رأيى الشخصى
وفقا لموقع قانونى
إن تعدد الجرائم المادي.. أو التعدد الحقيقي؟. هو الذي تتوافر له الاجتماع أو التعدد تعبيراً عن حقيقة الواقع وهذا يعني؟. التعدد الحقيقي للجرائم.. أو اجتماع الجرائم المادي أنه قد توفر لكل جريمة من الجرائم المرتكبة أركانها، وأن هذه الأركان قد توافرت مستقلة في عناصرها عن الأركان التي تقوم عليها كل جريمة من الجرائم الأخرى.فمعيار التعدد الحقيقي هو استقلال الجرائم المرتكبة في أركانها.. واستكمال كل جريمة على حدة جميع أركانها.
إذاً الاجتماع المادي للجرائم هو حالة تعدد الأفعال الجرمية وفقاً للضابط الذي سبق بيانه، أي تعدد التصميمات الإدارية والحركات العضوية. ويعني ذلك أن الاجتماع المادي يفترض استقلال الأفعال الجرمية، فكل فعل له على حدة جميع العناصر المتطلبة لتكوينه، وهو يظل محتفظاً بكيانه ولو افترضنا أن الأفعال الأخرى لم ترتكب. ويفترض الاجتماع المادي كذلك أن الشارع لم يجمع بين الأفعال المتعددة في وحدة قانونية كالوضع في الجرائم المركبة والمتتابعة الأفعال وجرائم الاعتياد. ويفترض تعدد الأفعال الصادرة عن شخص واحد بالضرورة تعدد النتائج الجرمية التي تترتب عليها. وهذا ما أخذت به محكمة النقض السورية بقرارها رقم 876 لعام 987.
وللاجتماع المادي للجرائم صورتان: صورة تتنوع فيها الأوصاف الجرمية للأفعال المتعددة، مثال ذلك شخص يسرق ثم يقترف فعلاً منافياً للحشمة.. وصورة تتعدد فيها الأوصاف الجرمية المتماثلة لهذه الأفعال: مثال ذلك شخص يرتكب قتلاً ثم يعقبه بقتل ثان؟. ففي الصورة الأولى تجتمع جرائم متنوعة.. وفي الصورة الثانية تجتمع جرائم متماثلة.
إلا أن خطة الشارع تقوم على التمييز بين المخالفات من ناحية.. والجنح والجنايات من ناحية أخرى.
فاجتماع المخالفات يستتبع حتماً اجتماع عقوباتها، وهذا ما نصت عليه المادة / 206 / عقوبات بقولها «تجمع العقوبات التكديرية حتماً». وهذه القاعدة مطلقة؟. وإطلاقها مستمد من لفظ «حتماً» الذي ورد في النص السابق، فلا وجود لحد أقصى يلتزم القاضي بألا يجاوزه، وتسري على هذه القاعدة على الغرامة والحبس التكديري على السواء!.. ورأي الدكتور محمود نجيب حسني ص 632 بقوله «وتطبق هذه القاعدة كذلك حين تجتمع مخالفة أو أكثر إلى جانب جنحة أو جناية.. أو عدد من الجنح أو الجنايات، فتجمع عقوبات المخالفة إلى العقوبة.. أو العقوبات التي يحكم بها من أجل جنح أو جنايات، فلا محل لإدغام العقوبات التكديرية فيما بينها وفيما العقوبات الجنحية أو الجنائية» وهذا رأي غارو جـ 3 رقم 992 ص 204.
أما الاجتماع المادي للجنح والمخالفات فقد جعل الأصل في شأنه «إدغام عقوباتهما» فيقضي القاضي بعقوبة لك منهما ولكن تنفيذ العقوبة الأشد دون سواها، إلا أن الشارع لم يطلق هذا الأصل.. بل أجاز «الجمع بين العقوبات المحكوم بها بحيث لا يزيد مجموع العقوبات المؤقتة على أقصى العقوبة المعينة للجريمة الأشد إلا بمقدار نصفها ـ أنظر المادة / 204 / عقوبات». ولقد تبني الشارع نظام «الإدغام» في الأصل يفسره تقديره؟. أن الحكم بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد يعتبر جزءاً كافياً لكل الجرائم المجتمعة.. وهو في ذلك يعتبر هذه العقوبة في حكم لجميع هذه الجرائم. ومن ناحية أخرى فقد قرر الشارع أن توقيع جميع عقوبات الجرائم المرتكبة قد يستحيل في العمل أو يبدو غير متفق مع السياسة السليمة في العقاب؟. لأنه يعني في بعض الحالات استغرق العقوبات السالية للحرية حياة المحكوم عليه.. واستغرق العقوبات المالية ثروته كما سبق وأثرنا.
والقاعدة التي قررها الشارع تعني «إدغام العقوبات» لا إدغام الجرائم: فكل جريمة تحتفظ بذاتيتها وكيانها القانوني.. بل أنه يتعين على القاضي أن يقضي بعقوبة لكل جريمة ثم يردف ذلك بالنص أن العقوبة الأشد هي وحدها التي تنفذ.
وتقود هذه الخطة التشريعية إلى نتيجتين: فمن ناحية إذا عفى عن العقوبة الأشد نفذت في المحكوم عليه العقوبة التالية لها في الشدة المحكوم بها باعتبارها قد صارت العقوبة الأشد!.. وهذه النتيجة ما كان يمكن الوصول إليها إذا اقتصر القاضي على الحكم بالعقوبة الشد فقط، إذ لا يمكن تنفيذ عقوبات أخرى؟. لأن القاعدة أن العقوبة لا تنفذ إلا إذا نطق بها القضاء. وأما النتيجة الثانية فهي أن العقوبات الأقل شدة تعتبر سوابق في التكرير على الرغم من عدم تنفيذها؟. لأن الإدغام لا يعني سقوط الجرائم وهذه النتيجة ما كان يمكن الوصول إليها إذا لم ينطق القاضي بهذه العقوبات.
ويوجه الشارع الخطاب بتنفيذ العقوبة الأشد إلى القاضي، فعليه أن ينص على في حكمه.. ولا يجوز أن يكتفي بالنطق بجميع العقوبات تاركاً لسلطات التنفيذ تحديد العقوبة الأشد على تنفيذها وحدها. فالقاعدة قضائية وليست بتنفيذية.
إلا أن الشارع لم يحصر مذهبه في «الإدغام»… بل أجاز للقاضي الجمع بين العقوبات المحكوم بها، ويفعل القاضي ذلك حين تتبين له خطورة المدعى عليه ودلالة جرائمه المتعددة على عدائه للمجتمع، فيقدر أن العقوبة الأشد لا تكفي جزاء له عن جرائمه.
وعلى هذا النحو فإن المفاضلة نظامي الإدغام والجمع تدخل في نطاق السلطة التقديرية وتجري في الظروف الواقعية لكل حالة. ولم يطلق الشارع قاعدة الجمع بين العقوبات؟. بل وضع قيداً هو ألا يزيد مجموع العقوبات المؤقتة على أقصى العقوبة المعنية للجريمة الأشد إلا بمقدار نصفها.
ولم يقرر الشارع تفرقة بين حالتي اجتماع الجرائم في إجراءات ملاحقة واحدة واجتماعها في إجراءات ملاحقات متعاقبة.. ففي الحالين يكون للقاضي الخيار بين الإدغام والجمع. ولا تثور صعوبة في الحالة الأولى فالقاضي الذي ينظر في الجرائم المجتمعة يقرر الإدغام أو الجمع وقراره في ذلك عرضة للمراجعة بناء على طلب مصلحة.
أما إذا اجتمعت الجرائم في الملاحقات متعاقبة؟. فإن واجب القاضي الذي ينظر في أخر هذه الملاحقات أن يأخذ في اعتباره العقوبات السابقة ويرى في حدود سلطته التي حولها لد القانون، ما إذا كان بقرار الإدغام أو الجمع.
وإذا أغفل هذا القاضي ذلك وجهل هذه العقوبات؟. فإنه يتعين على سلطة التنفيذ أن ترجع إليه وتعرض عليه جميع الأحكام التي سلف صدورها على المدعى عليه.. ولا يشترط أن يكون هذا القاضي هو المختص بأشد الجرائم، لأن الأمر لا يتعلق بفضل موضوع الدعوى.. وإنما بتفسير الحكم وتحيدي العقوبات التي تنفذ بما ينص عليه القانون.
أما العقوبات الفرعية والإضافية والتدابير الاحترازية فقد نصت عليها المادة 207 من قانون العقوبات في قولها «تجمع العقوبات الإضافية والتدابير الاحترازية…» ويقرر هذا النص تفرقة أساسية بين العقوبات الإضافية والتدابير الاحترازية الملحقة بالجرائم الأقل شدة يجب الحكم بها وإن أدغمت عقوبات هذه الجرائم في العقوبة الأشد.. والسبب في ذلك أن هذه العقوبات والتدابير توقع على أي الأحوال؟. أي سواء أدغمت العقوبات الأصلية أو جمع بينها، وتعليل ذلك أن العقوبات والتدابير السابقة ترتبط بالجريمة ذاتها.. لا بعقوبتها الأصلية. ولما كانت الجرائم الأقل شدة تظل محتفظة بكيانها القانوني على الرغم من عقوبتها الأصلية. فإنه يتعين الحكم بعقوبتها الإضافية والتدابير.. لأن الشارع استهدف بذلك أغراضاً لا تتحقق إلا بتنفيذها؟. لأن هذه الأغراض هامة من الوجهة الاجتماعية إذ تجمل غالباً في مواجهة«حالة خطرة» تهدد المجتمع.
إلا أن الشارع أجاز للقاضي القضاء بخلاف ذلك وهو يحتاط بذلك لحالة ما إذا كانت العقوبة الإضافية.. أو التدابير الاحترازية المقرر من أجل الجريمة الأشد. أما العقوبات الفرعية فهي مرتبطة بعقوبة أصلية معينة، فإن وقعت العقوبة الأصلية.. وقعت العقوبات الفرعية المرتبطة بها، وإن أدغمت في عقوبة أشد منها لم توقع هذه العقوبات إذا لم يتوافر سببها القانوني.
وختاماً الجدير بالذكر أنه لا يجوز تطبيق أحكام المادة / 204 / من قانون العقوبات على التدابير الإصلاحية؟. لأن الدغم لا يطبق إلا على العقوبات ولا مجال للدغم بين التدبير الإصلاحي والعقوبة لاختلاف الطبيعة القانونية لكل منهما، ولا يجوز الدغم إلا في العقوبات ويمكن فرض تدبير إصلاحي ينفذ بعد تنفيذ العقوبة «أنظر قرار محكمة النقض رقم 450 لعام 1953 والقرار رقم 985 لعام 1981.
اترك تعليقاً