الـــســجـــل الــتـــجـــاري
استعرضنا في المقال السابق المعنون بــ” الــدفــاتــر الــتــجــاريــة ” ما هيتها وأهميتها وأنها سجلات يقوم التاجر بقيد عملياته اليومية وتشمل سجلات مالية وإدارية، وفي هذا المقال نوضح ما هو السجل التجاري وبيان بعض أحكامه. إن السجل التجاري قيد لفئة مخصوصة تتولاه جهة رسمية مختصة يدرج فيه أسماء وبيانات التي يوجبها النظام، ويقابله سجل الوقائع المدنية (الأحوال المدنية) لكل فرد في دولته، إلا أن للسجل التجاري أحكام أوسع وطبيعة أشمل خصوصاً للتاجر الفرد أو الشركات التجارية.
وتعود نشأة السجل التجاري للقرن الثاني عشر في إيطاليا بقيام بعض التجار بمسك قائمة يدرج فيها اسماء التجار برسم مقرر، وغايته جمع بيانات التجار لحصرهم لتسهيل التواصل فيما بينهم ودعوتهم لتجمعاتهم التجارية، ثم تطورت أهمية هذه القائمة وأصبحت مرجع للتعرف على التجار ومراكزهم المالية، وأخذت أغلب التشريعات بالإلزام بالقيد بالسجل التجاري، وأصبحت السجلات التجارية مرجع إحصائي للتجار والتجارة عموماً وقيد للإشهار القانوني. ونُظم السجل التجاري بالسعودية إبتداءً بموجب نظام السجل التجاري الصادر بالأمر الملكي ذي الرقم (21/01/4470) وتاريخ 09/11/1375هـ، إلا أنه كان يعتريه كثيراً من النقص والقصور، ولعله كان مناسباً لتلك الفترة التجارية، ونرى بأنه كان نــواة لتنظيم السجلات التجارية، فكان معني بحصر التجار وتمكين الغير من الإطلاع على بيانات التجار
ولم يرتب آثاراً قانونية على عدم القيد، ثم صدر نظام السجل التجاري بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم (م/1) وتاريخ 21/02/1416هـ المكون من عشرين مادة، كما أُصدرت له لائحة تنفيذية بموجب قرار وزير التجارة ذي الرقم (1003) وتاريخ 21/09/1416هـ. ونصت المادة الأولى من نظام السجل التجاري على: “ تعد وزارة التجارة سجلا في المدن التي يصدر بتحديدها قرار من وزير التجارة يشمل جميع مناطق المملكة، تقيد فيه أسماء التجار والشركات وتدون فيه جميع البيانات المنصوص عليها في هذا النظام.”،
ويتضح منها أن السجل التجاري خاص بالتجار الأفراد (مؤسسات، مكاتب تجارية، وكلاء،…) والشركات، ونوضح بأن الشركات المقصودة بهذه المادة هي الشركات التجارية لا الشركات المهنية، فالشركات المهنية لها سجل خاص مُسمى بسجل الشركات المهنية
وفقاً للمادة الــ(08) من نظام الشركات المهنية. كما أن أصحاب المهن الحرة كالمهندسين والمحاسبين والمحامين لا علاقة لهم بالسجل التجاري ولا يقيدون بالسجل التجاري لمزاولة مهنهم ويُكتفى بالترخيص المهني الصادر من الجهة أو الهيئة المختصة للمهنة. ولأهمية السجل التجاري نجد بأن المواد من المادة الثانية وحتى المادة العاشرة تبدأ بصيغة الأمر كما يلي: ” يجب على كل تاجر …” ، “يجب على مديري الشركات …”، ” يجب على التاجر أو وارثه أو المصفى …”، ” يجب على الجهات القضائية …”،
فالمخاطب والإلزام ليس قصراً على التاجر، فهناك مديري الشركات أو المؤسسات التجارية والجهات القضائية، لأهمية السجل التجاري الهادف للإشهار القانوني وحجية بياناته للتاجر وضده من الغير. كما أن الشركات -عدا شركة المحاصة -لا تكتسب صفتها الإعتبارية أي ولادتها والإعتراف النظامي لها إلا بقيدها بالسجل التجاري، فلو تم توثيق عقد الشركة لدى كاتب العدل ولم يتم إجراء القيد بالسجل التجاري لهذه الشركة فلا يحتج بها تجاه الغير، إذ نصت المادة الــ(14) من نظام الشركات على: ” … تكتسب الشركة الشخصية الإعتبارية بعد قيدها في السجل التجاري،…” والقيد بالسجل التجاري للتاجر الفرد، لا يكون إلا لمن تتوافر فيه شروط: الأهلية التجارية، الإحتراف في العمل تجاري، والشركات بكل الأحوال لزاماً أن تقيد بالسجل التجاري أياً كان رأس مالها، أما التاجر الفرد فلا يكون وجوبي تجاهه إلا أن كان رأس ماله مائة ألف ريال أو متى ما بلغ رأس ماله هذا المقدار، وإن كان رأس ماله يقل عن ذلك فهو مخير بالقيد من عدمه ولا يجوز إلزامه نظاماً بالقيد، ويكتفى له بالترخيص الصادر من البلدية وفقاً للأنظمة البلدية. وصفة التاجر لا تثبت ولا يجوز إطلاقها إلا على من هو مقيد بالسجل التجاري إذ نصت المادة الــ(14) من النظام على : ” كل من يتقدم إلى الجهة الرسمية بطلب بصفته تاجراً لا يقبل طلبه بهذه الصفة، ما لم يكن مقيداً بالسجل التجاري.”.
إن البيانات المقيدة بالسجل التجاري والتي أوجب وحددها النظام تحديداً صريحاً متعلقة بالتاجر شخصياً وتجارياً، فمن ذلك أن النظام قرر إلتزام صريح على الجهات القضائية (محاكم ولجان شبه قضائية) بأن ترسل نسخة من الأحكام أو القرارات القضائية النهائية لإدارة السجل التجاري وفقاً لمادته الــ(10) وخلال مدة ثلاثين يوماً من تاريخ إكتساب الحكم أو القرار الصفة النهائية القطعية، ليتم التأشير بسجل التاجر الفرد أو الشركة بمضمون الحكم وحددت الأحكام والقرارات: الإفلاس وإلغائه، رد الإعتبار، الحجر أو الحجز على أمواله ورفعها، فصل الشركاء وعزل المدراء، حل الشركة أو بطلانها أو تصفيتها أو عزل المصفين، الصلح القضائي، الصلح الواقي من الإفلاس، التزوير والتزييف والرشوة. ويجوز لأي شخص الحصول على نسخة من بيانات أي تاجر مقيد بالسجل التجاري مقابل رسم مالي، ويتضمن المستخرج جميع البيانات المقررة نظاماً كالعنوان والإسم التجاري والمركز الرئيس والفروع إن وجدت ورأس المال أسماء الشركاء للشركات ونوع الشركة والأحكام القرارات القضائية الصادرة تجاه التاجر أو الشركة. ومن أهم أحكام السجل التجاري أن ما يقيد فيها حجة للتاجر له وعليه من تاريخ قيدها وفقاً للمادة الــ(13) من النظام،
فمثال ذلك واقعاً عند قيام التاجر بتغيير عنوانه يتراخى كثيراً والبعض لا يهتم بتعديل عنوانه بالسجل التجاري فتكون جميع الإشعارات المرسلة لعنوانه السابق المقيد بالسجل التجاري مرتبة لآثارها النظامية والقضائية.
كما أن نظام السجل التجاري رتب إلتزام على ورثة التاجر عند وفاته والمصفي حال وجوده بأن عليهم التقدم لإدارة السجل التجاري خلال مدة لا تتجاوز تسعين يوماً من تاريخ تحقق واقعة الوفاة أو التصفية لشطب السجل التجاري، ونوضح بأن جميع المدد المحددة بالسجل التجاري لإخطاره أما بالقيد أو التأشير مقررة بثلاثين يوماً عدا حالة الوفاة أو ترك النشاط التجاري نهائياً من التاجر أو إنتهاء أعمال تصفية الشركة فمدتها تسعين يوماً، ولا يعني بأن هذه المدة فترة سماح وسقوط حجية الغير بالبيانات الظاهرة بالسجل التجاري، إنما هي مدة للتقدم للسجل التجاري للتأشير على السجل، والواجب على التاجر أن يتقدم بشكل فوري للسجل التجاري لتعديل دون تعلل بالمدة، كما أن عدم الإلتزام بالمدة المقررة يرتب توقيع عقوبة مالية على التاجر لا تتجاوز الــ(50,000 ريال) من قبل لجنة مختصة تشكل بقرار من وزير التجارة. ويتضح مما سبق بأن السجل التجاري شاملاً لبيانات ومعلومات التاجر الهامة كالقضائية والأخلاقية لشموله القضايا الجزائية المحددة المتعلقة بالشأن التجاري، وما فيه من بيانات مقيدة مؤثرة على إتخاذ أي قرار تعاقدي مع التجار، وحرياً بالعناية به من التجار. إن وفقت وأصبت فمن الله وفضله والحَمدُلِله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العليّ العظيم لوالديّ ولي ولزوجتي وذريتي وإخواني والمسلميّن ونتوب إليه ..
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
عبدالعزيز بن عبدالله الخريجي
محامي مستشار
اترك تعليقاً