رأيى الشخصى
الضمان العشري
تقتضي المادة 554 من القانون المدني الجزائري “يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيداه من مباني وأقاماه من منشآت ثابتة ولو كان التهدم ناشئا عن عيب في الأرض ويشمل الضمان المنصوص عليه في الفقرة السابقة ما يوجد في المباني والمنشآت من عيوب يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته”.
وهي تقابل المادة 651 من القانون المدني المصري والمادة 1792 من القانون المدني الفرنسي.
ومن خلال دراسة النصوص السابقة يتبين أن الضمان العشري التزام قانوني يقع على عاتق المهندس المعماري والمقاول في القانون المدني الجزائري والمصري والمهندسين الممارسين المقاولين وكل من يربطهم برب العمل عقد مقاولة يضمن خلاله هؤلاء ما يحدث من تهدم المبنى سوء كليا أو جزئيا خلال مدة تدوم عشر سنوات(20)، وللإلمام بكل عناصر الموضوع يجب دراسته على الشكل التالي:
– المطلب الأول: الطبيعة القانونية للضمان العشري.
– المطلب الثاني: مجال تطبيق الضمان العشري ونظامه القانوني
– المطلب الثالث: دعوى الضمان العشري.
المطلب الأول: الطبيعة القانونية للضمان العشري
أثارت مشكلة تحديد الطبيعة القانونية للضمان العشري جدلا كبيرا في أوساط الفقه والقضاء الفرنسي،حيث اختلف كل من الفقه والقضاء حول تحديد طبيعة مسؤولية مهندس البناء والمقاول في علاقتهما برب العمل، فهناك من يرى أنها مسؤولية تقصيرية والبعض الآخر يرى أنها نوع من المسؤولية العقدية فيما يرى فيها اتجاه ثالث تطبيق خاص للنظرية العامة للالتزام بالضمان.
– الاتجاه الأول: يرى الفقه التقليدي يؤيده في ذلك بعض الشراح المحدثين أنه يتسلم الأعمال ينهي عقد المقاولة في علاقة رب العمل بالمهندس أو المقاول لأن العقد في هذه الحالة يكون قد استنفذ كل آثاره ، فإذا بقي المقاولون أو المهندسون مسئولون بعد تسلم الأعمال من طرف رب العمل فإن ذلك لا يمكن أن يكون إلا بإرادة المشرع لتصبح مسؤوليتهم بعد ذلك مسؤولية قانونية استثنائية.
– الاتجاه الثاني: يتجه أغلبة الفقه الحديث إلى تأييد الطبيعة العقدية للضمان العشري وذلك لأن المعماري الملزم بهذا الضمان سواء كان مقاولا أو مهندسا لا يكون قد نفذ التزامه ما لم يسلم بناءا خاليا من العيوب(21)، فهم عكس أنصار الاتجاه الأول لا يرون في تسلم الأعمال مما يمكن أن ينتهي بذاته عقد المقاولة، وقد استقرت محكمة النقض المصرية على أن مسؤولية المقاول والمهندس عن خلل البناء لا يمكن اعتبارها مسؤولية تقصيرية، أساسها الفعل الضار من جنحة أو شبه جنحة مدنية ولا يمكن اعتبارها مسؤولية قانونية من نوع آخر مستقلة بذاتها عن المسؤولية العقدية المقررة بين المقاول وصاحب البناء بمقتضى عقد المقاولة وإنما مسؤولية عقدية قررها القانون لكل عقد مقاولة(22).
ويفسر Boubli بقاء المهندس والمقاول مسئولين بالضمان رغم تسلم الأعمال في ضوء تحديد محل التزام المدين فيها القيام بعدل تتضمن مرحلتين: مرحلة تنفيذ الالتزام ومرحلة التحقق من فاعلية أو جودة هذا التنفيذ، ومدة المرحلة الثانية هي مدة الضمان الذي يتحمل به المهندس والمقاول(23).
– الاتجاه الثالث: يعرف Gross الالتزام بالضمان في النظرية العامة بأنه: “التزام يضاف في بعض عقود المعاوضة التي تكون هناك فيها محل لخشية الدائن أن ينخدع-في شأن الحقوق التي تؤول إليه من المتعاقد الآخر- إلى بعض الالتزامات التي تنتج من العقد وذلك ليكفل الدائن ضمان النتائج العملية للتنفيذ العادي للاتفاق في نفس الوقت الذي يكفل له تعويضا مجزيا للضرر الذي يصيبه لو أن النتائج لم تحصل بشكل نهائي”.
وبتطبيق هذه الفكرة على علاقة المهندس أو المقاول برب العمل يرى soinne أن تسلم الأعمال من قبل هذا الأخير لا تتم بدون بعض من الغرر أو المخاطر بالنسبة له، بحيث يصعب عليه في الواقع تقدير مدى جودة الأعمال في هذه اللحظة ، ومن ثم فإن الضمان العشري له دور تأمين.
ونستنتج مما سبق أن مسؤولية المشيدين لا تجازي مباشرة بسوء تنفيذهم لالتزامهم بالتشييد طبقا لقواعد فن المعمار وأصوله، فمثل هذه المخالفة تزول بالتسلم وإنما تجازي في الحقيقة “بالتزام خاص بضمان متانة البناء خلال مدة محددة”.
ويرى الدكتور محمد شكري سرور أن الضمان العشري هو أحد التطبيقات الخاصة للنظرية العامة للمسؤولية العقدية، أخضعه المشرع لتنظيم خاص، ليتلاءم وخصوصيات المشكلات العملية التي تطرحها مقاولات البناء ، وليقيم به نوعا من التوازن العادل والمعقول بين طرفي هذا النوع من العقود، وليكفل به قدر من السلامة لروح ممتلكات صاحب البناء لكن تنظيمه التشريعي الخاص لا يغير من طبيعته التي تظل على حد تعبير بعض الشراح –مؤسسة في الأصل- على عقد أسيئ تنفيذه(24).
المطلب الثاني: مجال تطبيق الضمان العشري ونظامه القانوني
أولا/ مجال تطبيق الضمان العشري
يتحدد مجال الضمان العشري بطبيعة الأعمال التي يشوبها عيب سواء في التصميم أو الإنجاز وطبيعة العيوب التي تعطي المجال لأعمال هذا الضمان، بمعنى آخر فإنه يشترط لإعمال الضمان العشري أن يتعلق الأمر بعملية تشييد(25)، وأن تكون الأعمال المشيدة من قبل المباني أو المنشآت الثابتة وأن تتهدم هذه الأعمال سواء كان ذلك كليا أو جزئيا أو يشوبها عيب على درجة من الخطورة.
وقد نصت على ذلك المادة 554 من القانون المدني “يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيداه من مباني أو أقاماه من منشآت ثابتة أخرى…”.
طبقا لهذا النص فإن المهندس أو المقاول يضمنان ما يحدث من تهدم كلي أو جزئي للمباني التي شيداها أو المنشآت الثابتة التي أقامها ، لكن المشرع الجزائري لم يورد أي تفصيل على نوعية المباني التي تدخل في إطار الترقية العقارية محل الدراسة، فقررت المادة 02 من المرسوم التشريعي رقم 93/03 أن النشاط العقاري يشمل على مجموع الأعمال التي تساهم في إنجاز أو تجديد الأملاك العقارية التي يمكن أن تكون محل ذات استعمال سكني أو لإيواء نشاط حرفي أو صناعي أو تجاري، لذا سيخرج من محل الدراسة المباني وأيضا المنشآت الثابتة التي تنص عليها المادة 554 قانون مدني.
ويضاف إلى ما سبق ضرورة وجود عيب على درجة من الخطورة بحيث يؤدي إلى تهدم البناء سواء كليا أو جزئيا أو تهديد متانة البناء وسلامته سواء كان هذا العيب ناتج عن عملية التصميم أو عملية البناء(26).
ويشترط في العيب الموجب لمسؤولية المهندس أو المقاول توفر شرطين: أن يكون العيب على درجة من الخطورة وأن يكون العيب خفي.
1-أن يكون العيب على درجة من الخطورة تؤدي إلى تهدم البناء سواء كليا أو جزئيا أوتهدد متانته وسلامته المادة 554 من القانون المدني.
ونصت المادة 181 من قانون التأمين رقم 95/07 (27)على ما يلي: “يغطي الضمان المشار إليه في المادة 178(ويقصد بالضمان العشري) أعلاه أيضا الأضرار المخلة بصلابة العناصر الخاصة بتجهيز بناية عندما تكون هذه العناصر جزء لا يتجزأ من الإنجاز كل عنصر خاص بالتجهيز لا يمكن القيام ينزعه أوبتفكيكه أو استبداله دون إتلاف أوحذف من مواد هذا الإنجاز”.
ويرى الفقيه hugues périnetأن أعمال البناء يمكن أن تشوبها أضرار عديدة لكنليس كل ضرر يؤدي إلى أعمال الضمان العشري، لذا يجب توفر عيب أو خلل حقيقي(28).
والتهدم هو نقص في البناء وانحلال الرابطة بين أجزائه بأي سبب من الأسباب، إذ قد يكون السبب في عملية التشييد والبناء ذاتها أوعيب في المواد المستعملة أو في الأرض المقام عليها البناء(29).
أما العيب فهو الآفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للمبيع أوهو النقص الذي يشوب الشيء عرضا.
وعرفه الأستاذ عبد الرزاق حسين يس، بأن الخل الذي يحدث بالمبنى والذي تقضي أصول الصنعة وقواعد الفن خلوه منه.
ويجب التذكير في هذا المقام بموجب التفرقة بين عيب البناء وعيب المطابقة(30)، فقد يكون بناء خاليا من كل العيوب إلا أنه غير مطابق للمواصفات المتفق عليها وتبدوأهمية التفرقة في اختلاف الجزاء باختلاف نوع العيب، فإذا كانت عيوب المطابقة تؤدي إلى وجوب إصلاحها فقط فإن عيوب البناء ينشأ عنها الضمان العشري، كما أن خطورة العيب تكون مستقلة عن السبب المؤدي لها وقد ترجع العيوب الموجبة للضمان إلى:
– عيوب البناء أوعيوب عملية التشييد وقد ترجع إلى عملية التصميم أوعيوب الأرض التي تجعل من البناء غير صالحة للغرض ليخصص له(31).
2- أن يكون العيب خفي
و تجدر الإشارة إلى أن هذا الشرط غير منصوص عليه في المواد سابقة الذكر سواء المادة 554 من القانون المدني الجزائري والمادة 651 قانون مدني مصري والمادة 1792 قانون مدني فرنسي وإنما هو من إيجاد الفقه والقضاء.
وقد جاء في أحد الأحكام القديمة لمحكمة النقض المصرية(32) أنه: “يجب لقبول دعوى الضمان العشري أن يكون العيب المدعي في البناء خفيا، بحيث لم يستطع صاحب البناء اكتشافه وقت التسلم أما ما كان ظاهرا ومعروفا فلا يسأل عنه المقاول، ما دام أن رب العمل قد ستلم البناء من غير أن يتحفظ”.
وجاء في حكم آخر بأن: “تسلم رب العمل البناء تسلما نهائيا غير متقيد بتحفظ ما، من شأنه أن يعفي المقاول من عيوب كانت ظاهرة وقت حصول التسلم أو معروفة لرب العمل أما عدا ذلك من العيوب مما كان خفيا لم يستطع صاحب البناء كشفه عند تسلمه البناء فإن التسلم لا يغطيه ولا يسقط ضمان المقاول والمهندس عنه”.
وفي نفس السياق صدرت عدة أحكام قضائية في فرنسا تؤكد اشتراط خفاء العيب سواء في القضاء العادي أو القضاء الإداري.
ويرجع اشتراط خفاء العيب لأعمال المسؤولية العشرية إلى طبيعة عملية تسلم الأعمال(33)، فهي تضع حدا للروابط التعاقدية فيما بين رب العلم والمشيدين وتعتبر بمثابة براءة ذمتهم اتجاه رب العمل متى قبل هذا الأخير تسلم الأعمال دون تحفظات. ومعنى ذلك أن رب العمل قبل بالأعمال بالحالة التي سلمت إليه وهذا القبول يغطي العيوب الظاهرة وعيوب التصميم ، وتبقى العيوب الخفية وحدها مبررا لتطبيق المسؤولية العشرية للمشيدين.
ويمكن أن يرجع اشتراط خفاء العيب إلى أصل العيب في حد ذاته(34)، إلى عيب في الأرض،عيب في البناء،عيب في المواد المستعلمة والتي لا يمكن لرب العمل ملاحظتها أثناء عملية التسلم، وتحديد صفة الظهور أو الخفاء في عيب البناء أو التصميم هي مسألة واقع تخضع لتقدير القاضي، إلا أنتصرف رب العمل يمكن أن يكون له تأثير على تحديد الخفاء أو الظهور في العيب فمثلا لو أن رب العمل قد أخطر حسب الأصول بوجود عيب في البناء أوفي التصميم ورغم ذلك وقع على محضر التسلم ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال الادعاء بأن العيب لم يكن ظاهرا.
ومن جهة أخرى ، فبمجرد القول أن بعض العيوب تمت معاينتها قبل التسلم في بعض أجزاء العمل فإن هذا يؤدي حتما إلى اعتبار أن هذه العيوب كانت ظاهرة بالنسبة للأجزاء الأخرى،وهذا يعني أن الأمر لا يتعلق بإثبات أن العيب كان حقيقة ظاهرا عن تاريخ التسلم وأنه أخذ بعين الاعتبار من طرف رب العمل، وإنما يجب إثبات أن هذا العيب لا يمكن أن يفلت من ملاحظة ومعاينة رب العمل العادي والحذر، وعند الحاجة فإن تقرير الخبرة هو الذي يحدد ذلك.
وفي غالب الأحيان وخاصة في مجال أشغال البناء العمومية فإن رب العمل العام يستعين بتقنيين مختصين (وبعض من هؤلاء لهم صفة مشيدين عموميين).
ثانيا/النظام القانوني للضمان العشري
من خلال ما تقدم يتبين لنا أن المسؤولية العشرية تختلف عن المسؤولية العقدية في كون هذه الأخيرة تقوم على خطأ من جانب المشيد بينما لا يفترض الخطأ في المسؤولية العشرية وبالتالي هي مسؤولية مفترضة.
كما أن المسؤولية العشرية تدوم عشر سنوات هذا إلى جانب كونها مسؤولية متنوعة.
1- نظام الإثبات في المسؤولية العشرية:
إن المسؤولية العشرية أو الضمان العشري هو ضمان قانوني(35) يقوم على أساس افتراض المسؤولية بمعنى أن المسؤولية تقوم على أساس افتراض المسؤولية بمعنى أن المسؤولية تقوم دون الحاجة إلى إثبات خطأ المسئول المتسبب في الضرر فيكفي ظهور العيب وقيام الضرر لأعمال الضمان مع مراعاة الأسباب التي تعفي من هذه المسؤولية(36) والمتمثلة فيما يلي:
-القوة القاهرة: كما هو الشأن بالنسبة لكل أنواع المسؤوليات الأخرى فإن القوة القاهرة هي السبب البارز في الإعفاء من المسؤولية، والقوة القاهرة هي ما لم يمكن توقعه وما لم يمكن دفعه كالزلزال مثلا، ويجب أن تتوفر علاقة سببية بين القوة القاهرة وظهور العيب فلا يمكن أن تقوم المسؤولية في حالة انعدام هذه العلاقة.
-خطأ رب العمل: ويعتبر خطأ رب العمل من بين الأخطاء التقليدية التي تعفي المشيدين من المسؤولية العشرية ، ومن النادر أن يكون خطأ رب العمل وحده في حدوث الضرر وإنما يكون طريق دفاع للتخفيف من مسؤولية المشيدين.
أما فيما يخص الأخطاء التي ترتكب بعد تسلم الأعمال فإن القاضي الإداري في فرنسا لا يأخذ فقط بأخطاء المالكين وإنما يمتد إلى المستأجرين.
ويمكن تصور الأخطاء التي يرتكبها رب العمل كالتالي: خطأ في الصيانة، خطأ في الحراسة، التعديلات التي يجريها الملاك.
– خطأ الغير: قد يكون سبب العيب أو الخلل الذي حدث للمبنى هو خطأ من جانب الغير وقد يكون هذا الغير شخصا أجنبيا تماما عن عملية التشييد ، كما قد يكون ذا صلة بعملية التشييد ، ويندر في الحقيقة أن يكون خطأ الغير الأجنبي تماما عن عملية تشييد المبنى ، هو السبب في العيب أو الخلل(37).
أما الغير متصل بعملية التشييد الذي غالبا ما يكون الخطأ الذي يرتكبه سبب إعفاء المسؤولية من جانب المشيد الآخر فقد يكون مهندس سابق، الفنيين ومكاتب الاستشارات الفنية أو الهندسية ، المراقب الفني، هذا في القانون الخاص أما في القانون العام فإن خطأ الغير لا يعفي من مسؤولية المشيدين(38).
2- مدة الضمان:
حدد نص المادة 554 من القانون المدني مدة الضمان التي يخضع لها المهندس والمقاول بعشر سنوات تبدأ من لحظة التسلم النهائي للأعمال وهو ما قضت به المادة 656 مدني مصري والمادة 1792 قانون مدني فرنسي.
وقد مد المشروع مدة هذا الضمان خلافا للقواعد العامة نظرا لخطورة المباني من جهة وصعوبة اكتشاف عيوبها من جهة ثانية39، واشترط التسلم النهائي يغني القضاء عن تحديد مدة الضمان في حالة التسلم المؤقت أي المقترن بتحفظات، أما في فرنسا فإن مدة الضمان العشري لا تسري في حالة التسلم المؤقت إلا بعد الاستجابة لهذه التحفظات، ويجمع الفقه والقضاء في فرنسا ومصر أن مدة عر سنوات هي مدة اختبار لمتانة البناء وسلامته وحسن إنجاز الأعمال وهي بهذا الوصف تعتبر مدة سقوط وليست مدة تقادم ولذلك فإنها لا تخضع للوقف أو للانقطاع40 ولا يسقط حق المستفيد من الضمان تبعا لذلك إلا بمرور هذه المدة.
وعلى خلاف المشرع الفرنسي فإن المشرع الجزائري والمشرع المصري فرقا بين مدة الضمان ومدة دعوى الضمان فجعلا مدة الضمان عشر سنوات ومدة دعوى الضمان ثلاث سنوات تبدأ من يوم حصول التهدم أو اكتشاف العيب، أما المشرع الفرنسي فقد وحد بين مدة الضمان ومدة دعوى الضمان المنصوص عليها في المادة 2270 إذ جعل كل منهما عشر سنوات41. الأمر الذي أدى إلى الالتباس بشأن قابلية مدة الضمان للانقطاع في حالة رفع الدعوى الموضوعية أو حالة إقرار المقاول والمهندس بحق رب العمل في الضمان وبالرجوع إلى نص المادة 556 من قانون مدني جزائري: “يكون باطلا كل شرط يقصد به إعفاء المهندس المعماري والمقاول من الضمان أو الحد منه”.
وتنص المادة 18 من المرسوم التشريعي 93/03 أن كل بند في العقد يكون الغرض منه إلغاء أو تحديد المسؤولية أو الضمانات المنصوص عنها في المادتين 11 و14 وفي المواد المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل أو تحديد مداها إما عن طريق إبعاد تضامن المقاولين من الباطن أو تحديده يعد باطلا وكأنه لم يكن”.
ونستشف أن مدة الضمان العشري متعلقة بالنظام العام، ومن ثم لا يجوز التنازل عن الحق في الضمان سلفا ، غير أنه يجوز هذا التنازل بعد تحقق سبب الضمان سواء كان تهدما أو عيبا لأن الضمان في هذه المرحلة يتحول إلى حق شخصي(42)،وغني عن البيان أن الحق الشخصي يجوز التنازل عنه، ويعتبر القضاء المهندس والمقاول ويقاس عليهما بائع العقار قبل الإنجاز مسئولين عن النتائج والمضاعفات التي تحدث خارج مدة الضمان(43)، إذا كان سببها قائما خلال هذه المدة كما لا يلزم المستفيد من الضمان بمدة الضمان إذا كان التهدم أو العيب الذي أصاب البناء راجعا إلى غش الملتزم بالضمان بصفة عامة، إذ يجوز عندئذ الرجوع عليه بدعوى المسؤولية التقصيرية التي لا تتقادم إلا بمرور 15 سنة من وقت وقوع الغش طبقا للمادة 133 من القانون المدني.
المطلب الثالث: دعوى الضمان
هي الدعوى التي يرفعها صاحب الحق في الضمان ومن آلت إليه الملكية ضد الملزمين بالضمان، أو ضد أحدهم تطبيقا لقواعد الالتزام التضامني، كما تنتقل الدعوى إلى الخلف العام، ويمكن أيضا للدائن ممارستها من خلال الدعوى الغير مباشرة إذا توفرت شروطها، كما أن الضمان العشري ودعواه ينتقلان إلى الخلف الخاص باعتبارهما من مستلزمات وتوابع ملكية البناء(44) فيستفيد بذلك من هذه الدعوى المشتري الأخير في حالة البيوع المتتالية ، مع التقيد دائما بمدة الضمان ،وطبقا لنص المادة557 من القانون المدني فإن دعوى الضمان تسقط بالتقادم بانقضاء ثلاث سنوات من يوم حصول التهدم أو اكتشاف العيب وبالتالي فهي أي مدة تقادم وليست مدة سقوط إذ تقبل الوقف والانقطاع بالطرق المعروفة مثل إقرار المشتري في الدعوى وبالمطالبة القضائية عن طريق دعوى موضوعية بالنسبة للانقطاع ، وبالنسبة للوقف فإن التقادم لا يسري كلما وجد مانع مبرر يمنع الدائن من المطالبة كما تنص على ذلك المواد 316- 317- 318 من القانون المدني.
هذه لمحة موجزة عن دعوى الضمان في القانون الخاص لأنها لا تختلف كثيرا عن مجموع الدعاوى التي ترفع في القانون الخاص، لنفرد مجال واسعا لدراسة دعوى الضمان في القانون العام ، لأنها تتضمن خصوصيات كثيرة(45)، وسيتم توضيح ذلك من خلال دراسة النقاط التالية: مسائل الاختصاص(أولا)، شروط رفع الدعوى وقواعد سيرها(ثانيا)، نظام التعويض (ثالثا).
أولا: مسائل الاختصاص
يثبت الاختصاص للقاضي في دعوى الضمان بالنظر إلى طبيعة الأعمال والعقود المبرمة من جهة والى صفة أطراف الدعوى من جهة أخرى.
– طبيعة الأعمال وعقود البناء: ويتحدد اختصاص القاضي الإداري عندما يتعلق الأمر بعقود وصفقات البناء العمومية والتي تعتبر عقود إدارية، وفي هذا الإطار يجب التطرق إلى بعض الحالات الخاصة.
· البناء من طرف شخص عام لمصلحة شخص خاص46، فقد يحدث أن يقوم شخص عام بإنجاز بنايات لفائدة أشخاص طبيعيين أو معنويين ، وقد قررت محكمة التنازع في فرنسا أن الاختصاص يعود للقاضي الإداري على اعتبار أن الصفقة عقد إداري.
· البناء منطرف شخص خاص لحساب شخص عام: ويتقرر في هذه الحالة أيضا الاختصاص للقاضي الإداري.47
– أطراف دعوى الضمان:
· المدعى في دعوى الضمان: كأصل عام فإن صاحب الحق في رفع دعوى الضمان هو رب العمل لأن الضمان مقرر أساسا لمصلحته وهو ما ورد صراحة في المادة 1792 من القانون المدني ، ويقترب مدلول مصطلح رب العمل في القانون الخاص والعام إلا أن هناك عدة حالات تتطلب التحليل والدراسة في سياق القانون العام والتي تفرض نوع من المرونة في مجال الطعون المتعلقة بالضمان العشري ومن بين هذه الميكانزمات: حوالة الحق، الحلول، الإنابة الاتفــاقية، تعــاقب عقود إجارة العمل48 la succession de maîtrise d’ouvrage.
· أ- حوالة الحق: إذا كانت الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بطبيعة الحال هي رب العمل، فإنه لا يوجد ما يمنع من تحويل الحق الاحتمالي عن طريق حوالة الحق ضد المشيدين بعد عملية التسلم وهو ما أكده قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 03 أكتوبر 1986 والقاضي بأنه لا توجد أية قاعدة من النظام العام تمنع الشخص الذي شيد البناء لصالحه من أن يحول حق ممارسة دعوى الضمان العشري لفائدة شخص آخر.
ويرى الفقيه (F) moderne أن هذا الإجراء غير شاذ ومخالف للمألوف باعتباره يجمع بين عناصر وأشخاص حوالة الحق المطبقة في القانون الخاص.
وبالرجوع إلى القانون المدني الجزائري المادة 239 نجدها تنص “يجوز للدائن أن يحول حقه إلى شخص آخر إلا إذا منع ذلك نص القانون أو الاتفاق المتعاقدين أو طبيعة الالتزام وتتم الحوالة دون حاجة إلى رضا المدين”.
وبالرجوع إلى المادة 243 التي تنص: “تشمل حوالة الحق ضماناته كالكفالة والامتياز والرهون، كما تشمل ما حل من أقساط”، وعلى هذا فإنه من الطبيعي أن يتبع الحق بالدعاوى المتصلة به والتي هي في هذا الفرض دعوى الضمان العشري.
ب- الحلول: ويعتبر الحلول مثل الوكالة و حوالة الحق صور معروفة في القانون الخاص، ولا يوجد أي سبب يمنع تطبيقه في مجال مسؤولية ميدي البناء أمام القاضي الإداري ويمكن أن يكون الحلول قانونية كما يمكن أن تكون اتفاقية.
1- الحلول القانوني: ويتمثل الحلول القانوني في ضامني رب العمل كما نص عليهم قانون التأمين إلا أن تأمين رب العمل لا يخص الدول التي هي بطبيعتها ضامن (مؤمن) طبقا لنص المادة 182 من قانون التأمين.49
وفي القانون الفرنسي ورد نص على ذلك في المادة 111/02 من قانون البناء والسكن وعليه فإذا تم إبرام عقد التأمين فإن المؤمن بعد أن يعوض الضرر الحاصل يكون قد مارس دعوى المسؤولية العشرية للمشيدين بموجب دعوى الحلول.
وطبقا لمقتضى المادة 8/2 من المرسوم التشريعي 93/03 وقبل أي تسليم بناية إلى المشتري ، يتعين على المتعامل في الترقية العقارية أن يطلب من المهندسين المعماريين والمقاولين المكلفين بإنجاز المنشآت شهادة تأمين تحملهم المسؤولية المدنية العشرية المنصوص عليها في أحكام القانون المدني لا سيما المادة 554 منه، وطبقا للقانون المتعلق بالتأمينات لا سيما مواده 94-5099، “تبلغ نسخة التأمين المذكورة في الفقرة السابقة إلى المشترين يوم حيازة ملكية البناية كأقصى أجل فإن لم يكن ذلك، يتحمل المتعامل في الترقية العقارية المسؤولية المدنية زيادة على الأحكام التي تنص عليها القانون في هذا المجال”، ويمكن القول أن نظام التأمين الإجباري في مادة أشغال البناء يسمح للمؤمنين ممارسة قواعد الحلول بشروط مطابقة لما هو منصوص عليه في القانون الخاص.
2- الحلول الاتفاقي: ويطبق الحلول في حالة ما إذا لم يعد رب العمل قادرا على التكفل بالبناء المشيد ولقد صدرت في هذا الصدد عدة قرارات عن مجلس الدولة الفرنسي من بينها القرار الصادر في 18 ديسمبر 1987 القاضي بصحة تصرف الحلول الذي حلت بموجبه هيئات السكن الاجتماعي (H.L.M) محل شركة امتياز لاستغلال شبكة التدفئة والتي أصابتها أضرار.51
الخلف الخاص لصاحب البناء: ليس هناك نص في القانون المدني يقضي بانتقال الحق في الضمان من صاحب البناء إلى الخلف الخاص الذي آلت إليه ملكية البناء المعيب، على عكس المشرع الفرنسي الذي نص على ذلك صراحة في المادة 1972 من القانون المدني.
وقد أجمع الفقه المصري والفرنسي على حق الخلف الخاص لرب العمل في رفع دعوى الضمان العشري ضد المقاول والمهندس باعتباره من توابع العقار والخلف الخاص هو كل من يخلف السلف في عين معينة بالذات أوفي حق عيني عليها، أو في حق شخصي، والمشتري بهذا المفهوم يعتبر خلفا خاصا للبائع وقد جاء في حكم لمحكمة النقض الفرنسية أن:”الضمان العشري الذي أوجبه القانون على المعماريين إنما يشكل حماية قانونية مرتبطة بملكية العقار وليس بشخص رب العمل وأن هذه الحماية تسير مع الملكية حيثما سارت”52.
ويرى البعض في هذا الانتقال مجرد تطبيق لفكرة الالتزام العيني حيث يبررون أحقية المشتري في استخلاف ربع العمل في دعوى الضمان ضد المهندس والمقاول إلى اعتبار الضمان العشري التزاما عينيا ينتقل مع العقار ولا يمكن التخلص منه إلا بالتخلص من العقار53.
بينما ذهب فريقا آخر إلى اعتبار مدة العشر سنوات مدة اختبار متانة البناء ويجب أن تبقى الدعوى قائمة خلال عشر سنوات حتى ولو انتقل العقار من رب العمل إلى الغير بعقد بيع أو هبة أو بالميراث أو غيرها من طرق كسب الملكية.
أما في الجزائر، فعلى عكس القانون المدني الذي لم ينص صراحة على انتقال الحق في الضمان من رب العمل إلى الخلف الخاص فإن قانون التأمين رقم 95/07 نص على ذلك صراحة في المادة 178 “…..يستفيد من هذا الضمان صاحب المشروع ومالكيه المتتالين إلى غاية انقضاء أجل الضمان”.
مشكلة البيع الإيجاري: قلنا سابقا أن الضمان العشري مقرر لمصلحة رب العمل أو من ينتقل إليه الحق باعتباره خلفا خاصا، ويعني ذلك أن الدائن الشخصي لرب العمل ليس من حقه أنيرفع دعوى الضمان ضد المشيد، إلا إذا كان في ذلك يستعمل حق مدينه بطريق الدعوى غير المباشرة.54
ولما كان مستأجر البناء الذي ظهر به العيب لا يعدو أن يكون دائنا شخصيا لرب العمل، فإنهلا يستطيع تطبيقا لما تقدم أن يرفع دعوى الضمان العشري، لكنالإشكال يثور بالنسبة لحالة البيع الإيجاري فإن كان هذا النوعمن البيوع جديدا في القانون الجزائري55، إلا أنه شائع في القانون المصري والفرنسي.
ويتمثل البيع الإيجاري في إيجار من جانب المالك مصحوبا بوعد البيع ثم يتحول إلى بيع نهائي وتنتقل الملكية بسداد المشتري لآخر قسط56، فهل يجوز لهذا المشتري/ المستأجر أن يرفع دعوى الضمان العشري على المهندس أوالمقاول إذا ظهر العيب في البناء خلال عشر سنوات من يوم تسليمه إلى رب العمل أو البائع؟
طرحت هذه المشكلة على محكمة النقض الفرنسية واتضح من خلال الحكم الذي صدر في 24/10/1962 أنها تفرق بين حالتين:
– حالة ما إذا كان هذا المستأجر قد أصبح مالكا بسداد القسط الأخير عند ظهور العيب الموجب للضمان وقبل فوات المهلة، حيث يجوز له بصفته تلك أن يرفع هذه الدعوى التي تكون قد انتقلت إليه مع انتقال الملكية.57
– حالة ما إذا كان لا يزال مستأجرا عندما ظهر هذا العيب، حيث لا يجوز له رفع مثل هذه الدعوى.
ب- المدعى عليه في دعوى الضمان: إن المدعى عليه في دعوى الضمان هم المشيدين بشكل عام.
– المهندس المعماري: ويجب التنويه إلى أن إصلاح المهندس قد يقصد به المهندس المعماري أو المهندس الإنشائي أو غيره من التخصصات الهندسية المختلفة التي تتعلق بالبناء). 58 فيسأل كل مهندس حسب تخصصه وتقوم مسؤولية المهندس بشكل عام عن العيوب التالية:
* عيب في الأرض، عيب التصميم، عدم القيام بالتزام المراقبة في التنفيذ، عدم الالتزام بمعاونة رب العمل… إلخ.
– المقاول: هو الشخص الذي يقوم بأداء بعض الأعمال الخاصة والمتعلقة بالبناء لحساب شخص آخر، وعقد المقاولة يقصد به أن يقوم المقاول بعمل معين لحساب شخص آخر مقابل أجر دون أن يخضع لإشرافه وإرادته ، ويمارس المقاول عملا ذو طبيعة تجارية59 ،ويسأل غالبا عن سوء التنفيذ ونادرا ما يسأل عن عيوب التصميم.
– التقنيين60: وهم المهندسون المختصون في ميدان والذين يعهد إليهم بدراسات متعددة(الإسمنت المسلح…)
– المرقي العقاري: هو الشخص الذي يأخذ زمام المبادرة والعناية الرئيسية في عملية الإنجاز.61
ثانيا/شروط رفع الدعوى وقواعد سيرها
– أهلية المدعى: رب العمل الذي هو في الغالب الأعم شخص معنوي، يجب مراقبته فيما إذا رخص لشخص طبيعي لتمثيله قضائيا.
– المصلحة في رفع الدعوى: وحده رب العمل من له مصلحة في رفع الدعوى أو الأشخاص الذين يحلون محله كما سبق الإشارة إلى ذلك،وفي حالة توفر شروط رفع الدعوى، فإن القاضي يمكنه الأمر بإجراءات استعجالية، كما يمكن رفع الدعوى مباشرة أمام قاضي الاستعجال ، ويمكن للقاضي طلب معاينة العيوب والأضرار الناجمة عنها أو الاستعانة بتقارير الخبرة طبقا لقواعد الإجراءات المدنية.
ثالثا: نظام التعويض
إن نظام التعويض عن الأضرار في الضمان العشري يمكن أن تعترضه عدة صعوبات.
1- الحق في اختيار طريقة التعويض: هناك طريقتين تمنح رب العمل للتعويض عن الأضرار التي أصابته إما التعويض العيني أو التعويض بالمقابل، والتعويض يتمثل في إصلاح العيب إذا كان قابلا للإصلاح وإلا فبهدمه وبنائه أو تعويض نقدي.62
وقد قرر القضاء الإداري في فرنسا مبدأ الاختيار63، بحسب ما يراه رب العمل مناسبا لكن قد يرجع للقاضي فرض طريقة التعويض إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
2- طرق التعويض النقدي: ويتضمن كيفية تقدير الضرر والتعويض عنه ويغطي التعويض الضرر المباشر وملحقاته ويقدر بقيمة الأعمال التي تجب لإعادة إصلاح العيوب لذا يجب أن يكون الضرر مباشرا وحقيقيا ولا يمكن أن يكون احتماليا، كما يتضمن التعويض الأجزاء التي تضررت فقط، وإذا حصل وأن تدخل رب العمل في إصلاح العيوب نظرا لعنصر الاستعجال فإن هذا يدخل ضمن تقدير الضرر وتبقى مسألة تقدير الضرر خاضعة لتقارير الخبرة التي يطلبها القاضي هذا عن الضرر المباشر، أما الأضرار الملحقة به فهي الأضرار التي ترتبط به لكن لا تختلط معه.
8 مارس، 2017 at 11:41 ص
بواسطة احمد صلاح احمد
اريد انا اعرف كيف اشكي شخص بايصال امانة رسمي علي بياض