ما هو المقصود بالدعوى الكيديه ؟
ما تنص عليه المادة (361) من قانون المرافعات:
وقد أتت المادة 361 مرافعات بنص خاص بالدعوى الكيدية يجري كالآتي: (يجوز للمحكمة أن تحكم بالتضمينات في مقابل النفقات الناشئة عن دعوى أو دفاع قصد بهما الكيد) وهذا النص غير مستحدث بقانون المرافعات الجديد بل كان له مقابل في القانون الملغي هو المادة (115) التي كانت تنص على أنه (يجوز للمحكمة في جميع الدعاوى أن تحكم بالتعويضات في مقابل المصاريف الناشئة عن دعوى أو مدافعة إذا كان القصد بها مكيدة الخصم) ومفهوم هذين النصين أن التعويض يكون عن المصاريف أو النفقات التي تحملها المدعى عليه في دعوى قصد بها الكيد، وهذه المصاريف هي غير المصاريف التي يلتزم بها من يخسر دعواه إذ أن المصاريف هي الرسوم القضائية التي تكبدها من رفع الدعوى ويحكم بها على المدعي إذا رفضت دعواه أو يحكم بها على المدعى عليه إذا كسب المدعي دعواه وهو توزيع اقتضاه وجوب تحمل التبعة القضائية – ومعنى ذلك أن المادة الجديدة (361 مرافعات) والمادة القديمة على السواء تقصر التعويضات على المصاريف التي لم يحكم بها وتكون ناشئة عن الدعوى عندما يكون القصد منها مكيدة الخصم فأغفلت تعويض ما يقابل الأضرار الأخرى التي تكون قد لحقت الخصم كما أغفلت الحالات الأخرى غير الحالة التي يتوافر فيها قصد المكيدة.
ونرى أن نص المادة (361) مرافعات وهو تطبيق لنظرية سوء استعمال الحقوق يخرج فيه استعمال حق التقاضي عن نطاق الاستعمال المشروع للحق بدعوى أو دفاع فإن هذه الإساءة تعد صورة من صور الخطأ الموجب للمسؤولية الخطئية – ومن قواعد هذه المسؤولية أن يتماثل الضرر والتعويض وأن يكون هذا التعويض شاملاً لكل ما يترتب من ضرر نتيجة للخطأ الأمر الذي يقتضينا التسليم بوجوب التعويض عن كافة الأضرار الناجمة عن الدعوى والدفاع الكيديين سواء أكان ضررًا ماديًا تكبده المدعى عليه بسبب الدعوى ولو كان خارجًا عن نطاق المصاريف أم كان ضررًا أدبيًا محضًا أصاب المدعى عليه في سمعته واسمه بسبب التشهير به بالدعوى والكيد له بها أمام القضاء – وقد قضى بأن كل دعوى كيدية تحدث ضررًا ماديًا أو أدبيًا يترتب عليها الحق في طلب التعويض فيجوز للمستأنف عليه أن يطلب من محكمة الاستئناف أن تحكم له بالتعويض ولو لم يطلبه أمام محكمة أول درجة إذا ثبت أمام محكمة الاستئناف أن الاستئناف كيدي والدعوى كيديه [(13)].
وحكم بأن الخصم الذي يرفع على خصمه دعاوى عدة لا أصل لها بقصد مشاغبته يكون مسؤولاً عن تعويض جميع الأضرار المالية والأدبية التي تصيب خصمه بالغة ما بلغت ما دامت هذه الدعاوى لم يقصد بها في الحقيقة ونفس الأمر المطالبة بحق أو الدفاع عن مصالح جدية مشروعة ويتبين للقضاء أن رفعها كان بسوء نية وبقصد جر خصمه إلى ساحات القضاء للتشهير به أو لإجباره على صرف مصاريف ورسوم كان في غنى عنها [(14)].
وحكم كذلك بأنه يستحق التعويض عن الدعوى الكيدية التي رفعت وحجز فيها تحت يد الغير بناء على شيك لا سبب له وترتب عليه بذل مجهود شاق للرد على أساليب دفاع الخصم الملتوية [(15)].
وجاء بحكم لمحكمة المنيا أنه (لما كانت الدعوى والمدافعة المشار إليهما في المادة (115) مرافعات ما هما إلا وسيلتان مقررتان لحماية الحقوق كان مبحث المسؤولية المدنية المترتبة على المادة (115) هو واحد من مباحث الإسراف في استعمال الحقوق بدون مقتضٍ أو سوء استعمال الحق Abus de droit فليس كل طعن بالتزوير أو إنكار للإمضاء يوجب التعويض تطبيقًا للمادة (115) مرافعات بل لا بد من أن يثبت أن الادعاء كان بسوء نية أو كان قد دفع به بقصد المكيدة أي أن إنكار التوقيع باعتباره حقًا من الحقوق المقررة بالقانون يكون موجبًا للتعويض إذا ثبت أن استعماله كان بغير مسوغ شرعي أو مقتضى إلا الرغبة في الكيد والإضرار الأدبية المجردة عن أي أثر مادي هي أمور اعتبارية محضة يستحيل على المحاكم تقويمها وليس هناك أساس لزنتها بل على القضاء أن يعالج كل حالة على حدة وعلى أساس أنه ما دام الضرر أدبيًا فيجب أن يكون التعويض كذلك ويكفي فيه إقرار القضاء بخطأ الخصم لأن الشرف لا يقوم بمال [(16)].
فهذا الحكم وإن كان قد اعتبر التعويض عن الضرر الأدبي أمر اعتباري محض يستحيل على المحاكم تقويمه إلا أنه قرر مبدأ التعويض عن الضرر الأدبي الناشئ عن الدعوى الكيدية وهو مبدأ نرى وجوب الأخذ به واتساع مجال نص المادة (361) مرافعات بحيث يشمله – وإن كانت بعض المحاكم لا تقضي إلا بمبلغ تافه كتعويض رمزي عن مثل هذا الضرر فإن هذا لا يمنع المحاكم الأخرى من القضاء بتعويض كامل تقدره هي بموجب مالها من سلطة تقديرية وذلك على قدر الخطأ ومدى ما أصاب المدعى عليه من خدش لسمعته وإضرار بكرامته واعتباره – ونرى وجوب الحكم بتعويض كامل غير رمزي عن الضرر الأدبي ويخضع تقديره لسلطة محكمة الموضوع والتعويض إن لم يعتبر في هذه الحالة معوضًا عن الضرر الأدبي إلا أنه يعتبر نوعًا من رد الاعتبار والسمعة المخدوشة فوق أنه يعتبر نوعًا من العقاب المدني للمسؤول.
6 – المسؤولية عن الخطأ الشخصي:
وإذا استقام كل ما تقدم تكون المادة (361) مرافعات صورة من صور المسؤولية التقصيرية كما قلنا إذا أن استعمال الحق استعمالاً غير مشروع يعد نوعًا من الخطأ الذي تنص المادة (163) مدني على وجوب تعويضه بقولها (كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض) وبهذا يقع على عاتق طالب التعويض عبء إثبات الخطأ والضرر ورابطة السببية بينهما – ويرى هذا الرأي المرحوم أبو هيف (بك) إذ يقول (فإذا أصاب الخصم الآخر ضرر في ماله أو سمعته من هذه الدعوى المرفوعة لمجرد المعاكسة أو الإضرار به فله طبقًا لقواعد المسؤولية العامة أن يطلب الحكم له بتعويض هذا الضرر طبقًا للمادة (151) مدني وبهذا اكتفى القانون عن وضع طرق مانعة لرفع الدعاوى) [(17)].
ويرى كذلك الأستاذ مصطفى مرعي أن قواعد المسؤولية المدنية هي التي يجب أن تراعى في هذا الشأن لأن المادة (115) مرافعات ليست إلا تطبيق هذه القواعد).
وتطبيقًا لذلك قضى بأنه إذا ثبت أن الدعوى ما هي إلا تجديد لنزاع سبق الفصل فيه جاز إلزام المدعي فيها بتعويض الضرر الناشئ عنها [(1] إذ أن رفعه إياها من جديد يدل على تعنته وعدم رضوخه لما قضى به لخصمه.
وإذا كان مناط تقرير حق الالتجاء للقضاء هو التوصل إلى الحماية القانونية للحق وصونه من الاعتداء عليه وإلزام الخصم بالاعتراف به فإن رافع الدعوى الذي لا يرضي بما عرضه عليه خصمه من الوفاء له بحقه والاعتراف به قبل رفع دعواه أو بعد رفعها وقبل قيدها يعتبر متعنتًا في لجوئه للقضاء أو في إتمام قيد دعواه ويجب عليه التعويض إذ لم تكن له مصلحة في الدعوى بعد أن اعترف خصمه له بحقه وعرض عليه جديًا تسوية النزاع وديًا، وقد قضت محكمة النقض (أن أساس التقاضي إنما هو النزاع في الحق الذي يطلبه المدعي وما دام هذا الحق مسلمًا به ممن وجهت عليه الدعوى فغرم التداعي يقع على المدعي [(19)] هذا إن لم تستبين المحكمة أن رفع الدعوى في هذه الحالة ليس إلا بقصد تحقيق غرض غير مشروع وهو الكيد للخصم والعنت له فحينئذ يكون التعويض واجبًا باعتبار أن الدعوى كيدية:
وحكم أيضًا أنه [(20)]:
( أ ) (متى كانت المحكمة قد استخلصت في حدود سلطتها الموضوعية من ظروف الدعوى وقرائن الحال فيها أن دعاوى الاسترداد التي رفعت من الغير وقضى فيها جميعًا بالرفض كانت دعاوى كيدية أقيمت بإيعاز من الطاعن والتواطؤ معه إضرارًا بالمطعون ضده كما استدلت على كيدية الدعاوى التي رفعها الطاعن على المطعون ضده بمضيه في التقاضي رغم جميع دعاويه السابقة وباستمراره في اغتصاب الأطيان موضوع النزاع رغم الأحكام المتعددة الصادرة عليه – فإنه يكون في غير محله النعي على حكمها بالقصور في بيان ركن الخطأ في مسؤولية الطاعن).
(ب) (متى كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه إذ قضى عليه بالتعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب الدعاوى الكيدية التي رفعها الطاعن قرر أن مسلك هذا الأخير استنفذ من وقت المطعون عليه ومجهوده وماله الشيء الكثير ليجابه نشاط خصمه وإن هذه الإجراءات الكيدية التي عانى منها المطعون عليه وأقلقت باله في مدى أحد عشر عامًا تقدر المحكمة عنها المبلغ الذي قضت به فإن في هذا الذي أورده الحكم البيان الكافي لعناصر الضرر الذي قضى بالتعويض عنه).
ومن ناحية أخرى يجب أن يترك للمدعى عليه في دعوى التعويض عن دعوى قيل أنها رفعت كيدًا فرصة إثبات حسن نيته وأنه كان مدفوعًا في دعواه لتحقيق مصلحة جدية ذات أهمية ومشروعة – فإذا كان الأمر قاصر على تفسير نص في القانون اختلف عليه الشراح فلا محل للحكم بتعويض بناءً على أن الدعوى كيدية [(21)] – وكذلك لا يعتبر قبول تدخل خصم في لدعوى بأنه كيدي موجب للتعويض وقد قضى بأنه إذا كان الخصم لم يندفع في طلباته بروح كيدية بل كان يعزز دفاعه بحسن نية فلا يصح الحكم عليه بتعويضات بدعوى أن دفاعه كيدي [(22)].
7 – حق دفع الدعوى La Défanse:
أما حق دفع الدعوى فإنه وإن كان مباحًا بحسب الأصل إلا أنه ليس حقًا مطلقًا من كل قيد بل مرتبط بالحكمة التي دعت إليه – وهذه الحكمة هي تمكين المدعى عليه من الدفاع عن نفسه – أما إذا كان المدعى عليه قد ساق دفاعه لا يقصد حماية حق يعتقد أنه له بل يقصد معاكسة المدعي وتطويل الإجراءات وتعويق الفصل في الدعوى فإن هذا الحق يخرج عن دائرة الحماية الواجبة له وينقلب خطأ مستوجبًا للمسؤولية – فإنكار الدعوى وإن كان في الأصل حقًا لكل مدعي عليه يقتضي به إلزام خصمه بإثبات دعواه إلا أن هذا الحق ينقلب مخبثه إذا ابتغى المدعى عليه مضارة خصمه فأساء استعمال حقه وتمادى في الإنكار أو غلا فيه أو تحيل به [(23)].
وقد يكون الإنكار في ذاته خطأ مستوجبًا للمسؤولية إذا ثبت كذبه وثبت عدم وجود عذر لدى المنكر وذلك كما إذا أنكرت أخت أخاها أو أخ أخاه أو أنكر وارث صفة وارث آخر في دعوى المطالبة بريع نصيبه في تركة مورثه وقد حكم بأنه يعد دفاعًا كيديًا إنكار الأخت لأخيها فيحكم على الأخت بتعويض الضرر المادي الذي أصاب أخاها من جراء هذا الإنكار وهي المصاريف التي صرفت منه في إثبات وراثته وتلزم أيضًا بتعويض الضرر الأدبي الذي أصاب أخاها بسبب إنكارها [(24)] وقضى كذلك بأن (لكل إنسان أن ينكر الدعوى الموجهة إليه وأن يلزم مدعيها بإثباتها، على أن القانون لم يجعل هذا الحق مطلقًا من كل قيد، بل قيده بعدم إساءة استعماله… وليس من الصعب التفرقة بين المدافعة المقصود بها مكيدة الخصم والمدافعة المقصود بها الدفاع عن حق مدع به – فالمدافعة الأولى سلاح المبطل العالم بحق خصمه، ولا يقصد من استعمالها غير إرهاق الخصم وإرغامه على أن يقنع بالقليل ويرضي به – والمدافعة للثانية يرجى منها تثبيت حق يعتقد أنه له – والنوع الأول هو الذي فيه يلزم صاحبه بالتعويض المناسب [(25)].
ويحكم أيضًا بالتعويض عندما يقوم الدفاع على غلط جسيم يمكن اعتباره مساويًا للتدليس une erreur grossière équipollente au dol أو إذا ما انطوى ما اتبع من إجراءات على المدافعة العنيدة الخالية من الحق [(26)].
ويعد في حكم الدفاع الطعن بالتزوير أثناء نظر دعوى معينة أو إنكار الخط أو الإمضاء وقد أخذ المشرع على ما نعتقد بما تقتضيه نظرية إساءة استعمال حق التقاضي من النظر إلى مثل هذين الإجراءين بعين الحيطة والاهتمام نظرًا لجواز اللجوء إليها بقصد العنت والكيد وإطالة أمد النزاع وتعقيد الإجراءات أمام القضاء – فنص في المادة (288) مرافعات على أنه (إذا حكم بسقوط حق مدعي التزوير في ادعائه أو برفضه حكم عليه بغرامة قدرها خمسة وعشرون جنيهًا) وجاء قانون الإجراءات الجنائية بنص مقابل لهذا النص هو المادة (298) التي تقضي بأنه (في حالة إيقاف الدعوى يقضي في الحكم أو القرار الصادر بعدم وجود التزوير بإلزام مدعى التزوير بغرامة قدرها خمسة وعشرون جنيهًا).
وبالوقوف عند هذين النصين نجد أن المشرع اكتفى بمجرد رفض الادعاء بالتزوير كلية لكي يحكم بالغرامة المقررة بالقانون وهي خمسة وعشرين جنيهًا وظاهر أن هذه الغرامة ليست تعويضًا للمدعي عليه في التزوير بل هي غرامة تقتضيها الدولة كعقوبة لمدعي التزوير على إقدامه على دفاع خطير استلزم جهدًا طويلاً وترتب عليه تعقيد في الإجراءات وإطالة في أمد الفصل في النزاع الأصلي – دون أن يعمل حيطته ورويته – فاعتبر أن هذا العمل من جانبه خطأ جسيم يقضي بسببه بالغرامة عليه – وذلك سواء أكان في طعنه بالتزوير قاصدًا الكيد للمطعون ضده أو غير قاصد – أما إذا توفر شرط الكيد والعنت وقصد الإضرار والشغب أو تبين أنه ما من مصلحة جدية مشروعة كانت تقتضيه الطعن بالتزوير كما لو كانت الورقة المدعي بتزويرها ظاهر أنها صحيحة فحينئذ يكون للمدعي عليه بالتزوير حق رفع دعوى تعويض عن هذا الدفاع الكيدي – وكما قضت محكمة المنيا الكلية ليس كل طعن بالتزوير أو إنكار للإمضاء يوجب التعويض تطبيقًا للمادة (115) مرافعات بل لا بد من أن يثبت أن الادعاء كان بسوء نية أو كان قد دفع به بقصد المكيدة، ونرى أن الحكم الصادر برفض الادعاء بالتزوير وتغريم مدعيه بالغرامة المذكورة قد تنهض أسبابه قرينة على توافر سوء النية المطلوب لوجوب التعويض.
أما إنكار الخط أو الإمضاء فقد تحوط له المشرع أيضًا فنص في المادة (275) مرافعات على أنه (إذا حكم بصحة كل الورقة فيحكم على من إنكرها بغرامة من أربعة جنيهًا إلى خمسة عشر جنيهًا) وكما قلنا بخصوص الادعاء بالتزوير ليس إنكار التوقيع أو الإمضاء إلا دفاعًا مباحًا إذا لم يسيء المنكر استعماله، أما المحكم الصادر برفضه وبتغريم المنكر فليس إلا قرينة بسيطة على توافر سوء النية يجوز دائمًا دحضها بإثبات أن المنكر لم يكن يبتغي إلا إلى الوصول إلى حقه برفض دعوى المدعى دون قصد إضرار ودون بغية تحقيق مصلحة غير مشروعة فإنكار التوقيع باعتباره حقًا من الحقوق المقررة في القانون لا يكون موجبًا للتعويض إلا إذا ثبت أن استعماله كان بغير مسوغ أو مقتضٍ إلا الرغبة في الكيد
اترك تعليقاً