لمحة شاملة عن القوانين المتعلقة بالجنسية وطرق منحها في كل من المغرب وتونس ومصر وسورية ولبنان
بيروت، 2003
أ. زياد بارود
من العودة الى الدراسات المتعلقة بقوانين الجنسية المعمول بها في كل من المغرب وتونس واليمن ومصر وسورية ولبنان، نجدها تتمحور حول فكرة رئيسية وهي الهوة الواسعة بين ما تنوه به المواثيق والمعاهدات الدولية من اجل تحقيق المساواة بين البشر دون التمييز بين *** او اصل او لون او دين، وبين ما تقر به دساتير تلك الدول لجهة تحقيق العدالة والمساواة بين مواطنيها بدون اية تفرقة، هذا من جهة،
ومن جهة اخرى، بين ما هو الواقع المكرس في قوانين الجنسية في كل من البلدان المشمولة بالدراسة وتطبيقاتها؛
بحيث يتبين انها تتعارض مع مبادئ المساواة وتبرز تمييزا واضحا بين الحقوق التي يتمتع بها الرجل لا سيما لجهة منحه جنسيته بصورة حكمية الى زوجته واولاده، في حين ان المرأة لا تستطيع منح زوجها الاجنبي وحتى اولادها منه جنسيتها إلا ضمن شروط قاسية صعبة التحقيق،
اما تبرير هذا التمييز، فانه يختلف من دولة الى اخرى، فهو يكمن احيانا في اعتبارات دينية، واحيانا اخرى في اعتبارات سياسية لجهة المحافظة على السلم الاهلي، بحجة ان التساهل في منح الجنسية الى الازواج الاجانب واولاد المواطنات من شأنه ان يخلق خللا في التوازن الداخلي في البلد، مما يجعل من الاضطرابات الداخلية امرا حتميا لا يحمد عقباه.
سوف نعمد من خلال بحثنا الحاضر الى القاء نظرة شاملة على ما تضمنته دساتير كل من المغرب وتونس واليمن ومصر وسورية ولبنان لجهة تكريسها مبدأ المساواة بين المواطنين والعدالة بينهم (القسم الاول)،
لنعمد في (القسم الثاني) الى تسليط الضوء على بعض المواثيق والمعاهدات الدولية التي جاءت تتناول موضوع الغاء كافة اشكال التمييز بين الرجل والمرأة، لا سيما تلك المتعلقة لجهة منح الامرأة المتزوجة من اجنبي جنسيتها الى اولادها منه، ومدى التزام الدول موضوع بحثنا بتلك المعاهدات والمواثيق،
لنقوم في (القسم الثالث) بدراسة حول قوانين تلك البلدان الداخلية المتعلقة بالجنسية ومدى تطابقها مع المبادئ المكرسة في دساتير البلدان والمواثيق والمعاهدات الدولية.
قسم تمهيدي: التعريف عن مفهوم الجنسية
الجنسية هي صلة قانونية وسياسية تربط الفرد بدولة معينة، تنبثق منها الواجبات والحقوق المتبادلة بين الدولة ومواطنيها يستثنى منها الرعايا الاجانب.
فالجنسية صفة يتمتع بها المواطن وتمكنه من ممارسة حقوقه القانونية والسياسية وفقا للشروط المحددة بالانظمة التي تضعها الدولة لهذه الغاية.
ان حق الدولة في تنظيم طرق اكتساب جنسيتها وتحديد رعاياها وفقا لارادتها المستقلة وما تقتضيه مصالحها الاساسية هو من اهم المبادئ التي أقرتها قواعد القانون الدولي العام في مجال الجنسية واخذ به الفقه والاجتهاد القضائي الدولي وكرسته الاتفاقات والمجامع الدولية، ويستند هذا المبدأ الى اعتبارات عدة تتعلق بكيان كل دولة على حدى وممارستها لسيادتها، لذلك نجد ان الدول موضوع الدراسة الحاضرة تختلف عن بعضها فيما يتعلق بطرق منح جنسيتها الى مواطنيها باختلاف سياسة كل دولة ومبادئها وحتى معتقداتها.
القسم الاول: المبادئ العامة بشأن المساواة المكرسة في الدستور
كما سبقت الاشارة اليه، جاءت معظم دساتير الدول موضوع بحثنا الحاضر تشير وتؤكد بشكل واضح وصريح على المساواة بين الرجل والمرأة وان اختلفت العبارات وصياغة الجمل.
ففي المغرب:
جاء الدستور المغربي تاريخ 7/10/1996 يعلن المساواة بين حقوق الرجل والمرأة اذ جاء ينص في الباب الاول منه على تأمين الحريات لجميع المواطنين، واكدت مادته الخامسة ان جميع المغاربة متساوون تجاه القانون، فضلا عن ان المادة الثامنة منه جزمت بعدم وجود أي تمييز بين حقوق الرجل والمرأة عندما نصت على:
“ان كل من الرجل والمرأة يتمتع بحقوق سياسية متساوية”.
اما في تونس:
فقد نص الدستور التونسي في الفصل السادس منه على ان
“كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء امام القانون”.
وكذلك في اليمن، فقد نص الدستور اليمني على المساواة بين المواطنين كما جاء في :
“ـ المادة 24 : تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيا واقتصاديا
” واجتماعيا وثقافيا وتصدر القوانين لتحقيق ذلك.
“ـ المادة 25: يقوم المجتمع اليمني على اساس التضامن الاجتماعي القائـم
” على العدل والحرية والمساواة وفقا للقانون.
“ـ المادة 40: ان المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات عامة”.
هذا ما أقره ايضا الدستور المصري:
ففي المادة 11 منه جاء:
“تكفل التوفيق بين واجبات المرأة نحو الاسرة وعملها في المجتمع ومساواتها
“بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون
“اخلال بأحكام الشريعة الاسلامية”.
اما المادة 40 من الدستور فقد تضمنت ما حرفيته:
“المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا
“تمييز بينهم في ذلك بسبب ***** او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة”.
اما الدستور السوري لسنة 1973 فهو اكد على ان :
“المواطنون متساوون امام القانون في الحقوق والواجبات”
(المادة 25 فقرة 3).
فضلا عن انه :
“تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة
“السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتعمل على ازالة القيود التي تمنع
“تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد” (المادة 45).
ومن مراجعة الدستور اللبناني نجده يكرس مبدأ عدم التمييز بين المواطنين اللبنانيين،
بالفعل ورد في الفقرة “ب” من “احكام رئيسية في الدستور اللبناني” ما حرفيته:
“لبنان بلد عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول
“العربية وملتزم مواثيقها. كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الامم المتحدة
“وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الانسان وتجسد الدولة هذه المبادئ”.
وفي الفقرة “ج” ورد ان:
“لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي
“طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق
“والواجبات تبين جميع المواطنين دون تمييز او تفضيل”.
ونصت المادة 7 من الدستور على ما يلي:
“كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية
“ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم”.
القسم الثاني: لجهة المواثيق والمعاهدات الدولية التي ترعى الجنسية
سنعمد من خلال هذا القسم الى عرض بعض المواثيق والمعاهدات الدولية التي ترعى الجنسية وتتناول موضوع الغاء التمييز بين الرجل والمرأة لا سيما من ناحية منح الام الجنسية لاولادها وذلك في باب اول، لنعمد في باب ثان الى عرض مدى التزام الدول موضوع بحثنا بتلك المعاهدات والمواثيق، ومدى التحفظات التي ابدتها حيالها.
الباب الاول: المواثيق والمعاهدات الدولية
كثيرة هي المواثيق والمعاهدات الدولية التي ترعى الجنسية وكيفية منحها او اكتسابها وتتناول الغاء التمييز بين الرجل والمرأة.
ـ بالفعل، لقد تناولت اتفاقية الجنسية الواردة في مؤتمر تدوين القوانين المنعقد في مدينة “لاهاي” (هولندا) بتاريخ 12 نيسان 1930 في مادتها الاولى موضوع الجنسية واناطت بكل دولة امر تنظيمها، وقد جاءت تنص على ما حرفيته:
“يحق لكل دولة ان تحدد مواطنيها من خلال التشريع الخاص بها. يقتضي ان
“ترضى الدول الاخرى بهذا التشريع على ان يتوافق مع الاتفاقات والعرف
“الدوليين ومع مبادئ القانون المعترف بها إجمالا فيما يتعلق بالجنسية”.
ـ اما اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة من الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 18/12/1978، فقد اوصت في المادة التاسعة منها بضرورة:
“1ـ التزام الدول الاطراف بمنح المرأة حقا متساويا لحق الرجل في اكتساب
“جنسيتها والاحتفاظ بها او تغييرها…
“2ـ تمنح الدول الاطراف المرأة حقا متساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية
“اطفالها”.
ـ وفي المادة 15 فقرة 1 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في عام 1948 ورد ما حرفيته:
“لكل فرد حق التمتع بجنسية ما”.
ـ اما اتفاقية حقوق الطفل التي اقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة في شهر تشرين الثاني 1989 فقد ورد فيها:
“1ـ يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق
“في اكتساب جنسية…
“2ـ تكفل الدول الاطراف اعمال هذه الحقوق وفقا لقانونها الوطني او التزاماتها
“بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان ولا سيما حيثما يعتبر الطفل عديم
“الجنسية”.
ـ نذكر ايضا الاتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة المصدقة بقرار الجمعية العامة تحت الرقم 1040 تاريخ 29/1/1957، حيث جاء:
“ان الدول المتعاقدة،
“لما كانت تدرك ان من حالات تنازع القوانين عمليا على صعيد الجنسية ما يعود
“بمنشأه الى الاحكام المتعلقة بفقدان المرأة الجنسية او اكتسابها نتيجة للزواج…”
فقد اتفقت على الاحكام التالية:
“المادة 1: … لا يجوز لانعقاد الزواج او انحلاله بين احد مواطنيها وبين اجنبي،
“ولا لتغيير الزوج لجنسيته اثناء الحياة الزوجية، ان يكون بصورة آلية ذا أثــر
“على جنسية الزوج.
:المادة 2: توافق كل من الدول المتعاقدة على انه لا يجوز في حال اكتساب احد
“مواطنيها باختياره جنسية دولة اخرى… منع زوجة هذا المواطن من الاحتفاظ
“بجنسيتها”
“المادة 3: 1ـ توافق كل من الدول المتعاقدة على ان للاجنبية المتزوجة من احد
“مواطنيها ان تكتسب جنسية زوجها اذا طلبت ذلك…
“ويجوز منح هذه الجنسية القيود والتي تفرضها مصلحة الامن القومي او النظام
“العام…”.
كما نذكر الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية حيث جاء:
“تلتزم الدول الاطراف في هذا الميثاق بتأمين تساوي الرجل والمرأة في ما يتعلق
“بكافة الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا الميثاق”.
هذا وقد استعرضنا بعضا من المواثيق الدولية التي تناولت موضوع الغاء التمييز بين الرجل والمرأة فضلا عن تلك التي اختصت بدراسة الجنسية وكيفية اكتسابها،
سنقوم فيما يلي (الباب الثاني) بعرض مقتضب لمدى التزام الدول موضوع بحثنا الحاضر ببعض تلك المعاهدات والمواثيق (الف) والتحفظات التي أبدتها حيالها (باء).
الباب الثاني: انضمام الدول موضوع البحث الى المعاهدات الدولية والتحفظات عليها
الف: الانضمام والتوقيع على المعاهدات
المغرب:
لقد انضم المغرب الى الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية في 3 أيار 1979 ولم يسجل اية تحفظات عليه.
وقد انضم كذلك عام 1993 الى اتفاقية الغاء كافة اشكال التمييز في حق النساء مع ابدائه بعض التحفظات نتناولها في الفقرة باء التالية.
تونس:
بمقتضى قانون عدد 41/67 تاريخ 21/11/1967 صادقت الحكومة التونسية على الاتفاقية الخاصة بجنسية المرأة المتزوجة والاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة والإتفاقية الخاصة بالرضى للزواج والحد الادنى لسن الزواج.
وهذه المصادقة تشكل اعترافا بمبدأ عدم التمييز بين الجنسين وهو مرجع اساسي لتحقيق حقوق المرأة وضمانها والاعتراف بالمساواة بين الجنسين.
فضلا عن ذلك ان المصادقة تجعل الاتفاقية ملزمة ونافذة المفعول وتكتسي صيغة قانونية اقوى من القانون عملا بنص الفصل 32 من الدستور التونسي بعد التنظيم المؤرخ في 26/5/2002 حيث جاء:
“ان المعاهدات المصادق عليها بصفة قانونية اقوى نفوذا من القوانين شريطة تطبيقها
“من الطرف الاخر”.
وقد صادقت الحكومة التونسية ايضا على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة مع بعض التحفظات.
اليمن :
“لقد عملت الجمهورية اليمنية من منطلق الحرص والاهتمام بالانســان على
“التصديق على أغلب الاتفاقيات الدولية واعترفت المواثيق الخاصة بحقــوق
“الانسان واعتبرتها جزء من النظام العام.
“لقد صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسيـــة في 9
“فبراير (شباط) 1989م. وقد تبلورت بعض نصوص هذا العهد في دستورها
“في المواد 47 حتى 51، والذي يعتبر المواطنين جميعا متساوون في الحقوق
“والواجبات وأقر مبدأ المساواة بينهم”.
وقد صادقت اليمن على هذه الاتفاقية في 30/5/1984 والدستور اليمني في المادة /44/ لم يجز اسقاط الجنسية اليمنية عن أي مواطن يمني اطلاقا ولا يجوز سحبها ممن اكتسبها إلا وفقا للقانون، كما كفل الدستور جميع تلك الحقوق للمرأة بما لا يتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية (صفحة 5 المقطع 5).
مصر:
نصت المادة 151 من الدستور المصري على انه:
“رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب … ويكون لها قوة
“القانون بعد ابرامها…”
وقد صدقت مصر على معظم الاتفاقيات الدولية وتعترف بكافة المواثيق الدولية لحقوق الانسان لا بل تعتبرها جزءا” من النظام العام فيما لا يتعارض مع دستورها وعقيدتها.
اضافة الى مصادقتها على اتفاقية حقوق الطفل نجد ان اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة صدقت عليها مصر عام 1980 واصبحت جزءا” من البيان التشريعي المصري بموجب القرار الجمهوري رقم 434 لسنة 1981 مع التحفظ لجهة الفقرة 2 من المادة التاسعة من الاتفاقية.
لبنان:
انضم لبنان عام 1996 الى اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة في الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 8/12/1979، وذلك بموجب القانون رقم 572 المنشور في الجريدة الرسمية عدد 34 تاريخ 8/8/1996 مع تحفظ نتناوله في الباب التالي.
سورية :
صادقت سورية على اتفاقية لوزان 24/7/ 1927 واتفاقية 23 أيلول 1952 بين بعض الدول الجامعة العربية بشأن جنسية أبناء البلاد العربية المقيمين في بلاد غير التي ينتمون إليها بأصلهم كما صادقت على اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة بالمرسوم التشريعي رقم 730 تاريخ 25/ 9/ 2002.
باء: التحفظات
تماشيا مع سياساتها المختلفة ونظرتها الى الشرع والقانون ابدت معظم الدول موضوع دراستنا تحفظات على المعاهدات والمواثيق الدولية التي تناولت المساواة بين الرجل والمرأة لجهة منحها جنسيتها الى اودلاها.
فالمغرب
عند تعديله اتفاقية الغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة ابدى المغرب بعض التحفظات حول الفقرة الثانية من المادة التاسعة من الاتفاقية التي جاء فيها:
“تمنح الدول الاطراف المرأة الحقوق نفسها التي تمنح الى الرجل في ما يتعلق
“بجنسية الاولاد”.
ان التحفظات هذه تمحورت حول الواقع بأن قانون الجنسية المغربية لا يسمح للولد بالحصول على جنسية والدته الا اذا كان مولودا من اب مجهول الهوية…، او اذا كان من والد مكتوم القيد ومولود في المغرب، وذلك من اجل تأمين حق الحصول على الجنسية لكافة الاولاد.
لكنه يمكن لولد من ام مغربية واب اجنبي ان يحصل على جنسية والدته، شرط اعلان طلبه قبل عامين من بلوغه سن الرشد وان يكون مقيما بشكل منتظم في المغرب.
وقد ابدى المغرب تحفظات ايضا حول المادة الثانية من الاتفاقية (تدابير اتخذتها الدول) والفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشر (حق حرية التنقل واختيار مسكنه)، والفقرة الثانية من المادة التاسعة (حق نقل الجنسية) والمادة ستة عشرة (المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات الناجمة عن الزواج) والمادة التاسعة والعشرون (تسوية النزاع).
وقد جاءت مبررات كافة هذه التحفظات تتعلق بأسباب تراعي احكام الشريعة الاسلامية.
تونس:
اعتبرت تونس ان بعض الاحكام الواردة في اتفاقية الغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة لا تتماشى ومبادئ قوانينها الوضعية لا سيما تلك المتعلقة بالجنسية.
فأبدت تحفظات تتعلق بالفصل التاسع الخاص بجنسية الاطفال والفصل 16 المتعلق بالولاية والميراث، كل ذلك حفاظا على السلطة الابوية وحتى تتماشى مبادئ الاتفاقية مع احكام مجلة الاحوال الشخصية التونسية التي يرجع مصدرها للتشريع الاسلامي،
وسنتناول في القسم الثالث من هذه الدراسة ما تضمنته احكام المجلة المذكورة اعلاه في تونس من مبادئ وقوانين، ونكتفي هنا بالاشارة الى ان التحفظات التي ابدتها تونس حيال الاتفاقية انما هي منافية لموضوع الاتفاقية لانها تفقدها اهدافها وتفرغ محتواها وهي مخالفة للفصل 28 من الاتفاقية نفسها الذي نص على تحجيم ابداء تحفظات في شأنها، فهي تفرغ الاتفاقية من غرضها واهدافها.
اليمن:
كفل الدستور اليمني تأمين المساواة في الحقوق بين جميع المواطنين، إلا انه لا يزال يطبق قانون الجنسية الذي يعتمد على حق الدم بالنسبة للرجل دون المرأة إلا ضمن شروط قاسية جدا، وبذلك يكون القانون اليمني للجنسية يخالف دستور البلاد.
مصر:
تحفظت مصر على ما تضمنته الفقرة 2 من المادة التاسعة من اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة.
وقد اشار التحفظ الى انه يأتي:
“ومن الاخلال باكتساب الطفل لجنسية ابيه وذلك تفاديا في اكتسابه لجنسيته في حالة
“اختلاف جنسية الابوين اتقاء الاضرار بمستقبله، إذ ان اكتساب الطفل لجنسية ابيه
“هو انسب الاوضاع له ولا مساس في ذلك بمبدأ المساواة بين الرجل والمـرأة إذ
“المألوف موافقة المرأة في حالة زواجها من اجنبي على انتساب اطفالها لجنسيـة
“الاب”.
اما لبنان، وكما هي حال معظم الدول موضوع دراستنا فقد ابدى تحفظا واضحا وصريحا في اتجاه عدم التزام لبنان بالبند 2 من المادة 9 من الاتفاقية لالغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة والمتعلق بمنح المرأة حقا متساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية اطفالها، ولعل تحفظه هذا يدخل ضمن خطة سياسته في منع توطين الفلسطينيين على ارضه تماشيا مع احكام دستوره وسائر الاتفاقيات المناهضة للتوطين.
سورية :
تحفظت على المادة التاسعة من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة تمشياٍ مع سياسة جامعة الدول العربية وقرارها في منع توطين الفلسطينين .
القسم الثالث: واقع نقل الجنسية او منحها في القوانين الداخلية لكل من البلــــدان
موضوع الدراسة
من المقارنة بين قوانين الجنسية المعمول بها لدى كل من البلدان المشمولة بالدراسة الحاضرة يتبين بصورة عامة ان الزوج ينقل جنسيته الى زوجته واولاده مع بعض التمييز بين بلد وآخر بحيث ان الزوجة الاجنبية تستطيع احيانا المحافظة على جنسيتها الاصلية، مع التأكيد على ان القاعدة العامة هي ان ينقل الزوج حكما جنسيته الى زوجته الاجنبية واولادها،
اما العكس، أي امكانية الزوجة نقل جنسيتها الى زوجها الاجنبي واولادها، فهو يشكل شواذا للقاعدة المذكورة اعلاه، وتخضع عملية نقل جنسية الزوجة الى زوجها الاجنبي واولادهما لشروط كثيرة ومعقدة تجعلها صعبة المنال.
فباستثناء حالات اكتساب الجنسية بحكم القانون او بالتجنيس او باعادة اكتساب الجنسية، فان القاعدة العامة لدى جميع البلدان هي ان نقل الجنسية مثل توريث الاسم تحصل بالابوة فقط، وهي مبنية على رابطة الدم، فيعتد بحق الدم من جهة الاب كأساس لثبوت الجنسية للابن، ولم يؤخذ بعين الاعتبار رابط الدم من جهة الام،
إلا ان الوالدة المتزوجة من اجنبي فيمكنها نقل جنسيتها الى اولادها في حالتين:
ـ ان يكون والد الطفل مجهول الهوية.
ـ أن يكون والد الطفل مكتوم القيد.
بشرط ان تحصل الولادة على ارض وطن الوالدة وفي بعض الاحيان خارج هذا الوطن.
وفي ما يلي نتطرق الى هذه المبادئ على سبيل المثال في كل من تونس واليمن ومصر وسوريا.
ففي تونس مثلا نجد ان القانون التونسي جاء ليؤكد على انتقال الجنسية التونسية بالابوة بصفة مطلقة وآلية، إذ ان التنقيحات الواردة في نصوص مجلة الاحوال الشخصية ومجلة الجنسية في تونس تبرز النتائج التالية:
ـ يبقى الزوج رئيس العائلة.
ـ جنسية الاطفال هي جنسية الاب ويشترط موافقة الاب في اسناد جنسية الام.
ولا تنتقل الجنسية التونسية بالامومة إلا في:
ـ حالة الابن الغير الشرعي (وهذا ما يقره القانون اللبناني ايضا).
ـ في حال زواج التونسية بأجنبي وتمت الولادة بالتراب التونسي.
ان الاجراءات المتبعة في القانون التونسي تنتقص من ارادة المرأة بدرجة اولى ومن شأنها خلق وضعيات تضر بمصلحة الابناء خاصة اذا قررت الزوجة الاستمرار بالتراب التونسي، فهذا ينجم عنه صعوبات هامة تتعلق باقامة الاولاد مع والدتهم ويحتم على الام تجديد بطاقة الاقامة بالنسبة لابنائها مما يجعلها تعيش تحت ضغط مستمر غير مبرر…
وفي اليمن:
يتمتع بالجنسية اليمنية (المادة 3 من قانون الجنسية) :
أ ـ من ولد لأب متمتع بهذه الجنسية.
ب ـ من ولد من أم تحمل هذه الجنسية وأب مجهول الجنسية او لا جنسية له.
ج ـ من ولد في اليمن من أم تحمل هذه الجنسية ولم تثبت نسبته الى ابيه قانونا.
د ـ من ولد في اليمن من والدين مجهولين ويعتبر المولود الذي يعثر عليه في اليمن مولودا فيها ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك.
المادة 4 من القانون رقم 6 لسنة 90 والمعدل 94:
“… من ولد في الخارج من أم تحمل هذه الجنسية وأب مجهول الجنسية او
“لا جنسية له. وذلك بشرط ان يكون قد جعل اقامته العادية بصفة مشروعة
“في اليمن منذ عشر سنوات متتالية على الاقل سابقة على بلوغه سن الرشد
“وان يكون طلب اختياره الجنسية اليمنية قد قدم خلال سنة من تاريخ بلوغه
“سن الرشد”.
وقد أضيفت مادة على هذا القانون بتاريخ 5/3/2003 حيث صدر القانون رقم 4 لسنة 2003 وقد نصت المادة /10/ مكرر منه:
“اذا طلقت المرأة اليمنية المتزوجة من اجنبي او تركلها (ربما المقصود: ترك لها)
“امر اعالة اولاده منها او اصبحــت مسؤولة عن ذلك نتيجة وفاة هذا الزوج او
“جنونه او غيابه او انقطاعه عن الاقامة معهم لمــدة لا تقل عن سنة، فان هؤلاء
“الاولاد يعاملون معاملة اليمنيين من كافة الاوجه ما داموا في كنف والدتهم وحتى
“بلوغهم سن الرشد…”
اما في مصر، فيتسم موقف التشريع المصري في هذا الصدد بقدر كبير من التعقيد الذي يفصح في حد ذاته عن الاصرار المعقود على حرمان الام المصرية من حقها المتساوي مع الرجل في اكساب الابناء لجنسيتها.
فإلى جانب تحفظ الحكومة المصرية على الفقرة (2) من المادة 9 من اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة، نجد قانون الطفل يلتف على اتفاقية حقوق الطفل في احالته امر حصول الاطفال على الجنسية المصرية الى قانون الجنسية لنعود مرة اخرى الى نفس الدائرة المغلقة.
يستحق امر هذه المخالفة لروح مواد اتفاقية حقوق الطفل ان نتوقف عنده خاصة مع تمتع هذه الاتفاقية بإجماع دولي لم تصل اليه اية اتفاقية دولية اخرى.
فقد تضمنت المبادئ الرئيسية لهذه الاتفاقية إقرارا بحق الاطفال في التمتع بالحقوق المقررة في الاعلان دون تمييز، وحق الطفل في الحماية…
وتمضي هذه المبادئ لتقر حق الطفل منذ مولده في اسم وجنسية…
ان حرمان الام من حقها في اكساب الجنسية لابنائها وفقا لما انتهت اليه مواد قانون الجنسية المصري يمثل بعواقبه المختلفة انتهاكا صارخا لكل معنى توخته هذه الاتفاقية.
اضافة الى ما سبق وتقدم نجد ان القانون المصري (26 لسنة 1975) استخدم لمرة واحدة مرجعية حق الاقليم في منح الجنسية للذين يولدون لابوين مجهولين (اللقطاء)، فهؤلاء الابناء غير الشرعيين يحصلون على الجنسية بطريقة تلقائية ودون حاجة الى ام منتحلة او مزعومة.
اما في سورية،
وبالرغم من اوجه المساواة الكبيرة والكثيرة في مختلف القوانين السورية ما بين المرأة والرجل إلا انه يبقى الفارق كبير بينهما في قانون الجنسية من حيث:
1ـ اكتساب زوجة السوري جنسيته بالزواج، وكذلك اولاده بحكم الدم اينما ولدوا.
2ـ ان المواطنة السورية التي تتزوج من اجنبي او عربي، فلا يحق لزوجها واولادها ان يحصلوا على الجنسية السورية نتيجة لهذا الزواج…
“ان نقل الجنسية لا يقتصر على نقل حقوق وواجبات، انما يتعداه الى نقل انتماء”.
والتفريق بين عدم امكانية المرأة المتزوجة من اجنبي من نقل جنسيتها الى زوجها واولادها في حين ان الرجل يستطيع نقل جنسيته الى زوجته واولادهما، انما يولد لدى المرأة وفي مختلف البلدان موضوع دارستنا المقارنة، شعورا بالغبن والحرمان،
فضلا عن ان هذا التمييز ينعكس سلبا على الزوج الاجنبي وابنائه في شتى الميادين لجهة انتقاص حقوقه السياسية وتملك العقارات وخلق صعوبات جمة من ناحية الانخراط في حياة المواطنين، والتنقل من والى بلد الزوجة، وايجاد فرص عمل وغير ذلك من حقوق تجعل المرأة المتزوجة من اجنبي في حرج لعدم تمكنها من التمتع بالحقوق التي اقرتها لها المواثيق الدولية والدساتير الوطنية.
هذا ما يدفع الى اجراء المقتضى لتأمين المساواة بين الرجل والمرأة في مواضيع الجنسية إن برفع التحفظات المسجلة على اتفاقية 1979 لالغاء كافة اشكال التمييز بين الرجل والمرأة او بتعديل القوانين الداخلية للجنسية في كل من البلدان في هذا الاتجاه.
نتائج حرمان أولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي من جنسية والدتهم
من مراجعة الأحكام القضائية المشار إليها في هذه الدراسة، يتبيّن أن السواد الأعظم من الحالات التي تعالجها تبرز في الواقع الأسباب الحقيقية التي تحمل الوالدة اللبنانية على المطالبة القضائية بجنسيتها اللبنانية لأولادها، وهي أسباب تذهب إلى ما هو أبعد من المبدأ ذاته في اتجاه تكريس حقوق أخرى “ملموسة” وأكثر التصاقا بيوميات الحياة. واختصارا، سوف نستعرض أهم هذه الأسباب، من زاوية إرتداد التمتع بالجنسية على ممارسة هذه الحقوق.
أهم مفاعيل الجنسية:
1- الحقوق السياسية، ونعني بها: حق الانتخاب وحق الترشيح وحق ممارسة الوظائف العامة.
2- تملّك العقارات، حيث تملّك الأجانب يبقى مقيّدا، بالنسبة للرعايا العرب، بمساحة محددة، ومرهونا، بالنسبة لغير العرب، بالاستحصال على ترخيص مسبق بالتملّك بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.
3- مسألة الإقامة والعمل، حيث عمل الأجانب يستوجب الاستحصال على إجازة عمل، بعد استكمال معاملات الإقامة.
4- التملّك في الشركات وإدارتها، حيث قانون التجارة اللبناني يقيّد (وإن بشكل ليبرالي) حق غير اللبنانيين في تملّك الحصص والأسهم في الشركات. علما بأن إدارة الشركات من قبل أجنبي تفترض الاستحصال على إجازة عمل تستوجب أحيانا دفع كفالة مالية مرتفعة.
5- قضايا الإرث، حيث عدم المعاملة بالمثل (réciprocité) يجعل اختلاف الجنسية مانعا للإرث.
اعداد أ. زياد بارود بناء على الدراسات الوطنية التالية:
• دراسة مصر: أ. مرفت ابو تيج
• دراسة سورية: أ. لويزا عيسى
• دراسة المغرب: أ. ميشال زيراري
• دراسة اليمن: أ. سلطانة
• دراسة تونس: أ. منية العبد
• دراسة لبنان: أ. زياد بارود
و سوف يتم ادراج دراسة الاردن في النسخة المنقحة من الدراسة.
اترك تعليقاً