قد يحدث ان يكون الموظف ارتكب بعد انهاء علاقته الوظيفية (وهو خارج الخدمة) جريمة تجعله غير صالح لشغل الوظيفة العامة ففي هذه الحالة يجوز للادارة بعد اعادته إلى الوظيفة (تنفيذا لحكم الالغاء) ان تقرر فصله لعدم صلاحيته للعمل على ان يسري هذا الفصل من تاريخ صدوره.(1) وعن مدى جواز معاقبة الموظف انضباطيا في حالة ارتكابه افعالا خلال فترة انهاء علاقته الوظيفية يمكن عدها جرائم انضباطية لو كان في الخدمة ثار خلاف بين من يرى جواز ذلك على اساس ان التأديب يقترن بالنظام الوظيفي وطالما ان حكم الالغاء يترتب عليه اعادة بناء النظام باثر رجعي فليس ثمة مانع من توقيع الجزاء التأديبي عن أي فترة من الفترات التي تشملها عملية اعادة البناء(2) وبين من يرى عدم جواز معاقبة الموظف انضباطيا عن هذه الافعال على اساس ان واجبه وهو خارج الخدمة غير واضح وغير محدد المعالم فمن غير الجائز مؤاخذته عن تصرف ما كان يجوز مؤاخذته عنه وقت ارتكابه لان ذلك يصطدم بقاعدة أولية من قواعد التجريم وهي عدم جواز التاثيم باثر رجعي.(3) وقد اقر مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر في 6/6/1952 الراي الذي لا يجير معاقبة الموظف باثر رجعي نتيجة اعادة بناء وضعه الوظيفي.(3)
كما قررت المحكمة الادارية العليا في مصر المبدا نفسه وذلك في حكمها الصادر في 8/4/1967.(5) اما اذا كان الموظف قد ارتكب الجريمة الانضباطية قبل انهاء علاقته الوظيفية الا ان امرها لم يكتشف الا بعد ذلك الانهاء فان من الجائز معاقبة الموظف عنها وذلك قبل صدور حكم الغاء قرار انهاء العلاقة الوظيفية او حتى بعد ذلك(6). اما في العراق فاننا وان لم نعثر على احكام لمجلس الانضباط العام في هذا الشان فلا نجد ما يمنع من تطبيق ما استقرت عليه احكام القضاء الاداري في كل من مصر وفرنسا وبالتالي فانه يتعين على الادارة ان تنفذ حكم مجلس الانضباط العام بالغاء قرار انهاء العلاقة الوظيفية فتعيد الموظف إلى الخدمة ثم يمكنها ان تنهي خدمته بالطرق التي حددها القانون اذا كان الموظف قد ارتكب خلال فترة انهاء علاقته الوظيفية جريمة جنائية تجعله غير صالح للخدمة مع جواز معاقبته عما ارتكبه من جرائم انضباطية خلال وجوده في الخدمة قبل انهاء علاقته الوظيفية بغض النظر عن تاريخ اكتشافها لان الدعوى التاديبية في العراق لا تسقط بالتقادم .
اما اذا كان الموظف قد ارتكب الجريمة الانضباطية خلال فترة انهاء خدمته ففي تقديرنا انه لابد من التمييز بين حالتين:
الاولى : عندما لا يمكن تصور وقوع الجريمة الا عندما يكون الموظف في الخدمة كجريمة الانقطاع عن الدوام الرسمي او عدم اداء اعمال وظيفته او عدم اطاعته لرؤسائه في العمل فهذه جرائم لا يمكن تصور وقوعها الا عندما يكون الموظف في الخدمة وبذلك لا يمكن مساءلته عنها وهو خارج الخدمة خلال فترة انهاء علاقته الوظيفية.
اما الحالة الثانية : فهي الجرائم الانضباطية التي يمكن تصور وقوعها من الموظف رغم انه خارج الخدمة . فالموظف ملزم في اغلب القوانين بكتمان اسرار عمله.(7) وهذا الالتزام لا يقتصر على فترة وجوده في الوظيفة وانما يستمر حتى بعد انتهاء خدمته باي وجه كان.(8) وذلك لان انتهاء خدمة الموظف لاي سبب كان لا يمنع من مساءلته وفقا لاحكام قانون الانضباط.(9)
وعليه نجد ان في حالة من هذا النوع يمكن معاقبة الموظف انضباطيا اضافة إلى المسؤولية الجنائية والمدنية التي تنهض جراء هذا الفعل.(10) وتستثنى من ذلك الحالات التي اجاز فيها القانون افشاء مثل هذا الاسرار او كان ذلك مما يوجبه القانون على الموظف.(11) ورغم ان هنالك من ذهب إلى ان الموظف في هذه الحالة تسقط عنه المسؤولية الانضباطية لعدم امكانية فرض عقوبات انضباطية عليه بعد فصم الرابطة الوظيفية.(12) الا ان ذلك في راينا المتواضع لا يمكن ان يجري على اطلاقه فلو عوقب موظف بالفصل ثم افشى خلال فترة فصله اسرارا بحيث يتوجب فصله او عزله الا يسوغ ذلك ان يعزل من الوظيفة لكي لا يعود بعد انتهاء مدة فصله الاول اذ ليس من العدل ان يعاقب زميل له في الوظيفة عن ذات الفعل بالعزل ولا يمكنه العودة إلى الوظيفة ثانية في حين يتاح للمفصول ذلك لمجرد انه ارتكب الفعل وهو خارج الوظيفة.
____________
1- حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادرة في 5/12/1930 في قضية Serrail اشار اليه د.مصطفى ابو زيد فهمي/ القضاء الاداري ومجلس الدولة/ ط1/ دار المعارف بمصر 1959 ص636 ود.ع عبد المنعم عبد العظيم جيرة: اثار حكم الالغاء، دراسة مقارنة في القانونين المصري والفرنسي/ دار الفكر العربي/ القاهرة 1971 ص535.
2- الفقيه (Weil) كما مشار اليه في المصدرين السابقين ص637 و ص535.
3- المصدران السابقان ص637 و ص534.
4 و 5- د. عبد المنعم عبد العظيم جيرة/ مصدر سابق ص535.
6- لم ياخذ المشرع العراقي بنظام تقادم الدعوى التاديبية وقد عد جانب من الفقه ذلك نقصا في التشريع مطالبا بسده لئلا يبقى سيف العقوبة مسلطا على الموظف يمكن للادارة ان تشهره متى تشاء. د. غازي فيصل مهدي: شرح احكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم 14 لسنة 1991/ مطبعة العزة/ بغداد 2001.ص102.
– كان الحال في المملكة العربية السعودية مشابها لما هو عليه في العراق لحين صدور نظام تاديب الموظفين بالمرسوم الملكي رقم م/7 في 1/2/1391هـ الذي نص في المادة (42) منه على سقوط الدعوى التاديبية بمضي عشر سنوات على تاريخ وقوع الجريمة التاديبية. الاستاذ محمود مجدي ابو النعاس/ تاديب الموظف العام الحلقة 3/ منشورة في مجلة الادارة العامة/ العدد التاسع عشر/ مطابع الشرق الاوسط/ السعودية 1976 ص8.
7- ومنها القانون الفرنسي والمصري والانكليزي. راجع شفيق عبد المجيد الحديثي: النظام الانضباطي لموظفي الدولة في العراق/ رسالة ماجستير/ جامعة بغداد 1973ص76 وما بعدها.
8- المادة الرابعة من قانون انضباط موظفي الدولة رقم 69 لسنة 1936 والمادة (4/سابعاً) من القانون رقم 14 لسنة 1991.
9- المادة (23) من قانون رقم 14 لسنة 1991.
10- المادة (437) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
11- كما في المادة (48) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل التي تلزم الموظف بالاخبار عن الجريمة التي يعلم بها اثناء تاديته عمله او بسببه.
12- د. غازي فيصل مهدي/ شرح احكام قانون انضباط../ مصدر سابق ص18.
المؤلف : مهدي حمدي الزهيري
الكتاب أو المصدر : اثر الجريمة التي يرتكبها الموظف العام في انهاء علاقتة الوظيفية
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً