ماهية قانون العمل
أ* حنين نصار
يقصد بقانون العمل:-
مجموعة القواعد التي تنظم الروابط القانونية الخاصة والمتعلقة بالعمل الذي يقوم به شخص مقابل أجر لحساب شخص آخر وتحت توجيهه وسلطته أو إشرافه ورقابته .
ويتضح من هذا التعريف المبدئي أنه من اللازم أن يتوفر في العمل الذي يكون موضوعا لقانون العمل عدة شروط :-
الشروط الأول :- أن تقوم علاقة العمل بين أطراف من أشخاص القانون الخاص :-
حيث تخرج عن نطاق قانون العمل روابط العمل الذي يقوم به الأفراد لحساب الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة لأن هذه الروابط تخضع للقانون الإداري ولقواعد قوانين العاملين وإن كانت هذه القاعدة ترد عليها استثناءات من شأنها إخضاع بعض روابط العمل المؤدى لحساب الدولة في أحوال معينة لقانون العمل .
الشرط الثاني :- أن يتلقى الشخص الذي يؤدي العمل أجر لقاء العمل الذي يؤديه :-
يخرج عن نطاق قانون العمل ما يؤديه الشخص من عمل مجاني على سبيل التبرع ليخضع لقواعد تختلف
عن قواعد قانون العمل . ولا أهمية لنوع الاجر مقابل العمل ولا لمقدار ولا لكون أن الشخص قد أداه بصفة عارضة أو على سبيل الاحتراف مما سنتعرض له في حينه .
الشرط الثالث: أن يكون العمل خاضعاً أو تابعاً :-
أي يؤديه من يقوم العمل تحت توجيه أو سلطة أو رقابة أو إشراف من يؤدي العمل لحسابه . وتفصيل ذلك أن صور العمل الإنساني لا تقع تحت حصر وإذا فهم قانون العمل على أنه القانون الذي ينظم صور العمل الإنساني كلها لطغي هذا الفرع من فروع القانون على فروع آخر كثيرة تقوم بدورها بتنظيم صور مختلفة من العمل الإنساني .
وليس معنى هذا أن كل صورة من صورا لعمل الإنساني تخضع لفرع مختلف من فروع القانون ولكن جرى الامر على تقسيم العمل إلى نوعين رئيسيين عمل مستقل من ناح0ية وعمل تابع أو خاض من ناحية أخرى مع إخضاع العمل
التابع لقانون العمل واخضاع العمل المستقل لفروع أخرى من القانون.
ولهذا التقسيم وجاهته لأن الرابطة التي تنشأ بين شخصين يؤدي احدهما العمل تحت إشراف وتوجيه الآخر تختلف في طبيعتها عن الرابطة التي بين شخصين يؤدي احدهما العمل مستقلا دون خضوع لإشراف أو توجيه حتى ولو كان العمل يؤدي لحسابه . فالعامل الذي يؤدي عمله في المصنع أو في محل تجارة أو في مزرعة يوجد في حالة تبعية لصاحب المصنع أو المحل التجاري أو المزرعة او يكون خاضعاً لإشراف وتوجيهه خضوعاً يبرر تنظيم علاقتهما بقواعد تختلف عن القواعد التي تنظم العلاقة بين الطبيب ومرضاه أو المحامي بموكليه لأن المحامي لا يرتبط وأنما يمارس كل منهما عمله مستقلا حتى ولو كان يتقاضى أجرا أو اتعاباً .
وهذا الاستقلال يجعل عمل كل من الطبيب والمحامي خاضعاً لقواعد أخرى خلاف قواعد قانون العمل وخضوع من
يقوم بالعمل التابع لسلطة وإشراف من يتم العمل لحسابه بوجده في حالة تبعية قانونية هي التي تعتبر معيار التفرقة بين ما يخضع من الأعمال لقانون العمل وبين مالا يخضع له . وبتعبير آخر تحدد لنا التبعية القانونية موضوع قانون العمل وترسم الطريق لتعريفه .
ولا يستلزم الرأي الراجح فقهاء التبعية الاقتصادية شرطا لخضوع العمل لقانون العمل ولكن يكتفي بالتبعية القانونية دون التبعية الاقتصادية . ولكن قد لا يحدث هذا التلازم عندما لا تتحقق التبعية الاقتصادية إذا كان العامل يعتمد اساسا في معيشته على مورد آخر خلاف أجره وذلك على الرغم من تحقق التبعية القانونية إذا كان العامل يباشر عمله تحت اشراف أو توجيه صاحب العمل .
كما يحدث أن يباشر الشخص عمله على استقلال دون رقابة أو إشراف من صاحب العمل وأن يكون معتمداً في معيشته على أجره واعتمادا كليا فهنا تتحقق التبعية الاقتصادية مع تخلف التبعية القانونية.
والذي يعمل عليه وهو تحقيق التبعية القانونية سواء تحققت التبعية الاقتصادية أو تخلفت .
حقا أن تتبع التطور التاريخي لقانون العمل سبين لنا أن الرغبة في حماية العمال كانت سببا لإتجاه النظر إلى ضرورة أفرادهم بقواعد خاصة تكفل لهم رعاية في موارد رزقهم ولكن السبب الأساسي في تبرير خضوع العمل التابع لقواعد خاصة هو كميا بينما مباشرة هذا العمل تحت توجيه إو إشراف من يباشر العمل لحسابه .
وإذا ما تم العمل تحت اشراف وتوجيه أو سلطة ورقابة من يتم العمل لحسابه أصبحنا في دائرة قانون العمل أيا كان نوع العمل سواء أكان عملا عقليا أو يدويا ومهما كانت أهمية العمل كبيرة أو صغيرة وسواء سمى من يقوم به عاملا أو خادماً أو مديراً
ثانياً : التفرقة بين قانون العمل وبين عقد العمل :-
بعض الشراح يرى أن قانون العمل هو القانون الذي ينظم عقد العمل باعتباره أن غالبية روابط العمل تنشأ عن عقود العمل .
غير ان الفقه الغالب لا يسلم بهذا التحديد لأن روابط العمل لا تقتصر على الروابط التي تنشأ عن عقود العمل الفردية فحسب بل تمتد كذلك إلى الروابط الجماعية التي تنشأ بين العمال وأصحاب العمل كما هو الحال بالنسبة لعقد العمل الجماعي أو المشترك كما تمتد إلى الروابط التي تنشأ بين العمال أنفسهم كما هو الحال بالنسبة للنقابات وعقود العمل المشتركة والنقابات داخلة في نطاق قانون العمل .
ثالثا : أختيار أسم قانون العمل :-
لم يستقر اسم قانون العمل إلا بعد تردد بين كثير من التسميات وقد بدأ الامر بإطلاق إسم التشريع الصناعي على هذا الفرع من فروع القانون ولا يزال إلى الآن يطلق عليه في انجلترا ويرجع سر هذه التسمية إلى ما سنره أن النهضة الصناعية كانت من بين اسباب الاهتمام بنشؤ قانون مستقل للعمل فلاض عن أن العمل الصناعي اخصب ميدان للعمل التابع أو الخاضع .
غير أن هذه التسمية قاصرة وفضفاضة في نفس الوقت فهي قاصرة لأنها توحي بقصر هذا القانون على علاقات العمل الصناعي على الرغم من أن العمل التابع يشمل مجالات أخرى خلاف مجال الصناعة كالزراعة والتجارة والعمل في المنازل .
وهي فضفاضه من ناحية أخرى لأنها قد توحي بإمتداد نطاق هذا القانون في بعض القواعد المتعلقة بشئون الصناعة والتي تخرج عن نطاق قانون العمل .
وشاءت تسمية هذا الفرع من فروع القانون باسم القانون الاجتماعي إبراز للدور الذي يعلبه في حل المشكلات الاجتماعية التي تنشأ عن علاقات العمال بأصحاب الأعمال لخطورة تاثيرها في المجتمع
ولكن يعاب على هذه التسمية ما يقال من أن كل قانون وهو اجتماعي فكل قانون هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات في المجتمع فهذه التسمية عامة ليس فيها ما يحدد الصفة الغالبة على قانون العمل من أنه ذلك الفرع من فروع القانون الذي ينظم العمل التابع فضلا عن إطلاق اسم التشريعات الاجتماعية على بعض القوانين الأخرى كقوانين التأمينات الاجتماعية لكل الانتقادات التي وجهت إلى التسميات السابقة أستقر الفقه على إطلاق أسم تشريع العمل أو قانون العمل على هذا الفرع من فروع القانون لكي يحيط بكل علاقات العمل الصناعي وغيره ولكي يمتد إلى العمال وأصحاب العمل النظم الموضوعة لهم مع الاستقرار على أن المقصود هو العمل التابع دون حاجة إلى النص على ذلك في التسمية.
رابعاً : أهمية قانون العمل :-
لا شك أن القانون العمل أهمية بالغة ؟
لهذا الفرع من فروع القانون أثره البالغ في حياتنا الاقتصادية وحياتنا الاجتماعية مما يجعل له أهمية اقتصادية وإجتماعية فائقة .
فمن الناحية الاقتصادية يلعب قانون العمل دورا على قدر كبير من الخطورة في توجيه الحياة الاقتصادية وهو سلاح خطير في تأمين سلامة الحياة الاقتصادية إلى حد كبير وإن كان يتعين على الشارع أن يستعمله بكفاءة تامة تحقيقا للاعتبارات الاقتصادية التي تسيطر على المجتمع ويغير هذه الكفاءة في استعمال قوانين العمل قد تسوء الاحوال الاقتصادية .
أن من الأهداف سن قوانين العمل ضمان معاملة عادلة للعمال ومعيشة لائقة وهذا يتم كثيرا بالتدخل عن طريق قوانين العمل لتحديد أجور عادلة أو فرض حد أدنى لها مما يزيد من القدرة الشرائية وهم يمثلون غالبية طوائف المجتمع وبالتالي تتأثر حركة الاستهلاك ازداداً .
ولا شك أن أسباغ هذه الحماية وغيرها على العمال يزيد من أعباء المشروعات الاقتصادية فتحديد اجور مرتفعة والزام اصحاب المشروعات بتوفير خدمات عمالية والمساهمة في مشروعات الإدخار والتأمين كل هذه امور تؤدي إلى زيادة نفقات الانتاج مما قد يؤثر في ارتفاع الاسعار .
ومن الناحية الاجتماعية يلعب قانون العمل دوراً كبيرا في إشاعة العدالة الاجتماعية عن طريق تحسين حال العمال وهم يمثلون أكبر طوائف المجتمع فلا شك أن في تحسين حال عمال عن طريق ضمان المعاملة العادلة لهم من ناحية الأجور والرعاية الطبية والإجازات اللازمة وإزالة الأسباب القلق والتذمر الاجتماعي مما يحقق الاستقرار في المجتمع كما أن تحديد ساعات وأيام الراحة يجدد من نشاط العمال ويحفظ لهم الصحة مما يؤثر بالتالي في حياتهم العامة والخاصة .
اترك تعليقاً