كثرة القوانين أو قلتها أيهما أنفع ؟
في بداية عملي في المحاماة كنت أتعاطف مع كل خطأ بضرورة سن نظام أو بالمطالبة في وجود تشريع مع الزمن لاحظت ان الأنظمة تستحدث والأخطاء تتضاعف ” هيئة الامر بالمعروف هيئة مكافحة الفساد هيئة الحياة الفطرية .. ” أغلب الجهات الحكومية التي تبدأ باسم هيئة هي على هيئة عدالة تتعثر في الغالب عن تحقيق الغاية . مع الوقت تبادر لذهني السؤال أيهما أنفع كثرة القوانين أو قلتها مع البحث وجدت الكثير مما كتب في هذا أشهرها مقولة لعلي عزت بيجوفيتش – أول رئيس جمهوري لجمهورية البوسنة والهرسك – قال مرة : (إن كثرة القوانين في مجتمع ما وتشعبها والتعقيدات التشريعية علامة مؤكدة على وجود شيء فاسد في هذا المجتمع، وفي هذا دعوة للتوقف عن إصدار مزيد من القوانين والبدء في تعليم الناس وتربيتهم. فعندما يتجاوز الفساد في بيئة ما حدا معينا يصبح القانون عقيما فيسقط في أيد فاسدة من منفذي العدالة أو يصبح خاضعا للتحايل الظاهر والخفي من جانب بيئة فاسدة). أحيانا تعتقد بصحة الرأي الذي ذهب إليه علي عزت بيجوفيتش بالتحذير من كثرة سن القوانين ولكنك حينما تقرأ عن بعض البلدان المتقدمة وكيف تسن القوانين فيها بكثرة متناهية وتحقق أيضا نتائج ممتازة تعيد النظر فمثلا البرلمان الإيطالي يفرز سنويا أكثر من 180 قانونا مقابل 90 للبرلمان الفرنسي و55 للبرلمان الألماني أما في مصر فبحسب المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة الأسبق، فقد تجاوز عدد التشريعات طاقة رجال القانون كونه وصل إلى 98 ألف تشريع.
فبين التجربة المصرية والتجربة الأوروبية يظهر الرأي الوسط وهو أن القوانين مهمة متى ماكانت عادلة وحكيمة وللشيخ صالح الحصين رحمه أحد أشهر الأسماء التي جمعت بين الفقه والقانون في السعودية وأحد أهم الأسماء التي شاركت في صياغة الأنظمة والتشريعات مقال محبوك عن كثرة القوانين كان عنوانه ( الإسراف في التّقنين .. عامل مؤثّر في وجود الفساد الإداريّ ) أنصحك بالرجوع إليه ولكن بعد إنتهائك من هذا المقال , تطرق فيه كيف أن للقوانين أن تشيع الفساد واستشهد فيه بتجربة الجمارك وكيف نجح الأستاذ فهد الدغيثر آنذاك في إصلاح فساد الجمارك السعودية التي كانت تحتل المركز الأول كأسؤ مصلحة جمارك في الشرق الأوسط وذلك من خلال سن ضوابط إجرائية مختصرة جدا لم تتسبب في طرد أي من الموظفين لتعيد الجمارك وتصبح في مراكز متقدمة بسبب تنفيذها الضوابط الموجودة وليس سن أشياء جديدة طويلة كانت فكرة الشيخ صالح الحصين تختصر فكرة واحدة هي أن القانون عند صدوره لابد أن يكون ( عادلا للجميع , وحكيما فلا يضر أحد , ومناسبا لكل الأوقات , وأن يكون بالإمكان تنفيذه ) هذه الشروط لإصدار القواعد القانونية هي الفصل في اختصار الخلاف القائم بين الكثرة والقلة بين الزيادة والنقصان في سن القوانين أو قلتها .
ولازال الجدل قائما في السعودية حول سن كثير من الأنظمة ( رسوم الأراضي – التحرش – الكراهية .. ) وغيرها من القضايا الاقتصادية أو الاجتماعية ومنشأ الخلاف فيها غالبا لايخرج عن هذا الإطار . وحول هذا الأمر ذكر المشروع الدولي للعدالة، حينما استطرد في حديثه عن مشاكل الفساد في الدول العربية ومصر خصوصا موضحا أن المشكلة في مصر ليست في نقص التشريعات اللازمة لمكافحة الفساد ولكنه فشل الدولة في انفاذها فنادرا ما يعاقب موظفو القطاع الحكومي مبينا المركز أن الدراسات التي تم جمعها في عام 2012 تشير إلى أن موظفي الحكومة قد يفلتون من العقاب في 19% من الحالات إذا ضبطوا في قضية تلقي رشوة بينما لا يتم الانتهاء من التحقيقات في 41% من القضايا.
هذا الخرق المتكرر في غالب الدول العربية للقاعدة القانونية التي نصت أنه لابد أن تفعل قاعدة الجزاء وإلا كانت بلا جدوى هو مايجعل القوانين والأنظمة تتوالد بشكل هيستيري مقلق وتجعل المحامون يركضون من قانون لقانون لضبط المتهم من دون أية فائدة . وفي ظل السجال بين كثرة القوانين وقلتها قامت بعض الأحزاب والمنظمات في أوروبا في محاربة هذا التوسع ففي عام 2007 تكون ائتلاف لعدد من قطاع الأعمال والناشطين في سويسرا يخصّص جائزة لما يعتبرونه “القانون الأغبى والأقل جدوى”، رغبة منهم في لفت انتباه الرأي العام نحو سياستهم الهادفة إلى التخفيف من وطْـأة الحكومة في كثرة سن القوانين كان مبتكر هذه المبادرة صاحب مطعم سويسري إسمه روجر كريستيلر، كان يُدير محلاّ صغيرا لإعداد الفطائر في ساحة عامة وسط العاصمة برن، لجأ إلى القضاء، لدرجة أنه وصل إلى غاية المحكمة الفدرالية، أعلى هيئة قضائية في البلاد، للإعتراض على قانون اعتمدته السلطات المحلية يحظر على محلات الوجبات السريعة استخدام الأطباق المُصنّعة من الورق المقوّى، بحجّة الحد من كمية النّفايات في الأماكن العامة.
ورغم أنه خسر القضية في هذه المرافعة إلا أنه أنشأ هذا الحزب الذي يقوم على فكرة أن “كثرة التشريعات ربما تقوّض مصداقية الدولة” ومع تطور الحياة وسرعتها و تدفق الخير والشر والمصالح والمشاكل بات على مجلس الشورى والبرلمانات العربية أن تأخذ في الحسبان مثل هذه الظاهرة وما إن كان سن القانون إنجازا أو مشكلة حلا أو عقبة وهذا الأمر لا يتحقق إلا بالدراسة المتعقلة البعيدة عن عواطف الناس وضغوطات المجتمع فما يميز رجل البرلمان والقانون هو قدرته على تحقيق أهداف الناس بالطريقة الصحيحة وليس بالطريقة التي يرغبونها ! فالإنجاز الحقيقي للحكومة ليس في كثرة القوانين ولا مضاعفة الضوابط ولا كمية التشريعات إنما بنوعية مايصدر منها حتى لو كان الأمر بإلغاء قوانين سابقة وعقيمة ربما كانت هي مصدر المشكلة ومكمن البلوى . المشوح
فيصل المشوح
المحامي والمستشار القانوني
fisalam @
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً