صلاحية الشعبه في نظر القضية المستأنفه مجدداً بعد الإعادة وفقا للقانون اليمني والمصري
هذه النقطة البحثية مستمدة من الحكم الإستئنافي الذي تقضي فيه الشعبة برفض الإستئناف موضوعاً وتأييد الحكم الابتدائي ويتعقبه صدور الحكم من المحكمة العليا في مرحلة الطعن بالنقض الذي يقرر في منطوقه نقض الحكم الاستئنافي المطعون فيه وإعادة القضية إلى المحكمة التي أصدرته لنظر القضية والفصل فيها مجدداً طبقاً للقانون.
*والسؤال المطروح على ضوء ذلك: هل يجوز أن يُعاد نظر القضية والفصل فيها من نفس الهيئة التي أصدرت الحكم الإستئنافي المقرر إلغاؤه ونقضه بحكم المحكمة العليا؟ أم أن الحكم السابق صدوره من ذات الهيئة يُعتبر أحد الموانع القانونية لنظرها؟؟؟؟
ومن يتخذ القانون اليمني مصدراً للبحث عن إجابة شافيه لهذا السؤال يدرك حقيقة أن المشرع اليمني وإن كان قد أدرج هذه المسألة ضمن الحالات التي تجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى ويمتنع عليه نظرها وجوباً إلا أن المشرع لم يكن موفقاً في سن هذه الحالة وصياغتها نظراً لما شاب النص القانوني المقرر لها من عيوب التشريع ومثالبه مقارنة بغيره من التشريعات الموجودة في الدول الأخرى.
ولنأخذ بالتشريع المعمول به في مصر كمثال للمقارنة مع التشريع اليمني، فالمقرر بنص المادة (146/5) من قانون المرافعات المصري أن القاضي يصبح ممنوعاً من نظر الدعوى لمجرد أن يكون قد سبق له نظرها قبل ذلك حيث ورد النص القانوني باللفظ الآتي: [… أو كان قد سبق له نظرها].
وفي سياق تعليقه على النص القانوني سالف الذكر يقول الأستاذ الدكتور/ أحمد هندي في كتابه: التعليق على قانون المرافعات طبعة2005م (ج3) ص(258) ما لفظه حرفياً: [إن علة عدم صلاحية القاضي للفصل في الدعوى التي سبق له نظرها قاضياً هي الخشية من أن يلتزم برأيه الذي يشف عنه عمله المتقدم فالعمل الذي يجعل للقاضي رأياً في الدعوى يتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً أخذاً بأن إظهار الرأي قد يدعوه إلى إلتزامه مما يتنافى مع حرية العدول عنه.].
ومع وضوح ذلك النص القانوني المقرر كأصل عام إلا أن المشرع المصري عاد ليؤكد على عدم جواز أن يشترك في نظر القضية بعد إحالتها للقاضي الذي سبق له الإشتراك في إصدار الحكم الأول الذي تم نقضه وإلغائه بحكم الإحالة الصادر عن المحكمة العليا، وقد جاء النص على ذلك في معرض النصوص الخاصة المنظمة للآثار المترتبة على نقض الحكم حيث نصت المادة (269) من قانون المرافعات المصري على أنه: [… ويجب ألا يكون من بين أعضاء المحكمة التي اُحيلت إليها القضية أحد القضاة الذين اشتركوا في إصدار الحكم المطعون فيه].
وعلى النقيض من ذلك فقد جاء قانون المرافعات اليمني معيباً في صياغته للنص القانوني المقرر لهذه المسألة من وجهين:-
#الوجه_الأول: الأخذ بسبق نظر القاضي للدعوى كأحد الحالات المقرر للامتناع الوجوبي مقيدة بقيدين انفرد بهما المشرع اليمني ليقرر أن سبق نظر القاضي للدعوى لا يُعتبر سبباً وجوبياً لإمتناعه عن نظرها إلا متى كان قد إنتهى في نظره لها إلى إصدار حكم فيها وهذا هو القيد الأول كما إشترط أن يكون ذلك قد صدر عن القاضي في محكمة أدنى درجة وهذا هو القيد الثاني الذي وضعه المشرع اليمني معبراً عن ذلك صراحةً بالمادة (128) الفقرة (7) من قانون المرافعات الجاري نصها بالآتي: [… أو كان قد سبق له نظرها قاضياً وحكم فيها في درجة أدنى…].
والمستفاد من النص القانوني أن القاضي لا يعتبر ممنوعاً من نظر الدعوى لمجرد أن يكون قد سبق له نظرها قبل ذلك بل يجب أن يكون قد أصدر فيها حكماً مع لزوم أن يكون الحكم صادراً أثناء ما كان قاضياً في محكمة أدنى درجة كان يكون الحكم السابق صدوره عنه حكماً إبتدائياً أثناء ما كان قاضياً في محكمة أول درجة وعند تعيينه قاضياً في الإستئناف لا يجوز له نظر القضية في مرحلة الطعن بالإستئناف وبمفهوم المخالفة فإن القاضي الذي سبق له الحكم في القضية في مرحلة الطعن بالاستئناف وبعد نقض الحكم وإلغائه من المحكمة العليا وإعادة القضية لنظرها مجدداً فإن ذلك لا يُعد مانعاً قانونياً لنظرها للمرة الثانية طالما وأنه لا يزال قاضياً في الاستئناف وهذا ما يستفاد من النص القانوني أخذاً بمفهوم المخالفة المقرر لدى الأصوليين كوسيلة لإستنباط الأحكام وكان الأحرى بالمشرع اليمني أن يكتفي بسبق نظر الدعوى كسبب لإمتناع القاضي عن نظرها مجدداً كما هو حال بقية التشريعات لا أن يشترط صدور الحكم فيها ومن محكمة أدنى درجة ولم يتوقف المشرع عند إشتراط صدور الحكم وإيراده بصيغة العموم والإطلاق؛ بل جاء مُقيداً لصدور الحكم من القاضي من محكمة أدنى درجه وعلى سبيل التخصيص وذلك ما يُعتبر عيباً تشريعياً أصاب النص القانوني وجعله مدعاة للتفسير والتأويل الذي يخرج النص التشريعي عن غايته الأساسية ويفقده من محتواه فما شرع سبق إصدار الحكم في جانب القاضي كسبب قانوني لإمتناعه إلا حرصاً من المشرع على إبعاد القاضي عن التعصب للرأي الذي إنتهى إليه في حكمه السابق، وهذه العلة تبقى قائمة ما دام القاضي قد سبق له الحكم في النزاع أياً كان نوع هذا الحكم أو الدرجة التي صدر فيها.
#الوجه_الثاني: سكوت المشرع اليمني عن تأكيد هذا السبب ضمن القواعد الخاصة المنظمة لآثار نقض الأحكام وإلغائها في مرحلة الطعن بالنقض.
حيث إكتفى المشرع اليمني ومنح الأخيره المحكمة العليا سلطة نقض وإلغاء الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ومنح الأخير صلاحية الحكم في القضية من جديد والنص على ذلك بالمادة (300) من قانون المرافعات دون أن يتضمن النص الإشارة الى ما يفيد عدم جواز أن تتولى الشعبة التي سبق لها إصدار الحكم المنقوض في إعادة نظر القضية بعد الإحالة ويُعتبر سكوت المشرع اليمني عن ذلك عيباً تشريعياً آخر يُضاف إلى عيب الصياغة التي لحقت بالفقرة (7) من المادة (128) من ذات القانون وكأن المشرع اليمني بتلك الصياغة المعيبة قد أراد حصر الحكم السابق صدوره من القاضي كسبب لإمتناعه عن نظر الدعوى مجدداً في الحكم الذي يصدر عنه في المحكمة الأدنى درجة فيكون ممنوعاً عند نظرها في المحكمة الأعلى درجة وما انتهجه المشرع اليمني بهذا الخصوص يتنافى مع ما أنتهجه الفقه الإسلامي ومع ما قررته التشريعات القانونية الحديثة.
__________
والله من وراء القصد،،،
عبدالعزيز المعلمي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً