الدفـــاتـــر الـــتـــجــــاريــــة
يستلزم العمل التجاري قيام التاجر فرداً “مؤسسة” أو شركات أن يحدد سجلات معينة لقيد أعماله اليومية، فيثبت فيها العمليات التي تتم كل يوم ويستخلص منها ويوضح من خلالها ما للتاجر من حقوق وما عليه من إلتزامات للغير. وتُعرف الدفاتر التجارية عموماً بأنها جميع الدفاتر والسجلات والأوراق التي يسجل فيها التاجر تفاصيل أعماله التجارية، وتُقسم الدفاتر التجارية لنوعين: دفاتر مالية ودفاتر إدارية،
كما أن الدفاتر منها ما هو ملزم وواجب نظاماً ومنها الإختياري المكمل أو المساعد. وتعود نشأة الدفاتر التجارية لعرف التجار من عهد الصيارفة الرومانيين الذي أوجدوا النواة الأولى لعمل المحاسبة التجارية الحديثة، كما يذكر بأن أول ظهور لدفتر تجاري منتظم يعود للقرن الخامس عشر في إيطاليا، وبدأ من حينها الإهتمام بالدفاتر التجارية للمشروعات الكبرى. ونظراً لأهمية الدفاتر التجارية التي تعد أحد الركائز الرئيسة للعمل التجاري ولأي عمل يراد له النجاح والإستقرار، لذلك أصدرت التشريعات لإقرار الدفاتر التجارية للأعمال التجارية وكذلك لبعض المهن، وأهتمت التشريعات بوضع شكل موحد للدفاتر وحدد فيها أنماط الدفاتر التي يمسكها التاجر كحد أدنى،
ومن أبرز التشريعات ما ورد بالقانون التجاري الفرنسي لعام 1807م والذي أثر على أغلب التشريعات العربية الخاصة بالدفاتر التجارية، وبدأ تنظيم الدفاتر التجارية بالسعودية من عام 1350هـ وذلك وفقاً لنظام المحكمة التجارية الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (32) وتاريخ 15/01/1350هـ الموافق 02/06/1931م في مواده من المادة الــ(06) وحتى الــ(10) وأُلزم التاجر بموجبه بأن يستعمل أربع أنواع من الدفاتر وسماها بما يلي: دفتر اليومية ويقيد فيه الأعمال اليومية، دفتر الكوبية ويقيد فيه المراسلات، دفتر الجرد ويقيد فيه الجرد السنوي لأمواله الثابتة والمنقولة، ودفتر التوثق يقيد فيه البيوع والمعاملات مع الغير ويثبت فيه على خلاف الدفاتر الأخرى توقيع المتعامل مع التاجر كالمشتري. وهذه المواد الواردة في نظام المحكمة التجارية ألغيت بصدور نظام خاص أوسع وأشمل ومواكباً للتطور الذي طرأ على الدفاتر التجارية، فصدر نظام الدفاتر التجارية بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم (م/61) وتاريخ 17/012/1409هـ والمنشور بجريدة أم القرى بتاريخ 10/01/1410هـ الموافق 12/08/1989م ويتألف النظام من عدد (16) مادة، ولم يرد بالنظام تعريفاً للدفاتر التجارية، كما صدر للنظام لائحة تنفيذية بموجب قرار وزير التجارة ذي الرقم (699) وتاريخ 29/07/1410هـ وآخر تعديل عليها تحقق بموجب القرار الوزاري رقم (633) وتاريخ 14/07/1423هـ
ونصت المادة الأولى من نظام الدفاتر التجارية على: ” يجب على كل تاجر أن يمسك الدفاتر التجارية التي تستلزمها طبيعة تجارته وأهميتها بطريقة تكفل بيان مركزه المالي بدقة، وبيان ما له من حقوق، وما عليه من إلتزامات متعلقة بتجارته، ويجب أن تكون هذه الدفاتر منتظمة، وباللغة العربية، ويجب أن يمسك على الأقل الدفاتر الآتية: (01) دفتر اليومية الأصلي. (02) دفتر الجرد. (03) دفتر الأستاذ العام. ويعفى من مسك الدفاتر التاجر الذي يقل رأس ماله على مائة ألف ريال.”
فبنص المادة أعلاه، يتضح أن على كل تاجر “مؤسسة” أو شركة مقيدة بالسجل التجاري ملزمة بأن يكون لها دفاتر تجارية ثلاثة وأية دفاتر تجارية أخرى لازمة لعملها بحكم طبيعة العمل التجاري أو تفرضها الجهات الرقابية والإشرافية أو الأنظمة الخاصة بالعمل التجاري كالمصارف أو التأمين أو الأنشطة العقارية … إلخ وحدد نظاماً مهام كل دفتر من الدفاتر التجارية المقررة بحد أدنى، فوضح بأن دفتر اليومية: مهمته قيد جميع العمليات المالية اليومية، كما أن دفتر اليومية وإن كان التاجر فرداً كمؤسسة أو مكتب تجاري فيلزم التاجر بأن يقيد مصروفاته الشخصية وترك النظام حرية القيد للمصروفات الشخصية بشكل يومي أو شهري. أما دفتر الجرد: فيختص بقيد أصول التاجر الثابتة والمنقولة وبضاعته في آخر سنته المالية. وعن دفتر الأستاذ العام: فيرحل لها نتائج قيود دفتر اليومية ودفتر الجرد وتوضح أرصدة وعمليات الحسابات لكل حساب أو تعامل لتظهر بسهولة.
وتُكمن أهمية الدفاتر التجارية بأنه يثبت من خلالها حقوق التاجر وما عليه من إلتزامات، وكما وأن للدفاتر التجارية حجة قضاء للتاجر وللغير، إذ تقرر بالمادة الــ(10) من نظام الدفاتر التجارية بأن: “للجهة القضائية المختصة عند نظر الدعوى أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم تقديم الدفاتر التجارية لفحص القيود المتعلقة بالموضوع المتنازع فيه، واستخلاص ما ترى استخلاصه منها. وللجهة القضائية المختصة عند امتناع التاجر عن تقديم دفاتره أن تعتبر امتناعه بمثابة قرينة على صحة الوقائع المراد إثباتها بالدفاتر.”
كما يثبت من خلالها حُسن تصرف التاجر وإثباتاً لحسن نيته، ويتأكد ذلك عند تعرض أعماله للإضطراب وتعثره بسداد ما عليه من إلتزامات للغير أو ديون، فعند إفلاسه تحميه هذه الدفاتر إن كانت منتظمة ومعدة بالشكل المتوافق مع النظام من عقوبات الإفلاس الإحتيالي أو التقصيري.
والدفاتر التجارية من خلالها يستخلص ويظهر المركز المالي للتاجر وأصوله، والأرباح الصافية، والزكاة والضرائب إن وجدت، وهي المرجع الرئيس للتاجر لمحاسبة نفسه ومحاسبة غيره كونها مرآة صريحة واضحة عادلة ونظامية لعمله التجاري. إن عدم مسك الدفاتر التجارية بالصورة والشكل الذي قرره النظام فضلاً عن عقوبة عدم الإعتراف بالقيد أو الدفتر وهي لوحدها ولذاتها عقوبة قاسية على التاجر، تقرر عقوبة بالمادة الــ(12) من النظام بغرامة مالية لا تقل عن (5,000) ريال ولا تزيد عن (50,000) ريال. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب التجار يهتم ويعتني فقط بالدفاتر المالية، ويظن بأن النظام ألزم بها فقط وكذلك بعض المحاسبين لاختصاصهم بتدقيق البيانات المالية والقيود وإصدار القوائم المالية المعتمدة للتجار عند الإلزام أو الحاجة والشركات، ونوضح بـأن المراسلات الصادرة من التاجر أو إليه يلزم مسك لها دفتر خاص بالإضافة لصورة أو أصل المستند وإن لم يُسمى دفتر لها لذلك، إذ نصت المادة الــ(06) على: “على التاجر أن يحتفظ بصورة طبق الأصل من جميع المراسلات والوثائق المتعلقة بتجارته الصادرة منه، والواردة اليه، ويكون الحفظ بطريقة منتظمة تسهل معها مراجعة القيود الحسابية، وتكفل عند اللزوم التحقق من الأرباح والخسائر.”
ولا يفوتني بيان أن الدفاتر التجارية لا يجوز ولا يعتد بها إن اعتراها الكشط أو الشطب أو التعديل أو التحشير، كما أنه يلزم تسلسل ترقيمها وصفحاتها مرقمة قبل مباشرة العمل فيها ولا يجوز أن يباشر القيد في دفتر إلا وفقاً للتسلسل وإنتهاء الدفتر الذي قبله، ولعل الكشط والتحشير يكاد يكون منعدما بإستخدام البرامج المحاسبية والذي أجاز النظام العمل به على أن يكون البرنامج متفق مع اللائحة التنفيذية للنظام وقائم على أسس وقواعد تكفل صحة البيانات المدخلة فيه، ويسرى على الدفاتر الحاسوبية ما يسرى على الدفاتر التقليدية من أحكام وبما يناسبها. كما أن مدة حفظ الدفاتر التجارية المالية والمراسلات والمستندات مقررة نظاماً بموجب المادة الــ(08) بمدة لا تقل عن عشر سنوات ويمتد حكم الحفظ ومدته لورثة التاجر، فعليهم إلتزام بحفظ دفاتر مورثهم التاجر جميعها المالية والمستندات والمراسلات لمدة لا تقل عن عشر سنوات، ويكفي من هذه المادة الــ(08) إستخلاص أهمية الدفاتر التجارية بأن قرر حكماً على ورثة التاجر بحفظها لمدة طويلة جداً في الزمن التجاري. إن وفقت وأصبت فمن الله وفضله والحَمدُلِله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العليّ العظيم لوالديّ ولي ولزوجتي وذريتي وإخواني والمسلميّن ونتوب إليه ..
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
عبدالعزيز بن عبدالله الخريجي
محامي مستشار
اترك تعليقاً