيق و الاتفاقيات الدولية أعلى مرتبة- من حيث قوة تدرج القاعدة القانونية- من النظام الداخلي لمجلس النواب وهي أولى بالتطبيق من النظام الداخلي أن كان ثمة تعارض بينهما .
3. إن حق الدفاع يعتبر من (المبادئ العامة للقانون): حيث توجد إلى جوار القانون المكتوب في كافة مجتمعات العالم تقريباً، مجموعة من القواعد القانونية غير المكتوبة يطلق عليها اسم (المبادئ العامة للقانون)، تجسد الأفكار الفلسفية والقيم الاجتماعية القائمة في ضمير الجماعة، والمهيمنة بالتالي على الروح العامة للتشريع، أو على النظام القانوني السائد في المجتمع، يلجأ إليها القاضي عندما لا يجد حلا للنزاع المطروح أمامه في النصوص التشريعية الوضعية، ويستنبط منها ذلك الحل ويقرره في أحكامه فيكتسب بذلك قوة إلزامية، ومن ثم يصبح مصدراً من مصادر المشروعية. فالمبادئ العامة للقانون هي قواعد غير مدونة، مستقرة في ذهن وضمير الجماعة، يعمل القاضي على كشفها بتفسير هذا الضمير الجماعي العام. وتلك القواعد تمليها العدالة المثلى ولا تحتاج إلى نص يقررها. وتقضي هذه القواعد بأن من حق الشخص المتهم بالخروج على أحكام القانون أن يتمتع بالحد الأدنى من ضمانات الدفاع، وذلك بمواجهته بما هو مأخوذ عليه من تهم وما ورد بحقه من الأدلة وتمكينه من الدفاع عن نفسه ومناقشة هذه الأدلة.
ثالثا: إن رئيس الوزراء باعتباره عضوا في مجلس الأعيان يتمتع بحصان برلمانية، ومن ثم ، لا يجوز- استناد لأحكام المادة97 النظام الداخلي لمجلس الأعيان- ملاحقته جزائياً أو اتخاذ إجراءات جزائية أو إدارية خلال دورة انعقاد المجلس إلا بإذن من مجلس الأعيان، ومن المستقر فقهاء وقضاء إن الحصانة البرلمانية من النظام العام ، لا يملك رئيس الوزراء أن يتنازل عنها، وكل تنازل عنها يعتبر باطلا، لأنها ليست حقا شخصيا، بل منحت لها بصفته عضوا في مجلس الأعيان .و يترتب على هذا القول عدم قانونية الإجراءات المتخذة من قبل مجلس النواب في لو صدر قرار اتهام ضد رئيس الوزراء ، لان الاتهام يعد جزء من المحاكمة و المادة (86) من الدستور حظرت محاكمة (أعضاء مجلسي الأعيان والنواب خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة)، ولو صدر قرار اتهام لكان مخالفا لأحكام المادة (86) من الدستور.
رابعاً: في حال وجود أكثر من متهم – كما هو الحال في قضية الكازينو– هل قرار الاتهام يصدر بشكل جماعي لكافة المتهمين أم لابد من التصويت على كل متهم بشكل فردي ؟؟ طالما كانت الجرائم مختلفة وإسناد الاتهام كان مختلفا ، فان المبادئ العامة تقضي إن تحدد مسؤولية كل متهم على حده ، ولابد من أن يكون الاتهام بشكل فردي، ولا يجوز التصويت بشكل جماعي، فمن حق كل عضو من أعضاء مجلس النواب أن يعلم- قبل توجيه قرار الاتهام- ما هي الجريمة المرتكبة وما هي التهمة المنسوبة لكل متهم ، لان الملاحظ أن هناك عدد كبير من الأشخاص تم اتهامهم ، كونهم أعضاء في مجلس الوزراء ، وهناك خلط كبير ما بين مفهوم (المسؤولية السياسية لمجلس الوزراء) و المسؤولية الجنائية ، فهناك تضامن بين الفريق الوزاري من حيث المسؤولية السياسية، ولا يوجد تضامن في المسؤولية الجنائية إلا في إطار نظيرة الاشتراك ألجرمي. ولنا هدي كبير في قوله تعالى( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وقوله جل شانه: ( فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ) .
اترك تعليقاً