ما الفرق بين مجلس الدولة و المحاكم الإدارية من حيث التأسيس؟

التعريــف بمجلس الدولـة الجزائـري

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

المقدمــة:

لقد تم تأسيس مجلس الدولة كهيئة مقومة لنشاط الهيئات القضائية الإدارية بموجب المادة 152 من الدستور التي كرست نظام الازدواجية القضائية في الجزائر.

ويندرج هذا التأسيس في سياق الإصلاحات المنتهجة من طرف السلطات العمومية، والتي جعلت من مسألة إرساء أركان دولة القانون هدفا أساسيا وخول المؤسس الدستوري مهمة رقابة نشاط الإدارة إلى مجلس الدولة على رأس هرم الهيئات القضائية الإدارية، و إلى جانب هذه المهمة فقد أسندت المادة 119 من الدستور وكذا المادة 4 من القانون العضوي 98/01 المؤرخ في 30/05/1998 إلى مجلس الدولة مهمة أخرى تتمثل في إبداء رأيه للحكومة حول جميع مشاريع القوانين قبل عرضها على مجلس الوزراء، وبهذا يكون المؤسس الدستوري قد منحه مكانة خاصة في النظام المؤسساتي وجعل منه هيئة من نوع خاص في النظام القضائي الجزائري تساهم في حماية الحقوق والحريات و في إثراء المنظومة القانونية تدعيما لأسس دولة القانون.

و سوف نتناول المكانة المتميزة لمجلس الدولة من خلال محورين أساسيين هما:

– التعريف بمجلس الدولة، و مكانته في النظام المؤسساتي.
– مساهمة مجلس الدولة في تدعيم دولة القانون.

المحـــــور الأول :

التعريف بمجلس الدولة و مكانته في النظام المؤسساتي :

تناولت عدة نصوص مجلـس الدولة من حيث تأسيسه و تنظيمه و اختصاصاته و سير عمله، نذكرها باختصار، و قبل ذلك نتطرق في فقرة تمهيدية إلى حوصلة تاريخيــة و أسباب إنشاء مجلس الدولة.

الفقرة التمهيدية
حوصلة تاريخية:
مرَ النظام القضائي الإداري في بلادنا بمراحل ثلاث:

المرحلة الأولى: تتعلق بفترة ما قبل الاستقلال حيث كانت توجد ثلاث (03) محاكم إدارية في كل من الجزائر العاصمة، قسنطينة، و وهران و يختص مجلس الدولة الفرنسي بالفصل في الطعون المرفوعة ضد الأحكام التي تصدرها.
و كان النظام القضائي يتميز في هذه المرحلة بالازدواجية القضائية المكرسة في النظام الفرنسي.

المرحلة الثانية: فترة ما بعد الاستقلال التي شهدت إنشاء المجلس الأعلى ( المحكمة العليا حاليا) سنة 1963. الجدير بالملاحظة أن المحاكم الإدارية السابق ذكرها ظلت قائمة و يطعن في أحكامها أمام الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى.

فاستمرت هذه الوضعية إلي غاية إعادة التنظيم القضائي حيث حوََلت المحاكم الإدارية إلى غرف إدارية على مستوى المجالس القضائية الثلاثة المذكورة سابقاً و في تاريخ لاحق تم تعميم تلك الغرف إلي المجالس القضائية الأخرى، مع إنشاء غرف إدارية جهوية على مستوى مجالس الجزائر، وهران، قسنطينة، بشار و ورقلة تختص بالفصل في الطعون الموجهة ضد القرارات الصادرة عن الولايات.
و ما يمََيز النظام القضائي في هذه المرحلة هو وحدة القضاء وازدواجية المنازعات.
و بقي الوضع هكذا إلى غاية تعديل الدستور في 28/11/1996.

المرحلة الثالثة:
تتميز هذه المرحلة بالعودة إلي نظام الازدواجية و ذلك بإنشاء مجلس الدولة ومحكمة التنازع والمحاكم الإدارية.

2-أسباب إنشاء مجلس الدولة:

طرحت عدة أسئلة حول مبررات إنشاء مجلس الدولة و يمكن تلخيصها في ثلاثة أسئلة رئيسية:
– هل أريد بإنشاء مجلس الدولة منح رقابة أكبر للقضاء الإداري على نشاط الإدارة أم؛
– هل أريد من إنشائه تبني التصور الفرنسي للقضاء الإداري و المتمثل في تقريب هذه المؤسسة من الإدارة و خلق روابط وثيقة بينهما لجعل مجلس الدولة أكثر إدراكا بمتطلبات النشاط الإداري و مقتضيات المصلحة العامة؟ أم .
– هل أريد أخيرا جعل مجلس الدولة مستشارا للحكومة علاوة على دوره كقاضي إداري ؟

لكن إذا رجعنا إلى الحجج الواردة في عرض أسباب القانون العضوي 98/01 الخاص بمجلس الدولة فنلاحظ انه تم التركيز على نقطتين و هما:
1- ضرورة وجود قضاء مختص بالمنازعات الإدارية.
2 – تكريس الدور الاستشاري لمجلس الدولة.
هذا عن التاريخ و الأسباب، و لكن ما هو الإطار القانوني لهذه المؤسسة الجديدة ؟

الفقـــرة الأولى:

الأساس الدستوري لمجلس الدولة
جاء في نص المادة 152 من الدستور:
– ” يؤسس مجلس الدولة كهيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية “.
– “تضمن المحكمة العليا و مجلس الدولة توحيد الاجتهاد القضائي في جميع أنحاء البلاد ويسهران على احترام القانون”.
كما هناك أحكام أخرى في الدستور أكدت دور مجلس الدولة كجهة قضائية عليا و هيئة استشارية.
و يمكننا أن نستخلص من المادة 152 المذكورة النتائج التالية.
1/ يعد انتماء مجلس الدولة إلى السلطة القضائية مكسبا له لان استقلاليته مضمونة دستوريا بموجب المادة 138 من الدستور.
و إخضاع قضاته للقانون الأساسي للقضاء يمنحهم استقلالية تامة في ممارسة مهامهم القضائية والاستشارية.
2/ يمتاز مجلس الدولة دستوريا، بدور الهيئة المقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية و توحيد اجتهادها كما يسهر على احترام القانون.
3/ تمََ التأكيد على مبدأ الازدواجية القضائية بكل وضوح في الفقرة الأخيرة من المادة 152 المذكورة بحيث نصت على تأسيس محكمة تنازع تتولى الفصل في حالات تنازع الاختصاص بين المحكمة العليا و مجلس الدولة.

الفقـــرة الثانية:

الأسس التشريعية و مهام مجلس الدولة
لا يمكننا ضمن هذا العرض الخاطف التعرض إلى كل النصوص التشريعية التي تخص مجلس الدولة سنكتفي بتعدادها دون تحليلها.
و يتعلق الأمر على وجه الخصوص ب:
– القانون العضوي رقم 98/01 المؤرخ في 30/05/1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة و تنظيمه و عمله،
و قد تناولت أحكام القانون المذكور المهمة المسندة دستوريا لمجلس الدولة وكذا تشكيلاته في المجالين القضائي و الاستشاري.

بمقتضى المواد 4، 9، 10، 11، و 12 يختص لمجلس الدولة بالفصل في:
1- جميع الطعون بالإلغاء ضد القرارات التنظيمية أو الفردية الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية و الهيئات العمومية الوطنية و المنظمات المهنية الوطنية.
2- الطعون الخاصة بالتفسير و مدى شرعية القرارات التي تكون نزاعاتها من اختصاص مجلس الدولة.
3- استئنافات القرارات الصادرة ابتدائيا من المحاكم الإدارية، و الطعون بالنقض في قرارات الجهات القضائية الإدارية الصادرة ابتدائيا و نهائيا، و الطعون بالنقض في قرارات مجلس المحاسبة.
كما يبدي مجلس الدولة رأيه في مشاريع القوانين التي يتم إخطاره بها و يقترح التعديلات التي يراها ضرورية.

وأشار هذا القانون إلى مهام أخرى لمجلس الدولة تتمثل في المشاركة في برامج تكوين القضاة الإداريين والعمل على التعريف باجتهاده و ذلك بنشر قراراته و التعاليق والدراسات القانونية وفي هذا الإطار، تم إنشاء مجلة دورية.
– القانون رقم 98/02 المؤرخ في 30/05/1998 المتعلق بالمحاكم الإدارية التي تعتبر جهات قضائية ذات الولاية العامة في المادة الإدارية.
-القانون العضوي رقم 98/03 المؤرخ في 03/06/1998 المتعلق باختصاصات وتنظيم وعمل محكمة التنازع التي تختص بالفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية العادية والجهات القضائية الإدارية.
المرسوم التنفيذي رقم 98/261 الصادر في 29/08/1998 الذي يحدد أشكال الإجراءات وكيفياتها في المجال الاستشاري أمام مجلس الدولة.
نظرا للمكانة المميزة لمجلس الدولة فان تدعيمه في إطار برنامج إصلاح العدالة سيساهم حتما في إرساء دولة القانون و هو المحور الثاني الذي تتضمنه هذه المداخلة.

المحـــــور الثاني:
مساهمة مجلس الدولة في تدعيم دولة القانون وحماية الحقوق و الحريات.

الفقـــرة الأولى:

في إطار مهمته القضائية
تعني دولة القانون خضوع مؤسساتها في إطار نشاطاتها المختلفة لسلطان القانون دون سواه، و لن يتأتى احترام الجميع للقانون إلا بفرض رقابة قضائية على أعمال الإدارة، و تعد هذه الرقابة من أقوى الضمانات المعاصرة لإقرار مبدأ المشروعية الوارد في الدستور.
و في هذا السياق، يعمل القاضي الإداري على إقامة التوازن بين حماية حقوق المواطن و متطلبات الإدارة في سبيل تحقيق الصالح العام.
كما يبحث إذا كان تدخل الإدارة بوازع الصالح العام و إذا تم في إطار الاحترام الصارم للقوانين و الإجراءات التي تضمن حيادها فيقرر إلغاء القرارات التي تخرج عن هذه الضوابط.
و يجب ألا يغيب على الأذهان أن مجلس الدولة يساهم بكيفية أخرى في تدعيم مسار دولة القانون من خلال الوظيفة الاستشارية التي أسندها له الدستور، فأصبح شريكا في صنع التشريع إلى جانب السلطات الأخرى.

الفقـــرة الثانية

في إطار مهمته الاستشارية

يساهم مجلس الدولة من خلال مهمته الاستشارية في إثراء المنظومة القانونية و في هذا الإطار يسهر المجلس على تجانس و تكامل النصوص المعروضة عليه و مدى تطابقها مع المحيط القانوني بصفة عامة، بفحصها من جوانبها القانونية و الدستورية و صياغتها و تحديد المصطلحات و ضبطها مع مراعاة تطابق القاعدة القانونية الوطنية مع المعاهدات و الاتفاقات المصادق عليها من طرف بلادنا.

يخطر مجلس الدولة وجوبا بمشاريع القوانين من قبل الأمين العام للحكومة بعد مصادقة مجلس الحكومة عليها، و يفرغ العمل الاستشاري في شكل تقرير يتضمن رأي مجلس الدولة، و إذا كانت الحكومــة ملزمة بموجب المادة 119 من الدستور بأخذ رأي مجلس الدولة حول مشاريع القوانين قبل عرضها على مجلس الوزراء، فإنها غير ملزمة بإتباع رأيه.
و يجب أن نعترف، بأن مجلس الدولة لا يمكنه أن يقوم بهذا الدور على أحسن وجه بسبب نقص الإمكانيات لا سيما منها البشرية، و فضلاً عن أنه لا يمنح له متسع من الوقت المعقول و الكافي لإبداء رأيه.

و في الخلاصة، فأن إسهام مجلس الدولة بمهمته القضائية و الاستشارية في تكريس وتدعيـم أسس دولة القانون قد أصبح حقيقة في بلادنا بالرغم من بعض العوائق المتمثلة على وجه الخصوص في:

1-عدم تنصيب المحاكم الإدارية التي تكرس الازدواجية القضائية المد سترة لتحسين الأداء القضائي على مستوى الدرجة الأولى و بالتالي نقترح الإسراع في تنصيبها.
2- عدم وجود تكوين متخصص في القانون الإداري بالنسبة للطلبة القضاة على مستوى المدرسة العليا للقضاء و في هذا السياق نقترح خلق فرع متخصص بعد الجذع المشترك.
3- وضع آليــات قانونيــة تمكن القاضـي الإداري من فرض احترام أحكامه و تنفيذها عملا بمقتضيات المادة 145 من الدستور، ذلك أن المواطن أصبح يأمل بدرجة كبيرة في قدرة القاضي الإداري على إقرار رقابة حقيقية و ناجعة على أعمال الإدارة.

إن مجلـس الدولـة رغم حداثتـه و العوائق المختلفـة التي تحول دون تقدمه يتطلع إلى تحقيـق كل المهـام الموكولة إليـه على أحسن وجـه، لاسيما أن الفرصة متاحـة اليوم في إطار إصلاح العدالة و تدعيم أسس دولـة القانـون إذ تحدو أعضـاء مجلس الدولـة الرغبة في رفع الرهانان المنوطـة بمؤسستهـم لأنهم يعتقدون أن تشييد دولـة القانـون هو فعلا رهـان كـل مجتمع ينشــد العدالـة أولا والعدالــة أخيـرا.

تعتبر المحاكم الإدارية أهم ركائز تأسيس دولة القانون، وذلك من خلال مراقبة أعمال الإدارة، وتمارس هذه المحاكم رقابتها من خلال نوعين من الدعاوى، هما دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل.
دعوى الإلغاء ليست دعوى بين خصوم، بل هي موجهة ضد قرار صادر عن سلطة إدارية بإرادتها المنفردة قصد التوصل إلى إلغاءه، ولا يملك القاضي سوى سلطة إلغاء القرار إذا تبين له عدم شرعيته، أو رفض الطلب إذا ثبت له أنه سليم من الناحية القانونية، أو عدم قبوله إذا انتفت إحدى الشكليات اللازمة لرفع الدعوى.
أما دعوى القضاء الشامل فهي خصومة قائمة بين طرفين، يدعي أحدهما أنه وقع المساس بأحد مراكزه الذاتية أو الشخصية، ويملك فيها القاضي سلطات واسعة من أجل إرجاع الحق لصاحبه وتقرير التزامات على الطرف الأخر.
من خلال ما سبق يظهر لنا أن هناك اختلاف واضح بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل، مما يسمح بتمييز كل منهما عن الأخرى.
وبالرغم من هذا الاختلاف، فإن القرار الإداري يكون في بعض الأحيان قاسما مشتركا بينهما، وذلك في الحالة التي يترتب فيها عن القرار المطعون فيه بعدم المشروعية ضرر ما.
بحيث يكون قضاء الإلغاء مختصا بالبت في مشروعية القرار، والقضاء الشامل مختصا ببحث مسؤولية الإدارة عن الضرر الناتج عن القرار.
هذه الحالة تضعنا أمام التساؤل التالي:
هل يمكن الحديث عن إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل؟
الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب منا:

أولا: البحث في إمكانية الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض في مقال واحد، وذلك من خلال المبحث الأول.
ثانيا: البحث في مدى الترابط بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل وذلك في المبحث الثاني.

سنتحدث في البداية عن إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في القانون المقارن( المطلب الأول)، على أن نتحدث بعد ذلك عن إمكانية الجمع بينهما في المغرب ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: إمكانية الجمع في القانون المقارن
سنخصص هذا المطلب للحديث عن إمكانية الجمع في كل من فرنسا ( الفقرة الأولى)، ومصر ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إمكانية الجمع بين الدعويين في فرنسا
الأصل في فرنسا هو استقلال كل من دعوى إلغاءle recours pour excès de pouvoir
ودعوى القضاء الشامل*******ieuse plein de le recours.
فإذا أراد المدعي الطعن في قرار إداري بالإلغاء و بالتعويض وجب عليه أن يرفع دعويين مستقلين أحداهما للإلغاء و الأخرى للتعويض.
وقد أجاز مجلس الدولة الفرنسي الجمع بين عريضتي الإلغاء و القضاء الشامل لنظر فيهما في وقت واحد تفاديا لطول الانتظار، وذلك مع احتفاظ كل دعوى باستقلالها و إجراءاتهاle régime de la coexistence entre le recours pour excès de pouvoir et le recours de plein *******ieuse.

ولم يبح المجلس الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض في عريضة دعوى واحدة – هي عريضة القضاء الشامل- إلا في ثلاثة أحكام صدرت في 31 مارس 1911هي قضايا argaing, bézie, blanc ، ولكن مجلس الدولة الفرنسي لم يسر في اتجاه هذه الأحكام التي بقية وحيدة، وظلت القاعدة هي عدم جواز الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض في عريضة واحدة، فإذا ما اشتملت عريضة دعوى الإلغاء على طلب التعويض، فإن مجلس الدولة الفرنسي يرفض نظر طلب التعويض ويباشر فقط ولايته بصدد دعوى الإلغاء والحكم فيها، ولعل مرجع ذلك هو التيسيرات التي خص بها المشرع الفرنسي دعوى الإلغاء والتي تتمثل في الإعفاء من رسوم القيد وعدم اشتراط تقديم عريضتها عن طريق أحد المحامين.

الفقرة الثانية: إمكانية الجمع بين الدعويين في مصر
على خلاف ما عليه الأمر في فرنسا، فقد أجاز المشرع في مصر هذا الأسلوب، إذ أقر إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل في عريضة واحدة هي عريضة دعوى الإلغاء، بحيث يكون طلب إلغاء القرار الإداري غير المشروع هو الطلب الأصلي ويكون طلب التعويض عن الأضرار الناجمة عنه بمثابة طلب تابع لطلب الإلغاء.
وتجد هذه الإمكانية سندها القانوني في البند الثامن من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، التي أسندت الاختصاص لمحاكم المجلس للفصل في ” طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في البنود السابقة سواء رفعت بصفة أصلية أو تبعية”.
في هذه الحالة يملك القاضي الولاية الكاملة- بالمعنى الفني الدقيق- ليحكم بإلغاء القرار غير المشروع بالنسبة للكافة، علاوة على الحكم بالحقوق الشخصية الواجبة للطاعن.
ويرفع طلب التعويض بصفة احتياطية عند ما يتم تضمين العريضة طلب إلغاء أصلي، مع المطالبة بالتعويض كطلب احتياطي، كأن ترفع الدعوى بصفة أصلية للمطالبة بإلغاء قرار من القرارات، مع المطالبة احتياطيا بالتعويض عنه باعتباره عملا خطأ، وهذا يحدث عادة عندما يكون طلب الإلغاء من المحتمل عدم قبوله شكلا لعدم مراعاة مواعيد طلب الإلغاء أو لعدم التظلم بالرغم من كونه واجبا قبل طلبا لإلغاء, ذلك لأن دعوى التعويض لا تخضع لميعاد رفع الدعوى أو اشتراط التظلم الوجوبي وإن كان وإن كانت تخضع لقواعد التقادم.

وفي مصر فقد كانت المحاكم العادية تختص وحدها بقضاء التعويض إلى سنة 1946, فلما أنشئ مجلس الدولة و حتى صدور القانون رقم 165لسنة1955كان الاختصاص بالتعويض عن الأضرار التي سببها القرارات الإدارية مشتركا بين جهتي القضاء العادي والإداري، وكان المدعي هو الذي يحدد جهة الاختصاص وله الخيار، فإذا لجأ إلى إحدى الجهتين أصبحت هي المختصة وامتنع عليه الاتجاه إلى الأخرى، وكانت كل جهة من جهتي القضاء العادي والإداري تطبق قواعد قانونية مغايرة لتلك التي تأخذ بها الأخرى مما أدى إلى اختلاف الأحكام الصادرة في دعاوى متماثلة، وبصدور القانون رقم 165لسنة 1955زالت حالة الاختصاص
المشترك وأصبح القضاء الإداري دون غيره هو المختص بالفصل في طلبات التعويض عن القرارات الإدارية المعيبة التي تسبب ضررا للأفراد، وأيد القانون رقم 55 لسنة 1959 هذا الاتجاه.

وتبقى الإشارة في الأخير أن المشرع المصري نص بموجب المادة 25 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 على إلزامية مؤازرة المحامي في دعوى الإلغاء، بحيث يعتبر ذلك إجراء جوهريا، يترتب على إغفاله بطلان العريضة.
كما أنه ليست هناك مجانية للتقاضي (في إطار دعوى الإلغاء)، سوى ما شرع في نظام الإعفاء المؤقت من دفع رسوم الدعاوى أمام القضاء، وذلك إلى أن يفصل في الدعوى، وفي هذه الحالة يحكم بالرسوم على من يخسر دعواه.
بعد أن قمنا بإعطاء نظرة موجزة عن أمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في القانون الفرنسي والمصري، سننتقل لبحث إمكانية الجمع بينهما في المغرب.

المطالب الثاني: إمكانية الجمع بين الدعويين في المغرب
قبل إنشاء المحاكم الإدارية، لم تكن تثار إشكالية الجمع بين دعوى التعويض ودعوى الإلغاء، على اعتبار أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، لم تكن مختصة إلا في دعاوى الإلغاء.
أما وقد أصبحت المحاكم الإدارية مختصة فيهما معا فهل يمكن الجمع بين دعوى إلغاء قرار إداري لعدم شرعيته وطلب التعويض في إطار المسؤولية الإدارية عن الأضرار التي قد تنتج عن هذا القرار.
لم يتعرض المشرع المغربي في القانون المحدث للمحاكم الإدارية لا للمنع ولا للإجازة، مما يفتح المجال واسعا للاجتهاد القضائي.

ومعلوم أن مسطرة كل من الطلبين تختلف تمام الاختلاف عن الأخرى، إذ طلب الإلغاء يسجل مجاناوداخل أجل قصير نسبيا،في حين تؤدى الرسوم القضائية في طلبات التعويض باعتبارها تدخل في إطار القضاء الشامل، كما أن أجل رفعها طويل ما دام أنها تخضع لأجل التقادم الذي يختلف باختلاف الحالات، كما أن الحكم بالإلغاء لا يمكن شموله بالنفاذ المعجل لتوفر مسطرته إيقاف تنفيذ القرارات المنصوص عليها في الفصل 24 من قانون المحاكم الإدارية، بينما لا يوجد ما يمنع من شمول الحكم بالتعويض بالنفاذ المعجل القضائي.

وقد عرضت هذه الإشكالية فعلا على المحاكم الإدارية بالمغرب، فأجازت إدارية مكناس في أحد أحكامها،الجمع بين طلبي الإلغاء والتعويض، حيث حكمت بإلغاء قرار إداري صادر عن بلدية بوفكران، إلا أنها رفضت التعويض بعلة عدم سلوك الطاعن لمسطرة الفصل 34 من ظهير 30/09/1976 المتعلـق بالتنظيـم الجماعي، وقد سارت المحكمة الإدارية بوجدة في نفس الاتجاه، حيث قبلت الجمع بين الطلبين في عريضة واحدة، فألغت القرار الإداري المطعون فيه، وصرحت بعدم قبول طلب التعويض لعدم أداء الرسم القضائي.
كما أن المحكمة الإدارية بمكناس أكدت اتجاهها السابق، بقبولها مرة أخرى إمكانية الجمع بين الدعويين من خلال الحكم رقم90/2002/12ش، ملف 125/2001/12ش، الصادر بتاريخ 14/11/2002/ بين العلوي إدريس وجماعة شرقاوة، بحيث جاء في تعليل هذا الحكم أنه:” لا مانع من الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض في صحيفة دعوى واحدة…”.
وقد صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط مؤخرا حكم عدد 1003 بتاريخ 12/10/2004 ، أجازت فيه الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض في مقال واحد والبت فيهما معا في حكم واحد، طالما لا يوجد نص تشريعي يحول دون ذلك، ففي غياب أي مانع قانوني، فإن الأصل هو إباحة الجمع.

وقد أوضح القاضي في هذا الحكم أن إمكانية الجمع رهينة باستيفاء بعض الشروط المتمثلة في كون كل طلب على حدة ( الإلغاء والتعويض) ينبغي أن تتوفر فيه الشروط التي تجعله مقبولا لدى المحكمة، ثم يتعين أن يوجد ترابط بين الطلبين كما هو الحال في هذه النازلة.
” حيث إنه طالما لا يوجد نص طالما لا يوجد نص صريح يمنع الجمع المذكور، فإن القول بذلك المنع ينبغي أن يقوم على قاعدة تنسجم مع المبادئ التي تنظم الحق في التقاضي بما يضمن استمرارية هذا الحق وتفعيله وليس عرقلته وتعطيله، لذلك فكلما كانت شروط قبول كل طلب على حدة متوفرة، فإن الجمع بينهما في مقال واحد يصبح مقبولا خاصة في حالة الترابط بينهما”.
وقد لقي هذا الجمع تأيد عدد من المهتمين، فهكذا نجد كل من الأستاذين آمال المشرفي وامحمد عنتري، يقولان:” ففي واقع الأمر ولئن ورد الطلبان في مقال واحد، فإن القاضي يفصل بينها، ويتأكد من استجابة كل منهما لشروط القبول، وفي حالة الإيجاب يبت فيهما معا، والحكم الصادر يكون حكما يندرج ضمن قضاء الإلغاء بالنسبة للشق الخاص المتعلق بمراقبة المشروعية بالنظر للحجية التي يتمتع بها وضمن القضاء الشامل بالنسبة للشق الخاص بجبر الضرر، وليس في هذا الوضع ما يثير مبدئيا التحفظ والرفض، لأن منع الجمع بين الطلبين المستدل به عادة، كما هو الشأن في القضية التي تهمنا لا يستند إلى أساس وإنما هو نابع من مسلمة غريبة عن واقعنا، فهذا المنع يجد مبرارته لحقيقية في التقليد اللامشروط للحلول المعمول بها في فرنسا، ففي هذا البلد عدم جواز الجمع تمليه محددات خاصة، أما في المغرب،فإن الوضع مختلف مما يبرر الأخذ بحلول مغايرة تتلاءم مع واقعنا وتستجيب لخصوصياته، وبالنظر لهذه الخصوصيات، فإن الجمع بين الإلغاء والتعويض أمر جائز بل وضروري لتفعيل القضاء الإداري…

علاوة على ذلك ، فإن الحكم من خلال فصله في الطلبين مع الاكتفاء بمسطرة قضائية واحدة، يبسط إلى حد كبير مسطرة التقاضي، ويجعلها أكثر في متناول المواطنين، فكثيرة هي القضايا البت لا يمكن حلها في كل جوانبها فقط بصدور حكم الإلغاء وإنما تستلزم دعوى أخرى بطلب التعويض، وغالبا ما تستنفذ المساطر القضائية طاقة المتقاضي وصبره وإمكانياته المادية باستصدار حكم الإلغاء لفائدته، ويستعصي عليه عمليا مواصلة التقاضي برفع دعوى ثانية وربما ثالثة لاسترداد حقه كاملا وجبر الضرر الناتج عن القرار الملغى، فيتوقف في منتصف الطريق، …”.
وبجانب هذا الرأي، هناك اتجاه معرض لهذا الجمع، بالرغم من أنه يقر بفوائد الجمع العملية، لكنه يتساءل عن السند الذي اعتمدت علي المحاكم الإدارية للقول بجواز الجمع بين الدعويين، فهذه المحاكم تكتفي بالقول أنه لا يوجد ما يمنع الجمع دون أن تبرز الأساس الذي يبرر هذا الجمع، كما أن هذا الاتجاه يرى أن الجمع لا يساير المنطق القانوني، بالنظر إلى الاختلاف الموجود بين كل من دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل.
فهذا الاتجاه يرى أنه بقبول هذا الجمع، فما الذي يمنع القاضي الإداري من قبول دعوى المطالبة بعقار أو دعوى التطليق.

ومع كل ما ذكر فإننا نرى أنه ينبغي الدفاع على إمكانية الجمع بين الدعويين، نظرا للمزايا والفوائد التي تحققها للمتقاضين، خصوصا وأن القضاء الإداري وكما هو معلوم جاء من أجل ضمان حقوق المواطنين في مواجهة الإدارة، ومن أجل بناء دولة القانون، هذه الدولة لا يمكن أن تقوم إذا لم يستطع الأفراد التوصل إلى حقوقهم بسرعة ومن خلال أقصر الطرق وأسهلها، ثم بالنظر إلى طبيعة القضاء الإداري.

وبالنسبة للمشاكل المسطرية التي تعترض إمكانية الجمع، فإنه يمكن التغلب عليها، من خلال اعتبار دعوى الإلغاء هي الدعوى الأصلية، في حين يتم اعتبار المطالبة بالتعويض، مجرد طلب تبعي، مع محاولة المزاوجة بين شروط كل من الدعويين بشكل يضمن لكل واحدة منهما استقلالها.
مع الإشارة إلى أن هناك نوع من الدعاوى لا يمكن تطبيق هذا الاقتراح عليها، بسبب عدم إمكانية القفز على دعوى الإلغاء والحكم في دعوى التعويض، وهو المعروف بدعوى التسوية الفردية.
بما أن القرارات الإدارية التي يصح أن تكون محلا لدعاوى التعويض، هي نفس القرارات التي يجوز طلب إلغائها، بحيث تتحد دعوى التعويض مع دعوى الإلغاء من حيث القرار الذي ترفع كل منهما بصدده.

فإنه يحق لنا التساؤل: هل لابد من أن يكون القرار غير مشروعا، حتى يحق للمتضرر طلب التعويض عنه؟.
كما يحق لنا التساؤل أيضا:هل كل الأسباب المؤدية لإلغاء تعتبر خطأ يترتب عنه التعويض؟
سنجيب عن هذين السؤالين من خلال المطلبين المواليين، بحيث نخصص الأول لإجابة عن السؤال الأول، ونخصص المطلب الثاني لإجابة عن السؤال الثاني.

المطلب الثاني: الترابط بين مشروعية القرار والتعويض عنه
بالنسبة للقضاء المصري: فإنه لا يحكم بالتعويض إلا إذا ثبت له أن القرار غير مشروع، بأن شابه وجه من أوجه عدم المشروعية المعروفة وهي عيب الشكل والاختصاص، ومخالفة القانون والانحراف.
وهكذا فإنه إذا كان القرار سليما ومطابقا للقانون من جميع نواحيه، فإن الإدارة لا تسأل عن الأضرار التي تترتب عليه.
ولإشارة فإن هذا الموقف الذي ينهجه القضاء المصري، لم يكن هو المعمول به قبل سنة 1956، بحيث أن القضاء الإداري كان يأخذ بنظرية التعسف في استعمال الحق، بمعنى أن القاضي الإداري في نطاق قضاء الإلغاء لا يراقب القرار إلا في حدود الانحراف بالسلطة( بالنسبة للمغرب نقول تجوز في استعمال السلطة)، أما فيما يتعلق بالتعويض فإن القاضي يحاسب الإدارة على المسائل التي تكون نظرية” التعسف في استعمال الحقوق الإدارية”.
ومن أمثلة هذه الأحكام، نجد الحكم الصادر في 15 يونيه1950 الذي جاء فيه:” …إن المسؤولية الملقاة على الحكومة من حيث إدارة الشؤون العامة ورعاية مصالح الدولة تقضي بأن يكون لها حق مراقبتهم، وفصل من تراه غير صالح للعمل، مراعاة للصالح العام وبدون محاكمة تأديبية، إلا أن حقها في ذلك ليس مطلقا، وإنما تستعمله في حدود المصلحة العامة، فإن تعدت هذه الحدود، وأصدرت قرارات الفصل عن هوى، كان عملها

غير مشروع، ولما كان الأصل في تصرفات الإدارة أنها للصالح العام، وأن من أسباب العزل ما تقضي المصلحة العليا للدولة أو المصلحة الشخصية للموظف عدم الإفصاح عنها، ترتب على هذا الأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها، فمن يدعي عليها من الأفراد بالعدوان يقع على عاتقه عبء إثبات ذلك، وإذا ما طلب إلغاء القرار الإداري الصادر في شأنه”.

وهذا بخصوص دعوى الإلغاء، أما بالنسبة للدعوى التعويض فإن المحكمة اعتمدت ما يلي:” مما لا يتعارض مع مبدأ السابق الذي قرره الفقه الإداري رعاية لشؤون الدولة ولتمكينها من عدم التعاون مع من ترى للصالح العام عدم معهم من الموظفين القابلين للعزل، أن يكون مع ذلك للموظف المفصول بغير طريق التأديب حق اقتضاء التعويض المناسب من الدولة إذا ما قام الدليل من أوراق الدعوى على أنه فصل في وقت غير لائق أو بطريقة تعسفية أو بغير مبرر شرعي، إذا ما تعذر عليه إقامة الدليل على إساءة استعمال السلطة، توصلا لإلغاء قرار فصله، ذلك لأن الدولة إذا رغبت في أن تضحي بالموظف العمومي القابل للعزل، بإحالته للمعاش قبل بلوغه السن المقرر للتقاعد استعمالا لحقها في حدود القانون وللصالح العام، فإنه ينبغي عليها أن تتحمل في الوقت ذاته مخاطر هذا التصرف، فتعوض الموظف المفصول تعويضا معقولا إذا ما تبين أنه فصل في وقت غير لائق أو بطريقة تعسفية، أو بغير مبرر شرعي، لما في ذلك من تطبيق صحيح لقواعد المسؤولية في الفقه الإداري، وتغليب لقواعد العدالة، وتوفير الضمانات للدولة وموظفيها”.

هذا هو موقف القضاء الإداري قبل أن يعدل عنه بمقتضى الحكم الصادر في 14 أبريل 1956، الذي تم فيه رفض التعويض استنادا إلى مشروعية القرار، حيث جاء فيه:”…وإن المحكمة لم تستطع أن تستنبط من ملف خدمته قرينة على أن القرار مشوب بسوء استعمال السلطة، ومن ثم يكون القرار سليما، خاليا من عيب البطلان فتنهار بذلك دعوى الإلغاء، كما تنهار دعوى التعويض أيضا، إذ لا محل للتعويض إلا إذا كان القرار المطعون فيه باطلا…”.

وهكذا فإن أساس مسؤولية الإدارة في مصر، مؤسسة على إصدار قرار غير مشروع يشكل في حقها خطأ وينتج عنه ضرر للغير، وبالتالي فإن هذه المسؤولية قائمة على الخطأ، وأركانها ثلاثة: خطأ وضرر والعلاقة السببية.
هذا بالنسبة للقضاء المصري، فما هو موقف القضاء المغربي؟
من خلال الإطلاع على الصادرة عن القضاء الإداري بالمغرب، يتضح لنا أن القضاء المغربي يميل إلى تأسيس مسؤولية الإدارة بخصوص القرار الإداري على الخطأ المتمثل في عدم مشروعية القرار.
من هذه الأحكام، نجد الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد 119 بتاريخ 17/05/2000، بين ظهير الدين محمد ضد وزير وزير التعليم العالي.
وتتمثل وقائع هذا الحكم في أن وزير التربية الوطنية أصدر قرار يقضي بعزل السيد ظهير الدين محمد من أطر التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، فتقدم هذا الأخير بطلب إلغاء هذا القرار، وبالفعل استجابة المحكمة الإدارية بالدار البيضاء لطلبه هذا بمقتضى الحكم عدد 227 بتاريخ 20 يونيو 1996، هذا الحكم تم تأييده من قبل الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى من خلال القرار عدد 1298 الصادر بتاريخ 25 شتنبر 1997.

بعد هذا قام السيد ظهير الدين محمد بالتقدم بطلب يرمي إلى تعويضه عن الضرر الذي لحقه من جراء هذا القرار الذي قضى بعدم مشروعيته.
وقد استجابة المحكمة الإدارية بالدار البيضاء لطلبه هذا، ومن الحيثيات التي اعتمدت عليها نجد:” حيث إنه من المبادئ العامة للمسؤولية التقصيرية أن كل خطأ سبب للغير ضررا مادية أو معنويا يلزم من ارتكبه بالتعويض عن هذا الضرر متى ثبتت أركان المسؤولية وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية ما بين الخطأ والضرر”.
من خلال هذه الحيثية يظهر لنا أن المحكمة اعتمدت في تقرير التعويض على كون القرار غير مشروع.

هذا التوجه اعتمدته المحكمة الإدارية بفاس، من خلال حكمها رقم 1257 الصادر بتاريخ 8/11/2001، بين الفايق وعامل فاس المدينة، مع الإشارة إلى أن هذه المحكمة كانت أكثر وضوحا من المحكمة الإدارية بالدار البيضاء.
ومما جاء في هذا الحكم نجد:” حيث أسس المدعي مطالبته بالتعويض على صدور قرار نهائي عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قضت بتأييد الحكم المستأنف الصادر عن إدارية فاس بتاريخ 19/9/2001 في الملف عدد 303غ/99 والقاضي بإلغاء الإقالة عدد 1/99 الصادر عن عامل عمالة فاس المدينة.

وحيث إن طلب التعويض على الأضرار اللاحقة بالمدعي من جراء قرار إداري تم إلغاؤه قضاء رهين بمدى مشروعية هذا القرار، ذلك أنه من المبادئ المتعارف عليها لدى القضاء الإداري أنه لا يحكم بالتعويض إلا إذا أثبت أن القرار الذي كان سببا في الضرر غير مشروع بأن شابه وجه من أوجه عدم المشروعية المعروفة وهي عيب الشكل والاختصاص ومخالفة القانون والانحراف، وهذا الاتجاه كرسه الفقه والعمل القضائي، ذلك أن المجلس الأعلى قد اعتبر في قراره عدد 21 بتاريخ 1962 والمنشور بمجلة RMD لسنة 1962، ص688 أن القرارات الإدارية لا يمكنها مبدئيا ترتيب مسؤولية السلطة العامة إزاء الخواص إلا إذا كانت هذه القرارات مشوبة بعدم المشروعية.
وحيث إن القرار المطلوب التعويض على أساسه ثبت لقضاء الإلغاء وبمقتضى حكم حائز لقوة الشيء المقضي به صدوره حيادا على القانون وبالتالي اتسامه بعدم المشروعية، مما يرتب مسؤولية الدولة عن الأضرار اللاحقة بالمدعي…”.

وهكذا فإن المحكمة الإدارية بفاس ربطت بين عدم مشروعية القرار والتعويض عنه، كما أن المحكمة الإدارية بالرباط تبنت نفس الاتجاه.
وبجانب هذه الأحكام، هناك حكم أخر غاية في الأهمية، هو الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد 928 بتاريخ 17/ 2/ 2003 بين شركة صوفرام ضد وزير الفلاحة.

الذي أقر مسؤولية الدولة عن الأضرار اللاحقة بالغير بسبب القرارات الإدارية المشروعة، وفي ما يلي أهم حيثيات هذا الحكم: ” وحيث إن ما اعتمدته الطالبة في طلبها هو أن قرار السيد وزير الفلاحة عدد 1054/97 الصادر بتاريخ 17/6/1999 الذي أدخل هولندا ضمن الدول المحضور استيراد الحيوانات الحية والمنتجات الحيوانية منها ألحق بها ضررا جسيما يستوجب التعويض.
وحيث إنه خلافا لما ذهب إليه الوكيل القضائي بالمملكة في كون الدعوى الحالية تحمل في طياتها البت في مشروعية أو عدم مشروعية قرار وزير الفلاحة الذي أصبح محصنا لمرور أجل الطعن فيه، فإن الاجتهادات القضائية الإدارية ذهبت إلى إقرار مسؤولية الإدارة عن القوانين والقرارات كانت مشروعة واستهدفت الصالح العام.

وحيث يؤخذ من وثائق الملف أن الشركة تقدمت بطلب إلى مديرية الماشية، تلتمس بمقتضاه الترخيص لها لاستيراد مادة الخميرة الحيوانية من هولندا صادفت صدور قرار وزير الفلاحة يجعل هولندا ضمن الدول المحظور استيراد الحيوانات الحية والمنتجات الحيوانية بعد ظهور مرض جنون البقر، وأن هذا القرار وإن كان يستهدف حماية المواطنين المغاربة، فإن من شأنه أن يرتب مسؤولية السلطة العامة عن الأضرار اللاحقة بالمدعية، إذ لا يمكن تحميل هذه الأخيرة عبئا خاصا باسم الصالح العام والقول بخلاف ذلك سيؤدي إلى انكسار مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة وبالتالي أمام القانون.
وحيث بناء على ما ذكر وتأسيسا على ما سارت عليه الاجتهادات القضائية في الموضوع تكون مسؤولية وزير الفلاحة قائمة، وتكون بالتالي كافة الدفوعات المقدمة من طرف الوكالة القضائية للمملكة غير مؤسسة قانونا ويتعين ردها”.
وبناء على هذه الحيثيات قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء على المدعى عليهم بأدائهم للشركة المدعية مبلغ 125.473.35 درهم.

فمن خلال هذا الحكم يتضح لنا أن هذه المحكمة لم نتطلب في القرار أن يكون غير مشروع حتى يعطي الحق للمتضرر طلب التعويض عنه، بمعنى أنه لا يؤخذ بالمسؤولية القائمة على الخطأ، وإنما يأخذ بالمسؤولية القائمة على تبعة المخاطر، هذه المسؤولية الأخيرة هي من ابتداع القضاء والفقه الإداريين في فرنسا.
والتعويض بناءا على هذه النظرية، لا يعتبر جزاء على خطأ الإدارة وإنما يكون من قبيل التأمين أو المعونة العادلة، فأساس هذا النوع من المسؤولية هو تحقيق المساواة بين الذين تصيبهم أضرار أشد من غيرهم، فيتم تعويضهم ما دام أن الجميع يؤدون نفس التكاليف.

وبالرغم من هذا الحكم، فإن الاتجاه السائد في القضاء المغربي، هو ارتباط بين قبول طلب التعويض وعدم مشروعية القرار الإداري.
هذا بالنسبة إلى الترابط بين عدم مشروعية القرار والتعويض عنه، وسننتقل بعد هذا إلى الجواب عن السؤال الثاني، وذلك من خلال المطلب الموالي.

المطلب الثاني: الترابط بين الأسباب المؤدية لإلغاء والتعويض
بالنسبة للقضاء الإداري الفرنسي فإنه يميز بين أسباب الإلغاء من حيث كفايتها كأسباب للتعويض، بحيث يعتبر بعض هذه الأسباب موجبة للتعويض دائما- متى سببت ضررا-، في حين اعتبر البعض الأخر مرتبا لمسؤولية الإدارة في بعض الحالات فقط.

-بالنسبة لعيب مخالفة القانون: إذا كنت مخالفة القانون سببها هو أن القرار الإداري خالف قاعدة ” حجية الشيء المقضي به” فإن مجلس الدولة الفرنسي يقضي باستمرار بمسؤولية الإدارة، لأن المخالفة في هذه الصورة هي جسيمة لأن الإدارة تكون قد أخلت بقاعدة أساسية تستلزمها ضرورة استقرار الحياة الاجتماعية.

كما يرتب مجلس الدولة الفرنسي مسؤولية الدولة في حالة الامتناع الإدارة عن تطبيق القانون أو اللائحة، كما تم ترتيب مسؤولية الإدارة في حالة مخالفة القانون في صورة انعدام الأسباب أو الخطأ في تطبيق القانون.

بالنسبة لعيب الانحراف في استعمال السلطة: هذا العيب جعله مجلس الدولة الفرنسي باستمرار مصدرا للمسؤولية، لأن هذا الخطأ بطبيعته يستوجب المسؤولية إذا ما ترتب عليه ضرر، ومن الحالات التي قضى فيها مجلس الدولة الفرنسي بالتعويض لعيب الانحراف:

– رفض الإدارة الترخيص لجمعية بتحصيل رسوم مقابل الانتفاع بقناة من القنوات لإجبارها على التنازل عن حقها، حكم صادر في 10 فبراير 1943.
– رفض تعيين مواطن لأسباب لا تتصل بصالح العمل، حكم صادر في 30 يونيو 1954 قضية( Trébes)).
– بالنسبة لعيب الاختصاص: هنا يحكم مجلس الدولة بالتعويض إذا كان سببه قيام الموظف بعمل لا يملكه إطلاقا، أي لا يملكه هو ولا غيره، وبالتالي فإن المخالفة تكون جسيمة مما يؤدي إلى مسؤولية الإدارة.
أما إذا كان عدم الاختصاص سببه هو أن القرار الإداري هو من موظف بدل موظف أخر، فإن مسؤولية الإدارة لا تكون مقررة في جميع الحالات، لأن الضرر كان من الممكن أن يصيب الفرد بناء على ذات القرار فينا لو صدر من موظف مختص.

ومن الحالات التي قضى فيها مجلس الدولة بالتعويض بناء على عيب الاختصاص:
– القرار الصادر من جهة مختصة بمنع أحد المواطنين من البناء، صادر بتاريخ 22 يوليوز 1925 في قضية héritiers guillemot.
– فصل أحد الموظفين من جهة غير مختصة، قرار الصادر في 26 فبراير سنة 1943 في قضية delcourte.
– في حين رفض مجلس الدولة أن يجعل من عيب الاختصاص سببا في التعويض، في الحالة التي أخطأ فيها أحد المسؤولين في تحديد نطاق سلطانه، وكان القرار سليما من حيث الموضوع، قضية Bour .

– بالنسبة لعيب الشكل: مجلس الدولة الفرنسي لا يجعله مصدرا للمسؤولية إلا إذا كان الشكل أساسيا، أما إذا كان الشكل ثانويا وبإمكان الإدارة أن تعيد تصحيح القرار وفقا للشكلية المطلوبة فلا تعويض عليه.
وهكذا نجد مجلس الدولة أصدر في 8 فبراير 1934 حكما بتعويض أحد الموظفين بسبب فصله من غير استشارة المجلس التأديبي، وذلك لأن هذه الشكلية تعتبر أساسية.

أما إذا كانت الشكلية ثانوية، كما لو تصرفت الإدارة دون استشارة بعض اللجان، وكان في مقدورها أن تأخذ رأيها بعد ذلك، فإن مجلس الدولة الدولة يرفض الحكم بالتعويض.
هذا التوجه المعمول به في فرنسا، هو نفسه المتبع من طرف القضاء الإداري المصري، وهو ما يظهر من خلال استعراض مضمون الحكم رقم 743 الصادر في 5/11/1966، بحيث نص على ما يلي:” إن القضاء بالتعويض ليس من مستلزمات القضاء بالإلغاء بل لكل من القضائيين أساسه الخاص الذي يقوم عليه، كما أن عيب عدم الاختصاص أو عيب الشكل الذي قد يشوب القرار الإداري فيؤدي إلى إلغائه لا يصلح حتما وبالضرورة أساسا للتعويض ما لم يكن العيب مؤثرا في موضوع القرار فإذا كان القرار سليما في مضمونه محمولا على أسبابه المبررة رغم مخالفة قاعدة الاختصاص أو الشكل فإنه لا يكون ثمة محل لمساءلة الجهة الإدارية عنه والقضاء عليها بالتعويض لأن القرار كان سيصدر على أي حال بذات المضمون لو أن تلك القاعدة قد روعيت”.

هذا بالنسبة لموقف القضاء الفرنسي والمصري، فماذا عن القضاء الإداري المغربي؟
من خلال الإطلاع الأحكام الإدارية التي لها علاقة بالموضوع، يظهر لنا أن الاتجاه الإداري في هذا الموضوع غير محدد، بحيث أن هنا أحكام قضت بالتعويض دون التمييز بين أسباب الإلغاء، مثل الصادر عن إداريـة فاس
الصادر بتاريخ 8/11/2001، رقم 1257، بين الفايق ضد عامل عمالة فاس المدينة، الذي جاء فيه:”… ذلك أنه من المبادئ المتعارف عليها لدى القضاء الإداري أنه لا يحكم بالتعويض إلا إذا أثبت أن القرار الذي كان سببا في الضرر غير مشروع، بأن شابه وجهمن أوجه عدم المشروعية المعروفة وهي عيب الشكل والاختصاص ومخالفة القانون والانحراف…”.

في حين نجد إدارية مراكش، تشترط في عيب الشكل حتى يكون سببا في استحقاق التعويض، أن يكون مؤثرا في موضوع القرار وجوهره، بحيث جاء في هذا الحكم:” وحيث إنه حتى على فرض أن السيد والي جهة مراكش وعامل المنارة قد أصدر قرار الهدم، دون التأكد من مراعاة شكلية تبليغ ذلك القرار إلى المدعي، فإن عيب الشكل أو الإجراءات في القرار الإداري لا يكون مصدرا لمسؤولية الإدارة والتعويض ما لم يكن مؤثرا في موضوع القرار وجوهره”.

خـاتمـة
لقد عرفت المنازعات الإدارية تطورا نوعيا وارتفاعا كميا، وما المعطيات الواقعية إلا دليلا على ذلك، لكن لا يجوز أن نغفل أن عدد القضايا التي عرضت على المحكمة الإدارية، لا يمثل إلا جزءا من النزاعات التي تكون الإدارة طرفا فيها، ويعزى عدول المواطنين عن مقاضاة الإدارة في جزء كبير إلى تكاليف الدعاوى الإدارية وتعقيداتها المسطرية.

والجمع بين دعويي الإلغاء والتعويض، قد يساهم في تقليص هذه الظاهرة، إذا يعد ضمانة إضافية للحق في التقاضي، ووسيلة لتعزيز هذا الحق وإعطائه فعالية أكثر، فالجمع بين طلبي الإلغاء والتعويض يوفر هذا الحق ويضمن استمراريته ويعطيه فعالية أكثر.

غير أنه يتعين التأكيد بأن الجمع لا ينبغي أخذه على إطلاقه واعتباره قاعدة عامة قابلة للتعميم في جميع النزاعات الإدارية، حيث بإمكان كل من أراد مقاضاة الإدارة اللجوء إليه، بل الأمر يقضي دراسة دقيقة ومتأنية لكل نازلة على حدة ولكافة معطياتها الواقعية.
فالجمع يغني عن إقامة دعويين وما يكلف ذلك من دراسة الملف مرتين من طرف نفس القاضي المقرر أو من طرف قاضيين مقررين، واستدعاء نفس الأطراف للإدلاء بنفس التصريحات وتأكيدها وتعدد الجلسات….
فإذا صح لدينا أن الضرورة تفرض اللجوء إلى إمكانية الجمع بين الإلغاء والتعويض في عريضة واحدة، أضحى لزاما تقدير الضرورة بقدرها، بتقديم القضاء الإداري المغربي للمزيد من التوضيح حول إمكانية هذا الجمع وتحديد شروط تحققه، إذا ما كتب لهذا الجمع أن يصبح أمرا متواثرا ومستقرا عليه قضائيا.
– في مصر يعبر عن القضاء الشامل بعبارة القضاء الكامل، في حين يستعمل المشرع اللبناني عبارة القضاء الشامل.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.