المفهوم القانوني لمصطلح الماجنا كارتا
أ/ حنين نصار
وثيقة ملكية بريطانية تعهَّد فيها الملك بعدم المساس بمصالح النبلاء البريطانيين. وافق عليها الملك جون عام 1215م.
الماجنا كارتا
وثيقة ملكية بريطانية التزم فيها الملك جون بالقانون الإقطاعي والمحافظة على مصالح النبلاء في عام 1215م، وتُعدُّ معلمًا بارزًا من معالم تطوّر الحكومة الدستوريّة في بريطانيا. وانتفعت بها معظم البلاد الغربية في القرون اللاحقة، لأن كثيرًا من الأقطار الديمقراطيّة اتبعت نهج القانون الإنجليزي في إنشاء حكوماتها.
الماجنا كارتا كلمتان لاتينيتان، معناهما في العربيّة العهد الأعظم
وبمقتضى هذا العهد أُجبِر الملك جون على أن يمنح الأرستقراطية البريطانية كثيرًا من الحقوق، بينما لم ينل المواطن البريطاني العادي من الحقوق غير النَّزر اليسير. أجبر النبلاء الإقطاعيون الملكَ على الموافقة على الماجنا كارتا في عام 1215م. ووقع هذا الحدث التاريخي في منطقة رِنميد، وهي سهل ممتد على طول نهر التايمز يقع جنوب غربي لندن. ويوجد هناك نصب تذكاري تخليدًا لذكرى هذا الحدث.
ومن الخطأ القول بأن وثيقة الماجنا كارتا كفلت الحريات الفرديّة لجميع الشعب، ففي القرون اللاحقة، أضحت نموذجًا يحتذى بالنسبة لأولئك الذين طالبوا بإقامة حكومات ديمقراطية وكفالة الحقوق الأساسية لكل مواطن. أما في الوقت الذي صدرت فيه، فكانت أهميتها الكبرى في إخضاع الملك لحكم القانون، وكبح جماح السلطة المطلقة.
الأسباب الدافعة للماجنا كارتا
قام النورمنديون الذين قدموا من شمالي فرنسا بفتح بريطانيا في 1066م، واستطاع ملوك قادرون وقتئذ حكم البلاد لأكثر من مائة عام. وقد احترموا القوانين الإقطاعية وحكموا بالعدل، دون أن تكون هناك رقابة حقيقية على سلطة الملك. ولما تولى الملك جون العرش في عام 1199م، أساء استخدام سلطته، فطالب الإقطاعيين بمزيد من الخدمات الحربية أكثر مما طالبهم الملوك الذين سبقوه، وباع الوظائف الملكية لأكبر المزايدين. وزاد من أعباء الضرائب دون الحصول على موافقة النبلاء الإقطاعيين، خلافا لما جرى به العرف الإقطاعي. وكانت المحاكم في عهد جون تفصل في القضايا حسب رغبته وأوامره لا طبقًا للقانون. ومن خسر دعواه تعرض لدفع غرامة طاحنة.
وفي عام 1213م اجتمعت جماعة من النبلاء مع قيادات الكنيسة في سانَتْ ألبانز، بالقرب من لندن، ونادوا بالحد من سلطة الملك، وصاغوا قائمة الحقوق التي طالبوا أن يمنحهم إيّاها، ولكنّه رفض الاستجابة لمطالبهم مرتين. وعقب ذلك، حشد النبلاء جيشًا لإجبار الملك على تحقيق مطالبهم. ورأى جون أنّه لا يستطيع هزيمة الجيش المناوئ، فوافق على المطالب في 15 يونيو 1215م. وبعد أربعة أيام، أصدر عددًا من المواد في صورة وثيقة ملكيّة مكتوبة بصياغة قانونية، وتمّ توزيع صور منها في سائر أرجاء المملكة.
التعهدات الواردة بالوثيقة
اشتملت الماجنا كارتا على 63 مادة، تعهد الملك في معظمها بالالتزام بالقانون الإقطاعي. وكانت تهدف أساسًا لحماية مصالح النبلاء والمنتمين إلى الطبقة الإقطاعية. ومنحت بعض المواد الكنيسة حرية ممارسة سلطاتها دون تدخل من الملك. ولم تكن هناك غير مواد قليلة كفلت بعض الحقوق للطبقة الوسطى الناشئة في المدن.
ولم يذكر المواطنون العاديون وغيرهم من المزارعين في الوثيقة إلاً نادرًا رغم أنهم الأكثرية الغالبة من السكان.
وأضحت بعض مواد الوثيقة المطبقة على الطبقة الإقطاعية في عام 1215م، مواد ذات أهمية وفائدة لكلّ أفراد الشعب فيما بعد. فلقد نصّت الوثيقة مثلاً، على أنه يجب على الملك أن يسعى للحصول على مشورة وموافقة النبلاء في كلّ المسائل المهمة في بريطانيا. ونصّت أيضًا على أنه لايجوز زيادة أيّ ضرائب خاصة إلا بموافقة النبلاء. واستخدمت هذه المواد فيما بعد، لتأييد الحجة القائلة أنه لايجوز إصدار قانون أو فرض ضريبة دون موافقة البرلمان الإنجليزى (الجهاز التشريعي الممثّل للشعب).
أضحت بعض المواد الأخرى أساسًا للعدل في العصر الحديث في الدول الغربية. فلقد نصّت إحداها على أنّه لايجوز سجن رجل حر أو تجريده من ممتلكاته أو نفيه إلى خارج البلاد أو الإضرار به، إلا بموجب حكم شرعي يصدر من أنداده (أفراد طبقته) أو بموجب قانون البلاد. وفي العصر الحديث، يُعدُّ مفهوم الوسائل القانونية السليمة بما في ذلك حقُّ مطالبة المتهمين بالمحاكمة أمام محلفين، تطويرًا للمادة المذكورة. ففي عصر جون لم تكن هناك محاكمات تُجرى أمام هيئة محلَّفين على النحو المألوف في القضايا الجنائية في العصر الحديث.
وتضمنت الماجنا كارتا كثيرًا من المواد التي قُصد بها إلزام الملك بتنفيذ وعوده، ومن ثم شُكّل مجلس من النبلاء لضمان جديّة التنفيذ. فإن أخلَّ الملك بما التزم به ولم يأبه بإنذارات مجلس النبلاء، حشد المجلس جيشًا لإجباره على الانصياع لأحكام الوثيقة.
الوثيقة بعد عام 1215م.
لم تحسم الماجنا كارتا الصراع الذي دار بين جون والنبلاء. ولم يقصد أي من الجانبين الالتزام بها التزامًا كاملاً. وما لبث أن نشبت الحرب بين الطرفين، ثم تُوفي الملك جون أثناءها في سنة 1216م، ووافق ملوك إنجلترا في السنوات اللاحقة على شروط هذه الوثيقة. واعتُرف بها جزءًا من القانون الأساسي لإنجلترا. وخلال القرن السادس عشر توارت الماجنا كارتا إلى حد كبير، بيد أنّ بعض أعضاء البرلمان بعثوا فيها الحياة من جديد خلال القرن السابع عشر الميلادي، وظلّ البرلمانيون يستخدمون موادها في مواجهة الحكم الاستبدادي لملوك آل ستيوارت، واعتبروا ما ورد بها يخولهم رقابةً دستوريةً على سلطة الملك. واحتجوا ببعض موادها لتدعيم حججهم بالأسانيد القانونية، مثل عدم جواز إصدار قانون أو فرض ضريبة إلا بموافقة البرلمان، واستندوا إليها في المطالبة أيضًا بضمانات للمحاكمة أمام هيئة محلّفين، والحماية ضد الحبس التعسّفي، وغير ذلك من الحقوق.
وفي القرن الثامن عشر وصف السير وليم بلاكستون، المحامي البريطاني ذائع الصيت، المبادئ المثالية للوثيقة بأنها تمثل الحقوق القانونية للناس كافة، وذلك في مؤلّفه المشهور تعليقات على القوانين الإنجليزية.
ولم يبق في بريطانيا من النسخ الأصلية للماجنا كارتا غير أربع نسخ: نسختين بالمكتبة البريطانية في لندن، والثالثة في كاتدرائية سالزبري، والرابعة في كاتدرائية لنكولن. وتُعد النسخة الموجودة في كاتدرائية لنكولن أفضل حالاً من النسخ الأخرى. ولسنوات طوال ظلّت الوثيقة تُسمى بين الناس الماجنا كارتا. وتبنّت الحكومة البريطانية رسميًا هذه التسمية اللاتينية سنة 1946م
اترك تعليقاً