ماهية العطل الخالصة في القانون التونسي

ماهية العطل الخالصة في القانون التونسي

الاستاذة رشيدة الكافي الدبوسي

تعتبر المدة القانونية للعمل من العناصر الجوهرية التي لا بد من مراعاتها لكونها تخص كلا من الحماية الصحية للعامل ومردوديته بالنسبة للمؤجر.

ولما كانت هذه المدة تتحدد تبعا للمعطيات العامة القائمة في كل بلد ومستوى التنمية به، ونظرا لأثر تلك المدة على صحة العامل، فان القانون قد تدخل لإقامة توازن بين جملة من الاعتبارات منها حماية صحة العامل ومتطلباته الاجتماعية والنفسية واستفادة المؤسسة من قدراته.

ولهذا الغرض، وقع إقرار أحكام قانونية خاصة لتنظيم علاقات الشغل، تمكن العامل من تحقيق ذاته وتوفر له الظروف المناسبة للقيام بالعمل وتضمن له الحياة الكريمة من خلال تحديد الأجر المناسب وتنظيم وقت العمل وخاصة وقت الراحة، حيث وقع إقرار حق العامل في الراحة سواء لمدة قصيرة (إجازة الأعياد/ الرخص الممنوحة أسباب عائلية) أو لمدة طويلة (العطلة السنوية)، تمكنه من راحة متصلة من عناء العمل المضني والشاق، وذلك قصد تجديد نشاطه وحيويته والمحافظة على صحّته وقدرته على الإنتاج.

لكن إقرار الحق في الراحة بالنسبة للعامل لا يقف في مستوى تمتع الأجير بالرّاحة فقط، بل يتعدّاه ليضمن له خلاص الأجر خلال فترة العطلة.

وقبل البحث في مستويات تكريس الحق في الراحة الخالصة وأسبابه، يجدر بنا تحديد مفهوم الراحة الخالصة.

مفهوم العطلة الخالصة: كغيره من المشرعين، لم يقدم المشرع التونسي في قانونه تعريفا للعطلة أو الراحة الخالصة واكتفى بالنص على الإجازات وتفصيلها وتنظيم أحكامها.لذلك فقد حاول البعض تعريفها كالآتي:” العطلة أو “الإجازة” هي التصريح للعامل بالتغيب عن عمله مدة طويلة أو قصيرة”.[1]

ويمكن تعريف الراحة الخالصة انطلاقا من النصوص القانونية المنظمة لها، بأنها انقطاع وقتيّ عن العمل يسند لأسباب شرعية، بطلب من العامل في حالات خاصة، ويتم الترخيص فيه مسبقا من المؤجر ولا يؤثر على وضعية العامل.

فالعطلة تسند لأسباب شرعية لأنه لا يمكن للأجير أن ينقطع عن العمل دون مبرر قانوني. وقد نصت الفقرة الثامنة من الفصل 14 رابعا من مجلة الشغل على أن الغياب عن العمل وترك مركز العمل بصورة ثابتة وغير مبررة ودون ترخيص مسبق من المؤجر أو من ينوبه يعتبر خطا فادحا ويكون من الأسباب الحقيقية والجدية التي تبرر الطرد.

و تمنحالعطلة بطلب من الأجير، إذ لا يمكن للمؤجّر أن يقرّر وضع أحد عمّاله في عطلة قانونية دون أن يكون هذا العامل قد طلب منه ذلك. و يستثنى من هذا المبدأ العطل المسندة بمناسبة الأعياد الرسمية، الوطنية أو الدينية.

كما يتمّ الترخيص في العطلة مسبقا من قبل المؤجّر أو من ينوبه، فلا يمكن للعامل مبدئيا أن ينقطع عن عمله دون ترخيص مسبق،[2] باستثناء العطل المسندة بمناسبة الأعياد الرّسمية. غير انه في صورة حدوث مانع مفاجئ، يمكن للأجير أن يتغيّب عن عمله دون ترخيص شريطة أن يتولى تسوية وضعيته فيما بعد. ويبقى الأجير خلال فترات العطل القانونية في حالة مباشرة، وعلى هذا الأساس فإنه يحتفظ مبدئيا بكامل حقوقه في الأجر والتدرج والترقية والتقاعد.[3]

ويقصد بالراحة القانونية الخالصة “الفترة المحددة قانونا والمدفوعة الأجر التي يمتنع خلالها العامل عن أداء عمله بصورة مؤقتة دون أن يفقد حقه في الراتب”.[4] كما تعرف “الإجازة” السنوية بأنها”وقت الغياب عن العمل المصرح به براتب”.[5] ويعرفها الفقه الفرنسي بأنها ويعرفها الفقه الفرنسي بأنها فترات مخصصة للراحة، يلتزم المؤجر بإعطائها للأجير كل سنة[6]، يتوقف خلالها العامل عن القيام بعمله مع الاحتفاظ باجره.[7]

والعطل الرسمية هي أيام في السنة يتمتع فيها معظم العمال بعطلة مأجورة أو يحصلون على تعويضات الساعات الإضافية إذا عملوا خلال هذه العطل.[8]

– الهدف من الإجازات وأنواعها:

لقد راعى المشرع مصلحة العامل بأن قدّر أنه قد يحدث له ظرف طارئ أو ظروف خاصة تقتضي أن يتغيّب عن العمل ويقوم بتقديم إجازة في اليوم التالي لعودته إلى العمل، أي أنه أعفاه من تقديم طلب الإجازة قبل القيام بها وأرجأ ذلك إلى انتهاء هذا الظرف الطارئ والعودة إلى العمل. ووضع حدّا أقصى لإجازات الأعياد والإجازة السنوية حتى لا تتعطل الأعمال والمصالح أو تقل الإنتاجية، وترك مسألة تنظيم الرّخص الخالصة الممنوحة لأسباب عائلية للأطراف الاجتماعيّة[9]، والهدف من كلّ ذلك واضح، هو التوفيق بين مصلحة العمل وحق العامل في الحصول على الإجازة دون فقدان أجره.

كما أن المشرّع أراد منح العامل إجازة سنوية لتمكينه من استعادة نشاطه وقواه الجسمانية والعقلية بما يعود بالفائدة عليه وكذلك على العمل، وجعلها حقا له لا يجوز حرمانه منها، وتكفّل بوضع شروط ممارستها بما يضمن هذا الحق وبما لا يخلّ في ذات الوقت بحسن سير وانتظام العمل.

ومن جهة أخرى، فقد منح المشرّع المؤجر حق تحديد الوقت الذي يجوز فيه التصريح للعامل بالتمتع بإجازته السنوية، وذلك بما يتفق مع طبيعة وظروف العمل، على انه أوجب عليه في جميع الأحوال ضرورة التصريح للعامل بإجازة سنوية لمدة ستة أيام متصلة لكي يتحقق الهدف المنشود منها.

وتوفيقا بين اعتبار تمكين العامل من مشاركة أسرته بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة في الأعياد الدّينية والمناسبات القوميّة، وبين اعتبار المحافظة على القدرة الإنتاجية للمؤسسة، قرّر المشرع لكلّ عامل- أيّا كان عدد العاملين في المؤسسة- الحق في إجازة بأجر كامل أيام الأعياد التي يقع ضبطها بأمر أو بالاتفاقيات المشتركة.

– أنواع العطل الخالصة:

لقد منح المشرع العامل الحق في إجازات متنوعة مراعيا في ذلك مصلحة العامل ومصلحة العمل على حدّ السواء وأفرد لها تنظيما خاصا.

ولئن تعددت أصناف هذه العطل الخالصة، فإنه يمكن التمييز بين صنفين منها: يندرج ضمن الصنف الأوّل العطل الدورية وتشمل الراحة السّنوية وعطل

الأعياد الرسمية الدينية والوطنية[10] أما الصنف الثاني، فيضم العطل الاستثنائية أو الفجئية والتي تمنح للأجير بسبب أحداث عائلية تستوجب انقطاعه مؤقتا عن العمل (زواج العامل/ زواج أحد أبناء الأجير/ وفاة أحد الفروع أو الأصول).

أو تمنح هذه الرخص لأسباب شخصية استثنائية، حددتها الاتفاقية الإطارية المشتركة وبعض الاتفاقيات القطاعية، ونشير هنا خاصة إلى رخصة الحج والتي قررتها الاتفاقية المشتركة للملاحات التي منحت لكل عامل الحق في رخصة تقدر بثلاثة أسابيع تكون خالصة الأجر، بمناسبة أداء فريضة الحج وتمنح هذه الرخصة مرة واحدة طيلة حياة العامل المهنية.[11]

ونظرا للأهمية الصحية والنفسية للراحة أو العطلة بالنسبة للأجير، من جهة، وللصبغة المعاشية للأجر من جهة ثانية، فقد عملت جلّ التشريعات سواء كانت العربية أو الأجنبية على تكريس حق كلّ عامل، لا فقط في الراحة، بل أيضا حقه في الخلاص عنها واستحقاقه للأجر رغم قعوده وانقطاعه عن العمل.

– تكريس حق العامل في الراحة والعطل الخالصة:

إن الحق في الراحة الخالصة، وقع تكريسه ليس فقط على المستوى الداخلي، وإنما أيضا على المستوى العالمي.

* على المستوى العالمي:

إنّ أوّل نص قانوني دولي أقرّ ونظم هذا الحق هي الاتفاقية عدد 52 لسنة 1936 حول العطل الخالصة الصادرة عن منظمة العمل الدولية،[12] وقد صادقت عليها 45 دولة ومن بينها الجمهورية التونسية.

وقد تبنّت المواثيق الدولية بعد ذلك سلسلة من الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، عبّر عنها البيان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948، والذي بعد إقراره لحق الإنسان في العمل، اعترف له بما يضمن احترام إنسانيته، وبشكل خاص، اعترف بحقه في الراحة الخالصة، وهو ما نصت عليه المادة الرابعة والعشرون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ جاء فيها: “لكلّ شخص حق في الرّاحة وأوقات الفراغ وخصوصا في تحديد معقول لساعات العمل وفي إجازات دورية مأجورة”[13]

ثمّ تواترت النصوص القانونية الدولية، وجميعها تؤكّد الاعتراف بحق الراحة المدفوعة الأجر، إذ نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1976[14] في مادته السابعة على اعتراف الدول الأعضاء بحق العامل في راحة خالصة، حيث ورد به: “تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بحق كلّ شخص في التمتع بشروط عمل عادلة ومواتية تكفل على الخصوص…

د- الاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل، والإجازات الدورية المدفوعة الأجر و كذلك المكافآت عن أيام العطل الرسمية.”

ومن جهة أخرى، وفي إطار حماية المرأة العاملة، أبرمت سنة 1979 اتفاقية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،[15] وقد ورد بها:

“تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها على أساس المساواة بين الرجل والمرأة نفس الحقوق ولا سيما:

هـ/ الحق في الضمان الاجتماعي، ولا سيما في حالات التقاعد والبطالة والمرض والعجز والشيخوخة وغير ذلك من حالات عدم الأهلية للعمل، وكذلك الحق في إجازة مدفوعة الأجر”[16].

ولابد من الإشارة في هذا المستوى إلى أن هذا الحق وجد تكريسا له على مستوى إقليمي وذلك من خلال الميثاق العربي لحقوق الإنسان[17] ضرورة أن المادة الرابعة والثلاثون اقتضت في فقرتها الثانية انه:” لكل عامل الحق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية، تؤمن الحصول على أجر مناسب لتغطية مطالب الحياة الأساسية له ولأسرته، وتكفل تحديد ساعات العمل والراحة والإجازات المدفوعة الأجر…”

وهذه النصوص القانونية الدولية، ذات الصبغة الملزمة بالنسبة للدول الأعضاء المصادقة عليها، رغم اختلاف مجالات اهتمامها، فإنها جميعها تكرّس حق كلّ عامل مهما كان جنسه أو دينه أو جنسيته، في الرّاحة المدفوعة الأجر. وقد وجد الاعتراف الدولي بهذا الحق امتدادا له في قوانين وتشريعات مختلف الدول.

إقرار الحق في الراحة الخالصة على المستوى الداخلي:
إن الاعتراف بالحق في العمل كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان يقتضي ضمان راحة العامل واستقراره بدون تمييز، لذلك سعت جلّ التشريعات الأجنبية والعربية، في إطار تنظيم أوقات العمل إلى تكريس حق العامل في الرّاحة والعطل الخالصة. ففي فرنسا[18]، وقع تأسيس الحق في الراحة السنوية الخالصة منذ سنة 1935، بموجب القانون المؤرّخ في 20 مارس1935. الا أن تنظيم هذا الحق اقتصر على فئة معيّنة من الأجراء وهم الموظفون وعمّال السكك الحديدية والصحافيين وبعض الفئات العمالية في القطاع الخاص.[19]

وقد ساهمت الظروف السياسية في تلك الفترة (وصول حكومة الجبهة الشعبية للحكم) والظروف الاقتصادية (أزمة الثلاثينات الاقتصادية) في صدور قانون 20 جوان 1936 وموضوعه تعميم الانتفاع بالحق في الرّاحة القانونية الخالصة إلى كلّ الفئات العمالية.

كما قرر المشرع الفرنسي حق العمال في راحة أيام الأعياد الوطنية والدينية. [20]ومنذ صدور قانون 30 افريل 1947 أصبح يوم غرة ماي عطلة رسمية مدفوعة الأجر.[21] ثم صدر بتاريخ 16جانفي 1982 أمر أعاد تنظيم مسالة إسناد الراحات والعطل.

ويشمل الحق في العطل الخالصة، حق كل عامل في عطلة سنوية خالصة الأجر[22] الإضافة إلى عطل الأعياد[23].ونظم المشرع الفرنسي مسألة إسناد العطل الخالصة لأسباب خاصة و ترك المجال للاتفاقيات المشتركة لإضافة بعض أصناف العطل بما يتماشى ومصلحة الأجير.

وما يجب ملاحظته، أن المشرع الفرنسي توسع في الأسباب الموجبة لمنح عطلة مع خلاص الأجر، فاقر حق العامل في عطلة للتكوين[24] بالإضافة إلى عطلة التبني.[25] وهناك صنف آخر من العطل وهي عطلة تربية أو تعليم الطفل، منحها التشريع الفرنسي لكل عامل وترك مسالة خلاصها من عدمه متوقفا على إرادة طرفي العقد.[26]

أما التشريع المصري، فقد أكّد على حق العامل في الراحة، وقد أوجب أن تكون الراحة الأسبوعية خالصة الأجر، وذلك على خلاف التشريعين التونسي والفرنسي، حيث ورد بالمادة 83 من قانون العمل المصري أن هذه “الراحة الأسبوعية لابد أن تتمثل في أربع وعشرين ساعة متصلة، وهي دائما مدفوعة الأجر”.

وبالإضافة إلى هذه الراحة الأسبوعية، فقد قرّر المشرع المصري مبدأ الإجازة السنوية لكافة العمّال الخاضعين للفصل الخاص بعقد العمل الفردي في قانون العمل ونظم حق كل عامل في إجازة بأجر كامل في الأعياد التي يقع تحديدها بقرار من وزير الدولة للقوى العاملة على ألا يتجاوز عددها ثلاثة عشر يوما في السنة.[27]

إن في حرص جلّ التشريعات العربية والأجنبية على تحديد ساعات العمل وتنظيمها علاوة على أنها تجسّد اعترافا بحقوق الأجير كإنسان، فإنها تعترف له بحق الراحة لممارسة أنشطة ترفيهية وثقافية فضلا عن تمكينه من مساحة زمنية تسمح له برعاية شؤونه الخاصة والعائلية، وهو ما جسّده التشريع التونسي من خلال تنصيصه على حق العامل في الرّاحة الخالصة وتنظيمه للانتفاع بهذا الحق.

والمتأمل في هذا التشريع يلاحظ أن البلاد التونسية لم تبقى على هامش هذه الأهداف، بل حرصت على تجسيدها وإثرائها من خلال سنّ مجلة الشغل سنة1966 والتي اقتضت أحكامها ضرورة تحديد ساعات معقولة للعمل وتوزيعها بما يتوافق والمصلحة الاقتصادية ويراعي قدرات العامل المهنيّة والجسدية.

لكن اهتمام التشريع التونسي بحق العامل في الرّاحة الخالصة ليس بالأمر الجديد، ذلك أنه، قبل صدور مجلة الشغل سنة 1966، وقع تنظيم الانتفاع بهذا الحق، بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص لأوّل مرة من خلال الأمر المؤرّخ في 4 أوت 1936 بالنسبة للعاملين في قطاع الصناعة والتجارة والمهن الحرّة،[28] وذلك إثر صدور قانون 20 جوان 1936 المنظم للإجازات الخالصة في فرنسا.

وقد كان لتبني هذا القانون بعدا اجتماعيّا وإنسانيا، وقد اعتبر وسيلة لمجابهة مشكلة البطالة في ذلك الوقت.

وفي مرحلة ثانية، وقع التوسيع في مجال الفئات المنتفعة بالحق في الراحة الخالصة وتنظيمها في القطاع الفلاحي ذلك بموجب الأمر المؤرّخ في 9 مارس 1944. وفي سنة 1946 وقع إلغاء أمر 4 أوت 1936 وتعويضه بالأمر المؤرخ في 29 جويلية 1946 المتعلق بالراحة الخالصة الأجر. ثم وفي سنة 1949 تم إقرار الحق في راحة خالصة إضافية بالنسبة للعاملين الشبان[29]. وسعيا من المشرع التونسي لتأسيس نظام متكامل يؤمن الانتفاع بالحق في الراحة المدفوعة الأجر وينظمه، فقد وقع تجميع كلّ الأوامر سالفة الذكر وتضمينها صلب مجلة قانونية موحدة ومستقلة وهي مجلة الشغل لتكون فصولها من 107 حتى133.

وقد صادقت تونس على جلّ المعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان بما فيها الحق في الراحة الخالصة، إذ أن المشرع اتخذ من الإجراءات ما كان تطبيقا فعليّا للمعايير الدولية في هذه المادة وهما الاتفاقية الدولية للعمل رقم 52 والتي صادقت عليها تونس بأمر بتاريخ 25 أفريل 1957 والاتفاقية الدولية للعمل رقم 106 والتي صادقت عليها تونس بقانون عدد 39 لسنة 1958 بتاريخ 2 أفريل 1958 ونشرت بمقتضى الأمر عدد107 لسنة 1958 بتاريخ 4 أفريل 1958.

و قد جاءت النصوص الوطنية تؤكد على تمتع العملة براحة سنوية خالصة الأجر تساوي يوم واحد عن كلّ شهر عمل فعلي وهو ما نصّ عليه الفصل 113 من مجلة الشغل. وتذهب هذه الامتيازات الممنوحة إلى العمال أكثر من ذلك، حيث أن هذا الحدّ يقع تجاوزه بالفعل برفع مدّة العطل السنوية إلى شهر كامل سنويّا.

وتجدر الإشارة إلى أن مستوى الحماية القانونية المنصوص عليها في مجلة الشغل قد وقع تجاوزه وتحسينه بفضل الاتفاقيات المشتركة التي تشمل مختلف العاملين في القطاع الخاص والتي رفعت مدة العطل والراحات الخالصة.

وزيادة على ذلك فقد أخذ هذا الحق في الراحة والعطل جملة من التطبيقات الخاصة حسب الوضعيات، وقد حدّدها المشرع في مجلة الشغل ووقع تجاوزها في الاتفاقيات المشتركة وتتمثل في الراحة بمناسبة ولادة طفل أو موت أحد الأقرباء من الأصول أو الفروع أو القرين أو بمناسبة زواج العامل، وفي جلّ هذه المناسبات فإن العامل يتمتع براحة خالصة الأجر.

يبدو من خلال ما تقدم، أن جل التشريعات العربية والأجنبية[30]، كرّست حق العامل في الراحة والعطل الخالصة الأجر، فلماذا هذا الاهتمام التشريعي بالحق في الرّاحة الخالصة؟

– أسباب إقرار الحق في الراحة والعطل الخالصة:

الأصل أن يؤدي العامل عمله في حدود الحيز الزمني المتفق عليه وفقا لشريعة العقد، وفي تاريخ الصراع الذي مرّت به علاقات العمل حاول أصحاب الأعمال دائما الحصول من العامل على أكبر قدر ممكن من الجهد خلال أكبر فترة زمنية. ولم يكن صاحب العمل يراعي في اقتضائه للعمل المتفق عليه كمّا وكيفا سوى الاعتبارات الاقتصادية. فقد ظل الاعتقاد سائدا لمدة طويلة، بأن الحصول على أكبر قدر من الإنتاج بأقلّ قدر من التكاليف يقتضي من العامل بذل أكبر جهد في أطول مدّة زمنية.[31]

غير أن تطور المجتمع ومفاهيمه الاجتماعية أدى إلى الكشف عن جوانب أخرى لمشكلة وقت العمل وفترات الراحة، جوانب منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو اقتصادي. وقد كانت نتيجة هذا التطوّر عموما تنظيم وقت العمل وتخفيضه بمعدلات حاسمة، وقد اعتبر المتابعون لكفاح الطبقة العاملة أن ما تم الحصول عليه في هذا الشأن يعدّ من أكبر المكاسب العمالية على الإطلاق.

فعلى المستوى الاقتصادي، ثبتت أن الحيز الزمني الذي يؤدّى فيه العمل ليس العنصر الحاسم الوحيد في تحديد قدر الإنتاج. ففي فترة ما قد يكون حجم الإنتاج مرتبطا بطول الفترة التي يؤدى فيها العمل، لكن بعد مضي فترة معينة لا بد أن يتجه معدل الإنتاج إلى الانخفاض. ويتأكد مضمون هذه الملاحظة إذا تم التحقق منها على مستوى العمل اليومي. فحيث يستغرق العمل فترة طويلة في اليوم الواحد، بغير راحة كافية، لابد أن يصل الجهد البشري إلى أدنى مستويات فعاليته، خاصة وأن العمل الحديث يتم بسرعة متزايدة ويقتضي من العامل مزيدا من التركيز والانتباه.

بالإضافة إلى أن ظاهرة البطالة المتزايدة خاصة إبان الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت سنة 1930، احد دوافع التنظيم القانوني لوقت العمل، فقد لوحظ أن إجبار المؤجر على الإقلال من عدد ساعات العمل، وعلى الالتزام بقدر معين من الإجازات الأسبوعية والسنوية، يدفعه إلى الاستعانة بعدد أكبر من العمال حيث يتم تعويض ما يخسره نتيجة لنقص الفترة الزمنية لأداء العمل عن طريق الزيادة في عدد العمال.

وتجدر الملاحظة، بصفة عامة، أن تخفيض عدد ساعات العمل باعتباره مكسبا للطبقة العاملة، يفترض بالضرورة احتفاظ العامل باجره كاملا. وقد قصد المشرع التونسي من وراء ذلك إعطاء الفرصة للعامل لكي يستريح في عطلته دون عناء الحاجة المادية التي كانت ستترتب لو لم تكن العطلة مدفوعة الأجر.

وكذلك لو تقررت العطلة بدون أجر أو بأجر مخفض لفضل غالبية العمال الاشتغال وعدم الحصول على العطلة حتى لا يحرموا من أجورهم خلال مدتها.[32]

ويتفق هذا الحكم مع الحكمة من نظام العطلة، وهي تحقيق قدر من الراحة بغير الإضرار بالعامل ماديا، بل أن الأجر الكامل يصبح الدافع الرئيسي لتمسك العامل بحقه في الراحة، فبغيره يفضل اغلب العمال العمل المتواصل مع ما يرافق ذلك الحل من تعب جسدي وذهني وإرهاق للعامل وانخفاض قدرته على الإنتاج وبالتالي على إنتاجية المؤسسة.

بالإضافة إلى أن أداء العمل على فترات مستمرة قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأخطاء وارتفاع نسق حوادث الشغل والأمراض المهنية.

والراحة الخالصة فضلا عن موجباتها القانونية وأسبابها الاقتصادية، فان لها فوائدها الاجتماعية. ضرورة أنها تمكن العامل من الترويح عن نفسه وتجديد نشاطه.

وقد أثبتت الدراسات أن عدم تحديد وقت العمل وتخصيص وقت للراحة يهدد العامل صحيا[33] واجتماعيا. وتبدو الآثار الصحية السيئة على وجه خاص بالنسبة للعمال صغار السن وبالنسبة للمرأة العاملة، فمن غير المعقول أن تعامل المرأة، في جميع الظروف، ذات معاملة الرجل، إذ يجب أن يترك للمرأة وقت فراغ أكبر لأن بنيانها الجسدي وأعباءها العائلية تقتضي أن يترك لها فرصة اكبر للبقاء في المنزل.

وعموما، فان الراحة والعطل أصبح ينظر إليها كضرورة صحية، نفسية وعصبية،[34] لان أداء العامل لعمله لفترات زمنية متواصلة وطويلة قد يترتب عليه مللا لدى العامل أو إرهاق جسدي أو إخلال بعلاقات العامل الإنسانية والاجتماعية أو إبعاده عن واجباته والتزاماته المختلفة[35].

فإعطاء العامل الفرصة لاستعادة نشاطه وتجديد حيويته وقواه لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال عطلة طويلة نسبيا (العطلة السنوية)، يستطيع العامل من خلالها التفرغ لرعاية شؤون أسرته وشؤونه الخاصة مما يحقق له مصلحة اجتماعية وشخصية[36].

ويبدو أن خيار منح العامل الحق في عطلة تكون مدفوعة الأجر صائبا، بل انه أصبح ضرورة لما يكتسيه من أهمية سواء بالنسبة للعامل أو بالنسبة للمؤسسة.

وتعتبر دراسة هذا الموضوع مناسبة أخرى للتأكيد على خصوصية قانون الشغل بالمقارنة مع بقية فروع القانون المدني.

فلئن كان تشريع النصوص القانونية يدخل ضمن الاختصاص المطلق للسلطة التشريعية، فان قانون الشغل يتميز بقيامه على مبدأ التشاور والتفاوض بين الأطراف الاجتماعية، وذلك مع احترام الحدود القانونية الدنيا.وقد تكون هذه المرونة سببا في الاختلافات القضائية في مستوى التطبيق.

ولئن نظمت النصوص القانونية، سواء الوطنية أو الدولية، كيفية التمتع بالراحة والعطل الخالصة بصفة واضحة، شملت شروط الانتفاع بهذا الحق، مدة الراحة أو العطلة والأشخاص المنتفعين بها…

إلا أن الإشكال الذي يبقى مطروحا والذي يدعو إلى المزيد من التدقيق و الاجتهاد يتمثل في تحديد الآثار المترتبة عن إسناد هذا الحق في مستوى التزامات طرفي عقد الشغل.

فما هو تأثير الانتفاع بالراحة والعطل الخالصة على العلاقة العقدية وخاصة على التزامات طرفي عقد الشغل؟

إن الإجابة عن إشكالية البحث ستكون في جزأين:

يمثل الجزء الأول المبدأ وهو التوقف عن العمل أيام العطل الخالصة، إلا أن هذا التوقف لا يعني انتهاء العلاقة الشغلية أو توقف جميع آثارها وهو ما يدعونا لدراسة التزامات الطرفين أثناء توقف العمل بسبب الراحة (الجزء الأول).

أما الجزء الثاني فسنخصصه للبحث في هذه الالتزامات في صورة العمل، بصفة استثنائية أثناء العطل و الراحة الخالصة (الجزء الثاني).

يعني الحق في الراحة الخالصة، حق الأجير في التوقف عن أداء عمله بصفة مؤقتة مع الاحتفاظ باجره. إلا أن ممارسة هذا الحق لا يمكن أن تتم بصفة اعتباطية وإنما وفق تنظيم قانوني محكم وملزم وضعه المشرع حتى لا يضيع الهدف من تشريعه.

وفي إطار بحثنا هذا، سنتعرض في فصل أوّل إلى القواعد المنظمة للانتفاع بالحق في الراحة القانونية الخالصة، لنخصص الفصل الثاني منه، للبحث في الآثار المترتبة عن الانتفاع بهذا الحق.

الفصل الأول: القواعد المنظمة للانتفاع بالراحة القانونية الخالصة

يبدو من خلال القواعد القانونية المنظمة للانتفاع بالحق في الراحة الخالصة، أن هذا الحق المقرر لفائدة الأجير هو حق ملزم لكنه مشروط، لذلك فإن تحليلنا لهذا العنصر، سيكون في مبحثين من خلال تخصيص المبحث الأوّل للبحث في الصبغة الملزمة للحق في الراحة الخالصة (مبحث أول) وسنتناول في المبحث الثاني شروط ممارسة هذا الحق والانتفاع به (مبحث ثاني)

المبحث الأول: الصبغة الملزمة للحق في الراحة الخالصة

أقرت التشريعات الحديثة والاتفاقيات الدولية الحق للعامل في إجازة سنوية، حيث تقتضي المصلحة العامة، والمصلحة الشخصية للعامل وصاحب العمل ذلك، فتجديد نشاط العامل وحيويته وعودته مجددا للعمل بهمة ومعنوية عالية من جهة وإتاحة الفرصة لصاحب العمل لإدارة وصيانة وسائل الإنتاج من جهة ثانية ينعكسان معا بالفائدة على المجتمع عموما.

ومن الملاحظ أن لكل مجتمع عاداته وتقاليده تميزه عن غيره من المجتمعات مرتبطة بأصالته وحضارته وتاريخه، ومن هذه التقاليد والعادات ما هو ديني وما هو دنيوي ، يلتزم كل فرد من أفراد المجتمع بمراعاتها والقيام بالشعائر الدينية المطلوبة والإحتفال بالأعياد بها.

لذلك تقرر تشريعات العمل حقا للعامل في إجازة بهذه المناسبات تمكن من مشاركة أبناء مجتمعه في الإحتفال بها .

وقد أجمعت هذه التشريعات على أن حق العامل في الحصول على إجازته السنوية وإجازة الأعياد سواء الوطنية أو الدينية هو حق متعلق بالنظام العام.

ويترتب عن اتصال الحق في الإجازة الخالصة بالنظام العام مبدئيا وجوبية التنفيذ العيني لهذا الإلتزام (فقرة أولى) وبصفة استثنائية، إمكانية التعويض النقدي عن هذا الحق (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: مبدأ إلزامية التنفيذ العيني للحق في الراحة الخالصة

يقصد بالتنفيذ العيني تمكين الدائن من الحصول على ذات الأداء الذي التزم به المدين، ويكون قبل وقوع الإخلال في الالتزام. فيكون هناك تنفيذا عينيا للالتزام عن طريق عدم الإخلال به[37] ومبدأ الإجازة السنوية وعطل الأعياد الرسمية يتعلق بالنظام العام، والهدف من إسباغ هذه الخاصية عليه هو المحافظة على صحة العامل وسلامته البدنية والنفسية.

وقد عنيت جل التشريعات العربية والأجنبية بكفالة حق العمال الذين يسري عليهم قانون الشغل والنصوص المتممة له[38] في الحصول على إجازاتهم خالصة الأجر، لذلك ألزمت صاحب العمل بإعطائها للعامل من جهة (أ) ومن جهة ثانية ألزمت الأجير بقبول الانتفاع براحته القانونية الخالصة ومنعت تنازله عن هذا الحق (ب)

أ- المؤجر ملزم بمنح الرّاحة الخالصة:

تمثل الإجازة السنوية التزاما بذمة صاحب العمل لا يبرأ منه إلا بتمكين العامل من التمتع بها، وعلى صاحب العمل برمجة عدد العاملين وطبيعة العمل ضمن نطاق سلطته الإدارية ليمكن الجميع داخل العمل من التمتع بإجازاتهم بالشكل الذي يقرره القانون[39].

وتوفيقا بين اعتبار تمكين العامل من مشاركة أسرته بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة في الأعياد والمناسبات القومية وبين اعتبار المحافظة على القدرة الإنتاجية للمؤسسة قرر المشرع لكل عامل الحق في عطلة[40] بأجر كامل في الأعياد التي يقع تحديدها صلب مجلة الشغل[41] أو بمقتضى الاتفاقيات المشتركة سواء القطاعية أو الإطارية.[42]

وبالتالي فإن صاحب العمل يلزم بمنح العامل هذه الأيام المحددة دون غيرها حتى لا يضيع على العامل فرصة المشاركة في العيد، إلا إذا اقتضت ظروف العمل خلاف ذلك.[43]

وتعتبر الأحكام المتعلقة بالإجازات من النظام العام التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها. ويلتزم المؤجر بإسناد راحة خالصة كل سنة للعامل الذي تتوفر فيه شروط الانتفاع بها، وهو التزام لا يمكن أن يتم الوفاء به إلا عينا – أي لا يجوز تعويضه بأداء مالي باستثناء صور قطع أو إنهاء عقد الشغل قبل التمتع بالراحة السنوية الخالصة- لذلك حرص المشرع على التنصيص صراحة على أن “كل اتفاق تضمن تخلي العامل عن الرخصة المبينة بأحكام هذا الباب حتى ولو كان هذا التخلي في مقابل منحة تعويضية، يعتبر باطلا”[44]. وتبرير هذا الحكم أن المشرع ينظر إلى الإجازة كضرورة تحتمها المصلحة العامة وليس مجرد المصلحة الشخصية للعامل.

ويتماشى هذا الحكم مع ما قرّرته الاتفاقية الدولية عدد 52 لسنة 1936 الخاصة بالإجازات السنوية بأجر عندما حجرت كل اتفاق بين المشغل والأجير من شأنه أن يجعل هذا الأخير يتخلى عن الانتفاع بعطلة الراحة السنوية[45].

وقد اعتمدت جل التشريعات العربية والأجنبية المقارنة نفس التوجه، وأكدت على الصبغة الملزمة للحق في الرّاحة القانونية مقابل أجر، وفي هذا السياق اعتبر المشرع الفرنسي أن منح العطل القانونية الخالصة هو التزام محمول على عاتق المؤجر، يشكل عدم الوفاء به مخالفة توجب قيام مسؤولية المؤجر المدنية والجزائية[46].

وقد تأكد هذا الرأي من خلال فقه القضاء المقارن، حيث أكدت محكمة العدل الأوروبية مبدأ إلزامية الحق العطلة السنوية. [47]

لكن هل يجوز للمؤجر أن يشغل عماله أثناء الرخصة القانونية الخالصة بإحدى مؤسساته الأخرى؟

إن إسناد الرّاحة القانونية الخالصة الأجر يكتسي صبغة هامة ذلك أنها تمكن بدون شك العامل من التفرّغ لشؤونه الخاصة من جهة واسترجاع مؤهلاته من جهة ثانية، ولهذا فقد اعتبر المشرع المؤجر غير مانح للرخصة القانونية إذا ما عمد إلى تشغيل الأجير في هذه المدة سواء بالمؤسسة التي يعمل بها عادة أو حتى خارجها واعتبر هذا الإجراء مخالفا للقانون يعاقب عنه إذا ما أقدم على ذلك[48]. ولابد من التذكير في هذا الموضع بأن الإجازة السنوية تستقل عن الإجازات الأخرى التي يحصل فيها العامل على أجره كاملا .لذلك اقتضت أحكام الفصل 118 من مجلة الشغل أنه ،.: “… لا يدخل في حساب الرّاحة السنوية الخالصة الأجر بما يأتي:

أيام الأعياد الرسمية
أيام الانقطاع عن العمل لمرض أو حادث.”[49]
ويقتضي تطبيق أحكام هذا النص وجوب تمديد العطلة السنوية بقدر ما يتخللها من أيام أعياد رسمية.[50] ويترتب عن تطبيقه أيضا انه لا يمكن للمؤجر أن يطرح مدة الانقطاع عن العمل لمرض أو حادث من مدة الراحة السنوية[51] ومثاله انه إذا كان الأجير قد انتفع برخصة مرضية مدتها3 أيام خلال السنة وهو يستحق راحة سنوية قدرها12 يوما خلال نفس السنة، فلا يجوز لصاحب العمل أن يدخل مدة الراحة المرضية في حساب الراحة السنوية.

ويكون بناء على ذلك من حق الأجير التمتع بعطلة سنوية قدرها12 يوما، بقطع النظر عن الرخصة المرضية التي تمتع بها. وهذا ما قصده المشرع بقوله أن الراحة السنوية لا يدخل في حسابها أيام الانقطاع عن العمل لمرض أو حادث.

ب– منع تنازل الأجير عن حقه في الراحة القانونية الخالصة:

إن إقرار الحق للعامل في الراحة القانونية الخالصة، بما تهدف إليه من توفير راحة لمدة معينة من عناء عمل السنة، بما يمكن العامل من استعادة نشاطه وقوته والترويح عن نفسه والإلتئام مع أسرته، اعتبره المشرع حقا متصلا بالنظام العام بحيث لا يجوز استبدال حقا آخر به يحقق أغراضا أخرى ولو قدره العامل على المستوى الفردي أنفع له لأن العبرة هي بتحقيق الغاية التي شرع من أجلها الحق، وهو ما عبّر عنه المشرّع التونسي صلب مجلة الشغل بأنه لا يجوز للعامل أن يتخلى عن إجازته[52] وهذا الحل يتماشى مع ما جاءت به الاتفاقية العربية عدد6 لسنة 1976 لمستويات العمل بشأن الإجازات السنوية خالصة الأجر في مادتها 51 بمقولة أنه: “لا يجوز للعامل التنازل عن الإجازة السنوية مقابل الحصول على أجر عنها”

وهذا ما تواترت أحكام القضاء على تأكيده.[53]

لكن هل يجوز للأجير التخلي عن الرخصة القانونية مقابل تمتعه بالمنحة أي هل يجوز له تجميع الأجر مع منحة الراحة القانونية؟

مبدئيا، يعتبر هذا الإجراء باطلا لمخالفته لأحكام الفصل131من م. ش، لذلك فقد اعتبر البعض أن الأجير الذي يرفض التمتع براحته، سواء السنوية أو راحة الأعياد ويخيّر مواصلة عمله ، لا يمكنه التمسك بحقه في منحة الراحة القانونية إلى جانب أجره، و لا يمكنه في حالة من الاحوال المطالبة بمنحة الراحة القانونية لانتفاء سببها[54].

و في المقابل فان المؤجر ملزم بإثبات رفض الأجير وامتناعه عن قبول الانتفاع براحته القانونية.

ويثار تساؤلا آخر في هذا الإطار ويتمثل في التالي: هل يجوز للأجير خلال فترة الراحة الخالصة أن يؤدي عملا لفائدة مؤسسة أخرى؟

للإجابة عن هذا الإشكال نشير في البداية إلى أنه لا يوجد صلب مجلة الشغل نصا يمنع صراحة الأجير من العمل لدى مؤسسة أخرى خلال فترة الرّخصة خالصة الأجر.

لكن الأجير يصطدم بجملة من الموانع التي تحول دون إمكانية إبرام عقد شغل ثان، وأول هذه الموانع، واجب الأمانة في تنفيذ العقود على معنى الفصل243 من م.ا.ع الذي يقتضي أن يكون الأجير وفيا تجاه مؤجره، فلا يمكنه أن يشتغل لدى مؤجر آخر.

بالإضافة إلى تنصيص بعض الاتفاقيات القطاعية المشتركة على منع الأجير من الاشتغال بأي مؤسسة أخرى سواء كان ذلك خلال تنفيذ أو تعليق العقد.[55]

وقد أجازت بعض التشريعات العربية لصاحب العمل أن يحرم العامل من أجره عن مدة الإجازة التي ثبت اشتغاله خلالها لحساب صاحب عمل آخر.[56]

ويرى جانب من الفقه المقارن أن اشتغال الأجير خلال راحته الخالصة لدى مؤسسة أخرى يشكل هفوة فادحة تبرر الطرد.[57]

وعموما، فانه رغم عدم تنصيص المشرع صراحة على عدم جواز قيام العامل بالعمل لدى صاحب عمل آخر خلال مدة عطلته القانونية، فالإجابة لا يمكن أن تكون إلا بالنفي ضرورة أن المشرع لم يمنح العامل حق التنازل عن حقه في الراحة، كما لم يمنحه صراحة ولا ضمنيا الحق في العمل لدى صاحب مؤسسة أخرى.

وذلك على اعتبار أن الراحة السنوية وعطل الأعياد حق متعلق بالنظام العام وان الحكمة التشريعية من إقرارها إنما جاء بهدف منح العامل الراحة من عناء العمل على مدار السنة، فلا يجوز للعامل استبدال عطلته السنوية بالأجر، كما لا يجوز له العمل أثنائها لدى صاحب عمل آخره.[58]

لكن ماذا لو لم يتمتع العامل بإجازته السنوية بعد انصرام الفترة الزمنية التي يحددها المشرع؟

إن مبدأ التنفيذ العيني الذي أشرنا إليه سابقا، ينصرف إلى سنة الاستحقاق، أمّا إذا انقضت سنة الاستحقاق دون أن يتمتع العامل بإجازته السنوية، فإن حقه في الانتفاع بها يسقط. وقد حدّد المشرع التونسي أجل التنفيذ بالنسبة للإجازة السّنوية المقررة للعمال في النشاط الفلاحي، فقرر أنه :”يجب أن يتمتع أصحاب الرخص بهذه الرخصة في العام الموالي لتاريخ بداية الحق في الرخصة إذا كانت ذات خمسة عشر يوما، أمّا إذا كانت مدة الرخصة دون الخمسة عشر يوما فإنها تقضى في الستة أشهر التي تلي نفس ذلك التاريخ”.[59]

ومن هذا المنطلق، يبدو أن المشرع التونسي ميّز في تحديد أجل الوفاء بالإلتزام بمنح العطلة بين حالتين، اختلف الحلّ فيهما بحسب مدة الراحة المقررة : فكان الأجل العام الموالي لتاريخ بداية الحق إذا كانت مدة الراحة المستحقة تقدر بخمسة عشر يوما وأمّا إذا كانت هذه المدة دون الخمسة عشر يوما فإنها تقضى بمرور الستة أشهر التالية لنشأة الحق.

بقي أنه بالنسبة للعمال في القطاع الفلاحي فإنه طبق أحكام الفصل 117 من مجلة الشغل يمكن إسناد الرخصة السنوية في “فترة أخرى من السنة” وبالتالي فإن المشرع لم يحدد أجل التنفيذ بصفة واضحة.

ويبدو أن المقصود هنا بعبارة من السنة، “سنة الاستحقاق الراجعة إليها الراحة السنوية، فإذا انقضت هذه السنة سقط حق العامل في الانتفاع بها.

وإذا كان الأمر كذلك، فهل بالإمكان التنفيذ المادي بدلا من التنفيذ العيني للإجازة على اعتبار وأن الحق في التمتع بها عينا قد سقط بانصرام الأجل الذي حدده المشرع أي خلال سنة الإستحقاق؟

وبعبارة أخرى، هل بالإمكان أن يتقاضى العامل أجرا أو تعويضا عن الإجازة السنوية التي سقط حقه في الانتفاع العيني بها؟

لقد أكد المشرع التونسي على منع تنازل العامل عن إجازته ولو كان ذلك مقابل منحة تعويضية[60] إلا في حالات معينة حددها القانون، سنتعرض لها في إطار الفقرة التالية.

الفقرة الثانية: إمكانية التعويض النقدي عن الحق في الرّاحة القانونية الخالصة

إذا كان من المسلم به أن المبدأ في الإجازات القانونية أن يكون التنفيذ عينيّا، فإنه يحدث في بعض الصور أن يسمح المشرع بالتعويض النقدي لهذا الحق[61]، أي انه يجيز التنفيذ بمقابل وذلك في حالات معيّنة يصبح فيها التنفيذ العيني غير ممكن .

وقد حصر هذا الاستثناء في صورتين سنتعرّض لهما تباعا، وهما صورة انتهاء عقد الشغل محدد المدة قبل التمتع بالراحة السنوية (أ) وصورة فسخ عقد الشغل قبل الانتفاع بهذه الرّاحة (ب).

أ. انتهاء مدة عقد الشغل قبل الانتفاع بالرّاحة السّنوية:

يطرح هذا الإشكال بالنسبة للعقود المحددة المدة، ففي مثل هذه الصورة، يحدث أن تنتهي خدمة العامل بانتهاء المدة المحددة بالعقد أو بإنجاز العمل المتفق عليه دون أن يتمتع براحته السنوية الخالصة الأجر، وقد اقتضت أحكام الفصل 132 من مجلة الشغل أنه: “إذا أبرم عقد الشغل لمدة معينة فإنه يجب على المؤجر أن يمكن العامل من التمتع برخصته بكيفية تجعلها تنتهي قبل انقرا ض ذلك العقد بأسبوع على الأقل وإلا استوجب الغرم.

وتطبيقا لأحكام هذا النص، فإن المؤجر يجب أن يمنح أجيره راحته السنوية قبل نهاية عقد شغله محدد المدة.

فإذا كان تاريخ انتهاء عقد الشغل يوم 31 جانفي منه، فإن المؤجر عليه تمكين أجيره من راحته السنوية قبل هذا التاريخ بأسبوع على الأقل بحيث يكون يوم 24 جانفي تاريخ إنتهاء مدة الرّخصة السنوية.

وهذا الحكم فيه تأكيد على مبدأ التنفيذ العيني لهذا الالتزام، إلا أنه في صورة انتهاء العقد قبل الوفاء به، فإن الأجير لا يحرم من حقه في راحته السّنوية ويكون التنفيذ حينئذ بمقابل نظرا لاستحالة التنفيذ العيني باعتبار وأن عقد الشغل قد انتهت مدته[62]،

وهو ما اقتضته أحكام الفصل 132من م.ش و”إلا استوجب الغرم” والمقصود هنا بالغرم هوالتعويض النقدي عن الراحة السنوية التي لم يتمتع بها الأجير، رغم أن لفظة الغرم “قد تحتمل معنى آخر يقصد به غرم الضرر عن عدم الانتفاع بالراحة القانونية أو قد تعني العقوبة الجزائية والمتمثلة في الخطية المالية المحكوم بها طبقا لمقتضيات الفصل 234 جديد م ش[63] كجزاء عن إخلال المؤجر بالتزامه بمنح الرّاحة السنوية لأجيره.

لكن إذا انتهى عقد الشغل لسبب أو لآخر دون إكمال المدة المشترط لاكتساب الحق في الراحة السنوية: هل يحق للعامل أن يتمتع بالمنحة التعويضية بعنوان راحة سنوية خالصة؟

إن شرط المدة الذي قدره المشرع بشهر عمل فعلي بالنسبة للعامل الغير فلاحي وستة أشهر خدمة متصلة بالنسبة للعامل الفلاحي، هو شرط لقيام الحق في الراحة السنوية الخالصة، لذلك فان العامل لا يستحق أي مقابل بهذا العنوان قبل قضاء هذه المدّة، فالحق لم ينشأ بعد فكيف يمكن المطالبة بالمقابل عنه؟

لكن الفقه والقضاء في بعض الدول العربية[64] استقر على الحكم باستحقاق العامل ما يصطلح على تسميته بالاستحقاق النسبي[65] وهو استحقاق العامل لأجر الإجازة السنوية الذي يتناسب والمدة التي قضاها في الخدمة باعتبارها حقا مكتسبا له وهو الطرف المعني بالحماية المقررة في هذا الصدد.

ب. فسخ عقد الشغل قبل الانتفاع بالرّاحة السّنوية:

اقتضت أحكام الفصل 120من م. ش أن العامل الغير الفلاحي الذي فسخ عقد شغله قبل أن يتمتع بكامل الرخصة التي يستحقها يتقاضى في مقابل الجزء الذي لم يتمتع به من الرخصة منحة تعويض…ولا يستحق المنحة إذا كان فسخ العقد متسببا عن هفوة فادحة ارتكبها العامل.

لقد وضع هذا النص مبدأ واستثناء، فأمّا المبدأ فيتمثل في استحقاق الأجير الغير فلاحي لمنحة تعويضية- تساوي المنحة المستحقة في صورة الانتفاع بالرّاحة السّنوية فعليّا- في صورة فسخ عقد الشغل قبل التمتع بالرّاحة السّنوية الخالصة. وتبرير ذلك أنه في هذه الصورة نكون أمام حالة استحالة تنفيذ إلتزام المؤجر بمنح الراحة الخالصة لأجيره وبالتالي فلا يمكنه إلا أداء قيمة الحق نقدا وتعويض العامل بأجره.

أمّا بخصوص العامل الفلاحي, فقد تقرر صلب الفصل من 128من م. ش أنه “إذا فسخ عقد الشغل عامل من طرف المؤجر وكان هذا العامل قد قضى ستة أشهر متواصلة على الأقل في العمل قبل أن يتمتع برخصته السّنوية الخالصة الأجر… فإن لهذا العامل الحق في منحة مطابقة لعدد أيام الرخصة التي كان من الواجب أن يتمتع بها بسبب الأشغال المتواصلة التي قام بها في الوقت الذي فسخ فيه العقد ولم يتمكن من التمتع بها بعد” ومؤدى هذا الحلّ أن انتهاء الخدمة لا يؤثر على حق العامل في الإجازة، لكنه لا يحصل عليها عينا لأن العقد قد انتهى بالفسخ، فيستحق منحة تعويض كمقابل للإجازة التي لم يحصل عليها، وتحسب هذه المنحة بنسبة المدة التي اشتغل في[66]

إلا أن المشرع التونسي، مثل نظيره الفرنسي[67] قرر حرمان الأجير من هذه المنحة التعويضية إذا كان فسخ العقد ناتجا عن هفوة فادحة أو خطأ فادح ارتكبه الأجير.و سنتعرض إلى هذه المسالة في إطار الجزء الثاني من هذا البحث.

ونستنتج مما سبق عرضه أنه لما كان التنفيذ العيني للإجازة غير ممكن لانقضاء المدة الزمنية التي يحددها المشرع للتمتع بها، فإن التنفيذ بمقابل يتحقق في حالة انتهاء علاقة العمل.

بقي أنه بالنسبة لعطلة الأعياد الرسمية الخالصة، فإنه يمكن تعويضها نقدا في صور استثنائية وحالات معينة وحسب شروط قررها المشرع صلب مجلة الشغل وسنتعرض لها مفصّلا في مرحلة متقدمة من البحث.

المبحث الثاني: شروط الانتفاع بالراحة القانونية الخالصة

إن الانتفاع بالراحة القانونية الخالصة، حق يكفله القانون لكل عامل، لكن التمتع به وممارسته يتوقف على توفر أو عدم توفر جملة من الشروط: منها ما هو شخصي، مرتبط بالأشخاص المنتفعين بهذا الحق(فقرة أولى) ومنها ما هو موضوعي (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى:الشروط الشخصية

يتوقف الانتفاع بالراحة المدفوعة الأجر مبدئيا على توفر صفة العامل(أ) بقطع النظر عن وضعيته المهنية (ب).

أ-توفر صفة العامل:

لم يشترط المشرع التونسي توفر هذه الصفة صراحة، إلا أن هذا الشرط يمكن استنتاجه من خلال الأحكام المنظمة للرّاحة القانونية الخالصة، سواء صلب مجلة الشغل أو بالاتفاقيات المشتركة الإطارية والقطاعية، فعندما يقرر المشرع أن “كل عامل يستحق كل عام رخصة خالصة الأجر يتحمل بها المؤجر…[68] وأن للعملة الحق في يوم راحة خالصة..[69]

وعندما تقتضي أحكام الاتفاقية الإطارية المشتركة في فصلها الثلاثين أنّ : “لكل أجير مباشر للنشاط الحق في رخصة خالصة كل عام” وأنه, يتمتع العملة برخصة بمناسبة أحداث تكون قد طرأت بعائلتهم…”[70]

فمن خلال لفظة “كل عامل” و”العملة”و “لكل أجير…” يمكن أن نستنتج أن استحقاق الرّاحة القانونية الخالصة يتوقف على توفر صفة العامل، فهو وحده يحق له ممارستها والانتفاع بها وهذا ما أكده المشرع الفرنسي عندما اقتضى أن الحق في الراحة القانونية الخالصة ينتفع به كل عامل يربطه عقد شغل مع المؤسسة[71].

وفي غياب تعريف تشريعي صريح للعامل أو الأجير، يمكن انطلاقا من أحكام الفصل السادس من مجلة الشغل يمكن تعريف العامل بانه كل شخص يزاول عملا لحساب شخص آخر وتحت إشرافه وإدارته، مقابل أجر.

وقد عرفته بعض القوانين المقارنة بأنه كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب عمل وتحت إدارته وإشرافه.[72]

ويتضح من هذه التعاريف أن لفظ “عامل” يشمل كل من يقوم بعمل يدوي أو عقلي ولا أهمية للتسمية التي يطلقها الطرفان، فقد يطلق على من يعمل لفظ عامل “ouvrier” أو مستخدم “employé” أو أجير “salarié” أو شغيل “travailleur”[73].

وينبني على ما تقدم أن العامل بهذا المعنى لا يمكن إلا أن يكون شخصا طبيعيا. ويرى البعض انه ليس هناك من القواعد العامة ولا من مقتضيات الفقه القانوني ما يحول دون أن تكون للشخص المعنوي صفة العامل وأنه يكفي لبيان ذلك أن نلاحظ أن عقد الوكالة وعقد المقاولة وعقد العمل هي جميعا عقود ترد على العمل ولا نتبيّن بوضوح لماذا يمكن أن يكون الشخص المعنوي وكيلا أو مقاولا بينما لا يمكن أن يكون عاملا، وينتهي هذا الرأي إلى أنه ليس هناك من طبيعة الشخص المعنوي ما يمنع من وجوده في حالة التبعية المميزة لعقد العمل[74].

غير أنه هناك من الفقهاء[75] من يؤكد على أن العامل لا يمكن أن يكون إلا شخصا طبيعيّا ولا يمكن انصراف معناه لغير الإنسان، فهو المقصود بالحماية والذي يستطيع ممارسة مختلف أنواع النشاط. ويشترط لتوفر صفة العامل ما يلي:

إنسان ذكر أو أنثى بالغ سن الرشد أو مميز
يؤدي عملا ما سواء كان عملا عقليا أو عملا يدويا
يتم الأداء لحساب شخص آخر طبيعي أو اعتباري تتوفر فيه صفة صاحب العمل
يتم هذا الأداء تحت إشراف أو إدارة صاحب العمل
مقابل أجر يحصل عليه من يؤدي العمل، وسيان أن يكون عينيا أو نقديّا.
وقد تناول فقهاء الإسلام تعريف العامل في مجال الحديث عن الإجارة وذلك تحت عنوان “إجارة الآدمي” أو “إجارة أهل الصنائع” فقد نصت المادة 562 من مجلة الأحكام العدلية[76] على أنه: “يجوز إجارة الآدمي للخدمة أو لإجراء صنعه ببيان مدة أو بتعيين العمل بصورة أخرى، ويسمى العامل بالأجير ويسمى صاحب العمل بالأجر”.

وقد حدّد المشرع التونسي الفئة العمالية التي تنطبق عليها الأحكام الشغلية، و جاء بالفصل الأول من مجلة الشغل أن أحكام هذا القانون تنطبق على محلات الصناعة والتجارة وعلى توابعها مهما كان نوعها، العامة أو الخاصة، الدينية أو اللادينية ولو كانت لها صبغة مهنية أو حرفية، وتنطبق أيضا على المهن الحرة ومحلات الصناعة التقليدية والتعاضديات والشركات المدنية والنقابات والجمعيات والجماعات مهما كان نوعها.

ومما تجدر الإشارة إليه أن تشريع العمل ببلادنا، يسري على جميع العمال المرتبطين بعقد عمل، ولا يستثني سوى موظفي الحكومة[77] وذلك على خلاف تشريع العمل لكل من الجمهورية الجزائرية وجمهورية اليمن، فتسري على جميع العمال بمن فيهم موظفي الحكومة.

من ناحية أخرى، لم تتعرض مجلة الشغل إلى وضعية عملة المنازل المعدة للسكن الخاص كالمعينة المنزلية والبستاني والسائق ومن يتولى تنظيف السكن والطهي[78] وعملة الأسرة الواحدة، ونتيجة لذلك تمّ اعتبارهم على مستوى التطبيق من الفئات المستثناة من الخضوع إلى أحكام هذه المجلة[79].

ويوصف الأجير بالعامل الصناعي أو التجاري أو الفلاحي أو الإداري وغيرها من الأوصاف التي يتم تحديدها وفقا للنشاط الذي يتعاطاه العامل بالمؤسسة[80]. لكن هذه الأوصاف لا تؤثر على حق العامل في الراحة القانونية الخالصة وإن كانت تؤثر في المدة المستحقة بعنوان راحة سنوية خالصة.

لكن ما يؤثر حقا على الحق في الراحة القانونية خالصة الأجر وبالتحديد على استحقاق الراحة السنوية هي الوضعية المهنية للعامل وسنتعرض لها فيما يلي.

-ب- تأثير الوضعية المهنية للعامل على حقه في الراحة الخالصة:

إن الوضعية المهنية للعامل لا تؤثر على حقه لا في العطل الممنوحة لأسباب عائلية أو استثنائية ولا على انتفاعه براحة الأعياد الرسمية باعتبار وأن الانتفاع بهذه العطل ينتفع به كل عامل بقطع النظر عن وضعيته المهنية.

لكن ماذا نعني بالوضعية المهنية للعامل؟

إن العامل المباشر لعمله سواء داخل المؤسسة أو خارجها وضعية مهنية يحدّد بمقتضاها العلاقة الشغلية التي تربطه بمؤجره، وفي غالب الأحيان تعرف هذه الوضعية منذ البداية، أي عند انتداب العامل ليكون قارا أو غير قار كالعامل المتعاقد والعامل الوقتي والعامل العرضي والعامل الموسمي والعامل لوقت جزئي.

فالعامل القار، هو الذي انتدب لمدة غير معينة ورسّم بخطته إثر تجاوزه لفترة التجربة بنجاح، أو واصل عمله بعد هذه الفترة ولم يعلمه مؤجره بإنهاء عمله، أو وقع انتدابه مرة أخرى بعد أن قضى فترتي التجربة، والعامل القار بالقطاع الفلاحي هو الذي ينتدب لمدة غير معيّنة قصد المشاركة في جميع العمليات التابعة لحلقة من حلقات الأشغال الفلاحية العادية بالضيعة بصفة تضمن له عملا منتظما.

وبالنسبة للعمال القارين، فإنهم يتمتعون بكل الحقوق التي قررها القانون للعمال بما فيها الحق في الرّاحة الخالصة.

أما فيما يتعلق بالعامل المتعاقد، وهو العامل الذي أبرم مع المؤجر عقد شغل لمدة معينة مقابل أجر.

وينتهي عقده بانتهاء الفترة الزمنية لتنفيذ هذا العقد أو بإنجاز العمل موضوع العقد.

وبالنسبة لهؤلاء العملة، فإنهم ينتفعون بنفس الحقوق التي ينتفع بها العمال القارين، إلا أنه في صورة انتهاء عقود شغلهم قبل تمكينهم من الراحة السنوية فيحق لهم التعويض النقدي عنها.[81]

وبالنسبة للعامل لوقت جزئي، وهو العامل الذي يعمل وفقا لتوقيت عملا لا يتجاوز 70 % من توقيت العمل العادي المنطبق على المؤسسة. ويمكن أن يرتبط هذا العامل مع المؤجر بعقد شغل لمدة معينة أو غير معينة[82] فهؤلاء العمال لهم نفس الحقوق ويخضعون لنفس الواجبات التي أقرتها النصوص القانونية والترتيبية والتعاقدية لفائدة العاملين كامل الوقت المستخدمين في ظروف مماثلة[83].

ومن هذا المنطلق، فإن هذا الصنف من العاملين يتمتعون بالحق في الراحة القانونية الخالصة، ويكون أجر العامل لوقت جزئي والمنح التي يستحقها عن الإجازة السنوية متناسبة مع مدة العمل[84], فمثلا العامل الذي يشتغل يوم واحد خلال الأسبوع، له الحق في نفس مدة العطلة السّنوية مقارنة بالعامل الذي يشتغل كامل أيام الأسبوع (40 أو 48 ساعة) لكن الفرق بين العامل لوقت جزئي والعامل لوقت عادي يبرز في مستوى قيمة المنحة المستحقة بعنوان راحة سنوية خالصة، وهذا التمييز ليس إلا تجسيدا للقواعد العامة لاحتساب قيمة المنحة المستحقة.

وفي هذا السياق قررت محكمة التعقيب الفرنسية أن العامل لوقت جزئي، له الحق في راحة سنوية تساوي مدة الراحة التي ينتفع بها العامل لوقت كامل. وينتفع في مقابلها بمنحة تساوي عشر قيمة الأجر الذي تحصل عليه خلال سنة الاستحقاق، أو مساوية للأجر الذي يتحصل عليه العامل لو أنه اشتغل فعلا[85].

بقي أنه لا بد من التفريق بين العامل لوقت جزئي والعامل الوقتي وهو العامل الذي ينتدب للقيام بعمل معيّن تكون مدّته مؤقتة وغير دائمة و يمكن تسميته أيضا بالعامل الظرفي، وينتدب على سبيل المثال لتعويض عامل قار متغيّب أو توقف تنفيذ عقد شغله[86].

وهذا الصنف من العمّال ينتفع براحة قانونية خالصة الأجر حسب مدة العمل التي قضاها بالمؤسسة وفي صورة إنتهاء مهمته أو مدة عقده، فله الحق في منحة تعويضية بعنوان راحة قانونية خالصة.

أما العامل الموسمي، وهو العامل الذي ينتدب للقيام بأشغال موسمية تتكرر بصفة دورية وفي فترة معينة من الزمن (الأسبوع، الشهر، السنة…) وعادة لا يحتاج لإنجاز هذه الأشغال، حسب العرف أو بحكم طبيعتها، إلى عقد شغل لمدة غير معينة.

والعامل الموسمي في القطاع الفلاحي هو الذي ينتدب لإنجاز عمل ذي مدة متغيرة لكنّها محدودة وتستوجبه حاجيات موسمية أو طارئة بالضيعة، والذي أيضا ينتهي عقد شغله عندما يتم إنجاز العمل[87].

وبالنسبة لهذا الصنف من العمال، اقتضى الفصل 121 من م.ش أنه “يتحتم على المؤجرين في ميادين النشاط التي لا يكون فيها عادة العملة مستغلين بصفة مستمرة عند نفس المؤجر خلال المدة المعتبرة لتقدير استحقاق الرخصة، أن يدفعوا اشتراكات للصندوق القومي للضمان الاجتماعي… وفي هاته الصورة يكلف هذا الصندوق بدفع المنح المطابقة لحق العملة في الرخصة…”

ويطرح السؤال حول مدى استحقاق العامل الأجنبي للرخص القانونية المدفوعة الأجر؟ والجواب لا يمكن أن يكون إلا بنعم، وفقا لما اقتضاه المشرع صراحة صلب مجلة الشغل من أن : “العامل الأجنبي ينتفع بنفس الحقوق ويخضع لنفس الواجبات الناجمة عن العلاقة الشغلية والمنطبقة على العامل التونسي، وفي غياب اتفاق صريح في عقد الشغل بين العامل الأجنبي والمؤجر حول الإجازة، فإنه يقع اعتماد التشريع الجاري به العمل المنطبق (مجلة الشغل والاتفاقيات المشتركة) ويتفق هذا الحكم مع مقتضيات تشريع العمل الفرنسي في خصوص انتفاع العمال الأجانب بنفس الحقوق التي ينتفع بها العمال الفرنسيين[88].

وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أنه فيما يتعلق بالأهلية اللازمة للعامل، نشير إلى انه ولئن لم تتعرض مجلة الشغل إلى مسالة الأهلية في إبرام عقود الشغل، واكتفت بتحديد السن الدنيا لانتداب العملة[89] فانه يمكن اعتماد أحكام الأهلية في القانون المدني لضمان صحة عقود الشغل المبرمة مع عملة دون العشرين سنة.

وبناء على ذلك، فإذا كان سن العامل المزمع انتدابه دون العشرين سنة في تاريخ الانتداب، فيجب إبرام عقد الشغل بواسطة وليه الشرعي[90] وإلا عد العقد قابلا للإبطال[91] . وهو ما دأب فقه القضاء على تأكيده[92]

كما يجوز للعامل المتزوج الذي تجاوز سن السابعة عشر سنة إبرام عقود الشغل بنفسه طبق أحكام الفصل 153 من م.ا.ش[93].

لكن السؤال الذي يطرح في هذا المستوى يتمثل في التالي: هل أن توفر صفة العامل وانتمائه إلى مؤسسة خاضعة لقانون الشغل، سواء مجلة الشغل أو النصوص المتممة لها من اتفاقية إطارية أو قطاعية مشتركة، يكفي لتقرير حقه في الراحة والعطل الخالصة أم أنه هناك شروط أخرى يحب توفرها لاستحقاق هذه الإجازات الخالصة؟

لقد نظم المشرع مسألة إسناد الراحة السنوية المدفوعة الأجر صلب مجلة الشغل. وجعل استحقاقها متوقفا على توفر أو عدم توفر جملة من الشروط التي يمكن تصنيفها على أنها شروط موضوعية والتي يجب توفرها إلى جانب الشروط الشخصية التي سبق وتعرضنا لها حتى يتمكن العامل من الانتفاع بها.

الفقرة الثانية : الشروط الموضوعية لاستحقاق الراحة القانونية الخالصة

والمقصود هنا هو الشرط المتعلق بإثبات قيام العلاقة الشغلية (أ) إلا أنه هناك شروط أخرى خاصة لاستحقاق الراحة السنوية دون غيرها من العطل الأخرى، وتتعلق بمدة العمل الفعلية لدى نفس المؤجر (ب) وسنتعرّض إلى هذه الشروط تباعا.

أ- الشرط الأول: قيام علاقة شغلية:

لم يشترط المشرع التونسي، لاستحقاق الراحة القانونية الخالصة إثبات قيام العلاقة الشغلية بصفة صريحة إلا أن هذا الشرط يمكن أن نستشفه من خلال العبارة الواردة بالفصول 112 و113 من مجلة الشغل “كل عامل” والعامل حسب أحكام الفصل 6 من نفس المجلة هو الشخص الذي يربطه بالمؤسسة علاقة شغل.

وقد سبق لفقه قضاء المحكمة الابتدائية أن قرر هذا الشرط على النحو التالي: “وحيث لا جدال أن المطالبة بالمستحقات الشغلية تفترض في بادئ الأمر إثبات العلاقة الشغلية بداية ونهاية واسترسالا[94]“.

ويقتضي قيام العلاقة الشغلية وجود عقد شغل بعناصره، باعتبار وأن عقد الشغل يمثل الإطار القانوني لعلاقات الشغل الفردية وهو أساس الرابطة الشغلية التي تنشا بين العامل والمؤجر[95] والتي على أساسها يكيف العقد على أنه عقد شغل.

وعقد الشغل هو اتفاقية يلتزم بمقتضاها أحد الطرفين ويسمى عاملا أو أجيرا بتقديم خدماته للطرف الآخر ويسمّى مؤجرا وذلك تحت إدارة ومراقبة هذا الأجير وبمقابل أجر…[96]

ومن خلال هذه التعريف لعقد الشغل، يتبيّن لنا أن العلاقة الشغلية بين العامل والمؤجر والتي تعتبر أساس نشأة كل الحقوق والالتزامات بين الطرفين، لا يمكن لها ان تتم إلا إذا توفرت العناصر التالية: العمل والأجر والتبعية[97].

ولا يمكن اعتبار العقد الرابط بين الطرفين، عقد شغل إلا إذا ثبت توفر عناصره. وفي هذا المعنى صدر حكم ابتدائي جاء به أن “العقد الرابط بين الطرفين لا تتوفر فيه أركان الفصل 6 من مجلة الشغل وبالتالي فهو لا يعتبر عقد شغل[98].

كما أن العلاقة الشغلية تعتبر غير ثابتة طالما لم يثبت المدعي عناصر عقد الشغل[99]. ويمكن تحديد عناصر عقد الشغل طبقا للفصل 6 من مجلة الشغل فيما يلي:

أ – أداء عمل لفائدة المؤجر بصفة شخصية

ب – أداء عمل بمقابل أجر

ج – أن يكون العامل تابعا في أداءه لعمله لصاحب العمل أو ما يعبر عنه بالتبعية القانونية.

ولا يشترط لقيام التبعية القانونية وجود عقد عمل مكتوب إذ يجوز أن تنشأ على أساس من الواقع وحده[100] أو تنشأ عن ارتباط شفوي بين العامل وصاحب العمل، والتبعية القانونية قد تكون فنية وقد تكون تنظيمية أو إدارية وهي معيار لتمييز عقد الشغل عمّا يشبه من العقود[101].

وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى أن المشرع التونسي أعطى بعض أصناف العمال صفة الأجراء ويعتبرهم مرتبطين بعقود شغل بالرغم من انعدام التبعية القانونية ومن تمتعهم باستقلالية في أداء عملهم ذلك هو الشأن بالنسبة للصحافيين المحترفين الذين تتعارض مهمّتهم بطبيعتها مع التبعية القانونية[102]وللوكلاء التجاريين والنواب المتجوّلين[103] والعاملين بمنازلهم الذين يعملون لفائدة مؤسسة أو عدة مؤسسات[104] ففي هذه الحالات تبرز التبعيّة الاقتصادية كمقياس لعقد الشغل، فهؤلاء العمّال هم أجراء بقوة القانون[105].

كما انه، هناك بعض العقود التي تتماثل مع عقد العمل بحيث يكون فيها عنصر التبعية الاقتصادية متوفرا بينما يختل عنصر التبعية القانونية.

ومن أهم العقود التي تلتبس مع عقد العمل، عقد المقاولة[106] وعقد الوكالة[107] وعقد الشركة[108] وهي عقود معروفة في التشريع الوضعي، إلا أن العلاقات التي تقوم على أساسها لا يمكن أن تكون علاقات شغلية ولا تندرج ضمن الأحكام الشغلية[109].

فلا الشريك ولا المقاول ولا الوكيل يستحق راحة قانونية خالصة يتحمل بها المؤجر، فقط عامل الشغل كيفما وقع تحديده وتعريفه سابقا له الحق في الانتفاع بها.

ولئن كان المبدأ في عقود الشغل أن تبرم لمدة غير محددة، وفي حالات خاصة يبرم عقد الشغل لمدة معينة[110]، إلا أن كسب الرهانات التي تعيشها النسيج الاقتصادي مرتبطا إلى حدّ كبير باختيار أنماط جديدة للعمل تساعد في نفس الوقت على تلبية الحاجيات المتغيرة للمؤسسة وخلق فرص عمل بما يساعد على تحقيق أكثر معادلة بين مكوّنات سوق الشغل.

وترتيبا على ما سبق ذكره فإنه، سواء قامت العلاقة الشغلية على أساس عقد شغل محدد المدة أو غير محدد المدة، أو عقد عمل لوقت جزئي أو عقد مناولة[111] أو عقد عمل عن بعد[112] أو عقد عمل وقتي فإنها تكيّف في كل الحالات على أنها علاقة شغلية يمكن للعامل على أساسها المطالبة بحقه في راحة قانونية خالصة.

ويبقى الإشكال يبقي مطروحا بالنسبة لعقود الشغل الخاصة أو ما يطلق عليه بعقود التشغيل، فهل أن العلاقة التي تقوم على أساسها تكيّف على أنها علاقة شغلية ويمكن على أساسها المطالبة بالحق في الراحة القانونية الخالصة؟

يدخل ضمن عقود الشغل الخاصة أو عقود التشغيل، عقود التدريب وعقود التمرين أو التربص.

وعقد التدريب هو عقد يلتزم بمقتضاه رئيس المؤسسة بصفته عرفا أن يلقن مباشرة أو بطريق الغير تكوينا مهنيا إلى شخص آخر والذي يلتزم بمقتضاه هذا الأخير المدعو متدربا مقابل ذلك بأن يمتثل إلى التعليمات التي يتلقاها بأن ينجز الأشغال الموكولة إليه قصد تحقيق تكوينه المهني[113].

ورغم تأكيد فقه القضاء على أن “عقد التدريب يختلف عن عقد الشغل قانونا عملا بأحكام الفصل 6 من مجلة الشغل وبالفصول 343 وما بعده م ش”[114]، فان المتدرب يتمتع بالحق في الراحة أيام الأعياد والعطل الخالصة[115] التي تحدد بأمر[116] ، و هو نفس الحق الذي يتمتع به الأجير في إطار عقد الشغل.

أما فيما يتعلق بالراحة السنوية، فان المؤجر يلتزم بتمكين المتدرب خلال فترة التدريب من العطلة السنوية المنصوص عليها في الفصل 112من مجلة الشغل.الا ان الخصوصية التي يتميز بها عقد التدريب، تتمثل في خضوعه لنظام خاص يختلف عن الاحكام المنصوص عليها بالفقرة الاولى من الفصل 113 و الفصل 115 من مجلة الشغل، حيث أن المتدرب الذي يقل سنه عن 18 سنة قبل 31 ماي من كل سنة ترفع مدة راحته السنوية الى يومين عن كل شهر عمل على ان لا تتجاوز الراحة المستحقة 30 يوما، في حين أن المتدرب الذي يتراوح عمره بين 18 و 20 سنة من نفس التاريخ ترفع مدة راحته السنوية الى يوم ونصف على ان لا تتجاوز 22 يوما .

و يستحق المتدرب هذه الزيادة بقطع النظر عن اقدميته في المؤسسة.و بالمقابل لا يمكن للمتدربين الذين تتراوح اعمارهم بين 18 و 20 سنة المطالبة باية منحة استراحة خالصة في مقابل ايام الراحة المطالب التمتع بها زيادة على الايام التي تحصلوا عليها و الناتجة عن العمل الواقع القيام به خلال المدة المعتبرة[117].

وقد أكدت محكمة التعقيب الفرنسية على استحقاق العامل المتدرب في الراحة السنوية الخالصة عندما اعتبرت أن العامل المتدرب الذي انتفع براحة سنوية مدتها 30 يوما في حين أن مؤجره لم يرخص له إلا بـ21 يوما لا يعتبر مرتكبا لخطأ فادح باعتبار وأنه من حق العامل المتدرب الانتفاع براحة سنوية تقدر مدتها بـ30 يوما[118]. وأن العمال المتدربين ينتفعون بالحقوق الواردة بالاتفاقيات المشتركة المنطبقة على الأجراء حسب القطاعات.[119]

أما عقد التمرين أو عقد التربص ولئن لم يعرفه المشرع صلب مجلة الشغل، إلا أنه يمكن تعريفه بأنه العقد الذي يقوم بمقتضاه العامل بالتمرن للإعداد للحياة المهنية.[120]

وهذا الصنف من العقود لا يمكن تصنيفه ضمن عقود التدريب، كما أنها لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى عقد الشغل لافتقارها لبعض عناصره.[121]

ويخضع عقد التربص في تنظيمه للقانون عدد 75 المؤرخ في 9 أوت 1981، كما تم تنقيحه بالقانون عدد 117 المؤرخ في 22/02/1993 والأمر عدد 1049 المؤرخ في 03/05/1993، وهو بالتالي غير خاضع لمجلة الشغل.

وتجدر الإشارة إلى أن فقه قضاء المحكمة الابتدائية يفرق في إطار عقود التربص بين العقد الرابط مباشرة بين المتربص والمؤسسة التي انتدبته وبين العقد الرابط بين الطرفين بواسطة طرف ثالث يكون هو المشرف والمحدد لحقوق وواجبات الطرفين (…) وطالما كان العقد خاصا فانه يخضع لقوانين خاصة تضمنها العقد نفسه تحدد حقوق وواجبات الأطراف.[122]

وعلى اعتبار أن المتربص لا يتحصل على أجر بل على منحة (…) من طرف الوكالة الوطنية للتشغيل، ويتربص تحت إشراف المطلوبة وتحت إشراف أعوان الوكالة الوطنية للتشغيل، وبالتالي فإن ركن العمل تحت إشراف ورقابة المؤجر منعدم كذلك.[123]

ومن جهة ثانية اعتبرت المحكمة الابتدائية أنه ” من الثابت من خلال شهادات الخلاص المظروفة بملف القضية أنها عملت خلال أشهر جانفي وفيفري ومارس وأفريل وماي 2002 بصفة معلمة متربصة ثم تولت بتاريخ 15 سبتمبر 2002 الإمضاء على عقد شغل محدد المدة… لذلك فإنه يتجه اعبتار تاريخ انعقاد العقد المذكور هو تاريخ بداية العلاقة الشغلية”[124].

وان العقد الذي يربط طرفي التقاضي هو عقد تربص، يخضع لإجراءات وشروط خاصة به”[125].

و بناء على ما تقدم ذكره، ونظرا لانتفاء صفة عقد الشغل على عقد التمرين بناء على اختلاف عناصرهما، فإنه مبدئيا لا يترتب على انعقاده انتفاع العامل المتربص بالحقوق المقررة للأجير حسب مقتضيات مجلة الشغل والنصوص المتممة لها.

لكن يمكن ترتيب انتفاع العامل المتربص بالراحة القانونية الخالصة، بناء على اتفاق يقع تضمينه صلب عقد التربص.[126]

ولا بد من التذكير بأن المطالبة بالحقوق والمستحقات الشغلية يفترض في بادئ الأمر إثبات قيام علاقة شغلية. [127]

وقد اقتضت أحكام الفصل 420 من م. إ.ع أن إثبات الالتزام على القائم به، و بناء على ذلك فإن عبء إثبات و جود عقد الشغل بعناصره يكون على الأجير باعتباره من يطالب بحقه في الراحة القانونية الخالصة.

و قد ورد بالفصل السادس من مجلة الشغل أن العلاقة الشغلية تثبت بجميع وسائل الإثبات ويتماشى هذا الحكم مع ما ورد بالمادة 20 من الاتفاقية الفرعية رقم 1 لعام 1966 بشأن مستويات العمل: ” وللعامل الحق في اللجوء إلى كافة طرق الإثبات”

وترتيبا على ما سبق بسطه، فإن العامل إذا ما أثبت أن العلاقة التي تربطه بالمؤسسة والمؤجر هي علاقة شغل، يمكنه المطالبة بحقه في راحة الأعياد الخالصة الأجر وكذلك حقه في الرخص الممنوحة لأسباب عائلية أو شخصية والتي نظمتها الاتفاقية المشتركة الإطارية إلى جانب الاتفاقيات المشتركة الخاصة بكل قطاع. إلا أنه فيما يتعلق باستحقاقه لراحة سنوية خالصة الأجر، فإن إثبات قيام العلاقة الشغلية وحده غير كافي، باعتبار أن استحقاق هذه الراحة يبقى موقوفا على بعض الشروط الأخرى والتي سنتعرض لها في العنصر التالي.

ب- الشرط الثاني: مدة العمل الفعلية مع نفس المؤجر:

تشترط تشريعات العمل العربية والأجنبية لكي يتقرر للعامل الحق في الإجازة السنوية شرطين أساسيين:

أولا: أن يقضي العامل مدة عمل فعلية معينة

ثانيا: أن يقضي هذه المدة لدى نفس المؤجر

أولا: شرط مدة العمل الفعلية:

لا بد من التذكير في البداية، بأن هذا الشرط يقتصر على استحقاق الراحة السنوية الخالصة، ولا يشمل راحة أيام الأعياد، سواء الدينية أو الوطنية خالصة الأجر ولا الرخص الممنوحة لأسباب عائلية، ذلك أن الحق في إجازة أيام الأعياد هو حق يتمتع به كل عامل بصفة آلية ودون شروط.

أما بالنسبة للراحة السنوية الخالصة، فقد قرر المشرع التونسي أن الانتفاع بها يتوقف على قضاء مدة زمنية معينة من العمل لدى نفس المؤجر وتبعا لذلك فقد نص الفصل 112 من مجلة الشغل على أن كل عامل يباشر عمله في أي قطاع كان فلاحي أو غير فلاحي له الحق في إجازة سنوية خالصة تحمل على كاهل المؤجر على أن يثبت أنه وقع استخدامه عند نفس المؤجر مدة من الوقت تساوي ما أدناه شهر من الشغل الفعلي[128].

وقد أفرد المشرع، العامل الفلاحي بحكم خاص، فاشترط لاستحقاقه الإجازة السنوية الخالصة، أن يكون العامل قد باشر أعمالا متواصلة طيلة ستة أشهر على الأقل”[129].

وتختلف تشريعات العمل العربية فيما بينها بخصوص هذا الشرط، فأغلب هذه التشريعات تقضي بأن استحقاق العامل للإجازة السنوية يتطلب قضاء مدة عمل معينة في خدمة المؤسسة وتختلف هذه المدة من تشريع لآخر.[130]

ويعتبر بمثابة شهر عمل فعلي لتقدير مدة الإجازة السنوية المدة المساوية لأربعة أسابيع ولأربعة وعشرين يوما من أيام العمل وتعتبر كمدة شغل فعلي مدد الرخص ذات الأجر الخالص كالرخصة لأسباب عائلية وأيام الأعياد والعطل الخالصة والإجازة الإضافية بمناسبة ازدياد مولود وعطلة الراحة بمناسبة ولادة المرأة العاملة والفترات التي يتوقف فيها تنفيذ عقد الشغل بسبب حادث شغل خلال مدة مسترسلة لا تتجاوز السنة وأيام الرخص القانونية التي تمنح للمسؤولين النقابيين بالمؤسسة للقيام بوظائفهم أو المشاركة في دورات تكوينية وفترات التجربة[131] في حين لا تحتسب ضمن مدة العمل الفعلي، فترات المرض والإضراب والغيابات وغيرها من الحالات التي يتوقف فيها تنفيذ عقد الشغل من طرف العامل.[132]

وفي التشريع الفرنسي فإنه يعتبر كفترات عمل فعلية لاكتساب الحق في الإجازة السنوية، فترات الإجازة المأجورة، الراحات التعويضية, فترة راحة النساء الحوامل والفترات المحددة في مدة غير متقطعة خلال السنة والتي توقف فيها عقد العمل بسبب إصابة عمل أو مرض مهني.[133] وتعتبر كذلك أيام عمل فعلية لهذا الغرض، فترات إبقاء أو استدعاء العامل المأجور أو المتدرج للخدمة الوطنية مرة ثانية.[134]

وتلخيصا لما سبق ذكره، فإن العامل يستحق كل سنة إجازة سنوية خالصة إذا ثبت أنه اشتغل مدة معينة خلال السنة الراجعة إليها الإجازة.

لكن كيف تتحدد السنة الراجعة إليها الإجازة أو سنة الاستحقاق؟

سنة الاستحقاق أو السنة الراجعة إليها الإجازة والتي لا يجب خلطها مع مدة الراحة أو الفترة التي تمنح فيها الرخصة السنوية الخالصة، هي الفترة التي يكتسب خلالها الأجير الحق في الراحة الخالصة وهي لا تتوافق مع السنة المدنية لأنها تبدأ من 1 جانفي تمتد إلى 31 ماي ولا يشترط فقه القضاء مدة شهر مدني كامل أي من 1 جوان إلى 30 جوان مثلا. لتحقيق شرط مدة العمل الفعلي، يكفي فقط العمل مدة شهر من تاريخ معين إلى تاريخ آخر معين.

وإذا لم يتحقق هذا الشرط، فإنه لا حق للعامل في الراحة السنوية الخالصة.

ولتوضيح الصورة نسوق مثالا:

أجير التحق بالمؤسسة يوم الاثنين 26 أفريل يعمل لمدة 5 أيام أسبوعيا، ثم تغيب خلال الفترة الممتدة من يوم الاثنين 10 إلى الثلاثاء 18 ماي بدخول الغاية، لا يحق له المطالبة براحة سنوية خالصة لأنه لم يعمل سوى 19 يوما فقط لأنه بداية من 1 جوان تبدأ سنة جديدة وتأخذ في عين الاعتبار لاحتساب الراحة السنوية المستحقة خلال السنة التالية[135]

بالتالي فإن العمل الذي أداه الأجير في الفترة الممتدة من 26 أفريل حتى 31 ماي بمعدل 5 أيام عمل أسبوعيّا تساوي 24 يوما بغياب أسبوع أي 24-5= 19 يوم عمل فعلي لا تحوّل له المطالبة براحة سنوية خالصة.

فإذا توفر الشرط المتعلق بالمدة الفعلية للعمل، فإنه على الأجير الذي يدعي استحقاقه راحة سنوية خالصة الأجر أن يثبت أنه قضى هذه المدة لدى نفس المؤجر.

ثانيا: شرط العمل لدى نفس المؤجر:

اقتضت أحكام الفصل 113من م. ش أن : “كل عامل يثبت أثناء السنة الراجعة إليها الرخصة أنه وقع استخدامه عند نفس المؤجر لمدة لا تقل عن شهر عمل فعلي يستحق رخصة تحدد مدتها…”

وتبرير ذلك هو أن تخويل العامل الحق في الإجازة السنوية كما رأينا يتطلب أداء العمل المتواصل عند نفس صاحب العمل للمدة القانونية المشترطة، وإن غيّر العامل عمله قبل انقضاء المدة المشترطة، كأن يشتغل عند صاحب عمل آخر في غضون المدة القانونية المشروطة سيترتب عنه حرمانه من اكتساب الحق الذي يقرره القانون في رخصة سنوية خالصة.

ويعتبر شرط العمل لدى نفس المؤجر متوفرا إذا اشتغل العامل لدى مؤسسات متفرعة عن المؤسسة الأصلية وتابعة لها، فإذا اشتغل الأجير[136] مثلا مدة 13 يوما خلال شهر أكتوبر ثم انتقل إلى فرع آخر تابع لنفس المؤسسة وواصل العمل فيه طيلة مدة 15 يوما فإن شرط المدة يكون قد تحقق ويستحق بالتالي راحة سنوية خالصة الأجر.

ويطرح التساؤل في هذا الإطار حول مدى توفر هذا الشرط في صورة تغير المؤجر بسبب إحالة المؤسسة بالبيع أو بوفاة المؤجر أو بالإدماج؟

لقد أجاب المشرع التونسي عن هذه الإشكالية صلب مجلة الشغل، فاقتضى الفصل 15 منها أنه: “يبقى عقد الشغل قائما بين العامل والمؤجر في صورة تغيير حالة هذا الأخير القانونية خاصة بالميراث أو البيع أو تحويل المحل أو تكوين شركة”. ويبدو من خلال صياغة هذا الفصل وبالتحديد من خلال عبارة”خاصة” أن أسباب الإحالة الواردة بهذا الفصل وردت على سبيل الذكر وليس الحصر.[137]

وقد سبق لفقه قضاء محكمة الاستئناف أن قررت هذا المبدأ على النحو التالي: “إن تغيير المؤجر إثر بيع محل العمل أو تحويله أو تغير وضعه القانوني لا تأثير له على عقد الشغل التي تبقى عاملة بين الأطراف طبقا للفصل 15 من مجلة الشغل”[138].

وقد وضحت المحكمة الحل الوارد بالفصل 15 من م. ش على النحو الآتي: “اقتضى الفصل 15 من م ش أن عقد الشغل يبقى قائما بين العامل والمؤجر في صورة تغيير هذا الأخير بالميراث والبيع إلا أنه لم ينص على أن علاقة الشغل تنتقل مع المؤجر الجديد إلا إذا كانت طبيعته الإحالة تقتضي ذلك أو في صورة الاتفاق بموجب الإحالة أو الاشتراط لمصلحة الغير”.[139]

وفي نفس السياق صدر حكم استئنافي قضت فيه محكمة الاستئناف بتونس على النحو التالي : “بخصوص صحة القيام على الورثة فإنه عملا بالفصل 241 من م ا ع والفصل 15 من م.ش فإن الالتزامات الشغلية التعاقدية تجري على الخلف العام والخلف الخاص…” [140]

وقد قرّرت محكمة التعقيب هذا الحكم بمقولة أنه “حيث يؤخذ من مقتضيات الفصل 241 من م ا ع والفصل 15 من م. ش أن الالتزامات التعاقدية المترتبة عن عقد الشغل تنتقل إلى الورثة في صورة وفاة المعاقد… وأن محكمة القرار المطعون فيه لما اعتبرت القيام ضد الورثة صحيحا تكون قد عللت حكمها تعليلا صحيحا ومطابقا لأحكام الفصلين 241 ا ع و15 م ش”.[141]

وطرح سؤال ثاني تعلق بتغيير اسم المؤسسة المؤجرة وتأثيره على تواصل العلاقة الشغلية؟

وقد أجابت المحكمة الابتدائية بتونس برفض الحكم بتواصل العلاقة الشغلية مع المؤجر الثاني وذلك بناء بالخصوص على عدم توفر الصفة لان المدعي عمل لدى “أوتوليف” في مرحلة أولى ثم لدى شركة SWTI في مرحلة ثانية.

وطعنا في الحكم الابتدائي السالف الذكر، قضت محكمة الاستئناف بتونس بنقض الحكم الابتدائي بناء على أن المطلوبة تحمل نفس رقم ترسيمها وأن بطاقات الخلاص تفيد تواصل العلاقة الشغلية مع تسميات مختلفة وبالتالي ثبوت العلاقة واستمرارها طبق الفصل 15 من م ش”[142] و قد تقرر هذا الحكم لدى التعقيب بمقولة أنه “حيث اقتضى الفصل 15 من م.ش أن عقد الشغل ببقى قائما بين العامل والمؤجر في صورة تغيير حالة هذا الأخير القانونية بالميراث أو البيع أو تحويل المحل أو تكوين شركة”.[143]

بقي أنه لا بد من التذكير أنه في كل الحالات يبقى الأجير مطالبا بإثبات اشتغاله المدة القانونية المشترطة لدى نفس المؤجر لاستحقاقه راحة سنوية خالصة الأجر، وذلك طبقا لقواعد الإثبات العامة الواردة بالفصول 420 اع والفصل 6 من م. ش باعتبار وأن القيام للمطالبة بالمستحقات الشغلية يقتضي إثبات قيام العلاقة الشغلية بداية واسترسالا ونهاية، إضافة إلى إثبات توفر الشروط الخاصة لاستحقاق الراحة السنوية من قضاء مدة عمل معينة يكون الأجير قد قضاها لدى نفس صاحب العمل.

وبتوفر هذه الشروط مجتمعة، يصبح الأجير محقا في طلب حقه في الانتفاع بالراحة القانونية الخالصة. ويترتب عن ممارسة هذا الحق مجموعة من الآثار سنتعرض لها بالدرس في الفصل التالي.

الفصل الثاني: الآثار المترتبة عن الانتفاع بالراحة الخالصة

إن التزامات طرفي عقد الشغل مصادرها متنوعة بعضها أقرها القانون والبعض الآخر أقرها العرف أو الاتفاق. والحق في الراحة القانونية الخالصة، أساسه ضرورة منح عطلة للعامل تقتضي توقفه مؤقتا عن القيام بعمله في صور تقتضيها ظروفه العائلية أو الاجتماعية… لكن التمتع بهذا الحق لا يجب أن يكون سببا في حرمان الأجير من أجره[144] و إن كان هذا الأخير في حالة توقف عن القيام بالعمل.

وخلاصة القول، فإن الانتفاع بالراحة القانونية، يترتب عنها حتما تعليق عقد الشغل كنتيجة أولية (مبحث اول) ولكن خصوصية تقنية التعليق في هذا الإطار، تتمثل في استحقاق العامل لأجره (مبحث ثاني) رغم تعليق التزامات الأطراف، وهو ما يبرّر تسمية “الراحة والعطل الخالصة”[145].

المبحث الأول: تعليق عقد الشغل

لقد منح المشرع التونسي كل عامل الحق في راحة قانونية خالصة، ونظمه صلب مجلة الشغل والنصوص المتممة لها، إلا أنه فيما يتعلق بمسألة تعليق العقد خلال فترة الراحة نلاحظ غياب نص قانوني مكرس لهذه التقنية بصفة صريحة، وذلك على خلاف رخصة المرض موضوع الفصل 20 من المجلة أو رخصة الولادة التي نظمها المشرع صلب الفصل 64 من نفس المجلة حيث قرر صراحة أن عقد الشغل يتوقف خلال هذه الرخص ولا يمكن أن تكون هذه الأحداث سببا لإنهاء العقد. لذلك فإنه يتجه البحث أولا في إجراءات تعليق عقد الشغل خلال فترة الراحة القانونية الخالصة في مرحلة أولى (فقرة أولى) قبل البحث في الآثار المترتبة عن تعليق عقد الشغل في مرحلة ثانية (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى:إجراءات تعليق عقد الشغل بموجب الانتفاع بالراحة الخالصة

تعتبر تقنية تعليق عقد الشغل أكثر المؤسسات القانونية تكريسا صلب التشاريع الاجتماعية، هذا بالإضافة إلى اعتمادها بصفة دائمة من قبل فقه القضاء. إلا أن المشرع التونسي لم يتعرض إلى هذه التقنية بصفة صريحة، ضمن الآثار المترتبة عن الانتفاع بالراحة القانونية الخالصة.

وقد عرف الفقهاء تقنية التعليق كالآتي: “كلما أمكن للأجير الامتناع عن تنفيذ العمل، فإننا نكون أمام تقنية تعليق عقد الشغل[146] وهذا التعريف من شانه ان يجمع العديد من حالات التوقف عن العمل كالعطل السنوية والأعياد الرسمية والعطل الممنوحة لأسباب عائلية أو شخصية.

بقي أنه لا بد من الإشارة إلى أنه لا يحق للأجير التمسك بحقه في تعليق عقد الشغل الناتج عن الانتفاع بالراحة القانونية الخالصة، بصفة اعتباطية، بل يتعين توفر جملة من الشروط الإجرائية .

وتتعلق هذه الإجراءات بالدخول في الراحة القانونية الخالصة، وتحمل على حد السواء على طرفي عقد الشغل فالأجير ملزم بإعلام المؤجر وطلب الترخيص (أ) في حين يحمل على المؤجر من جانبه إشعار الأجير بموافقته أو رفض لطلبه من ناحية، ثم تنظيم إجراءات إسناد الرخصة (ب).

أ- واجب الإعلام المحمول على الأجير:

لئن قرر المشرع حق العامل في الراحة القانونية الخالصة. إلا أنه لا يمكن للاجير أن ينقطع عن العمل دون إعلام المؤجر، وقد اقتضت أحكام الفصل الرابع عشر في فقرته الثامنة أن الغياب عن العمل أو ترك مركز العمل بصورة ثابتة وغير مبررة ودون ترخيص سابق من المؤجر أو ممن ينوبه، يعتبر خطأ فادحا يبرر طرد العامل.

وترتيبا على ذلك، فإن الإجازة السنوية لا تمنح بصفة آلية ودون تقديم مطلب كتابي مسبق للغرض، وهو ما أكدته محكمة التعقيب في العديد من المناسبات[147] فلا يمكن للمؤجر مبدئيا أن يقرر وضع أحد أجرائه في عطلة قانونية دون أن يكون هذا الأخير قد طلب منه ذلك ويستثنى من هذا المبدأ العطل المسندة بمناسبة الأعياد الرسمية. وتتمثل موافقة المؤجر في إصدار وثيقة تحدد تاريخ العطلة ومدتها.

وقد أعطى القانون المصري للعامل الحق في إجازة عارضة تمنح له بسبب ظروف مفاجئة منعته من تقديم مطلبا مسبقا على أن لا تتجاوز 3 أيام خلال السنة وتحتسب الإجازة العارضة من الإجازة السنوية المقررة للعامل.[148]

ويشترط المشرع للتمتع بنظام الرخص الخالصة لأسباب عائلية أو استثنائية[149] إعلام المؤجر بالإضافة إلى إثبات سبب التغيب الذي يفتح للأجير حق تعليق عقده، ولا توجب الاتفاقية المشتركة الإطارية أو القطاعية ضرورة إعلام المؤجر في صورة حدوث مانع مفاجئ. وهو ما نجد له تكريسا في القانون الفرنسي الذي يوجب الإثبات فقط دون الإعلام المسبق إذا كان سبب الغياب ناتجا عن أحداث طارئة مرتبطة بشخص الأجير.[150]

وهو ما نجد له تطبيقات عديدة في أعمال المحاكم الفرنسية.[151]

ويقصد بالإثبات هنا تقديم وثائق مثبتة للواقعة المتسببة في الغياب حتى يمكن اعتباره غياب قانوني وموجب لمنح رخصة خالصة الأجر، وقد يبرر الغياب بتقديم حجة وفاة استدعاء لحضور اجتماع نقابي، شهادة ميلاد أو أي وثيقة أخرى تثبت الحدث.

ويقابل واجب الإعلام والإثبات المحمول على الأجير حتى يكون غيابه مبررا وموجبا لتعليق عقد الشغل الواجبات المحمولة على المؤجر والتي يستوجب الوفاء بها إتباع بعض الإجراءات.

ب. الإجراءات المحمولة على المؤجر:

يجدر التذكير بأن التعليق المترتب عن الانتفاع بالراحة الخالصة في أيام الأعياد الرسمية لا يستوجب القيام بأي إجراء لأن تعليق عقد الشغل في هذه الحالة يكون بصفة آلية.

كما أن الانتفاع برخصة خالصة لأسباب عائلية أو استثنائية لا يستوجب إلا تقديم ترخيص من المؤجر، في شكل وثيقة قد يستغلها الأجير كوسيلة إثبات لحصول موافقة المؤجر بخصوص إسناد الرخصة في صورة حصول نزاع فيما بعد.

وقد أقر فقه القضاء المقارن واجب الاسترشاد عن غياب الأجير في صورة عدم قيام هذا الأخير بالإعلام حيث أخذت محكمة التعقيب الفرنسية بعين الاعتبار حرص المؤجر على الاستفسار والاسترشاد عن سبب تغيب الأجير وهو ما يوحي بتكريسها لواجب الاسترشاد بصفة عامة في العلاقات الشغلية. بل أن محكمة التعقيب الفرنسية تؤاخذ في بعض قراراتها المؤجر على عدم استفساره واسترشاده عن سبب تغيب الأجير[152].

بقي أنه بالنسبة للإجراءات المحمولة على المؤجر لتعليق عقد الشغل بموجب الانتفاع بالراحة السنوية، فإن الأمر يختلف عن بقية العطل القانونية الأخرى باعتبار وأن المؤجر يكون ملزما بتبليغ العامل بالدخول في الإجازة قبل مغادرته للعمل بأسبوع[153] كما يتعين على المؤجر أن يعلق بالمحل نظام الدخول في الإجازات خمسة عشر يوما على الأقل قبل إجراء العمل به.[154] ويتماشى هذا الحلّ مع ما اقتضاه الفصل 30 فقرة 5 من الاتفاقية الإطارية المشتركة من وجوب تعليق القائمة المبينة لتاريخ ابتداء الرخصة السنوية الخالصة قبل 15 يوم على الأقل.

وبإتمام هذه الإجراءات وبتوفر الشروط القانونية، فإنه يصبح من حق الأجير الانتفاع براحته خالصة الأجر بصفة قانونية وفق ما اقتضته الأحكام المنظمة لها بما يرتب تعليق عقد الشغل طيلة فترة الراحة.

فما هي الآثار القانونية التي تترتب عن هذا التعليق ؟

إن الإجابة عن هذا الإشكال ستكون في إطار الفقرة الثانية من هذا الفصل من خلال البحث في آثار تعليق عقد الشغل.

الفقرة الثانية: آثار تعليق عقد الشغل

يتفق اغلب فقهاء القانون الاجتماعي على أن تعليق عقد الشغل يؤدي إلى غياب جملة من الالتزامات التي تقع على طرفي العلاقة الشغلية، وبقاء أخرى قائمة رغم غياب أي تنفيذ للعقد[155] .

ويقسم فقهاء القانون[156] الالتزامات الناشئة عن عقد الشغل إلى التزامات منقطعة باعتبار أن تواجدها يتوقف على وجود علاقة تبعية قائمة بين طرفي العلاقة الشغلية مما يفرض أنها تتواجد أثناء التنفيذ وتغيب أثناء التعليق، والتزامات أخرى متواصلة تبقى قائمة حتى أثناء التعليق.[157]

ويبدو أن هذا التقسيم واضح، بحيث يبرز لنا جملة الالتزامات التي تغيب أثناء فترة التعليق بسبب الانتفاع بالراحة القانونية الخالصة (أ) والالتزامات التي تببقى قائمة في نفس الفترة (ب).

أ- غياب الالتزامات المنقطعة:

يعتبر عقد الشغل من العقود التبادلية، حيث يجد التزام كل طرف سببا له في التزام الطرف المقابل. فالالتزامات الرئيسية لطرفي العلاقة الشغلية هي التزامات مترابطة وبالتالي فإن تعليق أحد الأطراف لإلتزاماته يؤدي مبدئيا إلى تعليق التزامات الطرف الآخر لنفس المدة إلا في صورة وجود نص تشريعي أو اتفاق مخالف[158]. وتبعا لذلك فإن غياب الالتزامات المنقطعة للأجير أثناء العطلة الخالصة يؤدي في نفس الوقت إلى غياب الالتزامات المنقطعة المؤجر.

لذا وجب علينا أن نحدد بدقة الالتزامات التي تغيب أثناء فترة تعليق عقد الشغل بموجب الانتفاع بالراحة القانونية الخالصة بالنسبة لكلّ طرف من أطراف العلاقة الشغلية، حتى نتمكن من الإلمام بمختلف الآثار المترتبة عن الانتفاع بهذا الحق.

وسنحلّل هذا العنصر في نقطتين، نهتم في إطار النقطة الأولى بالتزامات الأجير خلال الراحة القانونية الخالصة (1) وسنخصص النقطة الثانية لالتزامات المؤجر خلال نفس الفترة (2).

1- التزامات الأجير:

عرف المشرع عقد الشغل بأنه “اتفاقية يلتزم بمقتضاها أحد الطرفين ويسمى عاملا أو أجيرا بتقديم خدماته للطرف الآخر..”[159] وانطلاقا من هذا التعريف يمكن القول بان التزام الأجير بأداء العمل يعتبر التزاما أساسيا، بل هو جوهر عقد الشغل. إلا أن العامل يعفى من هذا الواجب بموجب انتفاعه براحته القانونية مدفوعة الأجر، ضرورة أن الراحة أو العطلة تعرف بأنها انقطاع وقتي عن العمل.[160]

فإذا كان الأجير أثناء العمل ملزم بالحضور إلى المؤسسة والاشتغال بها طيلة أوقات العمل القانونية، فهو خارج هذه الأوقات، أي أثناء فترات العطلة والرخص القانونية، مطالب بالالتزام بالراحة،[161] فلا يجد نفسه تحت ذمة المؤجر وبالتالي فهو لا يخضع لتعليماته أو رقابته المتعلقة بالعمل.

وتبعا لغياب هذا الالتزام، يعفى الأجير من بعض الواجبات التي هي في حقيقة الأمر مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتزامه بأداء العمل، إذ يعفى من احترام القواعد المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية.

كما يعفى من اتخاذ التدابير اللازمة وذلك حفاظا على سلامة العملة المسؤول عنهم أو لصيانة الأشياء المناطة بعهدته والتي من المفروض أن يقوم بها إذا كان عقد الشغل في طور التنفيذ.

وبما أن عقد الشغل يندرج ضمن العقود التبادلية، فإن توقف التزام الأجير بأداء العمل أثناء مدة الراحة القانونية الخالصة، يقابله توقف لبعض التزامات المؤجر.

2– التزامات المؤجر:

منذ لحظة إبرام عقد الشغل، يلتزم المؤجر بالوفاء بالتزامين جوهريين وهما الالتزام بتوفير العمل المتفق عليه والالتزام بدفع الأجر.[162]

ويتفق الفقه والقضاء على أن هذين الالتزامين لهما صبغة منقطعة ويتوقفان مبدئيا أثناء مدة تعليق عقد الشغل.[163] وتبعا لذلك يعفى المؤجر من توفير أدوات الإنتاج اللازمة حتى يقوم الأجير بعمله.

ويترتب عن غياب التزام المؤجر بتوفير العمل لللأجير جملة من النتائج القانونية تتمثل في التالي:

* إمكانية تعويض العامل المتغيّب: فلئن كانت مسألة إمكانية إبرام الأجير عقد شغل مع مؤجر آخر أثناء فترة العطلة القانونية خالصة الأجر ممنوع قانونا وفقها وقضاء،مثلما سبق و اشرنا، فإن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة للمؤجر، إذ أن إمكانية إبرام عقد الشغل مع أجير آخر، قصد تعويض العامل المتغيّب الذي علق عقد شغله، تصبح ممكنة وفق ما اقتضاه الفصل 6 فقرة 4 من م ش الذي نص على حق المؤجر في “إبرام عقد شغل محدد المدة للقيام بالتعويض الوقتي لعامل قار متغيب”.

هذا بالإضافة إلى تبني المشرع لنظرية مصلحة المؤسسة وتكريسها في العديد من المواضع صلب م. ش، والتي تقضي بتغليب مصلحة المؤسسة على مصلحة الأطراف في عقد الشغل، وبالتالي إمكانية انتداب أجراء لتعويض العامل المتغيب بسبب قيامه بالراحة القانونية الخالصة.

ومن أهم الآثار المترتبة عن تعليق عقد الشغل بموجب الانتفاع بالعطل مدفوعة الأجر، والتي تدخل ضمن الالتزامات المنقطعة للمؤجر تحديد مسؤوليته عن فعل أجيره أثناء فترة العطلة.

* تحديد مسؤولية المؤجر عن فعل أجيره: في هذا الإطار لا بد من التذكير بان مسؤولية المؤجر عن فعل أجيره تنقسم في القانون التونسي إلى نوعين: وهما المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية.

فبالنسبة لمسؤولية المؤجر العقدية عن فعل أجيره يتميز القانون التونسي في هذا الصدد بإنشاء هذا النوع من المسؤولية وذلك صلب الفصلين 245 و845 من م.ا.ع[164]. ويقوم هذا النوع من المسؤولية عند عدم تنفيذ الأجراء الذين استعان بهم المؤجر، للالتزامات العقدية التي التزم بها هذا الأخير إزاء طرف آخر. وتشترط هذه المسؤولية لقيامها وجود علاقة تبعية قائمة أثناء حصول الفعل الضار[165]، بالإضافة إلى رابطة سببية بين الفعل الضار ووظيفة الأجير التي أحدثت الضرر.[166]

وتبعا لذلك، وطالما أن علاقة التبعية تكون غائبة أثناء العطلة الخالصة فإنه لا مجال للحديث عن مسؤولية المؤجر العقدية عن فعل أجيره أثناء هذه الفترة.

أما فيما يتعلق بمسؤولية المؤجر التقصيرية الناتجة عن فعل أجيره أو ما يعرف بمسؤولية المتبوع عن فعل تابعه، فينفرد القانون التونسي برفض هذه المسؤولية كمبدأ عام في القانون المدني[167] بل إن تكريسها كان محدودا في بعض الميادين دون الأخرى وقد كرستها مجلة الطرقات[168] بالإضافة إلى بعض النصوص الخاصة. ويشترط لقيام هذه المسؤولية وجود رابطة تبعية وصدور الفعل الضار من طرف الأجير عند تأديته لعمله. ومبدئيا، فإن عدم وجود علاقة تبعية قائمة بين الأجير ومؤجره أثناء مدة العطلة القانونية تشكل حاجزا أمام قيام هذا النوع من المسسؤولية.

ويتعامل فقه القضاء التونسي بنوع من الاحتراز إزاء هذا النوع من المسؤولية وذلك من خلال تأويل ضيق للنصوص القانونية المكرسة لها.

وعلى العكس من ذلك يعتبر فقه القضاء الفرنسي إمكانية قيام مسؤولية المؤجر عن فعل أجيره حتى خارج إطار علاقة التبعية[169].

ويمكن تفسير توجه فقه القضاء الفرنسي إلى التوسع في هذا النوع من المسؤولية بإرادته في حماية المتضرر قدر الإمكان من الفعل الضار الذي تسبب فيه الأجير. إلا أن التوسع نطاق مسؤولية في المتبوع عن فعل تابعه يؤدي ضرورة إلى تقوية مراقبة المؤجر لتصرفات تابعه حتى خارج أوقات العمل، أي خلال العطل القانونية في حين أن الفقه يؤكد في هذه الحالات على استقلالية الأجير[170].

لذا وعلى عكس ما ذهب إليه البعض من أنه “من الضروري أن لا نمكّن المتبوع من التخلص من مسؤوليته اعتمادا على فكرة الضمان والكفالة عدا حالة انتفاء مسؤولية التابع نفسه.”[171] فان الأخذ بهذا الرأي يؤدي، على الأقل من وجهة نظر قانون الشغل، إلى توسيع سلطات المؤجر في الرقابة والتوجيه حتى خارج إطار تنفيذ عقد الشغل، لتصبح ممتدة طيلة فترة انتماء الأجير للمؤسسة سواء كان في حالة مباشرة للعمل أو في حالة راحة خالصة أو غير خالصة، مما يفقد الأجير جزء هاما من حريته.

ومن ناحية ثانية، لابد من الإشارة إلى أن علاقة التبعية تبرّر إلى حدّ ما تمتع الأجير بالنظام القانوني لحوادث الشغل مما يطرح السؤال حول مدى إمكانية الحديث عن وقوع حادث شغل في حين أن عقد الشغل قد علق بسبب الانتفاع الأجير براحة أو عطلة قانونية؟

لقد ركز المشرع التونسي في تعريفه لحادث الشغل على العلاقة بين الإصابة وظروف العمل،[172] وهو بذلك يتبنى مفهوما ضيقا على غرار القانون الفرنسي. ويرتكز حادث الشغل في هذه الحالة على فكرة الخضوع أو التبعية القانونية للأجير لصاحب العمل، فالحادث لا يعتبر حادث شغل حسب هذا المفهوم إلا إذا كان الأجير المتضرر خاضعا لنفوذ مؤجره أثناء وقوع الإصابة[173] وفي هذا المعنى صدر حكم استئنافي جاء به انه:” اقتضت أحكام الفصل الثالث من قانون 21 فيفري 1994 أنه يعتبر حادث شغل الحادث الحاصل بسبب الشغل أو بمناسبته لكل عامل عندما يكون في خدمة صاحب عمل أو أكثر وذلك مهما كان سببه ومكان وقوعه. وطالما ثبت أن الحادث جدّ لما كان المستأنف ضده في خدمة مؤجره وبأمر من هذا الأخير فإن الحادث موضوع النزاع يكتسي صبغة شغلية على معنى أحكام الفقرة الأولى من الفصل الثالث من قانون 1994″[174].

وباعتبار أن علاقة التبعية تكون غائبة بصفة كلية أثناء فترة الراحة، فإنه من غير الممكن قبول فكرة حصول حادث شغل أثناء فترة الراحة القانونية. كذلك الشأن بالنسبة لحادث الطريق ذو الصبغة الشغلية، إذ يفرض القانون والقضاء[175] أن يكون الباعث للانتقال لذلك المكان تنفيذ التزامات مهنية للأجير.

وبالتالي فإن الأجير الذي يتعرض لحادث أثناء تنقله إلى مكان العمل خلال فترة العطلة الخالصة والتي يتوقف خلالها الالتزام بتنفيذ العمل لا يتمتع مبدئيا بالحماية.[176]

وهو ما ذهب إليه فقه القضاء الفرنسي عديد المرات عندما اعتبر أن الجانب المهني للحادث غير متوفر عند وقوعه أثناء مدة تعليق العقد[177].

ولئن استند فقه القضاء الفرنسي في رفضه التام لمسألة حادث الشغل أو الطريق الحاصل أثناء فترة الراحة الخالصة إلى فكرة غياب سلطة الإدارة والرقابة الناتجة عن علاقة التبعية التي تختفي أثناء الإجازة الخالصة[178] إلا أن هذا الموقف قد وقع انتقاده بشدة من قبل الفقه باعتبار أنه يضيق من نطاق الحماية المقررة للأجير التي تقوم في حقيقة الأمر على فكرة التأمين الاجتماعي لحوادث الشغل “باعتبارها تجسيدا ماديّا لخطر اجتماعي”.[179]

ولقد رأى جانب من الفقه في تونس ضرورة تبني مفهوما واسعا لحادث الشغل القائم على فكرة تغطية الضرر الحاصل للأجير طالما أنه ناتج عن نشاط مهني ويكتسب نشاط الأجير صبغة مهنية هنا طالما أنه مستقل عن حياته الخاصة.[180]

لكن ممارسة الحق في الراحة القانونية الخالصة لا يوقف جميع الالتزامات الناشئة عن عقد الشغل بل أن هناك بعض الالتزامات التي تبقى قائمة.

ب-استمرار الالتزامات المتواصلة:

يبرّر بعض الفقهاء بقاء هذه الالتزامات بأنها غير ناشئة عن علاقة التبعية.[181]

وتنقسم هذه الالتزامات المتواصلة إلى التزامات مشتركة تقع على عاتق طرفي العلاقة الشغلية في نفس الوقت من ناحية أولى (1) والتزامات خاصة بكل طرف من ناحية ثانية (2).

1– الالتزامات المشتركة:

ينص الفصل 243 من م. ا.ع على وجوب الوفاء بالالتزامات مع تمام الأمانة، أي أن يقع تنفيذ العقد بكامل النزاهة وسلامة النية عند التنفيذ بمعنى الابتعاد عن الغش والتغرير ونية الإضرار بالمتعاقد الآخر”[182] سواء في علاقة طرفي العلاقة الشغلية ببعضها البعض أو في علاقتهما مع الغير .

ويعتبر واجب الأمانة مبدأ عاما في تنفيذ العقود وهو واجب الاحترام بصفة خاصة في شأن عقد العمل، لأن هذا العقد ينشأ بين طرفيه علاقات وثيقة ومستمرة تستتبع ثقة صاحب العمل في نشاط العامل وإخلاصه[183] لان صاحب العمل يضع كل ممتلكاته وأسراره المهنية أو جزء منها بين يدي العامل.

ومن ثمة يتوجب على العامل المحافظة على أسراره المهنية وخاصة “المتعلقة بالمسائل التي تعتبر من أملاك واحتكار وامتياز المؤجر”[184]مثل الوسائل المستعملة في تركيبة المنتج، الأسعار المرتقبة…وأية معلومة من شانها أن تستغل من طرف المنافس استغلالا يترتب عليه خسارة صاحب العمل.ومن ذلك أيضا يمنع على العامل إخفاء ملفات الخدمة وأوراقها ووثائقها أو إتلافها أو اطلاع الغير عليها.

ويعتبر الالتزام بالمحافظة على السر المهني من أهم الالتزامات التي تبقى قائمة خلال فترة تعليق العقد بموجب ممارسة الحق في الراحة. ويقتضي هذا الواجب عدم البوح لأي شخص كان بأسرار خاصة بالسير الداخلي للمؤسسة أو في علاقتها بالغير.[185] ولا يؤدي خرقه إلى عقوبات مدنية متمثلة في الطرد فحسب وإنما أيضا إلى نشوء تتبعات جزائية ضد الأجير[186]. ولقد اعتبرت الاتفاقية الإطارية المشتركة أن إفشاء سر مهني من أسرار المؤسسة يعتبر خطأ فادحا موجبا للطرد طالما أن عقد الشغل مازال قائما[187]، ولم يميز هذا الفصل الإفشاء الواقع أثناء التنفيذ أو التعليق.

ويقع هذا الواجب أيضا على كاهل المؤجر، إذ يجب عليه الامتناع عن الإدلاء بأي سر يخص حالة العمال أو كل ما يهم حياتهم الخاصة.[188]

2- الالتزامات الخاصة بكل طرف:

خلال فترة الراحة القانونية، يصبح الأجير مؤقتا خارج إطار التبعية القانونية، فلا يجوز للمؤجر أن يملي عليه أوامره. ولكن سلطة المؤجر التأديبية لا تختفي تماما لبقاء بعض الالتزامات متواصلة على عاتق الأجير.

ويقع على عاتقه التزام خاص يتمثل في عدم المنافسة. أما بالنسبة للمؤجر فانه قد يلتزم في بعض الأحيان بتوفير مسكن للأجير مما يجعلنا نتساءل حول مدى بقاء حق الأجير في السكن قائما أثناء فترة الراحة القانونية؟ وسنترك مسالة التزام المؤجر بأداء الأجر لننظر فيها في مرحلة لاحقة من البحث.

– التزام الأجير بعدم المنافسة:

يقع على عاتق الأجير التزام بعدم المنافسة كإحدى تجليات التزامه بتنفيذ العقد مع تمام الأمانة. ورغم غياب نص قانوني أو اتفاقي صريح منشئ لهذا الالتزام،[189] فقد اعتبرت محكمة التعقيب أن خرق الأجير للالتزام بعدم المنافسة يعتبر من قبيل الخطأ الفادح الموجب للطرد.[190] قد أكد فقه القضاء الفرنسي هذا الحل فاعتبر انه يقع على عاتق الأجير واجب عدم المنافسة إلى حين انتهاء العلاقة الشغلية.

ويتفق الفقه على تواجد هذا الالتزام طيلة بقاء عقد الشغل قائما، سواء كان ذلك في طور التنفيذ أو التعليق مما يجعله من أهم الالتزامات المتواصلة التي تبقى قائمة أثناء مدة الراحة القانونية الخالصة.[191]

ويترتب عن بقاء هذه الالتزامات على كاهل الاجير خلال فترة الراحة الخالصة خضوع هذا الأخير إلى السلطة التأديبية للمؤجر,ذلك أن التأكيد على وجود هذه الالتزامات أثناء فترة الراحة الرسمية دون أن نمنح المؤجر الوسائل اللازمة التي تسمح له بمعاقبة الاجير إذا قام بخرقها، يفرغ هذه الالتزامات من محتواها و يجعلها دون جدوى.[192]

وفي مقابل هذه الالتزامات المحمولة على كاهل الأجير، نجد التزامات يتحملها المؤجر وأبرزها الالتزام بتوفير المسكن للأجير. وسنتناول هذا الالتزام بالذات نظرا لغياب تنظيم قانوني بخصوصه.

– التزام المؤجر بتوفير المسكن للأجير:

قد تفرض طبيعة عمل الأجير توفير مسكن له من طرف المؤجر وبذلك فان هذه المسالة تطغى عليها الصبغة التعاقدية البحتة، إذ لم يقع تنظيمها إلى حد الآن من طرف المشرع أو الأطراف الاجتماعية.[193] و لساءل أن يسال هل أن تعليق عقد الشغل بموجب الانتفاع بالراحة الخالصة يؤدي بالضرورة إلى تعليق حق الأجير في التمتع بالمسكن الذي وفره له المؤجر مما يعرضه إلى إجراء طرد وقتي؟ وهل يحق للمؤجر المطالبة باسترجاع المسكن أثناء مدة تعليق عقد الشغل خاصة إذا قام بتعويض الأجير حتى يتمكن الأجير المعوض من القيام بمهامه على أحسن وجه؟

وتختلف الإجابة عن هذه التساؤلات باختلاف نوع العقد الذي التزم المؤجر بموجبه بتوفير المسكن للأجير فقد يقع الاتفاق بين الأجير والمؤجر على إبرام عقد تسويغ لمحل يملكه المؤجر،

وفي هذه الحالة يبقى عقد الكراء مستقلا عن عقد الشغل ولا يتأثر بتعليقه أو بانهاءه. وقد يبرم الأجير مع المؤجر عقد كراء يتمتع بموجبه الأول بالسكن في مكرى ويشترط لبقائه في هذا المحل أن يكون مرتبطا دائما بعقد الشغل، وتبعا لذلك فان الأجير يلتزم بإرجاع المسكن لمؤجره بانتهاء العلاقة الشغلية.و بما أن تعليق عقد الشغل بسبب الانتفاع بالراحة القانونية المدفوعة الأجر ليس بالإنهاء وبل أن الروابط العقدية بين الإطراف تبقى قائمة، فان الأجير يبقى دائما متمتعا بالمسكن الذي وفره له المؤجر طيلة مدة التعليق.

ويفسر بعض الفقهاء بقاء حق العامل في الانتفاع بالمسكن خلال فترة الراحة الخالصة رغم عدم أداءه للعمل، انه طالما انه بقي على عاتق المؤجر واجب دفع الأجر أثناء فترة الراحة، فان ذلك يشمل أيضا بقاء حق الاجير في الانتفاع بالمسكن,خصوصا إذا كان الانتفاع بالمسكن يشكل جزءا هاما من الأجر.[194] وقد اقترح جانب الفقه ضرورة دفع الأجير لغرامة تعويضية في صورة تمتعه بالسكن أثناء مدة الراحة القانونية و ذلك على أساس نظرية الإثراء بدون سبب.[195] لكن هذا الاقتراح وقع انتقاده على اساس انه لا مجال لتطبيق هذه النظرية طالما انه يقع على عاتق الاجير التزامات ثانوية متواصلة اخرى اثناء هذه الراحة ’فليس هناك اثراء بدون سبب لان السبب هنا يتمثل في بقاء الالتزامات المتواصلة .[196]

وعموما، وبقطع النظر عن الآراء الفقهية، فانه يبدو منطقيا تواصل التزام المؤجر بتوفير السكن أثناء فترة الراحة القانونية لأنه من غير المنطقي أن يقوم المؤجر بطرد الأجير وعائلته من المسكن بسبب وفاة احد أقاربه أو زواج احد أبناءه أو حتى بسبب زواج العامل نفسه.

ويبقى أهم التزام من الالتزامات المحمولة على كاهل المؤجرالتزامه باداء الأجر، فهل أن هذا الالتزام يبقى قائما خلال فترة الراحة القانونية الخالصة ام انه يعلق بموجب تعليق عقد الشغل؟

والاجابة عن هذا الاشكال ستكون في اطار المبحث الثاني من خلال البحث في مدى استحقاق الاجير لاجره بعنوان الراحة القانونية الخالصة.

المبحث الثاني: استحقاق الأجر بعنوان الراحة القانونية

يعد عنصر الأجر عنصرا جوهريا من عناصر عقد الشغل، فهو مقابل العمل الذي يؤديه العامل تنفيذا لعقد الشغل[197]

وبناء على ذلك، فإنه إذا لم يقم العامل بأداء العمل، فلا استحقاق للأجر، وبعبارة أخرى إذا لم ينفذ العامل ما عليه من التزام بالعمل أمكن لصاحب العمل أن يتحلل من التزامه المقابل بدفع الأجر. فالقاعدة إذن أن الأجر مقابل العمل، ومع ذلك وأخذا بالطابع الحيوي للأجر- قرّر المشرع أحقية العامل في الحصول على أجر في بعض الحالات التي لا يقوم فيها العامل فعلا بالعمل ومن هذه الحالات حالة الانتفاع بالرّاحة القانونية.

فهل أن ما يستحقه العامل خلال هذه العطلة يعتبر أجرا بالمعنى الصحيح؟

إن الإجابة عن هذا التساؤل ستتم من خلال تحديد الطبيعة القانونية لهذا المقابل إن كان تعويضا أو أجرا بالمعنى الكامل.

الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية للمقابل الذي يستحقه الأجير بعنوان راحة قانونية

اقتضت أحكام مجلة الشغل أن العامل يتقاضي خلال أيام الأعياد الرسمية منحة تكون مساوية للأجر[198] وهي بالنسبة للرّاحة السنوية الخالصة، منحة تحتسب على أساس مدة الإجازة…”[199]

ويختلف الوصف الذي أطلقه كل من المشرع التونسي والفرنسي عن الوصف الذي أطلقته بعض التشريعات العربية الأخرى، على ما يستحقه العامل بعنوان راحة قانونية خالصة، حيث اقتضت المادة 48 من قانون العمل المصري أن العامل يستحق إجازة سنوية “بأجر كامل”.

من جهة أخرى، اقتضت الاتفاقية الدولية للعمل عدد 52 المتعلقة بالإجازات السنوية بأجر أنه: “لكل شخص يقوم بالإجازة بالتطبيق لحكم المادة 2 من هذه الاتفاقية الحق في أن يحصل طوال مدة الإجازة على ما يلي:

إما أجره العادي كما حدده التشريع الوطني
ب- وإمّا الأجر المحدد في الاتفاقية الجماعية.”

وقد أدى اختلاف الأوصاف التي أطلقت على ما يستحقه العامل مقابل الإجازة السنوية إلى اختلاف الفقهاء حول مسألة مدى اعتبار ما يحصل عليه العامل في الحالات السابقة أجرا.

وانقسم الفقهاء إلى شقين، فاعتبر الشق الأول أن ما يحصل عليه العامل خلال العطلة القانونية لا يعدّ أجرا لعدم وجود عمل مقابل له لكنه تعويض للعامل عن حرمانه من أجره، بحيث يعتبر نفقة تعاقدية أو قانونية ولذلك يخضع هذا المقابل لحكم القواعد العامة ولا يسري على نظام الأجور.[200]

ويذهب البعض إلى القول أن ما يعطى للعامل في هذه الحالة ليس أجرا بالمعنى الصحيح، لأن الأجر مقابل العمل، والعامل في حالتنا كان في أيام إجازته، ويفضل هؤلاء اعتبار المبالغ المستحقة تعويضا يدفعه رب العمل للعامل يتساوى في قيمته مع الأجر المستحق عن مدة الإجازة، ويخضع لنفس الأحكام والقواعد الخاصة بالأجور.[201]

إلا أن فريق آخر يرد هذا الرأي، لأنه إذا كان صحيح أن الأجر مقابل للعمل فإن التعويض يدفع جبرا لضرر ما، وبالتالي فإن إدخال فكرة التعويض في هذا المقام لا تستند إلى أساس واضح. ومن ناحية ثانية فإن فكرة التعويض لا تسمح بتفسير الكثير من الأحكام الخاصة بالإجازة.

وبالتالي فان التكييف الصحيح هو أن ما يحصل عليه العامل هو أجر بالمعنى الصحيح والكامل.

أما العمل الذي يؤدي هذا الأجر عنه فهو جهد العامل أثناء أيام التشغيل الفعلي،[202] وبالتالي فإنه ينظر إلى نظام الإجازة الخالصة على ضوء التنظيم العام لوقت العمل السنوي، فالتشريعات العربية والأجنبية تضع الحدّ الأقصى لساعات العمل اليومية والأسبوعية والسنوية في ضوء تخطيط عام لما يقدمه العامل من جهد وما يحصل عليه من مزايا، ومن المزايا الأساسية حصول العامل على إجازة بأجر كامل. [203]

بالتالي فإن ما يتقاضاه العامل خلال عطلة الأعياد والعطل الممنوحة لأسباب عائلية أو شخصية استثنائية يعتبر أجرا بالمعنى القانوني، ويلتزم صاحب العمل بأن يدفعه إلى العامل خلال الفترات التي يتوقف فيها عن العمل سواء كان مصدر هذا الالتزام القانون أو الاتفاق، ويخضع هذا “البدل” إلى نفس النظام القانوني للأجر، دون أن يخلّ عدم أداء العامل للعمل بهذا الوصف.

[204] وقد قبل الفقه الفرنسي هذا الوصف واعتبر أجر العطل بديلا للأجر أو أنه يشبّه به رغم أنه لا يقابل عملا حقيقيا وهو بذلك يخضع للنظام القانوني للأجر.[205]

والواقع أن هذا الأجر الذي يحصل عليه العامل خلال فترات إعفائه من العمل لا يجد سببه في عمل فعلي أداه العامل، ولهذا فإنه ما دام كذلك فإنه أجر لا يقابله عمل.

وقد قبل جانب من الفقه الفرنسي هذه الحقيقة ووضع أجر هذه الحالات تحت تسمية أجور عدم النشاط، ولذا يستحق العامل أجرة مرة في مقابل عمل ومرة بدون مقابل، وهنا يضعنا هذا الفقه أمام صورة غير مألوفة وفقا للقواعد المدنية التقليدية، وتمثل في نفس الوقت خاصية مميزة للقانون الاجتماعي المعاصر.

وقد سبق لمحكمة التعقيب الفرنسية أن اعتبرت في قرار مبدئي، أن منحة الراحة السنوية تمثل جزء أو عنصرا من عناصر الأجر.[206]

واعتبرت وفقا لذلك أن هذه المنحة تخضع للنظام القانوني للأجر.

ويترتب عن ذلك أن هذه المنحة يشملها الامتياز المقرر للأجور وعدم القابلية للعقلة والمقاصة مع ديون المؤجر.(أ) كما تخضع منحة الراحة الخالصة للاقتطاع لفائدة الصناديق الاجتماعية.(ب)

أ- انطباق الحماية القانونية المقررة للأجور على منحة الراحة الخالصة:

لقد كانت هذه المسالة كانت محل اختلاف قبل تنقيح مجلة الشغل سنة 1996، ذلك أن المشرع اكتفى ضمن الفصل 199/5 م ح ع بالإشارة إلى “الأجر” فقط دون التنصيص صراحة على المستحقات، وهذا الصمت دعا إلى إثارة التساؤل حول مدى شمول الامتياز المقرر للأجور لبقية مستحقات الأجير وبالتحديد منحة الراحة القانونية الخالصة.

غير أنه بتنقيح مجلة الشغل سنة 1996 أصبح الامتياز العادي للعملة ينحسب على أجورهم ومستحقاتهم.

وقد عرفت هذه المجلة بفصلها 134-ح الأجر على النحو التالي: “يقصد بالأجر ما يستحقه العامل من مؤجره مقابل العمل الذي أنجزه. ويتضمن الأجر الأساسي مهما كانت طريقة احتسابه وملحقاته من منح وامتيازات سواء كانت نقدية أو عينية، مهما كانت طبيعتها قارة أو متغيرة وعامة أو خصوصية باستثناء المنح التي لها صبغة استرجاع مصاريف”.

وهكذا يتضح أن الامتياز العادي الوارد بالفصل 199/5 م.ح.ع يضمن فقط الأجور التي يستحقها “الخدمة وكل أجير آخر” حال أن مقابلة بالفصل 151-2 من م.ش يحمي دفع الأجور والمستحقات.

وتشمل المستحقات كل ما يستحقه العامل علاوة على الأجر وملحقاته وذلك وفقا لأحكام قانون الشغل، وعلى هذا النحو يعتبر دينا ممتازا مقابل الإجازة السنوية[207] وفي هذا تأكيد على خضوع أجرة الراحة الخالصة للنظام القانوني للأجر سواء فيما يتعلق بحماية هذا الأجر من مزاحمة صاحب العمل المعسر وحماية من حقوق صاحب العمل في الاقتطاع من أجور عماله[208] وحمايته من دائني العامل الراغبين في الحجز عليه تحت يد صاحب العمل[209] .

ب- خضوع منحة الراحة القانونية الخالصة للخصم بعنوان أن تكاليف اجتماعية:

إن الانخراط بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يعتبر من بين الالتزامات المحمولة على المؤجر وبناء على ذلك، فإنه عند انتدابه لكل عامل، يتعين عليه أن يقوم بتسجيله لدى مصالح الصندوق المذكور بداية من الشهر الأول من تاريخ الانتداب.

والغاية من ذلك هي تمكين هذا العامل من حقوقه القانونية في مجال الضمان الاجتماعي كالمنافع العائلية والتأمينات الاجتماعية والخدمات الصحية والاجتماعية…

كما يقوم المؤجر عند كل خلاص للأجور وتوابعها بخصم قسط الاشتراكات المحمولة على العامل بعنوان الضمان الاجتماعي من الأجر أو المرتب ويتولى التنصيص على خصم معلوم هذا الاشتراك ببطاقة خلاص الأجور ودفع معلومي اشتراكه واشتراك العامل لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفي صورة السهو عن القيام بهذه العملية، فإنه (المؤجر) يتحمّل المسؤولية في ذلك من تتبعات وغيرها من قبل مصالح الصندوق المذكور وكذلك مصالح تفقدية الشغل.[210]

وقد أكد الفقه المقارن، على خضوع منحة الراحة القانونية الخالصة للاقتطاع بعنوان تكاليف اجتماعية لفائدة صندوق الضمان الاجتماعي وخزينة الدولة.[211]

بالتالي فإن منحة الراحة الخالصة القانونية ومقابل أيام الأعياد الوطنية والدينية التي يبطل فيها العمل مع خلاص الأجر تخضع إلى الخصم بعنوان الضريبة على الدخل.[212]

لكن هذا الخصم يتم في إطار قيام العلاقة الشغلية وهذه الصورة لا تطرح إشكالا, لكن الإشكال يطرح في صورة إنهاء العلاقة الشغلية وفسخ عقد الشغل فهل أن واجب إجراء الخصم المحمول على المؤجر يبقى قائما في حالة الحكم بأداء منحة الراحة السنوية وأجرة أيام الأعياد الرسمية؟ وبعبارة أخرى هل أن الأجير يدفع المنحة كاملة أو بعد الاقتطاع بعنوان تكاليف اجتماعية؟

وإجابة عن هذا التساؤل نشير إلى أنه، انطلاقا من أحكام الفصل 42 من القانون المؤرخ في 14 ديسمبر1960 المتعلق بأنظمة الضمان الاجتماعي.[213] والفصلين 1 و2 من الأمر المؤرخ في 19 ماي 2003 المتعلق بقائمة المنافع المستثناة من قاعدة المساهمة في أنظمة الضمان الاجتماعي، نلاحظ أن هذه النصوص لم تشر إلى منحة الراحة الخالصة وبالتالي فهي تخضع للمساهمة ولا يمكن الحكم بمبلغها إلا بعد خصم قيمة تلك المساهمات المستوجبة قانونا.[214] إلا أن محكمة التعقيب قبلت موقف محكمة الاستئناف عندما قضت في خصوص هاته المنحة على أساس الأجر الخام وليس الأجر الصافي.[215]

كما اقتضى الفصل 25 من مجلة الضريبة على دخل الشخص الطبيعي أن الأجور والمرتبات بما فيها من ملحقات بجميع أصنافها تخضع للخصم بعنوان الضريبة على الدخل.

وعموما فان المشرع التونسي، في إطار تنظيم الانتفاع بالراحة القانونية، حدد طريقة احتساب هذه المنحة وكيفية أداءها.

الفقرة الثانية: التنظيم القانوني للمنحة المستحقة

قرر المشرع التونسي حقا لكل أجير في الانتفاع بإجازة سنوية وعطل الأعياد سواء الوطنية أو الدينية تكون خالصة الأجر. وقد نظمت الاتفاقيات المشتركة مسألة إسناد رخص خالصة تمنح لأسباب عائلية أو إجازات استثنائية تعطى لأسباب شخصية.

وإقرار مثل هذا الحق يترتب عنه انقطاع العامل عن عمله لفترة زمنية محددة، لذلك وجب منح العامل “الأجر” الذي كان سيتقاضاه لو استمر في عمله دون انقطاع بسبب العطلة القانونية، وبعبارة أخرى يجب عدم تخفيض أجر العامل بسبب تمتعه برخصة يقرّرها له القانون أو الاتفاق.

وفي إطار وضع القواعد المنظمة للعطل الخالصة، وضح المشرع التونسي طريقة احتساب قيمة المنحة المستحقة من جهة(أ) ومن جهة ثانية حدد الآجال القانونية المحددة للمطالبة بها(ب).

أ- كيفية احتساب منحة الإجازة القانونية الخالصة:

اقتضت أحكام الفصل141 من م.ش أن العملة الذين تدفع إليهم أجورهم بالشهر لا يمكن أن ينالهم في صورة وقوع عطلة بمناسبة أيام الأعياد التي يتوقف فيها العمل تخفيض آخر في الأجر غير التخفيض الناتج عن إبطال الساعات الزائدة…”

وأن المنحة المستحقة عن أيام الأعياد الخالصة تكون مساوية للأجر الذي فات العامل بسبب العطل المذكورة.[216] وأضافت الاتفاقية الإطارية المشتركة أن الإجازات الممنوحة بصفة استثنائية للأجراء بسبب أحداث عائلية أو شخصية لا يمكن أن ينتج عنها تنقيص من أجر العامل[217].

ويستنتج من خلال الأحكام المنظمة لمنحة الراحة القانونية الخالصة،أن احتساب هذه المنحة يكون وفق طريقتين تختلفان بحسب صنف العطلة.

1- احتساب أجرة الرخصة السنوية:

يعتبر دفع منحة الإجازة السنوية للعامل المستحق لها قانونا واجبا من واجبات المؤجر، وتختلف طريقة احتساب منحة الراحة السنوية من نشاط إلى آخر. [218] ومن مؤسسة إلى أخرى.[219]

ففي النشاط غير الفلاحي تم بمقتضى القانون عدد 62 المؤرخ في 15 جويلية 1996 تبسيط طريقة احتساب منحة الإجازة السنوية بتعويض قاعدة احتساب هذه المنحة على أساس نسب من مبلغ الأجور التي يتحصل عليها العامل أثناء المدة المعبرة لتقدير حقه في الإجازة. بقاعدة أخرى يتم بمقتضاها احتساب منحة الإجازة السنوية على أساس العناصر التالية:

* مدة الإجازة المستحقة

* الأجر والمنح التي يتقاضاها العامل عند المباشرة الفعلية للعمل. [220]

وهو الأجر الذي يدفعه المؤجر بصفة دورية (مرة كل شهر/ أو أسبوع/ أو يوم) والذي يتضمن الأجر الأساسي وملحقاته باستثناء المنح ذات صبغة استرجاع المصاريف.[221] نظرا لأن تمتع الأجير بالإجازة يؤدي حتما إلى عدم إنفاقها[222].

وإلى جانب المنح ذات صبغة استرجاع مصاريف، يمكن استثناء مقابل الساعات الإضافية باعتبار وأنها لا تؤدى من طرف العامل إلا استجابة لطلب من المؤجر إثر أمر طارئ أو وفقا لبرنامج يتضمن زيادة في حجم الإنتاج لوقت معين وحتى في صورة انجازها فإنه يقع التنصيص على مقابلها ببطاقة الخلاص على حدة وخارج الأجر الأساسي للعامل[223].

ويستحق العامل الفلاحي مقابلا للإجازة السنوية، منحة يومية تساوي متوسط الأجر اليومي الذي يتقاضاه من المؤسسة أو الذي يتحصل عليه خلال السنة في المدة المساوية لمدة الإجازة باحتساب جميع المنح والمكافآت. ويضاف إلى ذلك مبلغ الامتيازات العينية (بعد أن يقع تقديرها نقدا) التي لا يستمر العامل المستفيد من الإجازة على التمتع بها أثناء إجازته[224].

وحتى لا يحرم العامل من حقه في أجر الإجازة نظرا لطبيعة عمله -في ميادين النشاط التي لا يكون فيها عادة العملة مشتغلين بصفة مستمرة عند نفس المؤجر خلال المدة المعتبرة لتقدير استحقاق الرخصة-ذهب المشرع التونسي إلى إلزام أصحاب الأعمال للانخراط في صناديق تكفل للعامل أجره وذلك بدفع اشتراكات للصندوق القومي للضمان الاجتماعي حسب معاليم وكيفية عمل معينة بقرار من كاتب الدولة للشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية، ويكلف هذا الصندوق بدفع المنح المطابقة أو المماثلة لحق العمال في الإجازة[225]

ويعتبر هذا التوجه، توجه حمائي وقع إقراره لفائدة الأجير حتى لا يحرم هذا الأخير في حقه من الإجازة نظرا لطبيعة عمله أو نظرا لعدم اشتغاله المدة التي يقررها القانون لكي يستحق الإجازة. ويبدو أن أغلب تشريعات العمل العربية تتفق مع حكم المادة الثالثة من الاتفاقية الدولية للعمل عدد 52 الخاصة بالإجازات السنوية بأجر وكذلك الاتفاقية العربية رقم 6 لسنة 1986 بشأن مستويات العمل “معدلة” والتي تقضي جميعها باستحقاق العامل بمناسبة انتفاعه بالإجازة السنوية : إما لأجره العادي كما حدده التشريع الوطني مضافا إليه مقابل الأجر العيني إن وجد. وإما الأجر المحدّد بالاتفاقية الجماعية.

ويقضي المشرع الفرنسي بأن منحة الإجازة السنوية تحتسب بطريقتين. ووفقا للطريقة الأولى تساوي المنحة الجزء العاشر (1/10ème) من الأجر الكامل الذي حصل عليه العامل خلال السنة المرجعية، ويقصد بالأجر الكامل الأجر الأساسي مع المنح… أما الطريقة الثانية فتعرف بقاعدة الاحتفاظ بالأجر ووفق هذه القاعدة تساوي المنحة مبلغ الأجر الذي يحصل عليه العامل لو استمر في العمل.[226] وعموما فإن الطريق الأفضل والأصلح بالنسبة للعامل هي التي يقع اعتمادها.

2-احتساب أجرة أيام الأعياد والعطل الممنوحة لأسباب عائلية أو شخصية:

يتمتع الأجراء أثناء فترة عطلهم بمناسبة الأعياد الرسمية بكافة أجورهم وذلك طبق مقتضيات الفصل 108من م. ش الذي ينص على أن “العطل الحاصلة حسب الظروف التي أتى بها الفصل السابق لا يمكن أن تكون سببا في التنقيص من المرتبات والأجور التي تدفع شهريا أو مرتين في الشهر أو كل أسبوع. ويستحق العملة الذين يتقاضون أجورهم حسب الساعة أو اليوم أو الشهر أو العمل المعين أو الإنتاج منحة مساوية الأجر الذي فاتهم بسبب العطل المذكورة وهذه المنحة التي تحمل على المؤجر تحسب على قاعدة أوقات الشغل الأسبوعية الجاري بها العمل عادة بالمؤسسة. “[227]

وقد ضبط الفصل 29 من الاتفاقية المشتركة الإطارية ايام الأعياد الخالصة،[228] واكتفت الاتفاقيات المشتركة القطاعية بإعادة ما نص عليه الفصل 29 المذكور،باستثناء بعض الاتفاقيات التي تضمنت أحكاما أكثر تفصيل فأضافت بعض المنح بمناسبة الأعياد كالاتفاقية المشتركة للملاحات[229] التي أصبحت تمنح للعاملين في هذا القطاع، منحة قدرها 18 دينار.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض الاتفاقيات القطاعية قررت أنه إذا تغيب العامل عن عمله أثناء اليوم السابق أو الموالي ليوم العطلة الخالصة بدون مبرر فإنه يفقد حقه في الانتفاع بالمنحة المقررة للعامل بمناسبة هذه العطلة. [230]

بقي أنه بالنسبة للرخص الخالصة الممنوحة لأسباب عائلية والرخص الاستثنائية الممنوحة لأسباب قانونية أو لأسباب شخصية أو رخصة رياضي النخبة[231] أو رخصة أداء فريضة الحج والرخص الممنوحة لأسباب نقابية.[232] فقد وقع تنظيمها صلب الاتفاقية الإطارية المشتركة، وقد اقتضت أن العامل عند تمتعه بهذه الرخص يبقى متمتعا بكامل حقوقه ومن بينها تقاضي الأجر[233].

ب-كيفية أداء منحة الراحة القانونية:

ورد تعريف الأجر في الفصل134-2 من م.ش الذي اقتضت أحكامه أن الأجر يتضمن “الأجر الأساسي مهما كانت طريقة احتسابه وملحقاته من منح وامتيازات…”وترتيبا على ذلك يمكن، انطلاقا من أحكام الفصل 139 من م.ش المتعلق بكيفية دفع الأجور، القول بان منحة الراحة الخالصة “يجب أن تدفع بعملة لها رواج قانوني بالجمهورية التونسية إلا في صورة وجود أحكام قانونية أو ترتيبية مخالفة.”

وقد اقتضت أحكام الفصل 142 من م.ش أنه “لا يجوز الدفع في يوم يكون فيه للعامل أو للمستخدم الحق في الراحة سواء بمقتضى القانون أو الاتفاقيات المشتركة القطاعية أو الخاصة بالمؤسسة”.

ويتفق هذا الحل مع مقتضيات الفصل 13 من الاتفاقية المشتركة الإطارية.[234] والحكمة من هذا ترجع إلى الرغبة في عدم تكليف العامل بالحضور إلى محل عمله لاستلام أجره في أحد الأيام المخصصة لراحته، الأمر الذي يحرمه من الاستمتاع بإجازته على الوجه الذي يرضاه.

وبالتالي فإن أداء المنحة بعنوان راحة سنوية خالصة يكون إما قبل الخروج أو بعد العودة من الراحة، وقد جرى العمل على حصول الأجير على أجره الراحة القانونية قبل خروجه للتمتع بها.

ولابد من التأكيد في هذا الموضع على أن الأجير هو الملزم بأداء منحة الراحة القانونية والتي يسقط حق المطالبة بها بمرور مدة زمنية معينة.

1- أداء المنحة التزام محمول على المؤجر:

إن رب العمل هو الملتزم بدفع منحة الإجازة القانونية الخالصة، وهو ما اقتضته صراحة أحكام الفصل 108 فقرة ثانية من م ش ” وهذه المنحة التي تحمل على المؤجر”وما أكده الفصل 112 من نفس المجلة : “كل عامل يستحق (…) رخصة خالصة يتحمل بها المؤجر”[235] وذلك خلافا لبعض الأصناف من الرخص،[236] والتي يتحمل بأداء أجرتها الصندوق القومي للضمان الاجتماعي.

وتكمن أهمية تحديد الطرف الملتزم بأداء مبلغ المنحة خاصة في الحالات التي يتحصل فيها العامل على أجره كله أو بعض من حصيلة الهبات التي يدفعها عملاء صاحب العمل كما هو الحال بالنسبة للفنادق والمطاعم والمقاهي… ففي مثل هذه المهن لا يحصل العامل على الهبات المكونة لأجره بسبب قيامه بالإجازة.

وهنا يثار إشكال حول كيفية تسوية حقه في خلاص الأجر أو المنحة المساوية للأجر؟

لقد اقتضت أحكام الفصل من م.ش أن العطل لا يمكن أن تكون سببا في التنقيص من المرتبات والأجور…” وكان الحل واضحا فيما يتعلق بالأجراء الذين يتلقون نسبة من أجورهم كهبات من عملاء

صاحب العمل، فقرر أنه في غياب اتفاق أو عرف يقضي بخلافة، فإن الأجراء في المهن التي يكون فيها الأجر بعضه أو كله من هدايا الحرفاء بمقتضى عقد الشغل، فإن الأمر الذي يجب اعتباره لاحتساب منحة الإجازة يقدر طبقا للتشريع المتعلق بأنظمة الضمان الاجتماعي[237].

كما يطرح في إطار تحديد الطرف المتحمل بأداء منحة الإجازة القانونية سؤال ثاني وهو التالي: في صورة تغير الوضعية القانونية للمؤجر، بانتقال ملكية المؤسسة بالتفويت فيها، أو إدماجها من يتحمل بأداء منحة الراحة القانونية هل هو المؤجر الأصلي أم هو المؤجر الجديد الذي انتقلت إليه الملكيّة؟

عن هذا الإشكال، أجاب الفصل 15 من مجلة الشغل، والذي اقتضت أحكامه أن العلاقة الشغلية تستمر بين المؤجر الثاني والأجير في صورة تغيير حالة هذا الأخير القانونية بالميراث أو البيع… ويتفق هذا الحل مع الحل العام الوارد صلب الفصل 241م ا ع والتي تقضي بانتقال الالتزامات في صورة انتقال ملكية المؤسسة لأي سبب كان، إلى الخلف سواء كان خلفا عاما أو خلفا خاصا.[238]

وقد أكد الفقه هذا الحكم واعتبر أن الملتزم بمقابل الإجازة هو صاحب العمل وقت بدء الإجازة ولو كان غير صاحب العمل الذي كان موجودا وقت القيام بالعمل السابق الذي استحق عنه هذا المقابل[239] وإذا وقعت إحالة المؤسسة خلال سنة الاستحقاق، فإن الأجير الأول يتحلل من الالتزام بأداء مبلغ المنحة ويتحمل بها المؤجر الجديد. وفي صورة إفلاس المؤجر فإن المصفي يحل محله في الوفاء بالتزاماته طبق الفصل 16من م ش.

كما يتحمل صاحب المؤسسة مصاريف أخرى بعنوان الرخصة السنوية الخالصة، من ذلك الحالة المنصوص عليها بالفقرة الرابعة من الفصل 115 جديد من مجلة الشغل التي أوجبت أنه في صورة غلق المحل، كليا أو جزئيا لمدة تفوق مدة الإجازة السنوية فإنه يجب على المؤجر أن يدفع العملة المعنيين عن كل يوم من أيام العمل التي أغلق فيها محله زيادة عن مدة الرخصة المذكورة أجرا لا يمكن أن يقل عن المنحة اليومية للإجازة خالصة الأجر.

ولا تبرأ ذمة صاحب العمل من أداء منحة الراحة القانونية الخالصة، إلا إذا وقع الأجير بما يفيد استلام أجره في السجل المعد لقيد الأجر أو في كشوف الأجور أو على الإيصال المعد لذلك.

وقد اقتضت أحكام الفصل 130 من م ش وفقا لذلك أنه :”لتتسنى مراقبة تطبيق الأحكام المنظمة للراحة القانونية الخالصة يجب على المؤجرين أن يمسكوا سجلا يحمل اسمهم وعنوانهم وينص على الفترة العادية لمنح العطل في المؤسسة، مدة الراحة السنوية للمستحقين، إضافة إلى مبلغ المنحة المدفوعة لكل مهم بالنسبة لمدة رخصتهم مع بيان العناصر التي اعتبرت لتقدير هذه المنحة ويقع إمضاء هذا السجل من طرف مستحقي الرخصة ويوضع تحت طلب متفقدي الشغل”.

وقد أكد فقه قضاء محكمة التعقيب أن إثبات الوفاء بأداء منحة الراحة السنوية لا يكون إلا بالطرق المنصوص عليها بالفصل 130 سالف الذكر.[240] والمؤجر الذي لا يحترم هذه الإجراءات يكون عرضة للعقوبات المنصوص عليها بالفصل 234 مكرر من م.ش.[241]

ولسائل أن يسأل هل من واجب المؤجر دفع المبلغ المقرر على عاتقه لفائدة الصندوق القومي للضمان الاجتماعي أثناء فترة الراحة الخالصة؟

وقد أجاب البعض عن هذا التساؤل بان مساهمة المؤجر في هذا الصدد تعتبر مرتبطة ارتباطا وثيقا بدفع الأجر، وإذا كان المؤجر خلال فترة الراحة ملزما بدفع جزء أو كامل الأجر فهذا يعني أيضا دفع المساهمات الاجتماعية[242].

وعموما فإن قيام الأجير للمطالبة بمنحة الراحة الخالصة يجب أن يكون ضمن الآجال القانونية وإلا سقط حقه فيها.

2- الآجال القانونية للمطالبة باجرة الراحة الخالصة:

اقتضت أحكام الفصل 120من م .ش فقرة أخيرة أن القيام للمطالبة بدفع المنح المنصوص عليها بالفصلين 119 و120 من نفس المجلة يسقط بمرور عام واحد. وقد أثار هذا الحكم اختلافا فقهيا موضوعه التالي : هل يبدأ سريان أجل السقوط من تاريخ استحقاق المنحة أم من تاريخ انتهاء العلاقة الشلغلية؟

ويثار هذا الإشكال خاصة، نظرا لأن الفصل 147 و148 من مجلة الشغل اقتضت أن الحق القيام بالدعاوى مهما كان نوعها بين العامل والمؤجر يسقط بمرور عام من الزمن وذلك ابتداء من تاريخ انتهاء علاقات الشغل.

فهل أن أحكام هذين الفصلين تنطبق على دعوى المطالبة بمنحة الإجازة القانونية خاصة و أن المشرع لم يحدد صلب الفصل120 م.ش التاريخ المعتمد لبداية احتساب اجل التقادم.

لقد أدى تطبيق هذه الأحكام إلى ظهور خلاف قانوني بين مختلف المحاكم المختصة بالنظر في القضايا الشغلية فصدرت في هذا المعنى عديد الأحكام والقرارات، فقضت المحكمة الابتدائية بتونس في خصوص استحقاق منحة الراحة السنوية بإلزام المؤجر بان يؤدي للعامل(…) لقاء السنة الأخيرة من العمل وبخصوص منحة السنة التي تسبق تاريخ الطرد فان المطالبة بها قد سقط بمرور الزمن عملا بأحكام الفصل 120 من م.ش،[243] و قد اعتمدت المحكمة في احتساب اجل التقادم تاريخ نشأة الحق وليس تاريخ انتهاء العلاقة الشغلية .

إلا أن محكمة الاستئناف اعتمدت في أحكامها تاريخ نهاية العلاقة الشغلية لاحتساب اجل التقادم وقضت بنقض حكم البداية و القضاء مجددا بإلزام المستأنف ضدها بان تؤدي للمستأنف مبلغ(…) لقاء منحة الراحة الخالصة عن السنوات 2001 حتى2004 ضرورة أن الأجير استمر في العمل رغم عدم حصوله على كافة مستحقاته واكتفى بقبض الأجر، وعند انتهاء العلاقة الشغلية طالب مؤجره في إطار قضية شغلية بكافة المستحقات بما فيها منحة الراحة السنوية ومنحة الأعياد الرسمية عن كامل مدة العمل.[244]

غير أن محكمة التعقيب لم تستقر على موقف واحد بخصوص هذه المسالة، فاعتبرت بعض القرارات أن بداية احتساب اجل سقوط الحق في منحة الراحة القانونية هو تاريخ استحقاقها.[245] فيما ذهب الشق الثاني إلى اعتبار أن احتساب الأجل يبدأ من تاريخ انتهاء العلاقة الشغلية.[246]

خاتمة الجزء الأول

في خاتمة هذا الجزء من البحث، نود الإشارة إلى مسالة تبدو على غاية من الأهمية نظرا لما قد يترتب عنها من تأثير على الحق في الراحة الخالصة، خاصة و أنها مطروحة في الوقت الراهن للنقاش.و التي تتعلق بالاحتساب السنوي لتوقيت العمل و تأثيره على الحق في الراحة المدفوعة الأجر. فإذا ما تمّ تنظيم توقيت العمل سنويا حسب نظام العمل 40 أو 48 ساعة في الأسبوع أو ما بينهما، وفق ما قرّره المشرع التونسي صلب الفصل 79 جديد من م.ش[247] على النحو التالي: “يمكن أن تتجاوز مدة العمل الفعلي 48 ساعة في الأسبوع أو تحديدا معادلا لذلك تضبط حسب مدّة من الزمن غير الأسبوع لا تتجاوز العام الواحد”.

فهل يمكن التنازل عن هذا الحق لتمكين المؤجر من تعويض ساعات العمل غير المنجزة بسبب التقلبات الاقتصادية وذلك بالعمل خلال عطل الأعياد والرّاحة السنوية الخالصة؟ وهل يمكن فرض تعويض خلاص الساعات الإضافية بساعات راحة مساوية؟

إجابة عن هذا التساؤل، اقترح البعض[248]استرشادا بالقانون المقارن[249] وخاصة تجارب البلدان التي تتقارب اقتصاديا واجتماعيا مع تونس والتي تنافسها سواء في جلب المستثمرين الأجانب أو في تشجيع المستثمرين الوطنيين وكذلك بالقانون الفرنسي[250] بحكم تأثيره التاريخي على القانون التونسي والعلاقات الاقتصادية الواسعة بين تونس وفرنسا- أنه من حق المؤجر أن يتدارك ساعات العمل التي لم يستطع توفير العمل خلالها.

ولكن مع احترام الحدود القانونية التي لا يمكن تجاوزها لتعلقها بالنظام العام وباعتبارها ثوابت حمائية دنيا، بأن يحافظ الأجراء على حق الراحة السنوية خالصة الأجر وعلى كل أيام الأعياد وغيرها من أيام الرّاحة الخالصة الأجر المنصوص عليها قانونيا أو تعاقديا بحيث لا يمكن تدارك ساعات العمل غير المنجزة خلالها وبالتالي مواصلة العمل بالنظام القانوني والتعاقدي المنطبق على عمل الأجراء أيام مختلف العطل خالصة الأجر بمعدل عما يتم الاتفاق عليه بشأن الساعات الإضافية المنجزة في النظام السنوي فوق الأسبوع[251].

ولابدّ من التذكير في هذا الموضع بأن مبدأ سنوية توقيت العمل معمول به في تونس في عديد المؤسسات[252]، إلا أن مسألة تعميم العمل به تبقى محور نقاشات الأطراف الاجتماعية، بين مؤيّد لها ومتحفّظ حولها. فالقانون موجود (الفصل 79 من م .ش) ولكن تفعيله سيكون على أساس مبدأ التشاور بين مختلف الأطراف الاجتماعية المعنية[253].

وفي كل الحالات يجب أن يراعى في تنظيم توقيت العمل سواء كان فرديا أو جماعيا ,عدة عوامل منها ما هو متصل بالطاقة الذهنية و البدنية للأجير ومنها ما هو متصل بحقوقه وامتيازاته القانونية والتعاقدية، ومنها أيضا ما هو متصل بحياته العائلية والاجتماعية وإلا فان انعكاسه على مردوده و مردود المؤسسة سوف يكون سلبيا.

أثيرت بشأن الإجازة القانونية الخالصة، مسألة أخرى وهي إمكانية العمل خلال العطلة السنوية سواء لدى صاحب العمل أو صاحب عمل غيره.

فإذا تمكن العامل من الحصول على إجازته واستطاع أن يعمل خلالها بأجر لدى صاحب عمل آخر فيعتبر ذلك باطل لعدم تحقق العلة من الإجازة أولا، وهي تجديد نشاط العامل وإتاحة الفرصة له للرّاحة، كما أن ذلك يعتبر إثراء غير مشروع ودون وجه حق لاستمتاعه بالأجر عن الإجازة من صاحب العمل ومزاولته عملا مأجورا من ناحية ثانية[254]

بقي أنه بالنسبة لمسألة العمل خلال الإجازة القانونية (الراحة السنوية- عطل الأعياد الرسمية) لدى صاحب العمل فإن الأمر يستوجب بعض التوضيح. فالمبدأ أن حق العامل في الحصول على إجازته هو حق متعلق بالنظام العام، كما سبق وأشرنا إليه، لذلك يلتزم صاحب العمل بإعطائها للعامل، كما لا يجوز للعامل النزول عنها.

والأصل أن العمل خلال الإجازة القانونية يتعارض والعلّة من منحها، فلا يجوز العمل خلالها لدى صاحب العمل إلا في حالات معينة سنتعرّض لها ضمن الفصل الأوّل من هذا الجزء، لنخصص الفصل الثاني منه لتحديد الآثار المترتبة عن العمل خلال هذه العطل القانونية.

الفصل الأول: تبرير تشغيل الأجراء أيام العطل و الراحة الخالصة

لئن منح المشرع لصاحب العمل السلطة لتشغيل أجرائه خلال الفترات المحددة لراحته، سواء السنوية أو أيام الأعياد الرسمية، إلا أن هذه السلطة ليست مطلقة، لأنها تمثل استثناء لمبدأ التوقف عن العمل خلال فترات الإجازة، والاستثناء يكون دائما مقيّدا، فما هو اساس هذه السلطة وما هي حدودها؟

أنّ الإجابة عن هذا التساؤل ستكون في جزأين، من خلال تخصيص المبحث الأول للبحث في أساس الصلاحية المخولة للمؤجر لتشغيل أجراءه أيام الأعياد و العطل المدفوعة الأجر (مبحث أول) أما المبحث الثاني، فسنتعرض من خلاله إلى مظاهر تدخل المؤجر للتضييق من ممارسة الحق في الراحة الخالصة(مبحث ثاني).

المبحث الأوّل: سلطة المؤجر لتبرير تشغيل الأجراء أيام الأعياد الخالصة

يتمتع المؤجر بسلطات ثلاث لا يختلف اثنان في أحقيته لها، وهي سلطة التسيير وسلطة التنظيم وسلطة التأديب، ويدخل ضمن سلطة المؤجر التنظيمية و التسييرية تنظيم أوقات العمل وتعيين الفترات المحددة للراحة… لذلك فقد خول المشرع للمؤجر إمكانية تشغيل أجرائه خلال أيام الأعياد والعطل الخالصة. فما هو أساس السلطة التي يتمتع بها المؤجر في هذا المجال؟

الفقرة الأولى: أساس السلطة المخولة للمؤجر لتشغيل أجراءه أيام العطل الخالصة

تضمنت مجلة الشغل إشارات يمكن اعتمادها كأساس لتبرير سلطة المؤجر في هذا الإطار مثل تكريس مفهوم التبعية.(أ) كما أن تشغيل العمال أيام العطل القانونية تقتضيه مصلحة المؤسسة. (ب)

أ- تبعية الأجير لصاحب المؤسسة:

تمثل التبعية إحدى ركائز عقد الشغل و هو ما أضافه الفصل 6 من م.ش لتفادي النقص في الفصل 828 من مجلة الالتزامات و العقود الذي عرف عقد الشغل على النحو التالي: “الإجارة على الخدمة عقد يلتزم بمقتضاه احد المتعاقدين للآخر مباشرة لإسداء خدمة معينة باجر أو إتمام عمل في مقابل اجر يلتزم الآخر بآداءه .” لكن هذا التعريف أهمل عنصرا أساسيا في عقد الشغل وهو التبعية، فالتبعية القانونية لم يقتصر وجودها على قانون الشغل ولكنها أصبحت عنصرا هاما في قانون الضمان الاجتماعي، فهي روح عقد الشغل تميزه عن باقي العقود المشابهة. [255]

وقد صار من البديهي القول أن أهم معيار لعقد الشغل هو عنصر التبعية القانونية، فقد كرسها القانون وتبنّاها فقه القضاء وأبدى فيها الفقهاء آراءهم.[256] ويترتب عن هذه التبعية خضوع الأجير لنفوذ المؤجر، بحيث يدعم هذا الأخير سلطته على الأشياء بسلطته على الأشخاص التابعين للمؤسسة .

وخاصية التبعية مستنتجة من الفصل 6 من م.ش “…و ذلك تحت إدارة و مراقبة هذا الأخير…” والفصل 10 من نفس المجلة “العامل مسئول عن عدم انجاز التعليمات التي تلقاها…”

والمقصود بالتبعية في هذا الإطار هي التبعية القانونية ، وهي أن يكون العامل منقادا لمخدومه، يتقبل أوامره وتوجيهاته والخضوع لإشرافه الإداري طيلة مدة العمل، فالأجير يتخلى إذا عن جزء من حريته أثناء ممارسته لعمله. ويمارس المؤجر سلطته انطلاقا من ملكيته للمؤسسة، فهناك خلط بين صفته كمالك للمؤسسة وصفته كمؤجر وهذه الصفة تخول له بسط نفوذه على العمال.

كما أكدت مجلة الشغل في بابها المتعلق بالتزامات العامل هذه التبعية بترتيب مسؤولية العامل عن عدم انجازه التعليمات الصادرة عن مؤجره “إذا كانت قطعية ولم يكن له أي عذر جدّي لمخالفتها”[257].

وفي هذا المعنى صدر عن محكمة التعقيب الفرنسية قرارا اعتبرت فيه أن الأجير لا يمكنه أن يقرر بنفسه تاريخ عطلته السنوية ويخرج لقضائها بدون ترخيص مسبق من صاحب العمل .[258]

ولا شك وان التبعية تمثل نتيجة حتمية للصلاحيات التي يتمتع بها المؤجر للسيطرة على الأجواء داخل المؤسسة وضمان حسن سير العمل بها، وهو ما يبرر سلطة الأمر والنهي لديه. خاصة وأن المشرع مكنه في عديد الحالات من تجاوز محتوى العقد تماشيا مع متطلبات مصلحة المؤسسة.وقد أكدت هذه الإمكانية الاتفاقية الإطارية المشتركة استجابة لحاجيات المؤسسة و حسن سير العمل بها.

وما إقرار حق المؤجر في تشغيل أجراءه أيام العطل الخالصة إلا تطبيقا لتبعية الأجير لمؤجره، و دليل على تفوق المؤجر على الأجير مقابل ما يقبضه من مبلغ مالي و مقابل ما يتمتع به من حماية يوفرها له قانون الشغل، فلكي يتمتع الأجير بهذه الحماية و غيرها من الامتيازات كالضمانات الاجتماعية مثلا، عليه أن يتنازل عن حقه في معارضة المؤجر فيما يتعلق بتسيير وتنظيم العلاقات داخل المؤسسة.

إلا أن هذه النظرة التقليدية لعلاقة الأجير بالمؤجر قد تجاوزتها الأحداث اليوم بتطور قانون الشغل لإقرار علاقة الأجير بالمؤسسة، وإحداث علاقة ضرورية بين قرارات وأوامر المؤجر وبين تحقيق مصلحة المؤسسة.

ولئن كان المؤجر يستمد سلطاته من حقه في ملكية المؤسسة و كذلك من العقود التي يبرمها مع الأجراء، فهو أيضا يستمد هذه السلطة من نظرية مصلحة المؤسسة.

ب – نظرية مصلحة المؤسسة لتبرير سلطة المؤجر:

رغم تضمن مجلة الشغل إشارات يمكن اعتمادها كأساس لتبرير مفهوم التبعية أو التنصيص على جملة من الالتزامات يتحملها الأجير،[259] فان فقه القضاء قد جعل من مفهوم مصلحة المؤسسة المبرر الأساسي لهذه السلطات إذ أكد أن المؤجر يتمتع بسلطات يستعملها لضمان حسن سير العمل بالمؤسسة وللحفاظ على استمرارية نشاطها.[260]

وتتحقق مصلحة المؤسسة خاصة من خلال ضمان حسن سير العمل بالمؤسسة، فليس هناك ضمان لنجاح المؤسسة أفضل من إخلاص الأجراء في عملهم.[261]

وهذا الإخلاص إذا ما توفر يسود حسن سير العمل داخل المؤسسة ويتحقق ازدهارها، وأن يحسن الأجير في عمله يعني عدم إهماله لواجباته وكذلك ضرورة احترامه لمواقيت عمله ولالتزامات المؤسسة تجاه الغير، إذ أن هذه الالتزامات تعدّ ركنا هاما في قيام العلاقة الشغلية[262]، والاستهانة بها تعد تصرفا من شأنه عرقلة نشاط المؤسسة وحسن سير العمل بها، وهو أمر تصدى له القضاء، فقد أيدت محكمة التعقيب[263] إحالة الأجير على مجلس التأديب لعدم احترامه لأوقات العمل وكثرة غياباته، كما اعتبرت كذلك إهمال الأجير- بعدم محافظته على وسائل العمل الموجودة بالمؤسسة- إخلال بالتزاماته لا ينم عن رغبة في النهوض بالمؤسسة.

ومن المؤكد في إطار العلاقة بين مفهوم مصلحة المؤسسة وحقوق الأجير، أنها مبنيّة على أهداف متضاربة، فالحفاظ على المؤسسة وعلى استمرارية نشاطها في ظروف حسنة لا يتحقق دون التضييق من الحقوق والمنافع الرّاجعة للأجراء، وهي حقيقة قد أكدها التشريع[264] عندما سمح للمؤجر بتشغيل أجرائه خلال الأوقات المخصصة لراحتهم.

الفقرة الثانية: نطاق سلطات المؤجر

يدخل ضمن سلطات صاحب العمل تنظيم ممارسة الحق في الراحة القانونية وتبرز سلطة المؤجر في هذا الإطار خاصة من خلال الصلاحية المخولة له بموجب القانون لتأجيل الانتفاع بالراحة السنوية من ناحية (فقرة أولى) وكذلك من خلال إمكانية دعوة عماله للعمل خلال عطل الأعياد، من ناحية ثانية (فقرة ثانية).

أ – تأجيل أو تجزئة موعد القيام بالراحة السنوية:

يجوز لصاحب العمل إعطاء جميع العمال إجازتهم السنوية دفعة واحدة يغلق خلالها المؤسسة، كما يجوز له أيضا تقسيم السنة إلى فترات يعطي كل جزء من عماله الإجازة خلالها.

والأصل هو وجوب حصول العامل على إجازته السنوية في الفترة المحددة بموجب القانون، أي في الفترة ما بين غرة جوان و31 أكتوبر من كل سنة.[265] و قد حرص المشرع على إسنادها في هذه الفترة بالذات، نظرا للعوامل التي تتميز بها البلاد التونسية، إذ هي الفترة المناسبة للراحة والاستجمام بما في ذلك الرحلات والمصيف والحفلات العائلية .بالإضافة إلى أن هذه الفترة توافق غلق المؤسسات التعليمية . ويفضل الأجير أن يتمتع برخصته السنوية خلال هذه الفترة بالذات اعتبارا للأسباب التي ذكرت. ونلاحظ أن المشرع قد أولى حماية خاصة لمصلحة الأجير، لكنه لم يهمل مصلحة المؤسسة إذا اقتضت ضرورة العمل ذلك.

ففي إطار إدخال مزيد من المرونة على قانون الشغل و الأخذ بعين الاعتبار لطبيعة بعض الأنشطة التي لا يمكن أن تسند فيها الإجازة السنوية خلال هذه الفترة ، فان التنقيح الأخير لمجلة الشغل[266] نص على انه يمكن أن تسند الإجازة السنوية خارج هذه الفترة بمقتضى اتفاقيات جماعية أو فردية أو من طرف المؤجر إذا استوجبت ضرورة العمل ذلك بعد اخذ رأي اللجنة الاستشارية للمؤسسة أو نواب العملة.

ومن القطاعات التي يسمح لها بطبيعة عملها بهذه الإمكانية نذكر النزل السياحية، دور الطباعة و المؤسسات المنتجة و الموزعة للمشروبات الغازية. كما تم حذف الأحكام التي تنص على ضبط الفترة التي تمنح فيها الإجازات السنوية في الاتفاقيات المشتركة، إذ أصبحت أحكاما غير ملائمة و غير معمول بها، وتم التنصيص صراحة على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مصلحة العامل إلى جانب وضعيته العائلية و الأقدمية في العمل.

إلا أن هذا التأجيل لا يجب أن يتعدى السنة الراجعة إليها الراحة السنوية، و هو ما نستنتجه ضمنيا من خلال عبارة” في وقت آخر من السنة”. و يختلف هذا الحل عن الأحكام الواردة ضمن بعض التشريعات العربية التي تجيز إحالة الانتفاع بالراحة إلى السنة الموالية.[267]

و قد أجاز القانون الفرنسي تجميع راحة سنتين و ذلك في بعض الحالات الاستثنائية:

– إذا تعلق التأجيل بالأسبوع الخامس من مدة الرخصة[268].

– إذا وقع التنصيص على ذلك صلب عقد الشغل الفردي أو الجماعي.

وفي هذه الحالة فان تأجيل الراحة السنوية لا يجب أن يتجاوز الواحد والثلاثين من ديسمبر للسنة التالية.

وقد قبلت جل التشريعات العربية إمكانية تأجيل القيام بالرخصة السنوية واعتبرت انه على صاحب العمل أن يمنح العامل إجازته المستحقة سنويا، غير انه يجوز لأسباب تتعلق بمصلحة احد الطرفين أن يؤجل استخدام نصف الإجازة للعام التالي.[269]

ولابد من الإشارة في هذا الإطار، إلى أن المشرع التونسي افرد العامل ألفلاحي بنظام خاص فيما يتعلق بتأجيل انتفاعه بالإجازة السنوية، فقرر أنه يجب على العامل ألفلاحي أن يتمتع بهذه الرخصة في العام الموالي لسنة الاستحقاق إذا كانت مدة الرخصة 15 يوما، أمّا إذا كانت الرخصة دون الخمسة عشر يوما، فإنها تقضي في الستة أشهر التي تلي تاريخ بداية الحق في الرخصة[270].

ولئن كان المبدأ، يقتضي أن تمنح الراحة السنوية في الفترة القانونية المحددة لها، كما سبق وذكرنا، إلا أن العمل بهذا المبدأ يمكن أحيانا أن يقع تجاوزه أمام ضغط بعض الظروف، ومن بين هذه الظروف هذه الظروف نذكر حالة الطرد أو الإيقاف عن العمل للأجراء القارين لأسباب اقتصادية أو فنية، فان من الحلول التي تقترحها لجنة مراقبة الطرد قبل إحالة الملف على القضاء في حالة تعذر المحاولة الصلحية نجد إمكانية تقديم موعد القيام بالرخصة السنوية .

و يبدو أن تنقيح 15جويلية 1996الذي أجاز إسناد الراحة السنوية خارج الفترة العادية بمقتضى اتفاقيات جماعية أو فردية أو من طرف المؤجر، إذا استوجبت ضرورة العمل ذلك[271] …جاء بإجراء يجنب الطرد و يمكن من تجاوز الصعوبات الاقتصادية أو الفنية.

وإن كنا نذكر تأثيرات الصعوبات الاقتصادية على السير العادي لنظام الراحة، فلسنا دائما نعني الجانب السلبي، بل أن هذا الإجراء، أي تقديم الراحة السنوية، يمثل اخف ضررا على الأجير من بعض الحلول الأخرى مثل الطرد. فإذا كان تقديم الراحة السنوية يتم دون رغبة الأجير أحيانا، فان ذلك أفضل من حرمانه من مورد رزقه. كما يمكن المؤسسة من مواجهة الصعوبات التي اعترضتها والتي دفعتها إلى اعتزامها طرد العمال.

ومن الوسائل التي اتبعها المشرع بغية إيجاد توازن بين مصلحة الطرفين يمكن أن نذكر تجزئة الراحة السنوية، إذ يكون المؤجر مضطرا أحيانا إلى أن يسند للأجير راحته السنوية مقطعة لفترات من الزمن لضرورة تلح على عدم غياب الأجير عن مركز عمله كامل مدة الرخصة السنوية، وأحيانا أخرى يفضل الأجير عدم حصوله على الرخصة السنوية دفعة واحدة، إذ يفضل تجزئتها إلى فترات حتى يتمتع بمتسع من الوقت خلال الفترات المجزاة لقضاء شؤونه الخاصة.

وتخضع التجزئة إلى شرطين أساسيين: فمن جهة أولى، فان الرخصة الخالصة التي لا تتجاوز الستة أيام من أيام العمل يجب أن تكون مسترسلة،[272] أي أن التجزئة لا تمس إلا الأيام الزائدة عن الجزء الأدنى المضمون أي ستة أيام مسترسلة من العمل. كما لا يجوز أن تكون تجزئة هذه المدة إلى اقل من يوم كامل.

ومن جهة ثانية، فلا بد أن يحصل اتفاق بخصوص تجزئة الرخصة السنوية بين المؤجر والعامل.أما إذا صادفت الرخصة غلق المحل، فان التجزئة يمكن أن يجريها المؤجر بموافقة نواب العملة.[273]

كما اقتضى الفصل 125 من م .ش أنه بالنسبة للعامل الفلاحي، يمكن تجزئة رخصة السنوية إلى مدة ذات يوم أو عدة أيام وذلك إلى حدّ النصف من مدتها الكاملة. والملاحظ أن المشرع لم يضع حدا أدنى يستحيل تجزئة الرخصة السنوية إلى اقل منه على غرار الحد المسموح به في النشاط الغير فلاحي.

وتتفق أحكام مجلة الشغل في أغلب التشريعات العربية وكذلك مع نص المادة 50 من الاتفاقية العربية رقم 6 لعام 1976 بشأن مستويات العمل “معدلة” والتي اقتضت أنه:

…” يجوز تجزئة الإجازة السنوية وفقا لمقتضيات العمل على أن يحصل العامل على ستة أيام متتالية منها على الأقل ولا يجوز تأجيل ما زاد على ستة أيام إلا بناءا على طلب العامل ولسنة تالية فقط”

لكن المشرع التونسي، ولئن أجاز إمكانية تأجيل الانتفاع بالراحة السنوية، إلا أن هذا التأجيل لا يمكن أن يتجاوز سنة الاستحقاق وفقا لما اقتضته أحكام الفصل 117 من م ش عندما نصت على أن الإجازة السنوية يمكن إسنادها في فترة أخرى من السنة، ويبدو أن المقصود هنا بعبارة “من السنة” السنة الراجعة إليها الإجازة السنوية. فالحق في الراحة السنوية هو حق سنوي، وبالتالي فإنه لا يمكن مبدئيا تأجيل الانتفاع بها أو بجزء منها غلى السنة الموالية باستثناء العامل الفلاحي الذي يجوز تأجيل إجازته إلى السنة الموالية.

بقى أنه لا بد من الإشارة، إلى أن العامل يلتزم بالقيام بالإجازة في التاريخ وللمدة التي حددها صاحب العمل، وإذا رفض العامل كتابة القيام بالإجازة سقط حقه في اقتضاء مقابلها[274].

وفي القانون الفرنسي، أجاز المشرع تأجيل إسناد الراحة السنوية إلى السنة الموالية في حالتين:

إذا كان الأجير يعمل في مكان بعيد عن مكان إقامته، فإنه يمكنه بالاتفاق مع المؤجر أن يؤجل الانتفاع براحته السنوية إلى السنة الموالية ويجمع بين راحة سنتين، ويشترط في هذه الحالة إثبات أن التأجيل كان بطلب من الأجير وبموافقته.

كما يمكن تأجيل إسناد الراحة السنوية إلى السنة الموالية وذلك بالنسبة للعمال الأجانب، وفي هذه الحالة يجب التنصيص صراحة على تأجيل الراحة وشروط هذا التأجيل[275].

وتجدر الإشارة إلى أنه، عمليا، بالإضافة إلى الاستثناءات الواقع ذكرها، فانه كثيرا ما يقع تأجيل الراحة السنوية وإحالتها إلى السنة الموالية، وذلك بموجب اتفاق بين الأجير والمؤجر لاعتبارات تمليها مصلحة المؤسسة.[276]

Share

2 Comments

  1. فيصل كازوزي

    21 يناير، 2019 at 1:37 م

    يتم استعمال ألفاظ خاطئة لا تفيد المفهوم,مثلا لا يمكن الحديث عن الراحة بسبب ايام الاعياد الرسمية الخالصة أو غير الخالصة وقرنها بكلمة لأسباب عائلية أو شخصيّة.إذ هيّ في الاساس رزنامة
    صادرة عن المشرّع ضمن مجلة الشغل أو الإتفاقية الإطارية. أما الاسباب العائلية و الشخصية المذكورة ضمن الإتفاقية الاطارية أو الإمتيازات التي تعطيها الإتفاقيات المشتركة القطاعية في هذا الباب أي الاسباب العائلية و الشخصية ليست لها علاقة بالراحات بمناسبة الاعياد و المناسبات الرسمية. فالرجاء الفصل بينهما.2- كما أن القانون لا يحتمل كلمة عطلة فهي كلمة عامة تشير الي إيحاءات عديدة وبالتالي تثير اللبس فالرجاء إستعمال الكلمات القانونية مثل الراحة السنوية الخاصة الأجر,الراحة لأسباب شخصيّة و عائلية,الراحة بمناسبة الأعياد الرسمية و الدينية و ….3-حذف كلمة الإجازة لا تعني شيءا في القانون التونسي وتزيد من تعقيد الفهم و الإبهام4-ماهو الفرق بين العيني و النقدي حسب تقديري فكلاهما واحد, فإن كان القصد حسب ما فهمت من تسلسل التحرير العيني يعني الممارسة الفعلية للعامل للراحة, فهذا خطأ لأنني كما أسلفت فالعيني هو النقدي, وكان من الأجدر الحديث عن أولا ممارسة الراحة و التمتع الفعلي بالراحة وثانيا ذكر كلمة العيني أو النقدي.5- صحيح أن مصادر هذا البحث الإتفاقات الدولية و العربية و فقه القانون و القضاء الفرنسي و التونسي و المشرقي إلاّ أنّ المتلقي التونسي يجب أن يجد مفاهيم و مصطلحات و كلمات تشير بالوضوح إلى ما يشير له القانون التونسي. فالرجاء تطويع كلّ العبارات المشرقية إلي العبارات المستعملة في القانون التونسي, كالتي أشرت إليها سابقا.6- فلذا يرجى إعادة التثبت من عناوين الفقرات و صياغتها الصياغة التي تستحق,و إذا كان هناك خلط في عدم تطابق العنوان مع المحتوى يرجى فصل المحتويات عن بعضها.

  2. فتحي التمتام

    7 أغسطس، 2019 at 3:26 م

    ان اريد معرفة كيفية احتساب غدد ايام الاجازة اذا تخللتها اعياد دينية او وطنية مثلا طلب اجازة يوم السبت لمدة معينة تلاها يوم الاحد و2 ايام عيد ديني

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.