بواسطة باحث قانوني
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونستهديهِ ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما
فإنَّه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً …
وضعت عدة تعريفات للتحكيم من طرف فقهاء اللغة والقانون ومن طرف المشرعين، وسأحاول سرد أهمها فيما يلي:
– التحكيم لغة: معناه التفويض في الحكم، من مصدر ثلاثي (حكم) ويقال حاكمه إلى الحاكم أي خاصمه ودعاه، ويقال احتكم الخصمان إلى الحاكم أي رفعا خصومتهما إليه[1].
ويقول ابن منظور: (حكّموه بينهم، أمروه أن يحكم بينهم، ويقال حكّمنا فلانا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا)[2]. (وحكّمه في ماله تحكيما، إذا جعل إليه الحكم فيه)[3].
– التحكيم في الإصطلاح القانوني: يقوم نظام التحكيم، بمختلف أنواعه، على تبسيط إجراءات الفصل في النزاع، والتحرر من الشكليات الكثيرة التي يعرفها القضاء، ذلك أن للأطراف إمكانية تفادي اختلاف الآراء والقواعد الوطنية التي تختلف من دولة لأخرى وتؤدي إلى إهدار حقوق الأطراف وتوقعاتهم، وهذا التبسيط في الإجراءات عامل أساسي في سرعة الفصل في النزاع، هذا من جهة، كذلك فإن قاضي الدولة ملزم بتطبيق القانون على الوقائع التي تعرض عليه، وإصدار الحكم حسب، القانون ولا يهمه مدى تأثير ذلك على العلاقة بين المتخاصمين، في حين أن الحكم يحاول دائما إصدار حكمه متوخيا العدالة[4]، التي تكفل استمرار العلاقة بين الأطراف وهذا من بين أهداف التحكيم الأساسية.
كما يكفل التحكيم الاقتصاد في النفقات، والسرية في الجلسات[5].
كما أن التحكيم لا يثير مشكلة تنازع الاختصاص القضائي الدولي أمام المحاكم الوطنية، فإرادة الأطراف هي وحدها التي تعين هيئة التحكيم ومكانه والقواعد المطبقة على الإجراءات وعلى موضوع النزاع، كما إن تنفيذ حكم التحكيم يكون أكثر يسرا بالنسبة للحكم القضائي[6].
وقد وضع الفقه للتحكيم عدة تعريفات، فهو: «الاتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون الذهاب إلى المحكمة المختصة به»[7].
وهو “الوسيلة لفض نزاع قائم أو مستقبل، بعيدا عن ولاية القضاء المختص مع التزام الأطراف بعرض النزاع كله أو بعضه على محكم أو ثلاثة للفصل فيه بحكم لازم لهم”[8]، وهو «اتفاق ذوي الشأن على عرض نزاع معين قائم على فرد أو أفراد أو هيئة للفصل فيه دون المحكمة المختصة»[9]، وهو «الطريق الإجرائي الخصوصي للفصل في نزاع معين بواسطة الغير بدلا من الطريق القضائي العام»[10] أو هو «نظام لتسوية المنازعات عن طريق أفراد عاديين يختارهم الخصوم إما مباشرة أو عن طريق وسيلة أخرى يرتضونها، أو هو إمكانية أطراف النزاع بإقصاء منازعاتهم عن الخضوع لقضاء المحاكم طبقا للقانون، كما تحل عن طريق أشخاص يختارونهم»[11].
وعند بعض الفقه هو «الطريق التي يختارها الأطراف لفض المنازعات التي تنشأ عن العقد عن طريق طرح النزاع والبت فيه أمام شخص أو أكثر يطلق عليه اسم المحكم أو المحكمين دون اللجوء إلى القضاء»[12]. أو هو «نظام لقضاء خاص بمقتضاه تخرج المنازعات من القضاء العادي، كي يفضها أفراد يختارون للفصل فيها»[13]، أو هو آلية تهدف إلى الفصل في مسألة تتعلق بالعلاقات القائمة بين طرفين أو أكثر بواسطة شخص أو أكثر يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص للفصل بمقتضاه في المنازعة، دون أن يكونوا مخولين للقيام بذلك من قبل الدولة[14]،
– التحكيم في التشريعات الوطنية: عرف المشرع المصري التحكيم (المادة 10) على أنه « اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي تنشأ أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية»[15] وعرفه المشرع الأردني في المادة 3 من قانون التحكيم كما يلي: «تسري أحكامه على كل تحكيم اتفاقي يجري في المملكة الأردنية ويتعلق بنزاع مدني أو تجاري بين أشخاص من أطراف القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع عقدية كانت أو غير عقدية»[16]، أما المشرع المغربي فقد ذهب إلى اعتبار التحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم (‘الفصل 306 من ق.م.م).
ويتضح من كل هذه التعريفات، أنها تتفق في مضامينها وإن اختلفت في ألفاظها، فهي جميعا تتفق على أن التحكيم هو وسيلة لفض المنازعات الناشئة بين أطراف العلاقات الدولية الخاصة، وأن اللجوء إلى التحكيم فيه إقصاء لقضاء الدولة نظر النزاع، ومن هذه التعريفات يمكن استخلاص أهم خصائص التحكيم التجاري الدولي وهي كالآتي:
– التحكيم هو طريق لفض المنازعات الدولية الخاصة.
– الاتفاق على التحكيم يتخذ صورتين حسب وقت إبرام الاتفاق، فإذا تم الاتفاق عند إبرام العقد وقبل حدوث النزاع فهذا النوع يطلق عليه اسم شرط التحكيم، وإذا أبرم بعد حدوث النزاع فيعرف هذا النوع بمشارطة التحكيم[17].
– اللجوء إلى التحكيم يعبر عن رغبة أطراف النزاع في إقصاء قضاء الدولة من نظر النزاع، وقيامهم باختيار محكمة خاصة بهم، وتحديد الإجراءات التي تسير عليها في نظر النزاع وتحديد القانون الواجب التطبيق على الموضوع ومنح المحكم سلطة إصدار حكم ملزم لهما ونهائي وحاسم يكون قابلا للتنفيذ.
[1]- د. إبراهيم أنيس، المعجم الوسيط، الجزء الأول، مجمع اللغة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، بدون تاريخ نشر، ص. 190.
[2]- ابن منظور، لسان العرب، الجزء 15، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة دون تاريخ نشر، ص. 31-32.
[3]- محمد ابن أبي بكر عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، دار القلم، بيروت، دون تاريخ نشر، ص. 148.
[4]- د. إبراهيم احمد إبراهيم، التحكيم الدولي الخاص، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية 1997، ص. 40.
[5]- د. منير عبد المجيد، الأسس العامة للتحكيم الدولي والداخلي في القانون الخاص في ضوء الفقه وقضاء التحكيم، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000، ص. 10-11.
[6]- د. عز الدين عبد الله، التحكيم التجاري في مواد القانون الخاص، مجلة مصر المعاصرة، القاهرة، العدد 371، 1978، 1969، ص. 9.
[7]- د.احمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والإجباري، دار المعارف، الإسكندرية، الطبعة الرابعة، 1983، ص.15.
[8]- د. منير عبد المجيد، الأسس العامة، للتحكيم الدولي والداخلي، المرجع السابق، ص. 12.
[9]- فتحي والي، الوسيط في قانون القضاء المدني، ط 1980، ص.26.
[10]- د. وجدي راغب، مفهوم التحكيم، وطبيعته، محاضرة مكتوبة في دورة تدريبية بكلية الحقوق جامعة الكويت 92-93، ص.3. (أخذ هذا المرجع من كتاب حسني المصري، التحكيم التجاري الدولي، هامش ص 5).
[11]- د. أبو زيد رضوان، الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، دار الفكر العربي القاهرة، 1981، ص.25.
[12]- د. فوزي محمد سامي، التحكيم التجاري الدولي، منشورات جامعة بغداد، الطبعة الأولى، 1992، ص.17.
[13] -Jean Robert: L’arbitrage, droit interne, droit international privé. Paris, Dalloz, 5ème ed.1983, n° 1, p.3.
[14]- R. David: L’arbitrage dans le commerce international, économica 1982, p.9.
[15]- قانون التحكيم المصري الجديد رقم 27 لسنة 1994، منشور في الجريدة الرسمية، عدد 16، بتاريخ 21-4-1994.
[16]- صدر قانون التحكيم الأردني رقم 2001، 31، ونشر في الجريدة الرسمية، عدد 4496، في 16-7-2001.
[17]- د. عبد الهادي عباس ود. جهاد هواش، التحكيم، المكتبة القانونية، دمشق، الطبعة الثانية، 1997، ص.40، وللمزيد من المعلومات عن اتفق التحكيم.
اترك تعليقاً