ما المقصود بالمسألة العمرية في الميراث طبقاً للقانون المصري؟
«المسألة العمرية».. تدلل على أن باب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة، لأن أحكام التشريع ثابتة ومحدودة لكن حوادث الدنيا متجددة وغير متناهية، فكلما استجدت مسألة ولم يجد لها الفقيه حلاً في الكتاب والسنة وعمل الصحابة فإن عليه أن يجتهد ليجد الحل في إطار من المبادئ الرئيسية في التشريع دون افتئات على الثوابت والأصول.
والمسألة العمرية خير دليل على ذلك فقد يترتب على التطبيق الحرفي لقواعد الميراث في بعض المسائل خروج عن الأصل وهنا يتحتم على الفقيه المجتهد أن يجد الحل دون الخروج على الثوابت والأصول، وخير دليل على ذلك المسألة العمرية.
العمريتان:
المسألة العمرية في الواقع هي أكثر من مسألة، ولكن أشهرها ميراث الأخوة لأم مع الأخوة الأشقاء، في حالة وجود أحد الزوجين، والأم؛ فالأصل أن الإخوة لأم يرثون الثلث فرضاً أما الأخوة الأشقاء فهم يرثون بالتعصيب أي يستحقون باقي التركة بعد أصحاب الفروض- بحسب «الصادق».
فعرضت على عمر رضي الله عنه مسألة كان فيها للمتوفاة زوج، وأم، وعدد من الإخوة لأم، وإخوة أشقاء ذكورًا وإناثًا، ففي هذه الحالة يكون: للزوج النصف لعدم وجود الفرع الوارث، وللأم السدس لوجود عدد من الإخوة، وللإخوة لأم الثلث لوجود عدد منهم، ولا يوجد من يحجبهم، وللإخوة الأشقاء باقي التركة تعصيبًا.
فلو فرضنا أن التركة كانت (ستة آلاف) فالزوج له النصف (3) ، وللأم السدس (1) ولـلإخوة لأم الثلث (2) ، وحين إذن لا يبقى للأخوة الأشقاء شيء.
ولما كان الأخوة الأشقاء (من الأب والأم) هم في ذات الوقت يشتركون مع الأخوة لأم في والدتهم فكان هذا الحل يثير مشكلة فكيف يحرم الأخوة الأشقاء (من الأب والأم) من الميراث برغم أن صلتهم بالمتوفاة أقرب؟
ولما رفعت-الكلام لـ«الصادق»- هذه المسألة لعمر رضي الله عنه صدر بشأنها عن عمر رضي الله عنه حكمان مختلفان في زمنين مختلفين في الأولى قسم التركة بين الزوج والأم والإخوة لأم، فأعطى الزوج النصف، والأم السدس، والإخوة لأم الثلث ولم يتبقى للأخوة الأشقاء شيء.
ولما رفعت إليه بعد عام فأجاب فيها بهذه الإجابة راجعته الأخت الشقيقة، وقالت له: كيف يرث إخوة الميت من أمه ولا يرث إخوته من أمه وأبيه؟ فاستشار عمر (رضي الله عنه) الصحابة وجمعهم وظلوا يتحاورون في المسألة.
وانتهى عمر (رضي الله عنه) ومعه بعضهم إلى إشراك الأشقاء مع الإخوة لأم على اعتبار أنَّ الجميع أولاد أم واحدة، ونسيان علاقة الأبوة، وبقي بعض الصحابة على الرأي الأول، فسميت هذه المسألة عمرية، ولها أسماء أخرى كثيرة.
وهناك صورتان أخريان في ميراث الأم حال وجود الأب وأحد الزوجين، فالأصل في ميراث الأم أنها ترث ثلث التركة إذا لم يكن للميت ولد ولا إخوة. لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُس).
في الصورة الأولى : توفيت امرأة عن: زوج وأم وأب.
فيكون للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأب الباقي تعصيباً.
فإن كانت التركة ستة آلاف كان للزوج (ثلاثة) وللأم (اثنان) وللأب الباقي (واحد).
وبذلك يكون نصيب الأم ضعف نصيب الأب وهنا تختل القاعدة لأنهما في درجة قرابة واحدة من المتوفى لذلك أفتى عمر في هذه الصورة بأن ترث الأم ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين الموجود، ولا ترث ثلث المال كله .
فيكون للزوج النصف، وللأم ثلث النصف الباقي، وللأب الباقي، فيكون للزوج (ثلاثة) وللأم (واحد) وللأب الباقي (اثنان) .
في الصورة الثانية :
توفي رجل عن : زوجة وأم وأب.
فيكون للزوجة الربع، وللأم الثلث، وللأب الباقي.
ويكون أصل المسألة من (6) للزوجة (1.5) وللأم (2) وللأب الباقي (2.5).
وفي هذا المثال أيضاً يكون نصيب الأب قريب من نصيب الأم برغم أنهما في درجة واحدة من المتوفى فأفتى عمر بأن يكون للزوجة الربع ، وللأم ثلث الباقي بعد ربع الزوجة، وللأب الباقي .
ويكون أصل المسألة من (أربعة) للزوجة (واحد) وللأم (واحد) وللأب الباقي (اثنان) .
قال ابن قدامة رحمه الله: «هاتان المسألتان تسميان العمريتين: لأن عمر رضي الله عنه قضى فيهما بهذا القضاء، فاتبعه على ذلك عثمان، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وروي ذلك عن علي وبه قال الحسن، والثوري ومالك، والشافعي، رضي الله عنهم، وأصحاب الرأي، وجعل ابن عباس ثلث المال كله للأم في المسألتين: لأن الله تعالى فرض لها الثلث عند عدم الولد والإخوة، وليس هاهنا ولد ولا إخوة».
واحتج ابن عباس بعموم قوله تعالى: (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث )، وبقوله عليه السلام: ( ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر )، والأب هاهنا عصبة: فيكون له ما فضل عن ذوي الفروض، كما لو كان مكانه جد، والحجة معه لولا انعقاد الإجماع من الصحابة على مخالفته، ولأن الفريضة إذا جمعت أبوين وذا فرض، كان للأم ثلث الباقي، كما لو كان معهم بنت ويخالف الأب الجد: لأن الأب في درجتها، والجد أعلى منها.. «انتهى من المغني». (6/172).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً