في جواز بيع الولي أو وصيه عقار الصبي من دور و أرض زراعية وغيرها خلاف في المذاهب
( الحنفية – قالوا : يجوز للأب أن يبيع ماله لابنه الصغير ويشتري منه لنفسه . فإذا باع الأب لابنه الصغير أو اشترى منه فإنه لا يشترط لتمام ذلك العقد الإيجاب والقبول على الصحيح فلو قال : بعت هذا العقار ونحوه من ولدي صح وإن لم يقل قبلت شراءه وإنما يصح هذا البيع والشراء إذا كان بمثل قيمته أو بغبن يسير يقع عادة بين الناس فإن كان بغبن فاحش فإنه لا يصح . وينفذ البيع إذا أجازه القاضي . فإن رأى القاضي أن نقض البيع خير للصبي كان له نقضه . والثمن الذي اشترى منه الأب لا يبرأ منه حتى ينصب القاضي وكيلا عن الصغير فيقبضه من أبيه ثميرده إليه فيكون وديعة من ابنه في يده
إذا باع الأب لابنه الصغير دارا وهو فيها ساكن لا يصير الابن قابضا حتى يخليها الأب ويستلمها أمين القاضي فإن عاد الأب إليها ثانيا فسكنها هو أو أهله فإنه يكون غاصبا إذا كان موسرا
وكذلك يجوز للأب أن يبيع مال الصغير للأجنبي فإذا كان المال عقارا ثابتا كالدور والأراضي الزراعية وغيرها فإنه يجوز بشرطين :
الأول : أن يكون بمثل القيمة فأكثر
الثاني : أن يكون الأب محمود السيرة بين الناس أو مستور الحال أما إذا كان سيء السيرة فإن البيع لا يجوز ولو كان بمثل القيمة على الصحيح . أما إذا كان المال منقولا وكان الأب سيء السيرة فإنه يجوز بيعه إذا كان في مصلحة الصغير على الأصح وإذا باع الأب مال الصغير وقبض بعض الثمن فإن له الحق في استرداد المبيع وحبسه تحت يده حتى يقبض كل الثمن
أما الوصي فإنه يجوز أن يبيع ماله للصغير القائم عليه ويشتري من الصغير لنفسه على قول الإمام . وقال صاحباه : لا يجوز . وعلى القول بجوازه فإنه يشترط له أمران : الشرط الأول : أن يكون فيه خير للصغير وفسرت الخيرية بأن تزيد السلعة التي يشتريها الوصي من الصغير الثلث عن مثلها إذا اشتراها من غيره فلو كان يشتريها بعشرة من غير الصغير فإنه يلزم أن يشتريها من الصغير بخمسة عشر فإذا نقص عن ذلك لا يكون في شرائه خيلا فلا يجوز . وكذلك إذا باع للصغير سلعة من ماله فإذا كان يمكنه أن يبيعها بخمسة عشر فلا يصح بيعها للصغير إلا بعشرة فقط
الشرط الثاني : أن يشتمل العقد على الإيجاب والقبول بأن يقول : بعت للصغير وقبلت الشراء بخلاف الأب فإنه لا يشترط فيه القبول كما تقدم
وأما بيع الوصي مال الصغير من أجنبي فإنه يصح إذا تحقق واحد من أمور ثلاثة :
الأول : أن يبيع بضعف قيمته
الثاني : أن يكون للصغير حاجة إلى ثمنه
الثالث : أن يكون على الميت دين لا وفاء له إلا بهذا المبيع
وهذا هو الذي عليه الفتوى وينفذ بيعه إذا أجازه القاضي وله رده إن كان الرد خيرا كما تقدم في الأب
وإذا باع الوصي مال اليتيم وأجل قبض الثمن فإذا كان التأجيل طويلا بأن لا يباع مثل هذه السلعة بهذا الأجل فإن البيع لا يجوز وكذلك إذا باعه بأجل قصير يمكنه حصوله في مثل ذلك ولكن يخشى أن ينكر المشتري الثمن أو يضيع عليه فإنه لا يجوز . أما إذا كان الأجل قصيرا والثمن مضمونا فإنه يجوز
وإذا أراد شخص أن يشتري مال الصغير بألف مثلا إلى أجل فجاء آخر وزاد على الأف مائة فإن كان الأول ذا مال أكثر من الثاني فإن على الوصي أن يبيع للأول لزيادة الضمان ولا يبالي بزيادة المائة
وإذا أقام شخص وصيا ثم مات عن أولاد كبار فماذا يكون عمل الوصي في هذه الحالة ؟ والجواب أن ذلك يشمل صورا :
الصورة الأولى : أن تكون تركه الميت خالية من الدين . وأن يكون الأولاد الكبار المذكورين حاضرين وفي هذه الصورة لا يكون للولي عمل في التركة أصلا وإنما يكون له عمل إذا كان للميت دين على الغير فإن للوصي أن يحصل ذلك الدين ويعطيه لأولاد الميت الوارثين
الصورة الثانية : أن يكون على الميت دين مستغرقا لجميع تركته وفي هذه الصورة يكون للوصي عمل في التركة وهو بيعها جميعها لتسديد ذلك الدين وكذلك إذا كان الدين مستغرقا لبعض التركة فإن الوصي يبيع من التركة بقدر الدين إلا إذا قدر الورثة على قضاء الدين فإن الوصي لا يكون له عمل
الصورة الثالثة : أن يكون الميت قد أوصى بثلث ماله أو أقل فإن عمل الوصي بيع ما ينفذ به الوصية إلا إذا نفذها الورثة فإنه لا يكون له عمل
الصورة الرابعة : أن يكون الورثة غائبين في جهة تبعد ثلاثة أيام فإذا كانت التركة خالية من الديون والوصية فإن للوصي أن يبيع المنقولات وليس له أن يبيع العقار الثابت ولو خيف عليه الهلاك على الأصح . وكذلك إذا كانت التركة مشغولة بالدين فإن له أن يبيع المنقولات فقط سواء كانت قدر الدين أو أكثر
ومثل وصي الأب وصي وصيه . ووصي الجد ووصي القاضي ووصي وصيه ووصي القاضي كوصي الأب إلا في شيء واحد وهو : أن القاضي إذا جعل أحدا وصيا في نوع فإنه لا يصح له أن يتعداه أما الأب فإنه إذا جعل أحدا وصيا في نوع كان وصيا في الأنواع كلها . هذا وليس للقاضي أن يبيع ماله من اليتيم أو يشتري لنفسه
المالكية – قالوا : يجوز للأب أن يبيع ماله لولده الصغير ويشتري منه بشرط أن يكون ذلك في مصلحة الصغير فإن كان لمصلحة الأب فإن البيع يفسخ ويرد المبيع إن كان باقيا على حاله . أما إذا ضاع أو تغير حاله فإن الأب يغرم قيمته لا فرق في ذلك بين أن يكون الأب موسرا أو معسرا
وكذلك يجوز للأب أن يبيع مال ولده الصغير ” ومثله السفيه ” للأجنبي بدون سبب من الأسباب التي سيأتي ذكرها في الوصي لا فرق أن يكون مال الصغير عقارا للأجنبي بدون سبب من الأسباب التي سيأتي ذكرها في الوصي لا فرق أن يكون مال الصغير عقارا ثابتا أو غيره بشرط أن يكون ذلك البيع لمنفعة الصغير وليس له اعتراض عليه بعد رشده إذا كان ذلك . أما إذا باعه لمنفعة نفسه فإنه يفسخ كما تقدم
ولا يجوز للوصي أن يبيع مال الصغير الذي له عليه ولاية إلا إذا تحقق واحد من أمور :
الأول : أن يكون البيع لحاجة كنفقة أو وفاء دين لا قضاء له إلا من ثمن المبيع
الثاني : أن يبيعه بزيادة الثلث على ثمن المثل فأكثر ويشترط أن لا يكون الثمن مالا حراما معروفا أنه حرام . أما المال المجهول أصله فهو في حكم الحلال
الثالث : أن تكون العين المباعة بدل حكر فأراد الوصي أن يبيعها ليشتري بدلها عينا خالصة من الحكر إلا إذا كان ريعها أكثر من غيرها فإنه لا يصح له بيعها في هذه الحالة
الرابع : أن تكون حصة في دار أو أرض أو نحوهما فيصح له أن يبيعها ويستدل بها غيرها تخلصا من ضرر الشركة
الخامس : أن يكون ريعها قليلا أو لا ريع لها أصلا . فتباع ويستبدل بها عينا فائدتها أكثر
السادس : أن يكون له منزل يسكنه بين جيران سوء يخشى ضررهم في الدين أو الدنيا فيباع ويستبدل به منزل بين جيران صالحين
السابع : أن يكون له شريط في عين ويريد شريكه أن يبيع العين ولا مال له يشتري به حصة الشريك ولا يمكن قسمة العين فيصح بيعها وإن لم يستبدل بها غيرها
الثامن : أن يخالف خراب داره ونحوه ولا مال له يعمره به إذا خرب فيبيعه ونحو ذلك
التاسع : أن يكون له دار يخاف خرابها وله مال يمكن تعميرها به ولكن بيعه أولى من تعميرها
العاشر : أن يخشى على العين من ظالم كما إذا كان له أرض بين قوم يقبضونها أو يعتدون على ريعها ولم يستطع ردهم فلا يجوز للوصي الذي أقامه الأب أن يبيع عقار الصغير القائم عليه إلا لسبب من هذه الأسباب . وهل يصدق بمجرد ذكر السبب بلسانه أو لا يصدق بل لا بد من إقامة البينة على ذلك ؟ خلاف . بخلاف الأب فإنه لا يلزم ببيان السبب بل يحمل فعله على السداد كما تقدم . وليس للوصي أن يهب مال اليتيم بعوض ” هبة الثواب ” . أما الحاكم أو وصيه الذي أقامه فإن له أن يبيع مال اليتيم الذي لم يجعل له أبوه وصيا عنه إذا دعت الضرورة إلى بيعه . بشروط :
أحدها : أن يثبت يقتمه
ثانيها : أن يكون مهملا أي لم يعين له أبوه وصيا حال حياته
ثالثها : أن يثبت ملك اليتيم لما يراد بيعه بأن يشهد شاهدان فكثر بأن هذا العقار مملوك للصغير
رابعها : أن يرسل القاضي جماعة يعاينون هذا العقار ويبحثونه من الداخل والخارج ثم يشهدون أمام القاضي أو أمام من يرسله القاضي من طرفه بأن هذا العقار الذي عاينوه هو ما شهد به أمام القاضي أنه مملوك للصغير . وإذا أبانت البينة الأولى حدود العقار ووصفته وصفا كاملا يستغنى بها عن بينة المعاينة وتسمى بينة ” الحيازة ”
خامسها : أن يشهر المبيع وينادي عليه ويعلن عنه
سادسها : أن لا يوجد مشتر يرغبه بزيادة على الثمن الذي أعطي فيه
سابعها : أن يكون الثمن المثل فأكثر
ثامنها : أن يكون عينا فلا يصح أن يكون عرض تجارة لجواز أن يطرأ عليه رخص فيضر بمصلحة الصغير
تاسعها : أن يكون حالا لا مؤجلا خوفا من أن يفلس صاحبه فيضيع على الصغير
عاشرها : على القاضي أن يذكر في السجل الذي فيه الوقائع التي حكم فيها أسماء الشهود بأن يذكر في السجل ثبت عندي بشهادة فلان وفلان يتم هذا الصغير وبشهادة فلان وفلان أنه مهمل فلم يقم له أبوه وصيا وبشهادة فلان وفلان أنه مالك لمحل كذا الخ
ومن هذا تعلم أن الحاكم لا يجوز له أن يبيع مال الصغير إلا إذا كان يتيما لا أب له ويقيم له أبوه وصيا ويعبرون عنه بالمهمل . ويشترط لصحة البيع أن يكون لسبب الحاجة لا غير . أما الأسباب الأخرى التي يبيع من أجلها الوصي فإنه لا يصح للقاضي ولا لوصيه أن يبيع من أجلها
فيتحصل من ذلك كله أن الأب يبيع بشرط مصلحة الصغير بلا شرط ولا قيد بعد ذلك والوصي الذي أقامه الأب يبيع لسبب من الأسباب التي ذكرت آنفا والحاكم ووصيه لا يبيعان إلا لسبب واحد وهو الحاجة من نفقة أو سداد ولا وفاء له إلا من ثمنه بالشروط التي ذكرت
هذا وللولي أن يأخذ بالشفعة للقاصر وله أن يترك ذلك حسب المصلحة
الشافعية – قالوا : ويجوز للولي أن يبيع العقار المملوك لمن له عليه ولاية كالدور والأراضي الزراعية ونحوها إذا احقق أحد أمرين :
الأول : أن تدعو الحاجة إلى بيعه كنفقة وكسوة لم تف غلة ملكه بهما
الثاني : أن تكون في بيعه مصلحة ظاهرة للمحجور عليه وذلك بأن تكون صفقة البيع رابحة بأن يبيع بأكثر من ثمن مثله ويمكن الحصول على مثله ببعض الثمن الذي بيع به فإذا لم يوجد واحد من هذين فلا يجوز للولي أن يبيع العقار المملوك للمحجور عليه ومتى تحقق ما ذكر فإنه يصح له أن يبيعه بالنقد وأن يبيعه لأجل ولكن بشرط أن يكون الثمن في حالة البيع لأجل أكثر مما إذا كان البيع نقدا . وعلى الولي أن يعمل ما يحفظ الدين من التوثق فيشهد على البيع ويرتهن به رهنا وافيا فإذا أهمل ذلك كان عليه ضمان الثمن
وعلى كل حال فيجب على الولي أن يتصرف بما فيه مصلحة المحجور عليه
الحنابلة – قالوا : ليس للولي أن يشتري من مال الصغير والمجنون شيئا لنفسه ولا أن يرهن شيئا إلا إن كان أبا فإن له أن يفعل ذلك لأن الأب بطبعه يسعى في مصلحة ابنه فهو لا يفعل إلا ما فيه حظه بخلاف غيره . ويجوز للولي سواء كان أبا أو غيره أن يبيع عقار المحجور عليه لمصلحة ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله وأنواع المصلحة كثيرة :
ومنها : الحاجة إلى نفقة أو كسوة أو قضاء دين ونحو ذلك مما لا بد للصغير أو المجنون بشرط أن لا يكون عند المحجور عليه ما تندفع به الحاجة سوى المبيع
ومنها : أن يخاف على العقار الهلاك بغرق أو خراب أو نحو ذلك
ومنها : أن يكون في بيع العقار صفقة رابحة للقاصر كأن يباع بزيادة كثيرة على ثمن مثله ولا تتقيد بالثلث
ومنها : أن يكون العقار في مكان لا ينتفع به كأن يكون في حي غير عامر أو قذر فيبيعه ليشتري عينا في جهة آهلة بالسكان أو جهة ترتفع فيها الأجرة
ومنها : أن يرى الولي عينا تباع بسعررخيص لا يمكن شراؤها إلا ببيع العقار
ومنها : أن يكون ساكنا في دار بين جيران سوء فيصح بيعها وشراء دار غيرها )
اترك تعليقاً