العقوبة – هدفها و جوهرها
تعريف العقوبات:
لا يتصدى المشرع لتعريف فكرة من الفكر القانونية إلاّ لضرورة قصوى تتمثل إما في أن يكون إيراد هذا التعريف حسماً لخلاف فقهي قائم أو مغايرة لمعنى مستقر، وهنا يكون لتدخل المشرع معنى ويكون تدخله تتمة لعمله في تكوين القواعد القانونية لا في تفسيرها، إنَّ تصدي المشرع لتعريف فكرة قانونية بغير مقتضٍ يساوي في الخطأ تصدي الفقه والقضاء في وضع قواعد قانونية جديدة أو إضافة شروط أو أحكام جديدة لم ترد في القاعدة القانونية فالعمليتان كلتاهما خاطئ ففي الحالة الأولى يستعير المشرع وظيفة المفسر وفي الحالة الثانية يغتصب المفسر وظيفة المشرع.
والسبب في ذلك هو خشية المشرع الجزائي من أن يبتعد عن الغرض الأسمى لقانون العقوبات المتمثل في الاستقرار القانوني بعثاً للطمأنينة وأماناً من المفاجآت والأمر هنا على هذا المنوال، فقد ارتأى المشرع الجزائي عدم التصدي لتعريف العقوبة وإنما ترك ذلك للفقه والقضاء الذي لم يتوافق أو يتواضع على تعريف موحد للعقوبة.
فالأستاذ الدكتور محمود نجيب حسني عرفها على إنهاء”الجزاء الذي يقرره القانون ويفرضه القاضي من أجل الجريمة ويتناسب معها
ويعرفها الأستاذ الدكتور محمود محمود مصطفى على أنها “جزاء يوقع باسم المجتمع تنفيذاً لحكم قضائي على من تثبت مسئووليته عن الجريمةويعرفها الأستاذ الدكتور رؤوف عبيد على أنه “الألم الذي ينبغي أن يتحمله الجاني عندما يخالف أمر القانون أو نهيه وذلك لتقويم ما في سلوكه من اعوجاج ولردع غيره من الاقتداء به”
أما الأستاذ الدكتور رمسيس بنيام فيعرف الجزاء الجنائي التي تعتبر العقوبة احد أنواعه، على انه “تدبير قهري يتخذ مع المسئول جنائياً”
جوهر العقوبة:
يلاحظ من بعض التعريفات السابقة أنها انطوت على تحديد جوهر العقوبات المتمثل في إيلام وإيذاء من تنزل به، هذا الإيلام الذي يتحقق عن طريق المساس بحق من توقع علية العقوبة، ويعني المساس بالحق، الحرمان منه كلياً أو جزئياً أو فرض قيود عليه حين استعماله، وتتنوع الحقوق التي يمكن المساس بها، فقد يكون الحق الذي يتم المساس به عن طريق العقوبة الحياة، فتتخذ العقوبة صورة الإعدام، وقد يكون الحق الذي يمكن المساس به عن طريق العقوبة، الحرية بالحرمان منها، فتتخذ العقوبة صورة الأشغال أو الاعتقال أو بنوعيه أو السجن أو الحبس، وقد تمس العقوبة الحق في المال، فتتخذ صورة المصادرة أو الغرامة، ويمكن أن يكون المساس بالحرية عن طريق فرض قيود عليها وليس مصادرتها، كمراقبة البوليس أو الإقامة الجبرية، وقد تمس حقوقاً أخرى متعددة كالحق في تولي الوظائف العامة أو الترشيح لعضوية المجالس النيابية أو البلدية، وإيلام العقوبة مقصود، فهو لا يصيب المحكوم عليه عرضاً، ويترتب على ذلك انتفاء معنى العقوبة عن كل إجراء لا يقصد به الإيلام وأن انطوى عليه بالضرورة، ومن ثم فإن إجراءات التحقيق والمحاكمة وأن اتخذتا صورة الحبس الاحتياطي لا يعتبرا عقوبة لأن ما فيهما من إيلام غير مقصود.
خصائص العقوبة:
هناك علاقة قوية بين خصائص العقوبة وأغراضها أو بعض أغراضها، إذ لا بد من أن تكون الخصائص موصلة أو مؤدية إلى تلك الأغراض أو إلى بعضها، فأولى هذه الخصائص كما اشرنا أنها مؤلمة جداً، وهذه الخصيصة ضرورية لكي تحقق أغراضها في إرضاء الشعور العام بالعدالة لدى المجتمع الذي انتهكت الجريمة أحد حرماته، وهي كذلك ضرورية لكي تحقق غرضها في الإصلاح والتأهيل، إذ يتعين استغلال هذا الإيلام للتأثير على إرادة المحكوم عليه وحمله على نبذ قيمه الاجتماعية الفاسدة لحساب قيم أخرى صالحه بدلاً منها.
وكذلك هناك خصيصة أخرى وهي أن العقوبة محقرة، فهي تصم من تنزل به بالاحتقار أو على الأقل تجعله محلاً للرثاء، وهذه الخصيصة صدى لما تنطوى عليه العقوبة من لوم اجتماعي يتجه إلى المجرم، ولكن لا يجوز أن يترك الاحتقار دون تنظيم من القانون أثناء التنفيذ العقابي للعقوبة الذي يجب أن لا يهدر الكرامة الإنسانية للمحكوم عليه.
كما يجب أن تعبر العقوبة عن الجزاء العادل، ولذا يجب ألاّ يعترف بعقوبة تجرح الشعور العام، ذلك أنه على الرغم من إجرام الجاني فهو لم يتجرد من صفته الإنسانية والمواطنيه، فلا بد من الاعتراف بالحقوق المرتبطة بهاتين الخصيصتين، وأهمية ذلك أن تحقيق غرض العقوبة في تأهيل المحكوم عليه وإعداده لاسترداد مكانته تقضي يتدعم اعتداده بنفسه كي تترسخ عقيدته بأن الإجرام سلوك غير لائق، ولا يتأتى ذلك إلا باحترام كرامته، ويتفرع عن هذا أيضاً ألاَّ يتم الاعتراف بعقوبات لا تقبل التدرج والتجزئة حتى يستطاع تحديد مقدارها بحيث تناسب
ظروف الحالة التي توقع فيها.
كما يجب أن لا يقرر الشارع غير العقوبات التي يمكن أن يوقف تنفيذها على من حكم عليه بها إذا اتضح انه يستحقها أو أريد العفو عنه، فأخطاء القضاء ليست نادرة، فإذا انكشفت فإنه يتعيَّن العمل على إصلاحها، ومن ناحية أخرى فقد تحدث أسباب تدعو إلى العفو عن العقوبة أو إلى العفو الشامل، فيتعين أن يكون في الإمكان الكف عن الاستمرار في تنفيذها.
ومن بين خصائصها – شأنها شأن التدبير الاحترازي- ضماناتها من حيث أن الذي يناط به فرضها هو القضاء، بالنظر لأن القضاة هم الأشخاص الذين يوثق بهم توقيع العقاب العادل بفضل علمهم بالقانون وخبرتهم بالعمل القضائي والاستقلال الذي ترتبط به النزاهة. وعليه فلا يجوز أن يناط بالإدارة أو الفنيين أو المحكمين أو الخبراء فرض العقوبات أو تقريرها.
ومن أهم خصائصها أيضاً أنها محددة سواء من حيث كيفها أو كمها، فإذا كان القانون ينص عليها، فإن المحكمة هي التي تتولى تحديدها ضمن نطاق ما ينص عليه القانون من حيث نوعها كما وكيفا والمكان المخصص لتنفيذها على المحكوم عليه ليبقى فيه حتى يصلح أمره وتزول خطورته وأن كان هناك من يعترض أو يتحفظ على القيام بتحديد العقوبة لأنه ليس بإمكان القاضي أو المحكمة عندما تنطق بها أن نحدد المدة اللازمة لصلاحه وزوال خطورته، لكن يرد على هذا أن هذا التحفظ أو الاعتراض يقوم على الخلط بين العقوبة والتدبر الاحترازي أو الوقائي، فهو يسبغ على العقوبة خصيصة التدبير الاحترازي، فمن طبيعة العقوبة أن تكون محددة لأنها تتجه إلى الماضي لتحاسب الجاني على سلوكه وخطيئته، فتعتد باعتبارت محققه يستطاع معها تحديد مقدارها على نحو يتناسب مع ظروف الحالة التي توقع فيها، خلافاً للتدبير الاحترازي الذي لا يكون محدداً لأنه يتجه إلى المستقبل ليواجه خطورة الجاني فيعتمد على اعتبارات غير محققه عند النطق به، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك من يقول بأنه لا ضرورة لوجود عقوبات محددة المدة، ما دام أن التدابير تقوم بهذه الوظيفة التي يراد إناطتها بالعقوبات.
**
المصدر :
العقوبات البديلة المطبقة على الصغار
خطة ورقة العمل ، الدكتور كامل السعيد
اترك تعليقاً