أنا ولد ذكر ولي أربع أخوات بنات وكلهن متزوجات وأنا أصغرهن، ولوالدي بيت وشقة وسيارة، وقبل وفاة والدي ووالدتي باع لي الشقة، وقالا لي ألا أقول لأحد من أخواتي هذا الأمر إلا بعد وفاتهما، وأنا فعلت ذلك. هل هذه الشقة من حقي أم لأخواتي ميراث فيها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الأصل- فيما يظهر لنا- هو وجوب التسوية بين الأولاد في العطية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ»، ولا تجوز المفاضلة إلا بمسوغ شرعي، فإذا حدثت المفاضلة بغير مسوغ فإن الأب يأثم، وتجب عليه التوبة بأحد أمرين، إما برد ما فضل به البعض، وإما بإعطاء الآخر مثله، ثم إن مات الواهب قبل أن يصحح هذا الوضع فإنه يفرق بين حالين:
الأول: إن كان قد فعل ذلك في حال صحته فتثبت العطية على ما فيها من الجور والمفاضلة عند أكثر أهل العلم، إذا كانت قد تمت بالقبض، لكن يُدعى الورثة إلى تحقيق العدل وتصحيح القسمة، ويرغبون في ذلك.
وقال أحمد في رواية: إن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فيمن فضَّل بعض أولاده في الهبة: يجب عليه أن يرد ذلك في حياته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن مات ولم يرده رد بعد موته على أصح القولين أيضًا طاعةً لله ولرسوله، ولا يحل للذي فُضِّل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. انتهى.
الثاني: أن تكون عطيته وقسمته الجائرة قد حصلت في حال مرض الموت أو المرض المخوف الذي يكثر حصول الموت منه- فلا تنفذ، ويعاد تقسيم التركة طبقًا للقسمة الشرعية لا يُحرم منها وارث.
وعلى هذا فإن كانت هبة هذه الشقة لك قد حصلت في حالة صحة والدك، وقد تمت هذه الهبة بحيازتها فالأصل أنها لك، ولكنك مندوب إلى إدخالها في التركة برًّا بأبيك ورحمة به؛ لقد رحمك في حياته فارحمه بعد مماته، وصلة لأخواتك، ونزعًا للعداوات من نفوسهن؛ فإن منع التحاقد بين ذوي القربى من مقاصد الشريعة.، والذي يؤكد إرجاعها إلى التركة أنه على ما يظهر من سؤالك أنك لم تحزها؛ لأن والدك قد جعل الأمر سرًّا وأوصاك بإخفائه عن أخواتك، الأمر الذي يترجح معه أنك لم تحزها وبقيت على الشيوع في حيازة الوالد، فإن كان ذلك كذلك ردت الهبة إلى التركة وقسمت بين الجميع وفقًا لقواعد الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، بعد قضاء الديون وإنفاذ الوصايا.
وهذا الذي ذكرناه هو ما نرى رجحانه في هذه المسألة، وهو ما ذهب إليه الإمام أحمد :، وفي المسألة وجه آخر لجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية؛ وهو جواز المفاضلة في العطية، وحملوا حديث النعمان بن بشير على الاستحباب دفعًا للتناقض بين قواعد الشريعة؛ لأن المسلم له سلطة فيما يملكه، وله أن يعطي منه ما شاء لمن شاء، فكيف يمنع من إعطاء بعض أبنائه أو بناته منه؟! وقد خص أبو بكر وعمر ب بعض أبنائهما بشيء من أملاكهما، فنذكر لك هذا من تمام البراءة للذمة، ولتقف على شيء من ثراء الاجتهادات الشرعية، وإن كنا نرجح القول الأول. والله تعالى أعلى وأعلم .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً