المركز القانون لحق الإنسان في سمعته
أبدع الفكر الإنساني فأنتج الوسائل والآليات التي تهدف إلى تحقيق السعادة للإنسان حتى يتمكن من العيش بيسر وسهولة وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي والتقني, إلا إنها لا تختلف عن نتاجات الحضارة الإنسانية الأخرى باستغلالها الترويج للأفكار الظلامية أو الهدامة، كذلك للاعتداء على الأشخاص الطبيعية والمعنوية، وبعض هذه الاعتداءات تشكل جريمة في توصيف بعض القوانين الوطنية أما مناسبة هذا القول،
فهو ما وجدته في بعض البرامج الفضائية، من استغلال بعض مقدمي أو معدي بعض البرامج، وأحيانا ضيوف حلقاتها ، فرصة البث الفضائي والقيام بالقذف والذم والتقريع وسواها من النعوت التي تجعل من كلامهم جريمة يعاقب عليها قانون بلد ما ومن ذلك ما يشكل مساس بسمعة الإنسان، وينهض السؤال عن الموقف القانوني لهذه الأقوال هل تعد جرائم لقذف وسب ام إنها من ضمن حق النقد وحق نشر الأخبار، لان جرائم القذف والسب ترتب آثار عقابية على من يتعدى على شرف واعتبار الشخص، بينما في حق النقد نجد إن هذه الأفعال لا تشكل جريمة وهناك فروق جوهرية بينهما وعلى وفق ما يلي : ـ
أ- حق النقد يتعلق بوقائع ثابتة ومعلومة للجمهور، أما القذف تجاه الموظف العام يتعلق بأمور قد تكون غير معلومة للجمهور، لكنها متعلقة بالحياة العامة للمقذوف، كما يتناول حق النقد وقائع لا يشترط فيها أن تتعلق بشخص عام أو شخص عادي . أما جريمة القذف فإنها تشترط أن يكون متعلق بشخص عام وتتعلق بعمل من الأعمال المسندة إليه في وظيفته .
ب- لا يشترط في حق النقد إثبات الوقائع المسندة إلى الأشخاص، لأنها ثابتة ومسلم بها وهي بمثابة التصرفات الصادر من الشخص بذاته، أما جريمة القذف فإنها تحتاج إلى إثبات حتى يتمتع القاذف بالإباحة، وتكون الوقائع نرى إن الأمر يكون متعلق بسمعة الشخص المقذوف أو الذي تعرض للنقد،
ويرى جانب من فقهاء القانون بان حق الإنسان في سمعته هو حق أقرته القوانين والمواثيق الدولية ولابد من احترامه وصيانته وترتيب أثار جزائية على من ينتهك هذا الحق حيث إن تلك الاعتداءات التي تصنف ضمن الجرائم، تتعلق بشرف واعتبار الشخص وهذا ما يسمى في فقه القانون بالحق في السمعة، ووضعت التشريعات القيود عليها ومنها تجريم الأفعال التي تتعدى عليه ومثال ذلك جريمة القذف والسب .
ويرى بعض شراح القانون إن التوسع في استخدام التقنيات الحديثة في وسائل الاتصال والإعلام، وكذلك الانفتاح الديمقراطي للمجتمعات أدى إلى حصول خروقات في حق الشخص بصيانة السمعة . كذلك بالنسبة إلى منح حق نشر الأخبار إلى الصحفيين أكثر من غيرهم، لان الأخبار لا تنشر إلا بواسطة وسائل الإعلام سواء كانت مرئية أو مقروءة أو مسموعة او بواسطة الانترنيت
، لكن وضعت ضوابط وشروط لاستعماله ، نابعة من كون المصالح محمية ومصانة بموجب القانون ولا يجوز الاعتداء عليها، والأصل في وجود القوانين العقابية هو حماية المصلحة العامة، لكن دون أن يتم إغفال المصالح الاجتماعية الأخرى , والسلوك الفردي في هذه الحالة المتمثلة بنشر الأخبار وممارسة العمل الصحفي ,يكون مشروع وغير مشروع في آن واحد، فهو غير مشروع لأنه يتعدى على مصلحة فردية اجتماعية يصونها القانون والدستور، لكن ينقلب إلى فعل
مشروع حينما يهدف إلى حماية مصلحة اكبر واهم تشكل المصلحة العامة الأولى بالرعاية لذلك فان حق الإعلامي في نشر الأخبار هو مصلحة يقرها القانون ويحميها من كل اعتداء، فكان لابد من الوقوف على مفهوم الحق في السمعة ومصدره القانوني وعلى وفق ما يلي :ـ
أولا : تعريف الحق في السمعة
ان تعريف مفردة السمعة له مدلول لغوي وآخر اصطلاحي ، ففي اللغة تعريف مفردة السمعة مشتقة من التسامع وهو ما يسمعه الناس عن الشخص مما يقال أو يكتب عنه ,ومنه سمع به تسميعا أي شهر به، كما عرف الفقه القانوني، ومنهم الفقيه الفرنسي نيرسون، بان السمعة والحق فيها بأنها التحفظ الذي يمكن الشخص من عدم تعريض شخصيته للجمهور بدون موافقته وفي هذا التعريف ربط حق الخصوصية في الحياة مع الهدوء والسكينة أما على المستوى الاصطلاحي في القانون،
لم يرد بشكل صريح الحق في السمعة في التشريعات العراقية أو العربية المقارنة لكن فقهاء القانون أوجدوا تعريف له مستنبط من بعض الأحكام القانونية وذلك التعريف يفترق بمعيارين احدهم واسع و الآخر ضيق، ففي المعيار الواسع لنطاق الحق في السمعة فانه يتسع ليشمل عدم إذاعة أمور من شأنها أن تدعو إلى احتقار أو عدم احترام الشخص بين مواطنيه وما يدخل فيها من إساءة أو توبيخ أو أفعال من شأنها الإساءة إليه أو الإضرار به، وفي القانون العراقي نجد إن هذا المعيار هو المتعمد حينما أشار إليه في نص المادة 433 عقوبات إلا انه لم يبين ما هي معايير الواقعة المسندة إلى شخص ،
كما أوجد فقهاء القانون الجنائي معيار آخر يعرف الحق في السمعة على وفق المكانة التي يتحلى بها الشخص في المجتمع ويسمى بالمعيار الموضوعي أو المعيار الشخصي على اعتبار إن الشخص هو محل الاعتبار في معرفة الحق في السمعة، وجوهر هذا المعيار انه يعطى الشخص الاحترام الذي تقتضيه مكانته الاجتماعية
ثانيا : مصادر الحق في السمعة
لم يرد نص صريح يشير إلى هذا الحق في التشريع العراقي أو القوانين العربية المقارنة، وحدث جدل حول أساس هذا الحق فالبعض يرى إن القانون الجنائي وفر لها الحماية ولا حاجة لنصوص في القوانين المدنية والآخر يطالب بوجود نصوص تمنح الحق بالمطالبة بالتعويض على وفق المسؤولية المدنية ،
لكن يستنبط فقهاء القانون هذا الحق من نص المادة (202) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل التي تنص على ما يلي (كل فعل ضار بالنفس من قتل او جرح او ضرب أو أي نوع آخر من أنواع الإيذاء يلزم بالتعويضات من أحدث الضرر) ، كذلك في نص الفقرة (1) من المادة (205) من القانون المدني التي تنص على ما يلي (يتناول حق التعويض الضرر الأدبي كذلك فكل تعد على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي يجعل المتعدي مسؤولاً عن التعويض.)
ويرى فقه القانون المدني إن هذا الباب ذكر في المسؤولية عن الأعمال غير المشروعة وإشارته بشكل صريح إلى الشرف والعرض والسمعة هو المصدر القانوني لوجود هذا الحق .
أما في القانون المدني المصري ورد في المذكرة الإيضاحية لنص المادة (50) من القانون المدني المصري عندما قررت حق طلب التعويض لمن تضرر من الاعتداء على حقوقه الملازمة لشخصيته، ويتمتع بهذا الحق الشخص الطبيعي والمعنوي بدون تمييز.
ومما تقدم نرى بان سمعة الإنسان وضع لها المشرع حماية قانونية وان النيل من سمعة الآخر لا يعد نقدا مباح أو الحق في نشر الأخبار بالنسبة إلى العاملين في الصحافة ، مما يقتضي الإطلاع على تلك الأحكام القانونية من اجل تفادي الوقوع في الخطاء الذي يرتب آثار مالية أو عقوبات تتعلق بحرية الإنسان مرتكب ذلك الفعل.
القاضي
سالم روضان الموسوي
اترك تعليقاً