ما هو قانون جاستا ومدى مشروعيته
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
انشغل الرأي العام العالمي بالقانون الأمريكي(Justice Against Sponsors of Terrorism Act)، أو قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب؛ المعروف اختصاراً بـ(جاستا) الذي أجاز ملاحقة الدول الراعية للإرهاب وتعويض الضحايا الأمريكيين المتضررين من الأعمال الإرهابية التي يقوم بها رعايا تلك الدول وبأثر رجعي. وكانت المفاعيل الأولى لهذا القانون إقامة أول دعوى على الحكومة السعودية باعتبار أغلب الإرهابيين الذين قاموا باعتداء 11 أيلول عام 2001 هم من التابعية السعودية. مما دفع بعض الدول إلى التنديد بهذا القانون لخرقه ميثاق الأمم المتحدة وانتهاكه لمفهوم السيادة والحصانة القضائية للدول؛ فما هو موقف القانون الدولي منه؟!
من الثابت في القانون الدولي والمواثيق الدولية أن الدول تتمتع بحق المساواة القانونية ويترتب على ذلك جملة من النتائج، من أهمها في هذا الخصوص:
أولاً: ليس لدولة أن تملي إرادتها على دولة أخرى تامة السيادة في أي شأن من الشؤون الخاصة بهذه الدولة؛
ثانياً: لا تخضع دولة في تصرفاتها لقضاء دولة أجنبية إلا في الحالات الاستثنائية الآتية؛
أ ـ إذا قبلت الدولة اختصاصات القضاء الأجنبي صراحة. ومثال ذلك أن ترفع دعوى أمام القضاء الأجنبي أو كانت مرتبطة بعقد ينص صراحة على قبولها لاختصاص قضاء دولة أجنبية فيما يتعلق بتنفيذ هذا العقد.
ب ـ إذا كان للدولة أموال عقارية في إقليم أجنبي فإن هذه الأموال تخضع في كل ما يقوم بشأنها من منازعات لقضاء الدولة الموجودة في إقليمها؛ فتملّكها عقارات في غير إقليمها يفترض قبولها اختصاص القضاء الإقليمي بالنسبة لهذه العقارات.
ج ـ يجوز مقاضاة الدولة أمام محاكم دولة أخرى عن الأعمال ذات الصفة التجارية التي تقوم بها في إقليم أجنبي.
وقد سبق أن استقر في قضاء المحاكم الدولية والوطنية معيار خاص للتفرقة بين حالة قيام مسؤولية الدولة أو عدمها. ويتجلى في أنه إذا عرض على القاضي فعل صادر من حكومة أجنبية، فعليه لتحديد موقفه منه، أن يتبين أولاً طبيعته؛ فإذا كانت طبيعة الفعل لا يمكن أن تصدر في أي حال إلا عن الدولة أو باسمها، تعيّن على القاضي الحكم بعدم الاختصاص؛ أما إذا كان الفعل يستطيع أي شخص من أشخاص القانون الخاص أن يقوم به، كالعقد أو القرض أو ما شابه ذلك، كان للمحكمة الأجنبية حق النظر والفصل فيه، أياً كان الدافع إليه أو الغرض الذي تم لأجله.
وبما أن المسؤولية الدولية ترتبط بفكرة السيادة، فيتبع ذلك أنها لا يمكن أن تنشأ إلا بين دولتين، وبالتالي، لا تدخل في مدلولها العلاقة التي قد تنشأ بين الدولة وأحد الأفراد أو الهيئات الخاصة، أو تصرّف هذه الدولة على نحو فيه اخلال بالتزاماتها التي يفرضها القانون الداخلي تجاه هذا الفرد أو الهيئة، أو الإخلال بالاتفاق الذي تكون قد أبرمته مع أحد هؤلاء، حيث تخضع مثل هذه العلاقات لقواعد القانون الداخلي، ولا شأن للقانون الدولي العام بها، ما دام النزاع محصوراً بين الدولة والفرد أو الهيئة، ومادام هذا الفرد أو الهيئة لا يقومون بهذه الأفعال باسم الدولة التي ينتمون إليها أو لحسابها، وإنما يرتكبونها وهم مجردين من أي صفة رسمية، وبدوافعهم الخاصة وبصفتهم الشخصية.
وعليه، لا تُسأل الدولة التي ينتمون إليها باعتبارها أفعالاً فردية، وتُسأل فقط إذا ثُبت أنها قصّرت في واجباتها كدولة؛ إذا أخلت بالالتزامات المفروضة عليها في المعاهدات والمواثيق الدولية، أو قصّرت في تنفيذ واجباتها. فقد نصت المادة 10 من مشروع لجنة القانون الدولي على أنه: “تُسأل الدولة عن الأضرار التي تصيب الأجانب نتيجة أفعال الأفراد إذا كانت سلطاتها أو موظفيها قد أهملوا إهمالاً ظاهراً اتخاذ الاجراءات التي تُتخذ عادة لمنع أو عقاب مثل هذه الأفعال”.
وفي هذه الحالة للدولة المتضررة اتخاذ إجراءات قسرية انفرادية لإجبار الدولة مسببة الضرر على دفع التعويض المناسب من خلال الحجز على ممتلكات الأخيرة، التي تكون موجودة في نطاق الاختصاص الإقليمي للدولة الأولى، وبذلك يحق لها أن تقوم بمصادرة الأملاك العائدة للدولة الممتنعة عن تنفيذ الحكم القضائي، أو إلقاء الحجز عليها، أو تأميمها دون أن يكون لها ممارسة تلك الإجراءات على مقر السفارة أو القنصليات أو البعثات الخاصة، أو ما تحتويه من أثاث وأموال ووسائل النقل التابعة لها، نظراً لما تتمتع به من حصانة تم الاتفاق عليها في اتفاقية فيننا لعام 1961. وقد منحت اتفاقية السلام لعام 1947 الحلفاء حق حجز أموال دول المحور الموجودة على إقليمها لتصفيتها وبيعها واستخدام العائدات لاستيفاء مطالب رعاياها ضد دول المحور.
وتعمد الدول في أغلب الحالات المعروفة في هذا المجال إلى تجميد الأرصدة الموجودة في بنوك الدول الدائنة، وهو ما فعلته الولايات المتحدة مع إيران في قضية الرهائن، حيث بررت تصرفها بالاستناد إلى نظرية الانتقام ومبدأ المعاملة بالمثل رداً على تصرف ايران في اقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين؛ وإن كانت المحكمة العليا الألمانية قد عبرت في حكمها الصادر في 7 تموز عام 1955 “أن مثول الدول الأجنبية أمام القضاء الوطني لدولة أخرى يعد انتهاكاً لسيادتها”. كما رفضت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر عام 1952 في قضية بنك أسبانيا الحجز عليه لتمتعه بالحصانة القضائية، وذلك لأنه يقوم بالعمل بصفته تابعاً للدولة، في حين أن بعض فقهاء القانون الدولي يقرّون بشرعية الحجز على أملاك الدولة التي ترفض تنفيذ الأحكام الدولية باعتباره إجراءً من إجراءات الاعتماد السلمي على النفس، ولا تتعارض مع مبدأ حسن النية بصدد تنفيذ الالتزامات التعاقدية بين الدولة، وهو رأي الفقهين الأمريكي والبريطاني.
في ضوء ذلك تكون مطالبة شخص عادي أمام المحاكم الوطنية بالتعويض بالاستناد إلى قواعد المسؤولية الدولية غير جائزة، ما لم تكن الدولة المطالبة بالتعويض قد أخلت بالتزام دولي. وبما أن القانون الأمريكي “جاستا” استند إلى مشاركة أفراد من العائلة المالكة السعودية في أحداث 11/ أيلول، فيكون بحسب قواعد القانون الدولي وما استقرت عليه اجتهادات المحاكم الدولية بهذا الخصوص، صحيحاً ومتفقاً مع قواعد المسؤولية الدولية والقانون الدولي؛ لأن هؤلاء الأفراد يتمتعون حسب القانون السعودي الداخلي بالصفة الدبلوماسية والرسمية ويعملون باسمها. وكان الحري بالمملكة السعودية حسب القانون الدولي، أن تُحسن اختيار موظفيها وتراقب سير أعمالهم وتجاوز هؤلاء حدود اختصاصاتهم. وخلاف ذلك يُعتبر تقصيراً منها في القيام بهذا الواجب الدولي بصرف النظر عن الاعتبارات السياسية والاقتصادية التي حملت واضعي القانون الأمريكي على إصداره، وبغض النظر أيضاً من موقفنا من السياسة الخارجية السعودية في المنطقة والعالم..؟!
اترك تعليقاً