جدوى الاتفاق على التحكيم في النزاعات العقارية
مما لا شك فيه أن الاستثمار العقاري في إمارة دبي يُعد اليوم هو الأكثر رواجاً في مجال الاستثمار ككل سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى المؤسسات الهادفة للربح، وإن كانت الأزمة الاقتصادية التي مرت بها الإمارة والتي تُعد الأسوأ من نوعها تأثيراً على السوق العقاري بدبي، قد أدت إلى تأخر بعض المطورين في إنجاز المشاريع العقارية وتوقف البعض الآخر تماماً عن تنفيذها.
وإن كنا في هذا المقال بصدد مناقشة نتائج الأزمة الاقتصادية وبالأخص النزاعات العقارية التي تنتج يومياً عنها ولكن من منظور قانوني بحت، حيث أن توقف المشاريع أو تأخرها قد أضر بالمشترين ضرراً فادحاً متمثل في تفويت فرصتهم في جني ثمار استثمارهم العقاري أو حتى الاحتفاظ بأموالهم التي قاموا بسدادها في سبيل ذلك، وهو ما أدى بهم للجوء إلى التقاضي، أو بتعبير أدق الالتجاء إلى التحكيم، حيث أن أغلب اتفاقيات البيع والشراء على الوحدات المباعة على الخارطة التي تم إبرامها في حقبة الألفية الثانية قد اشتملت على شرط اللجوء إلى التحكيم لما يمتاز به من سرعة الفصل في النزاعات وشمول الحكم الصادر من المحكم بالنفاذ المعجل بقوة القانون.
ولكن الصدمة الحقيقية سواء للمطور أو المشتري تكمن في مرحلة التصديق على قرار التحكيم أمام المحكمة المختصة، أي في المرحلة اللاحقة على اللجوء إلى التحكيم الذي تم الاتفاق عليه وبعد السير في إجراءاته وأداء تكاليفه الباهظة والحصول على حكم لصالح أياً من الطرفين، حيث تقضي المحكمة المختصة ببطلان حكم التحكيم إذا ما ثبت عدم تسجيل الوحدة المتنازع عليها في السجل العقاري المبدئي، وهو ما سوف نتحدث عنه باستفاضة لتوضيحه وإزالة اللبس فيه.
القاعدة العامة في نظام التحكيم في دولة الإمارات العربية المتحدة مفادها جواز الاتفاق بين المتعاقدين على عرض النزاعات التي قد تنشأ بينهم على التحكيم[1]، ومن ثم فلا يجوز رفع الدعوى أمام القضاء، إلا أن المشرع الإماراتي قد وضع الاستثناء لتلك القاعدة وهو “عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح”[2].
وعلى الصعيد الأخر جاء النص في القانون على قاعدة آمرة مفادها إلزام المطور على تسجيل جميع التصرفات القانونية الناقلة أو المقيدة للملكية أو أي من الحقوق المتفرعة عنها التي ترد على الوحدات العقارية المباعة على الخارطة في السجل العقاري المبدئي، وإذا خالف المطور ذلك يكون البيع وغيره من التصرفات باطلاً[3].
ولما كان ذلك، وحيث أنه لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام، كما أنه لا يجـوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، فمن ثم فإن التصرفات التي ترد على الوحدات العقارية المباعة على الخارطة دون الالتزام بما أوجبه المشرع بنص آمر -بوجوب تسجيلها في السجل العقاري المبدئي- لا يصح أن تكون موضوعاً للتحكيم وذلك لمخالفتها للنظام العام.
وهو الأمر الذي تواترت عليه أحكام محكمة تمييز دبي[4]، وتبعها في ذلك المحاكم باختلاف دراجاتها بالقضاء ببطلان حكم التحكيم عند نظر دعوى التصديق على الحكم.
وقد جاء رأي محكمة التمييز واتجاهها في إبطال شرط التحكيم في هذه الحالة وعودة الإختصاص للقضاء العادي، حفاظاً على النظام العام التي ترسيه الدولة وتحد من مخالفته وكذلك الأمر لحماية حقوق المشتريين ووقايتها من الضياع. حيث أن عدم التزام المطور بنصوص القانون الآمرة بتسجيل الوحدة المتعاقد عليها يوجب بطلان العقد دون الدخول في مناقشات ومجادلات تتعلق بالالتزامات العقدية ذاتها
وهو الأمر الذي نوصي معه بالفحص والتدقيق قبل اللجوء إلى التحكيم سواء للمطور أو المشتري وإن كان الأمر نادراً بالنسبة للمطور، حيث جرت العادة على لجوء المشتري للتحكيم بطلب فسخ الاتفاقية. والأصوب هو التأكد أولاً من قيام مطور المشروع بتسجيل الوحدة العقارية محل النزاع في السجل العقاري المبدئي من عدمه.
فإن ثبُت تسجيل الوحدة العقارية، فإنه يجوز في هذه الحالة اللجوء إلى التحكيم والمطالبة بفسخ الاتفاقية بسبب عدم التزام المطور بتنفيذ المشروع أو التأخر لمدة طويلة عن تنفيذه، فتكون الفرصة سانحة للحصول على حكم بفسخ الاتفاقية وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام الاتفاقية. نتيجة لذلك، يسترد المشتري الأقساط التي قام بسدادها إلى المطور علاوة على الفوائد القانونية من تاريخ إقامة الدعوى.
أما إذا اتضح عدم تسجيل الوحدة العقارية في السجل العقاري المبدئي، فإنه يتوجب في هذه الحالة إقامة الدعوى أمام القضاء العادي والدفع ببطلان شرط التحكيم. وذلك على أساس مخالفة المطور للنظام العام بعدم انصياعه لنص آمر وهو تسجيل الوحدة العقارية في السجل المشار إليه. وبناءً عليه المطالبة ببطلان الاتفاقية المبرمة بينهما وزوال كل آثارها مما سيؤدي إلى الوصول لنفس النتيجة المرجوة وهي استرداد المشتري لأمواله بالإضافة إلى الفوائد القانونية من تاريخ رفع الدعوى. ذلك عوضاً عن الدوران في حلقة مفرغة باللجوء إلى التحكيم في هذه الحالة وتحمل تكاليف ووقت ومجهود السير في إجراءاته، علماً بأن النتيجة محسومة كما سبق بيانه.
وفي جميع الأحوال يبقى حق للمطور –البائع- في تحصيل الأموال المستحقة على الوحدة العقارية قائماً حتى لو تأخر في تنفيذ المشروع، إذا ما ثبت توقف المشتري عن سداد الأقساط المستحقة عليه. شريطة أن يبادر في المطالبة بحقوقه كما سنوضح في المقال القادم.
نأمل أن نكون قد وفقنا في مهمتنا ونتطلع لتقديم المزيد من خلال مقالتنا اللاحقة
[1] المادة رقم (203/1) من قانون الإجراءات المدنية رقم (11) لسنة 1992.
[2] المادة رقم (203/4) من قانون الإجراءات المدنية رقم (11) لسنة 1992.
[3] المادة رقم (3) من القانون رقم (13) لسنة 2008 بشأن تنظيم السجل العقاري المبدئي في إمار دبي.
[4] الطعن العقاري رقم (249) لسنة 2010، الطعن العقاري رقم (271) لسنة 2013 والاستئناف رقم (317) لسنة 2012.
Mohamed Qahwagy
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً