البصمة الوراثية وحجيتها في إثبات النسب
القاضي علي كمال
إن موضوع البصمة الوراثية من المواضيع المهمة في مختلف المجالات ، وذلك مصداقاً لقولة تعالى (( سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربكم انه على كل شي شهيد )) فلقد اثبت العلم الحديث وبفضل من الله سبحانه وتعالى وما توصل اليه الإنسان بعد دخول حقل الاكتشاف العلمي وامتلاك الاجهزة الحديثة والتقنيات المبتكرة على احسن النظم والقوانين وتبحر حشد كبير من الباحثين في بحور العلم بكافة مجالاته ما اشتمل عليةه من حقائق علمية ومسائل كونية مستقبلية يتجدد اكتشافها الى قيام الساعة ليثبت امام البشرية ما توصل اليه العلم الحديث.
وقد اشار القران الكريم الى اهمية النظر والبحث في اسرار النفس الانسانية والكون كله فقال تعالى (( وفي الارض ايات للموقنين * وفي انفسكم افلا تبصرون * وفي السماء رزقكم وما توعدون * فورب السماء والارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون )) ونجد ان موضوع النسب واثباته موضوع خطير وحساس لما يترتب عليه من نتائج خطيرة تؤثر على المجتمع وعلى العلاقات الاجتماعية فكان حريا بالاسلام ان يهتم بالنسب ويعظم امره ويجل شأنه وينشئ له من الاسباب ما يحقق هدفه من تكوين الاسرة المستقيمة المترابطة التي تشعر بالعزة وتبعدها عن الاهواء من الاضافة والحذف لاعضائها الشرعيين لذلك عملت الشريعة الاسلامية على حفظ الانساب من الضياع والكذب والتزييف وجعلت ثبوت النسب حقا للولد يدفع به نفسه من الضياع وحقا لامه تدرأ به عن نفسها الفضيحة والفحشاء وحقاً لأبيه يحفظ به نسبه وولده عن كل دنس وريبة حتى تبني الاسرة وتوجد القرابة على اساس متين يربط افرادها رباط قوي متين من دم واحد واصل مشترك ومعنى النسب هو الحاق الولد ( الذكر او بنت ) بابيه وما يترتب على ذلك من الالتزامات من عطف الاب على الولد وتربيته وتعليمه حتى يبلغ اشده ومن احترام الولد للاب ورعايته في شيخوخته والتوارث فيما بينهما وكذلك حق الولد في حمل جنسية أبيه.
ولما كان نسب الولد من امه ثابت في كل حالات الولادة شرعية ام غير شرعية فان ثبوت او نفي نسب الولد من ابيه لم يجعل المشرع له أسبابا الا في حالات معينة وحالات النسب هي ثبوت النسب بالزواج وبالاقرار وبالبينة او نفيه باللعان وفي وقت الحاضر اصبحت البصمة الوراثية من بين ادلة اثبات النسب وقد حث العلم على الاخذ بكل ما يثبته بالعقل والعلم بالتالي يجب الاخذ بهذه الطريقة أيضا رغم انها لم تكن من بين ادلة اثبات النسب ونفيه الواردة في الشريعة الاسلامية كونها غير معروفة في ذلك الوقت اذ تم اكتشافها حديثاً بالتالي ليس هناك مبرر في عدم الاخذ بها في وقتنا الحاضر بحجة عدم ذكرها في الشريعة الاسلامية مع كل هذا التقدم العلمي الرهيب وكل مجالات الكون والانسان والحياة لم يظهر اي تناقض بين قول الهي ثابت في الكتاب والسنة الصحيحة وبين قاعدة وحقيقة عليمة ثابتة بل ان القران الكريم قد تطرق الى مجموعة من الحقائق العلمية اكتشف بعضها العلم الحديث فوجدها في غاية من الدقة سواء كانت في مجال مراحل الأجنة وكيفية خلقها او في مجالات كيفية خلق الكون واصله وعناصره الأساسية ونحو ذلك وهذا دليل اخر على وجود الله تعالى وصدق رسالته.
وعلى الرغم من تقدم العلم وظهور المشكلات المعاصرة وهذا دليل آخر على صلاحية هذه الشريعة لكل زمان ومكان على شموليتها وقدرتها على البقاء والاستمرار ومواكبة العصر مهما تطور وتقدم ومن اجلى مظاهر العناية بالنسب في الإسلام.
ان الله تعالى امتن على عبادة بان جعلهم شعوباً وقبائل لتعارفوا قال عز وجل (( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير )) ولا تتحقق معرفة الشعوب والقبائل وما يترتب على ذلك من تعارف وتالف الا بمعرفة الانساب وحفظها عن الاشتباه والاختلاط ومن اجل ذلك عنى الاسلام ايما عناية بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة ضماناً لسلامة الانساب فحرم الاسلام كل اتصال جنسي لا يتم على اصول شرعية يحفظ لكل من الرجل والمرأة ما يترتب على هذا الاتصال من اثار وما ينتج عنه من اولاد وابطال جميع انواع العلاقات التي تعارفت عليه بعض الامم والشعوب التي انحرفت عن شرائع الله السوية ولم يبح الاسلام سوى العلاقة القائمة على النكاح الشرعي بالشروط المعتبرة او بملك اليمين الثابت لذا قال عز وجل ( والذين هم لفروجهم حافظون * الا على أزواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون).
وقد فرضت الوسائل العلمية الحديثة نفسها في اثبات قضايا النسب والتي لم تكن معروفة من ضمن الادلة الساندة في الشريعة الاسلامية والقانون واثبتت وجودها من خلال اهميتها في قضايا النسب حيث شهد القرن العشرون تطورا سريعا في علوم التكنولوجيا عامة وفي مجال الطب خاصة وكان لهذا التطور الاثر الواضح في مجال الاثبات القضائي الذي تجسد بشكل واضح من خلال تطور العلوم البيولوجية واكتشاف الجينوم البشري الذي كان من اهم نتائجه البصمة الوراثية فهي بدون شك كشف علمي خطير لا يتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية وقواعدها فهي احدى نتائج علم الوراثة وهو علم جديد ظهر في بداية القرن العشرين.
وتعتبر مسالة البصمة الوراثية ومدى الاحتجاج بها من القضايا المستجدة التي اختلف فيها فقهاء العصر وتنازعوا في المجالات التي يستفاد منها وتعتبر فيها حجة يعتمد عليها كليا او جزئيا وقد شاع استعمالها في الدول الغربية وقبلت بها عدد من المحاكم الاوربية وبدا الاعتماد عليها مؤخرا في البلدان الإسلامية في ظل التقدم العلمي الكبير فالبصمة الوراثية هي محقق الهوية الأخير بها يعرف الانسان نفسه التي تتميز بصفاتها وتكوينها عن سائر الأنفس وعلاقته بالعائلة الإنسانية وبالمتسببين في وجوده.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً