ماحكم المصاريف الضروريه التي انفقها المدفوع له سئ النيه؟
المحور الأول :
التقييد الاحتياطي كمعيار لإثبات سوء النية
صحيح أن حسن النية هو الأصل المفترض تشريعيا في التصرفات القانونية المبرمة من طرف المتعاقدين عملا بالفصل 477 من قانون الالتزامات والعقود. وصحيح أيضا أن المشرع حصن جميع التقييدات الواردة بالرسم العقاري لفائدة المتعاقد المقيد من أي طعن أو منازعة في مواجهته بحقوق غير مقيدة. غير أنه إذا ثبت للمحكمة خلاف الأصل المذكور في طرفي العلاقة التعاقدية أو أحدهما، فإن التقييد المدون بالرسم العقاري يصبح هو والعدم سواء بسبب فقدانه للأساس القانوني.
ذلك أن إعمال مفهوم المخالفة لمقتضيات الفصل 66 من ظهير 12 غشت 1913، يوحي بإمكان التمسك بإبطال التقييد في مواجهة الغير ذي النية السيئة، وأن إثبات سوء النية يقع على مدعيه، ويتم من خلال ثبوت العلم اليقيني بالتواطؤ الواقع بين المشتري الثاني والبائع للإضرار بالمشتري الأول، وإمكانية تحصين حقه عن طريق التمسك بالأسبقية في التقييد بالرسم العقاري. إذ إن المبدأ في التشريع العقاري يقضي بأنه لا يجوز للمشتري الأول غير المقيد المطالبة بالتشطيب على عقد شراء المشتري الثاني بعلة أنه الأسبق تاريخا، على اعتبار أن الأسبقية في التقييد هي التي تنشئ الحق في مواجهة الأطراف والغير عملا بمقتضيات المادة 77 من ظهير التحفيظ العقاري.
وقد سبق لمحكمة النقض أن استقرت على تكريس هذه القاعدة معتبرة أنه :” لا يكون أثر حتى بين المتعاقدين للاتفاقات الرامية إلى إنشاء أو نقل حق عيني عقاري إلا من تاريخ تقييدها في الرسم العقاري، ولا يمكن حصول حماية الحق العيني حتى بين المتعاقدين إلا عن طريق إشهاره بتقييده في الرسم العقاري المخصص لكل عقار، كما يستفاد ذلك من الفصل 67 من الظهير العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 والفصل الثاني من ظهير 2 يونيو 1915 المنظم للعقارات المحفظة. وعليه فإن محكمة الاستئناف تكون قد خرقت هذه المبادئ عندما قضت بقبول مطلب شركة كان يرمي إلى الحكم بشطب ما قيد في الرسم العقاري في 7 يوليوز 1949 من عقد متضمن لتفويت حقوق عينية، محرر في 7 يونيو 1949 وذلك ليتأتى للشركة الطالبة أن تقوم بتقييد عقد شرائها المحرر في تاريخ فاتح يونيو 1928 “.()
وإذا كان التقييد الاحتياطي يهدف إلى المحافظة مؤقتا على ضمان الحق بأثر رجعي منذ تاريخ إجرائه بالرسم العقاري، فإن آثاره القانونية تمتد إلى الغير الذي يفترض فيه أنه على علم به، ولو كان هذا الغير المدعي لحقوق غير مقيدة هو المشتري الأول بمقتضى عقد سابق في التاريخ على شراء المشتري الثاني.
فكيف يمكن إذن هدم قرينة حسن النية المفترضة في المشتري الثاني المقيد بالرسم العقاري؟ أو بعبارة أخرى ما هو المعيار القضائي لتحديد سوء النية من عدمه في الطرف المالك وفق بيانات الرسم العقاري؟
وجوابا عن ذلك، نشير بداية إلى الخلاف الفقهي القائم حول مسألة إثبات سوء نية الغير المكتسب لحق عيني متعلق بعقار محفظ كالتالي:
– الاتجاه الأول: يعتبر أن مجرد علم المشتري الثاني أن عقده لاحق من حيث الزمن لعقد بيع آخر سبق وأن أجراه مالك العقار، فإن ذلك يشكل قرينة كافية على توافر سوء النية وترتيب أثر عدم الاحتجاج بتسجيله.
الاتجاه الثاني: يعتبر أن مجرد علم المشتري بوجود عقد سابق بين البائع وبين مشتر آخر لا يثبت سوء نيته، بل إن المشتري الأول هو الذي أهمل وتراخى في تسجيل حقه بالرسم العقاري. إلا أنه يشترط لثبوت سوء النية لدى المشتري الثاني تحقق العلم عند تسجيل حقه العيني بالعيوب والشوائب التي تشوب سند أو رسم من تلقى الحق عنه.
الاتجاه الثالث: يعتبر أن مجرد العلم وحده بسبقية الشراء غير كاف لثبوت سوء نية المشتري الثاني، بل يجب أن يقترن هذا العلم بوسائل تدليسية، أو وجود تواطؤ بين المشتري والبائع من أجل الإضرار بحقوق المشتري الأول.
أما بخصوص محكمة النقض فقد اعتبرت أنه ” لا يمكن اعتبار المشتري الثاني لعقار محفظ سيئ النية ما دام التقييد الاحتياطي للمشتري الأول تم في نفس اليوم الذي وقع فيه الشراء الثاني ” ().
ويستفاد من هذا القرار أن قيام المشتري الأول بإجراء تقييد احتياطي لضمان الحق مؤقتا على الرسم العقاري، يعتبر قرينة قانونية قاطعة على ثبوت سوء نية المشتري الثاني الذي تعامل بشأن العقار المحفظ محل النزاع رغم كونه مثقلا بالتقييد أعلاه، ويكون بالتالي معفى من إثبات سوء نية هذا الأخير إعمالا لمقتضيات الفصل 453 من ق.ل.ع التي تنص على أن ” القرينة القانونية تعفي من تقررت لمصلحته من كل إثبات. ولا يقبل أي إثبات يخالف القرينة القانونية “.
كما أكدت نفس المحكمة () هذا الاتجاه معتبرة أن الشهادة الصادرة عن المحافظ والتي تشير إلى وجود تقييد احتياطي كافية لاعتبار المشتري سيء النية، بحيث إن هذه الشهادة تفيد وجود نزاع حول العقار المثقل به، وتجعل المشتري سيئ النية ويجب أن يتحمل عواقب سوء نيته.
وترتيبا على ما أشير إليه أعلاه، يتضح أن إجراء تقييد احتياطي بالرسم العقاري يعتبر دليلا كافيا على سوء نية المشتري الثاني الذي تعامل بشأن العقار المحفظ مثقلا بالتقييد المذكور.
ونعتقد أن هذا التوجه القضائي محل نظر من الناحية القانونية، على اعتبار أن هذه القرينة القضائية ليست مطلقة في إثبات سوء النية، وإنما نسبية فقط، لأن الأمر يتوقف على تحديد طبيعة التقييد الاحتياطي المشار إليه في الرسم العقاري وما إذا كان مؤسسا على سند أو على أمر قضائي، أو مقال للدعوى.
ومعنى ذلك، أنه إذا تعلق الأمر بتقييد احتياطي بناء على سند أو على أمر قضائي، فإن مفعول التقييد المذكور ينقضي وبقوة القانون، بانصرام أجل عشرة أيام بالنسبة للأول، وثلاثة أشهر بالنسبة للثاني. ويترتب عن ذلك لزوما انتفاء سوء نية الغير المقيد لاحقا للتقييد الاحتياطي بمجرد انتهاء الأجل، وبعد أن يتعذر على المستفيد منه إنجاز التقييد النهائي للعقد داخل الأجل أعلاه. بل قد يكون سوء النية غير موجود أصلا منذ تقييد الغير للعقد في تاريخ لاحق للتقييد الاحتياطي الذي انقضت مدة صلاحيته، وزال بالتالي مفعوله القانوني في حفظ الحق بأثر رجعي.
أما إذا تعلق الأمر بتقييد احتياطي بناء على مقال، فإن قرينة سوء النية تكون قاطعة طالما أن الغير قد قيد حقه في وقت لازال القضاء لم يفصل في المقال المبني عليه بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وتكون تلك القرينة نسبية في حالة وقوع التقييد بعد صدور الحكم المذكور بعدم الاعتراف بالحق المدعى به من قبل المستفيد من التقييد الاحتياطي، لأن مجرد بقاء هذا الأخير مقيدا بالرسم العقاري لا يعني أن الغير المقيد بعد ذلك سيء النية، ما دام أن التقييد المذكور أصبح هو والعدم وسواء من الناحية الواقعية استنادا لقوة الشيء المقضي به.
ونعتقد أن المعيار الذي يتعين اعتماده لإثبات سوء نية الغير المتلقي للحق العيني بالرسم العقاري يتجلى في ضرورة توافر التواطؤ لدى المشتري الثاني، أو نية الإضرار بالدائن، انطلاقا من القرائن القوية والمنضبطة مع ظروف ووقائع كل نازلة على حدة، والذي يجب أن تستخلصها المحكمة المعروض عليها النزاع بما لها من سلطة تقديرية في هذا المجال دون رقابة عليها من طرف محكمة النقض في هذا الإطار.
وهذا ما اكدته محكمة النقض في أحد قراراتها الصادر بغرفتين مجتمعيتن معتبرة أن عنصر العلم بالبيع السابق واقعا ثابتا ينفي حسن نية المشتري الثاني. والمحكمة استخلصت عنصر سوء نية المشتري الثاني إقدامه على التقييد الاحتياطي بالرسم العقاري المبيع والحال أن هذا الأخير مثقل بتقييد احتياطي قبله.
كما نشير أيضا إلى أن مسألة إدخال المشتري الثاني في الدعوى الذي يقيمها المشتري الأول ضد البائع لهما، يمكن أن يشكل وسيلة لإعلامه بأسبقية شرائه، وينفي عنه حسن النية المفترض فيه طالما أنه توصل بمقال الدعوى قبل تقييد شرائه بالرسم العقاري، ودون حاجة من المشتري الأول إلى تقييد مقال الدعوى احتياطيا ما دامت قرينة العلم بالبيع قد تحققت.
المحور الثاني :
الحجـــز العقـــــاري كمعيـــار لإثبـــات ســــوء النيــــة
تجدر الإشارة إلى أن العمل القضائي قد اعتبر الموهوب لها سيئة النية لكون الهبة المنجزة لفائدتها قد جاءت بعد علم الطرفين الواهب والموهوب له بوقوع الحجز على الدار محل الهبة. ولا يمكنها تبعا لذلك الاستفادة من حجية التسجيل بالاستناد إلى أن التصرف قد تم تقييده وأنه لا يمكن إبطاله، لأن قاعدة ثبات التصرف وعدم إبطاله مقررة لصالح الغير حسن النية إعمالا لمفهوم المخالفة لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري.
ويتعلق الأمر بكون زوجة استصدرت حكما ضد زوجها قضى لها بالنفقة، وباشرت إجراءات التنفيذ ضده، وحصلت على حجز تحفظي انصب على دار موضوع رسم عقاري، ثم قامت بتحويله إلى حجز تنفيذي، ووقع تبليغ المحجوز عليه بمحضر الحجز التنفيذي دون تبليغ المحافظ بذلك، الشيء الذي جعل مالك العقار يبادر إلى إنجاز هبة إلى زوجته الثانية، ويقوم بتقييد عقد الهبة في الرسم العقاري الخالي من أي إشارة إلى الحجز المذكور.
وقد جاء في معرض حيثيات قرار محكمة النقض() ما يلي :
” … لكن ردا على الوسائل أعلاه مجتمعة، فإنه لا مجال للاحتجاج بالفصل 440 من قانون المسطرة المدنية والفصول 1 و 64 و 65 من قانون التحفيظ العقاري، ما دام أن الانتقاد موجه للإجراءات السابقة للحجز التنفيذي التي لا صفة للطاعنة في إثارة ذلك لأنها ليست منفذا عليها. وأن الثابت من مستندات الملف وعلى الخص رسم الهبة أن هذا الأخيرة انصبت على الرسم العقاري عدد 6991/11 أي على عقار محفظ وبالتالي يترتب عن ذلك قابلية التشطيب على الحق المسجل إذا توفرت شروط ذلك، وأن القرار المطعون فيه حين أيد الحكم الابتدائي يكون قد تبنى تعليلاته التي جاء فيها :
” إن عقد الهبة أنجز في الوقت الذي كان فيه المنزل موضوع الهبة محجوزا حجزا تحفظيا ووقع تحويله إلى حجز تنفيذي. وأن التفويت تبرعا أو بعوض مع وجود الحجز يكون باطلا وعديم الأثر طبقا للفصلين 453 و475 من قانون المسطرة المدنية طالما أن تبليغ الحجز للمنفذ عليه قد وقع صحيحا. وأنه لا يلتفت إلى تقييد الهبة في الرسم العقاري لكونها باطلة للسبب المذكور من جهة ولأن الهبة المنجزة لفائدة المدعية قد جاءت بعد علم الطرفين الواهب والموهوب له بوقوع الحجز على الدار محل الهبة وبذلك تعتبر الموهوب لها سيئة النية ولا يمكنها تبعا لذلك الاستفادة من حجية التقييد بالاستناد إلى أن التصرف قد تم تقييده وأنه لا يمكن إبطاله، ذلك لأن قاعدة ثبات التصرف وعدم إبطاله مقررة لصالح حسن النية فقط وهو ما يستفاد من المفهوم المخالف للفقرة الثانية من الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري “.
ويلاحظ من خلال حيثيات القرار أعلاه أنه اعتمد أساسين قانونيين لإبطال عقد الهبة والتشطيب عليه من الرسم العقاري. الأول يتمثل في كون الهبة أنجزت بعد إجراء الحجز، والثاني يتجلى في علم الواهب والموهوب لها بالحجز، واعتبر بالتالي هذه الأخيرة سيئة النية.
ونعتقد أن إعمال مقتضيات الفصل 475 من ق م م وحده كاف لترتيب أثر البطلان على عقد الهبة المنجز بعد تبليغ المحجوز عليه بالحجز التنفيذي، ولا حاجة للبحث في علم الموهوب لها بالحجز من عدمه حتى يمكن اعتبارها سيئة النية، طالما أن هناك منعا تشريعيا للمنفذ عليه من إجراء أي تفويت في العقار بمجرد تبليغه بالحجز تحت طائلة البطلان. إذ إن تحقق العلم الخاص بالحجز التنفيذي لدى المدين المحجوز عليه يجعل جميع التفويتات التي يجريها بشأن العقار المحجوز باطلة بنص القانون. وأن الغير الذي تلقى الحق من المحجوز عليه، وقام بتقييد عقد الشراء، أو الهبة بالرسم العقاري لا يحق له التمسك بحسن نيته في اكتساب الحق لتحصين حقوقه، على اعتبار أن العقد الرابط بينه وبين المدين باطل منذ تاريخ إنشائه، وأن الباطل باطل لا يصحح بالتقييد تأكيدا لقاعدة المعدوم حسا كالمعدوم شرعا، ومن ثم فإن اعتبار القرار أعلاه أن الموهوب لها سيئة النية استنادا إلى علمها بالحجز العقاري هو تعليل زائد ومنتقد في النازلة المذكورة، بدليل أن هذا الاستنتاج الذي خلصت إليه المحكمة يترتب عنه الإبطال، وليس البطلان. وأنه مادام قد ثبت سبب من أسباب البطلان المنصوص عليه في الفصل 475 من ق م م، فإن ذلك يغني المحكمة عن البحث عن القرائن القضائية من ظروف ووقائع النازلة المعروضة عليها لاستخلاص سبب من أسباب الإبطال المتمثلة في حصول علم الموهوب لها بوقوع الحجز التنفيذي قبل إنجاز عقد الهبة.
ومن جهة أخرى، فإن جزاء “البطلان” الوارد ضمن مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 453 من ق م م قد أثار جدلا فقهيا وقضائيا نعرض له كالتالي :
الاتجاه الأول: يعتبر أن الجزاء المشار إليه في آخر الفصل 453 يحدد علاقة التصرف بالحاجز لا بأطراف التصرف في حد ذاتهم، وأن مفهوم الباطل يعد لفظا زائدا، لأن مناط إعماله يقتضي إنشاء التزام بين طرفين على الأقل واعتبر أن التصرفات الواردة على العقار المحفظ صحيحة وقائمة بين أطرافها ولكنها غير نافذة في مواجهة الحاجز، ويتعين على المحافظ على الأملاك العقارية تقييدها ويبقى العقار مثقلا بالحجز إلى حين تحويله إلى حجز تنفيذي أو رفعه من طرف المحجوز عليه.
الاتجاه الثاني(): يعتبر أن هذا الرأي غير سليم استنادا إلى مقتضيات الفصل 87 من ظهير 12 غشت 1913 التي توجب تبليغ كل أمر رسمي بحجز عقاري إلى المحافظ العقاري الذي يقيده بالرسم العقاري، وابتداء من تاريخ التقييد المذكور لا يمكن أن يباشر بشأن العقار أي تقييد جديد خلال مدة جريان مسطرة البيع الجبري، مضيفا أن هذا النص صريح في منع المحافظ من إجراء أي تقييد جديد بعد الحجز.
ونعتقد عن حق ما ذهب إليه الرأي الأول الذي يستند على اجتهاد محكمة النقض الظاهر من حيثيات أحد قراراتها كما يلي:
” بناء على الفصل 453 من ق م م، فإن التصرفات التي يجريها المحجوز عليه والضارة بالغير هي التي تكون باطلة، أما التصرفات التي لم يتضرر منها الغير فتبقى صحيحة وتنتج آثارها بين الطرفين، ولهذا فإن المحكمة لما اعتبرت أن بيع المحجوز يعد باطلا حتى بالنسبة للعلاقة بين طرفي العقد تكون قد عللت قضاءها تعليلا فاسدا موازيا لانعدام التعليل وعرضت قضاءها للنقض ” ().
ومن جهة أخرى، فإن استناد الرأي الثاني إلى مقتضيات الفصل 87 للتمسك بالبطلان المنصوص عليه في الفصل 453، يفتقر إلى المنطق القانوني، ويحمل مقتضيات الفصل المستدل به أكثر مما يحتمل في صياغته التشريعية التي جاءت واضحة الدلالة لا من حيث الألفاظ والمباني، ولا من حيث المقاصد والمعاني، بدليل أن المنع التشريعي الوارد في الفصل 87 هو منع إداري يمنع المحافظ فقط من إجراء أي تقييد جديد بعد تقييده للحجز، ولا يمكن أن يرقى بأي حال من الأحوال إلى اعتبار التفويتات التي وقعت بعد التبليغ بالحجز باطلة.
ومؤيدنا في ذلك، أن قضاء محكمة النقض قد تواتر في العديد من قراراته على اعتبار أن البائع أو خلفه العام ملزم بتطهير الرسم العقاري من الحجز العقاري المثقل به وتقييد عقد شراء المشتري لنقل الملكية، مؤكدا بذلك على صحة العقد الرابط بين الطرفين طالما أن أحدا من الغير لم يتضرر من تصرف المدين المحجوز عليه .
وهذا ما كرسته حيثيات أحد قراراتها كما يلي:
” لكن حيث إن التصرفات التي يجريها المحجوز عليه والضارة بالغير هي وحدها التي تكون باطلة، أما إذا لم يتضرر أحد من الغير من تصرف المحجوز عليه فيبقى التصرف صحيحا وينتج مفعوله بين الطرفين. وبما أن الطالبين هم خلفاء للهالك في العقار محل النزاع فلا حق لهم في التمسك بالحجز كسبب لإبطال العقد لأنهم ليسوا من الغير وحلوا محل الهالك كطرف في العقد، ولا يمكنهم التحلل من موروثهم بدعوى الحجز على العقار المبيع “. ()
المحور الثالث:
الصورية كمعيار لإثبات سـوء النية
ينص الفصل 22 من ق.ل.ع على ما يلي: ” الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا في ما بين المتعاقدين ومن يرثهما. فلا يحتج بها على الغير إذا لم تكن له علم بها. ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل “.
ويطرح إثبات سوء النية لدى الغير المكتسب لحقوق عينية على الرسم العقاري إشكالا يتعلق بأحقية الدائن في طلب إبطال التصرفات التي يجريها مدينه من أجل تهريب أمواله التي تعتبر ضمانا عاما لدائنيه. فهل يعتبر الخلف الخاص ( المفوت له ) للمدين ( البائع ) غيرا سيء النية تطبيقا لمقتضيات الفصل 1241 من ق.ل.ع ؟
إن الجواب على ذلك، يقتضي منا استعراض موقف العمل القضائي حول هذه المسألة، ورصد موقف محكمة النقض من خلال قراراتها الصادرة في هذا الشأن، ومدى افتراض الصورية() في مثل هذه التصرفات، أو وجوب الإثبات من طرف مدعيها تطبيقا للقاعدة العامة القائلة أن إثبات الادعاء يقع على عاتق مدعيه، وتحديد طبيعة الدعوى المرفوعة من طرف الدائن باعتباره غيرا ( الفقرة الأولى )، ثم الحديث عن المعايير القضائية لاستخلاص الصورية ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى:
طبيعة دعوى الصورية
أولا: طبيعة دعوى الصورية
إذا كان المشرع المغربي قد أشار إلى دعوى الصورية ضمن الفصول 22 و 419 و926 من ق.ل.ع ورتب جزاء عدم الاحتجاج بالاتفاقات السرية على الغير، ما لم يقع الدليل على أنهم كانوا يعلمون بها عند العقد فإن الإشكال حول الطبيعة القانونية للدعوى الواجب على الدائن رفعها في مواجهة أطراف التصرف الذي أضر بحقوقه الثابتة تجاه المدين. فهل يقتصر الدائن على رفع دعوى عدم نفاد التصرف في مواجهته، أم يجب عليه رفع دعوى إبطال التصرف المبرم من طرف المدين بهدف تنظيم إعساره والإضرار بحقوق الدائن؟
نورد في هذا السياق وقائع نازلة تتعلق بكون بنك الوفاء سبق له أن تقدم إلى المحكمة التجارية بالدار البيضاء بطلب يرمي إلى إبطال عقد البيع وبعدم مواجهته به بوصفه غيرا عن أطرافه ودائنا للطرف البائع، والحكم على المحافظ العقاري بالتشطيب عليه، فأصدرت بشأنه حكما برفض الطلب، وتم تأييده من محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بعد إجرائها بحثا حول موضوع العقار المبيع، على أساس أن هناك فرقا شاسعا بين دعوى الإبطال من أجل الصورية، والدعوى البوليانية غير المنصوص عليها تشريعيا، وأن الفصل 1241 من ق.ل.ع لا ينص على الإبطال، وأنه كان على البنك أن يطالب بعدم نفاذ تصرف المدين في حقه بدل أن يطالب بإبطال البيع.
غير أن محكمة النقض() قضت بنقض قرار محكمة الاستئناف بناء على التعليل التالي : ” حيث التمس البنك الطالب من المحكمة التصريح بإبطال عقد البيع المبرم بين المطلوبين، وبعدم مواجهته به، لما لهذا التصرف من إنقاص للذمة المالية لمدينه البائع، ولكون البنك غيرا بالنسبة لهذا العقد الصوري تبعا للفصلين 22 و1241 من ق.ل.ع، فأصدرت محكمة الاستئناف قرارها بتأييد الحكم الابتدائي القاضي برفض الطلب، ودون أن تناقش توفر عناصر الصورية من عدمها معتبرة ” أن الإبطال لا يكون له محل طبقا لمقتضيات الفصل 311 من ق.ل.ع إلا في الفصول 4 و 39 و 55 و 56 منه أو في حالات أخرى يحددها القانون، والفصل 1241 المتمسك به لا ينص على الإبطال حتى يعتبر من حالاته التي نص عليها القانون، فكان على البنك المستأنف أن يطالب بعدم نفاذ تصرف المدين في حقه كدائن، لا أن يطالب بإبطال البيع”، في حين، وما دام الفصل 311 المذكور يشير إلى الحالات الأخرى التي يحددها القانون، فإن الفصل 1241 المذكور، وإن لم ينص صراحة على إبطال التصرفات المؤدية لإضعاف الذمة المالية للمدين تجاه دائنيه، لما اعتبر أن جميع أموال المدين تشكل ضمانا عاما، فإن مؤداه هو المطالبة بإبطال هذه التصرفات، إن أثبت الدائن صوريتها، أما ما أتى به القرار من لزوم المطالبة بعدم نفاذ تصرف المدين في حق دائنه، فإنه علاوة عن أن البنك التمس في مقاله الافتتاحي الحكم كذلك بعدم مواجهته بعقد البيع الصوري، فإن ما ذكر يهم الدعوى البوليصية التي هي دعوى عدم نفاذ التصرف المدين في حق دائنه، غير المنظمة من طرف المشرع المغربي، وبذلك جاء قرارها متسما بفساد التعليل المنزل منزلة انعدامه مما يعرضه للنقض “.
وترتيبا على ذلك، يبقى نفس السؤال مطروحا بخصوص وجوب إعداد زوج المدين الخاضع للتسوية أو التصفية القضائية جردا بأمواله الشخصية وفق قواعد نظام الزواج الذي يطبق عليه()، لا سيما أن المادة 677 من مدونة التجارة قد خولت للسنديك أن يطلب بعد إثباته بكل الوسائل أن الأملاك التي يملكها زوج المدين أو أبناؤه القاصرون قد اشتريت بقيم دفعها هذا الأخير، ضم تلك الممتلكات إلى باب الأصول، الشيء الذي يطرح إشكالية الحماية القانونية لحقوق الأغيار المقيدين بحسن نية بالرسم العقاري. فهل يمكن للسنديك طلب إجراء تقييد احتياطي للدعوى الموجهة ضد الولي الشرعي الخاضع لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية حتى تتأتى له المحافظة على حقوق الدائنين بأثر رجعي؟ وما هي الآثار المترتبة عن تفويت القاصرين لعقاراتهم المحفظة بعد الحكم المذكور؟
نعتقد أن دعوى السنديك الرامية إلى ضم أموال القاصرين إلى أصول المدين الخاضع لمسطرة التسوية أو التصفية شأنها شأن باقي الدعاوى العقارية الرامية إلى استحقاق حق عيني عقاري، ولا يمكن أن يحتج بها في مواجهة الأغيار إلا من تاريخ تقييدها احتياطيا عملا بمقتضيات الفصل 202 من ظهير 2 يونيو 1915. ومن ثم فإن إغفال القيام بهذا الإجراء يترتب عنه إهدار حفظ الحق بأثر رجعي عند التقييد النهائي للحكم الذي يمكن أن يصدر وفق طلب السنديك، الأمر الذي يلحق بالتالي الضرر بالدائنين الذين يعولون على قيمة أصول المدين.
ذلك أن القاصرين المالكين المقيدين بالرسم العقاري يمكنهم تفويت حقوقهم إلى الأغيار الذين يسجلون بحسن نية بعد الحكم بالتسوية أو التصفية القضائية، فتتحصن حقوقهم من الطعن فيها طبقا للمادة 678 من مدونة التجارة. إذ إن صلاحية السنديك في طلب ضم أموال القاصرين إلى الأصول، لا يمكن أن تمتد إلى الغير الذي انتقلت إليه تلك الحقوق طالما أنه يجهل وضعية سلفه، ويتمسك بقرينة حسن النية المفترضة فيه تشريعيا.
لذلك، فإن تحقيق الحماية للمقاولة وللدائنين يقتضي من السنديك الإسراع بضرورة تقييد مقال الدعوى المذكورة احتياطيا بالرسم العقاري، حتى تتأتى الاستفادة من مزية الأثر الرجعي في حفظ الحقوق من جهة، وهدم قرينة حسن النية المفترضة في الغير الذي يقيد حقوقه في رتبة لاحقة على التقييد الاحتياطي المنجز من طرف السنديك.
الفقرة الثانية:
المعايير القضائية لاستخلاص الصورية
لقد اعتبرت محكمة النقض() في أحد قراراتها أن الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد المنشئ لها، فهي لا تنتج أي أثر في مواجهة الغير إلا في الأحوال المحددة قانونا. أو بعبارة أخرى، فإن التصرفات التي يبرمها المدين قصد تنظيم إعساره من خلال تفويت حقه إضرارا بالغير (الدائن)، تجيز لهذا الأخير الطعن فيها أمام القضاء، والمطالبة بإبطالها استنادا إلى الصورية. وهذا ما يتضح صراحة من خلال حيثياته كالتالي:
” إنه بمقتضى الفصل 1241 من ق.ل.ع فإن أموال المدين ضمان عام لدائنيه كما أنه بمقتضى الفصل 228 من نفس القانون فإن الالتزامات لا تلزم من كان طرفا في العقد فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون، ومن ثم فإن الغير الذي أضرت الاتفاقيات التي يبرمها مدينه به قصد تفويت حقه يبقى من حقه الطعن قضائيا في تلك الاتفاقيات بالصورية “.
ومعنى ذلك، أن الدائن الطاعن في الاتفاقات المبرمة من طرف المدين مع الغير الذي اكتسب بمقتضاها حقا عينيا بالرسم العقاري، ملزم بإثبات الصورية التي يدعيها بجميع الوسائل وفق القواعد العامة للإثبات بما فيها القرائن القوية المنضبطة المتلائمة مع ظروف ووقائع النازلة المعروضة على المحكمة عملا بمقتضيات الفصل 419 من ق.ل.ع (). وهذا ما أكدته محكمة النقض في إحدى النوازل معتبرة أن إبرام عقد الهبة بعد صدور الحكم على المدينة الأصلية بحكم نهائي يشكل قرينة قوية على أن إرادة الواهب الكفيل للمدينة المذكورة انصرفت إلى إبعاد الملك من ذمته المالية للظهور بمظهر المعسر والتهرب من المتابعات القضائية ضده، مؤكدة من خلال حيثياتها ما يلي:
” إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عندما ألغت الحكم الابتدائي الذي أبطل عقد الهبة وقضت من جديد برفض الطلب معتبرة أن الهبة المذكورة تمت قبل وقوع مطالبة الدائن الكفيل بالدين وأن على البنك الطاعن إثبات أن المطلوب تصرف في عقاره إضرارا به، في حين أن الفصل 1241 من ق.ل.ع ينص على أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه وأن إبرام عقد الهبة بعد صدور الحكم على المدينة الأصلية ابتدائيا واستئنافيا يستشف منه أن إرادة الطاعن كانت تهدف إلى إبعاد الملك من ذمته المالية للظهور بمظهر المعسر والتهرب من المتابعات القضائية ضده بصفته كفيلا للمدينة الأصلية، تكون قد جعلت قرارها الذي رفض الطلب بالعلة المذكورة فاسد التعليل الموازي لانعدامه وغير مرتكز على أساس وعرضته للنقض “.
ويستفاد من توجه القرار أعلاه، أنه أعفى الدائن من إثبات الضرر المنصوص عليه في الفصل 228 من ق.ل.ع، واعتبر أن الهبة المنجزة بين الكفيل وابنه بعد الحكم على المدين الأصلي قرينة كافية على نيته لإخراج أمواله من الضمان العام المخول لدائنيه طبقا للفصل 1241 من ق.ل.ع، ورتب على ذلك القول بصوريتها.
وغني عن البيان أن السؤال الذي يفرض نفسه يتمثل في مدى إمكانية تقييد دعوى الدائن الرامية إلى إبطال التفويت للصورية تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري عملا بمقتضيات المادة 13 من مدونة الحقوق العينية؟
نعتقد أن تحقق الحماية الكاملة للدائن في المحافظة على أملاك المدين باعتبارها ضمانا عاما طبقا للفصل 1241 من ق.ل.ع، يقتضي وجوبا تقييد مقال هذا النوع من الدعاوى تقييدا احتياطيا، على اعتبار أن مصلحة الدائن هي وحدة لا تقبل التجزئة بين رفع الدعوى وإجراء التقييد الاحتياطي، إذ لا يعقل أن تكون له المصلحة في التقاضي ضد المدين والمفوت إليه استنادا للصورية، دون أن تتوفر لديه نفس المصلحة في طلب تقييد مقال الدعوى احتياطيا. ومن ثم نخلص إلى القول بأن الدائن تكون له الصفة والمصلحة في طلب تقييد منطوق الحكم القضائي ببطلان أو إبطال التفويت المبرم بين المدين والمفوت إليه، وممارسة كافة المساطر المخولة إياه قانونا على عقار المدين المفوت إلى الغير من أجل إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه وذلك بجعله في اسم المدين قصد استيفاء ديونه من منتوج بيعه بالمزاد العلني.
المحور الرابع:
الإعلان عن الشفعة كمعيار لسوء نية المشفوع منه
إن السؤال المطروح في هذا الصدد يتعلق بالوقت الذي يصبح فيه المشفوع منه سيء النية وتطبق عليه أحكام الباني والغارس بسوء نية طبقا للمادة 237 من مدونة الحقوق العينية؟
وجواب على ذلك، نجد المشرع المغربي قد عرف الشفعة بمقتضى المادة 292 من مدونة الحقوق العينية بأنها: ” أخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات العقد اللازمة والمصروفات الضرورية والنافعة عند الاقتضاء “.
وأضافت مقتضيات المادة 308 من نفس المدونة على أنه ” إذا أضاف المشفوع منه شيئا في الحصة المشفوعة من ماله بأن بنى أو غرس فيها فإن قام بذلك قبل إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة طبقت الأحكام المتعلقة بالبناء والغرس في أرض الغير بإذنه أو شبهة ملك، أما إذا قام بذلك بعد إعلان الرغبة في الشفعة فتطبق الأحكام المتعلقة بالبناء والغرس في أرض الغير دون إذن “.
ويستفاد من هذا المقتضى التشريعي، أن المشفوع منه يصبح سيئ النية من تاريخ توصله بالإعلان عن الشفعة وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 304 من نفس المدونة أعلاه، ويخضع بالتالي للأحكام المنصوص عليها ضمن المادة 237 من نفس المدونة.
ومعلوم أن الإعلان عن الرغبة في ممارسة الشفعة من طرف الشفيع يعتبر من الإجراءات الأساسية التي تنبني عليه بقية الإجراءات الأخرى التي لا يمكن اتخاذها في غيبته، وهو تعبير عن إرادة الشفيع في أن يأخذ الحصة المبيعة من مشتريها .
وبما أن الإعراب عن الإرادة المنفردة لا يكون له أي أثر في مواجهة الطرف الآخر في عملية الشفعة إلا إذا بلغ له بصورة قانونية، فإن الإعلان عن الشفعة يجب أن يتم داخل الآجال ووفق الشكلية المحددة قانونا حتى يمكن اعتبار الشفيع قد مارس حق الشفعة في مواجهة المشفوع منه بطريقة صحيحة من الناحية القانونية عملا بمقتضيات المادة 306 من مدونة الحقوق العينية التي يجري سياقها على أنه : ” يجب على من يرغب في الأخذ بالشفعة أن يقدم طلبا إلى رئيس المحكمة الابتدائية المختصة يعبر فيه عن رغبته في الأخذ بالشفعة، ويطلب فيه الإذن له بعرض الثمن والمصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا ثم بإيداعهما في صندوق المحكمة عند رفض المشفوع منه للعرض العيني الحقيقي، وأن يقوم بذلك داخل الأجل القانوني وإلا سقط حقه في الشفعة “.
ومع ذلك، فإن تاريخ الإعلان عن الشفعة لازال يطرح أكثر من تساؤل على مستوى الواقع، فهل تاريخ هذا الإعلان – الذي يترب عنه سوء نية المشفوع منه – يبتدئ من تاريخ تقديم طلب الإذن بالعرض العيني للثمن والمصروفات الظاهرة لعقد شراء المشفوع منه ؟ أم من تاريخ رفض العرض العيني من طرف المشفوع منه ؟ أم من تاريخ طلب الإذن بفتح حساب بصندوق المحكمة لإيداع المبالغ المذكورة ؟ أم من تاريخ الإيداع الفعلي لتلك المبالغ بصندوق المحكمة ؟
وجوابا عن ذلك، فإننا نعتقد أن الصياغة التشريعية للمادة 304 أعلاه توحي بأن المشفوع منه يعتبر سيء النية ابتداء من تاريخ تقديم الشفيع لطلب يعبر فيه عن رغبته في الأخذ بالشفعة والإذن له بعرض الثمن والمصاريف الظاهرة للعقد على المشفوع منه، وبالتالي فإن هذا الأخير إذا أضاف شيئا في الحصة المشفوعة من ماله بأن بنى أو غرس فيها بعد تقديم الشفيع للطلب المومأ إليه تطبق في حقه أحكام الباني والغارس في أرض الغير بدون إذن، مع إعفاء الشفيع من أداء قيمتها كشرط شكلي للحكم باستحقاقه للشفعة. وهذا ما أكده العمل القضائي الذي اعتبر أن الشفيع غير ملزم بإيداع المبالغ المضمنة بفواتير التشييد والبناء المدلى بها من طرف المشفوع منه حاملة لتاريخ لاحق على تاريخ تبليغ هذا الأخير بالرغبة في الشفعة ما دامت قد أنجزت بسوء نية، وهو ما يستنتج من الحيثيات التالية: ” وحيث من جهة أخرى، فإن الفصل .. أعلاه ولئن كان ينص على وجوب إيداع الثمن والمصاريف الظاهرة وقيمة التحسينات كشرط لممارسة حق الشفعة، فإن المدعى عليه لم يثبت أن الإصلاحات التي قام بها لها طابع التحسينات… ومن ثمة فإن الشفيع غير ملزم بإيداع المبالغ المضمنة بالفواتير المحتج بها من قبل المشفوع منه والتي تحمل تاريخ 03/10/2011 وهو تاريخ لاحق على تاريخ العرض العيني لمبالغ الشفعة على المشفوع منه وهو 10/06/2011 ..”.
اترك تعليقاً