ما هو المقصود بالرقابة القضائية عن طريق الدعوى المباشرة ؟
أ/ عبد الله كامل محادين
الرقابة القضائية عن طريق الدعوى المباشرة يقصد بالرقابة عن طريق دعوى مباشرة Contrôle par voie d’action، التقدم مباشرةً إلى القضاء بطلب إلغاء أو بطلان قانون مخالف لأحكام الدستور. فهذه الرقابة هي رقابة مجردة Contrôle abstrait لأنها تتعلق بمسألة عدم مخالفة القانون لأحكام الدستور بمعزل عن أي نزاع مطروح أمام القضاء. و على الرغم من أهمية الرقابة المجردة عن طريق دعوى مباشرة بعدم الدستورية، إلا أنه تبقى محدودة الفائدة، خاصةً و أن عدم دستورية القوانين لا تظهر بشكل ملموس، في أغلب الحالات، إلا عند تطبيق هذا القانون على حالة معينة.
و الرقابة عن طريق دعوى مباشرة يمكن أن تكون رقابة مسبقة Contrôle a priori أو رقابة مؤخرة Contrôle a posteriori. فالرقابة المسبقة هي التي تكون قبل إصدار القانون و دخوله حيز النفاذ أو ضمن النظام القانوني L’ordre juridique، أي أنها رقابة وقائية، تهدف إلى منع صدور قانون مخالف لأحكام الدستور. أما الرقابة المؤخرة أو اللاحقة فتكون بعد دخول القانون حيز النفاذ، أي تهدف إلى إزالة نص تشريعي من التداول القانوني. و إذا كانت الرقابة المسبقة تجنبنا نفاذ أو تطبيق قانون مخالف للدستور، فإنه يؤخذ عليها، خطر تحول الهيئة المكلفة بالرقابة إلى هيئة مشاركة بشكل أو بآخر في مراحل تكوين القانون، و كأنها مجلس إضافي للبرلمان. كذلك فإنه في الرقابة المسبقة يبت القاضي الدستوري في دستورية أو عدم دستورية القانون و صراخ نقاش البرلمان لم يكد يصمت . و إذا كانت الرقابة اللاحقة بشكل دعوى مباشرة تجنبنا الخطر السابق، فإنها توقعنا في خطر عدم الاستقرار التشريعي (أو القانوني بشكل عام)، خاصةً إذا جاء الإلغاء بعد فترة من دخول القانون حيز النفاذ : فمثلاً إذا كان موضوع الدعوى قانوناً أنشأ ضريبة ثم حكم بعدم دستوريته و بالتالي إلغائه، و بالتالي و وفقاً للقاعدة المعروفة ما بني على الباطل فهو باطل، فهل يجب إعادة المبالغ المقتطعة باسم هذه الضريبة إلى أصحابها؟
إذا كانت الرقابة عن طريق دعوى مباشرة في أغلب الدول مقصورة على بعض الهيئات العامة (رئيس الجمهورية، الحكومة، البرلمان، مجالس محلية أو إقليمية …)، فإن بعض الدول فتحت سبيل هذه الدعوى أمام الأفراد، و لكن بحدود ضيقة جداً . و الحقيقة أن فتح الباب للطعن بعدم دستورية القوانين بطريق الدعوى المباشرة أمام الأفراد يوقعنا في خطر تراكم الدعاوى أمام المحكمة المكلفة بالرقابة على دستورية القوانين، و يقلل من الهيبة المعطاة للقوانين الصادرة عن سلطة معبرة عن إرادة الأمة. و لكن في المقابل إن حرمان الأفراد من حق الطعن و قصره على بعض الهيئات من شأنه أن يقلل من أهمية الرقابة على دستورية القوانين بطريق الدعوى المباشرة كأداة فعالة في ضمان سمو أحكام الدستور. و يمكن أن تتقاعس هذه الهيئات (السياسية طبعاً) في طلب الرقابة على دستورية القوانين إذا كانت مصالحهم لا تتطلب ذلك، فالسياسيون قبل تقديم طلب الرقابة على دستورية أي قانون يتساءلون هل يتعارض هذا القانون مع مصالحهم السياسية أم لا، بغض النظر عن النواحي القانونية : فإذا كان يتعارض مع مصالحهم تقدموا بطلب الرقابة على دستوريته، أمّا إذا لم يكن يتعارض مع مصالحهم فلا يحركون أي ساكن.
و الرقابة عن طريق دعوى مباشرة هي دائما رقابة مركزة Contrôle concentré، أي أن هناك هيئة قضائية واحدة تحتكر ممارسة الرقابة على دستورية القوانين. و إذا كانت عن طريق دعوى مباشرة هي دائما رقابة مركزة فإن بعض الدول القليلة أسندت مهمة الرقابة هذه إلى المحكمة العليا في النظام القضائي الموجود فيها ، و لكن أغلبها أسندت هذه المهمة إلى محكمة خاصة أنشئت خصيصاً لهذا الغرض . و يختلف تشكيل هذه المحاكم الخاصة من دولة إلى أخرى .
و الرقابة عن طريق دعوى مباشرة هي وسيلة هجومية Un moyen offensif، كونها دعوى مبتدأه و مباشرة يوجهها صاحب الشأن أو الطاعن بصفة أصلية و بمعزل عن أي نزاع آخر، تهدف بكل بساطة إلى إلغاء قانوناً مخالف لأحكام الدستور، و لذلك يصفها الفقه بأنها دعوى موضوعية Un procès objectif، كدعوى الإلغاء في القانون الإداري. و لذلك فإنّ الحكم الصادر عن المحكمة بعدم الدستورية، يعني إلغاء القانون أو أحكامه المخالفة للدستور، و يكون لهذا الإلغاء حجية مطلقة Erga omnes أو Effet absolu de la chose jugée تجاه الكافة، بأثر رجعي و كأن القانون لم يكن موجوداً أبداً.
اترك تعليقاً