ما هي التزامات الوكيل بالعمولة في ظل القانون التجاري؟

واجبات الوكيل بالعمولة في ظل القانون التجاري السوري الجديد

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

مقدمة
برزت أهمية عقد الوكالة بالعمولة في الحياة التجارية فيما يحققه من تلاقي للمصالح بين الموكل والوكيل بالعمولة، فالموكل يسعى للاستفادة من خبرات ومهارات غيره للحصول على أفضل البضائع والصفقات في حين أن الوكيل بالعمولة يسعى إلى تحقيق الربح المتمثل بالعمولة التي يتقاضاها من الموكل في حال نجاح الصفقة .

ومن خلال الفهم العام لطبيعة عقد الوكالة بالعمولة والغاية التي أُوجد من أجلها نجد أن أهم ما يحتويه وينظمه هذا النوع من العقود التجارية هو واجبات الوكيل بالعمولة والتي سعت العديد من التشريعات إلى تنظيمها بشكل دقيق نظراً لخطورة الآثار التي يمكن أن تنتج عن الإخلال بها.
فالوكيل بالعمولة وكما عرفه القانون التجاري السوري الجديد الصادر بالقانون رقم 33 لعام 2007 هو الذي يأخذ على نفسه أن يعقد باسمه الخاص ولكن لحساب موكله بيعاً وشراء وغيرهما من العمليات التجارية مقابل عمولة لذا يعتبر عقد الوكالة بالعمولة أحد عقود الوكالات التجارية بصفة عامة، ومن ثم فإنه يسري عليه ما يسري على هذه الوكالات من أحكام عامة، وبالإضافة لذلك فإن له أحكام خاصة نابعة من كون هذا العقد لا يتم باسم الموكل وإن كان ينسحب أثره إليه.
ينتج عن عقد الوكالة بالعمولة مجموعة من الالتزامات التي تقع على عاتق الوكيل بالعمولة، وهي تشكلُ بمجموعها جوهر عقد الوكالة بالعمولة، وقد حرصت معظم التشريعات المتطورة على تنظيم أحكامها بشكل مفصل على عكس الحال في القانون التجاري السوري سواء الجديد أو القديم كما سنرى، وخصوصاً أننا سنلجأ للمقارنة مع القانون التجاي المصري الحديث الصادر عام 1999 بالقانون رقم 17.
يمكن تقسيم التزامات أو واجبات الوكيل بالعمولة إلى واجبات نقدية وواجبات غير نقدية وهذا ما سنبحثه على التوالي المطلبين التاليين .

المطلب الأول الواجبات النقدية
يقع على عاتق الوكيل بالعمولة مجموعة من الالتزامات والواجبات النقدية أو المالية والتي تنقضي إما بدفع المال للموكل أو الامتناع عن الدفع باسم الموكل، وبشكل عام ترتبط هذه الواجبات بكل ما له علاقة بالحساب المالي بين الوكيل بالعمولة والموكل، ويمكننا حصرها فيما يلي :

أولاً عدم الإقراض والتسليف
أكد القانون التجاري السوري الجديد على المبدأ الذي تبناها القانون التجاري السوري القديم(1)، القاضي بعدم السماح للوكيل بالعمولة بإجراء أي عملية إقراض أو تسليف للغير بدون رضا الموكل ولم يشترط المشرع هنا الإجازة الخطية كما فعل في اشتراطه لجواز تعاقد الوكيل بالعمولة مع نفسه وذلك على ما يبدو وقع سهواً أثناء النقل من التشريع القديم لأنه لا يوجد ما يبرر اشتراط المشرع الكتابة لجواز تعاقد الوكيل بالعمولة مع نفسه والاكتفاء برضا الموكل في عمليات الإقراض والتسليف التي يجريها الوكيل.

وإذا قام الوكيل بالعمولة بذلك بدون رضا الموكل كان مسؤولاً وبشكل مباشر أمام الموكل عن المال الذي تم إقراضه، وأما فيما يخص بحق الوكيل منح الآجال والأقساط،وفي ظل غياب النص في التشريع السوري فنعتقد أن حق الوكيل في ذلك يندرج تحت واجب الوكيل بعدم الإقراض والتسليف نظراً لوحدة العلة في الحالتين ألا وهي الضرر المحتمل، وبالتالي لا يحق للوكيل بالعمولة منح الآجال والأقساط في الصفقات التي يجريها لحساب الموكل.

ثانياً تقديم الحسابات
يلتزم الوكيل بالعمولة بتقديم حسابات عن وكالته يوضح فيه ما تم من صفقات وما للبائع من رصيد أو بضائع مستحقة وكذلك عمولة الوكيل المستحقة، وللأسف لم يتلافى المشرع السوري في القانون التجاري الجديد الفراغ الذي يتعلق بتنظيم هذا الواجب علماً أن هذا الفراغ كان موجوداً أيضاً في القانون الجاري السوري القديم، وهنا لا بد لنا من العودة للقواعد العامة للوكالة في القانون المدني السوري والتي توجب على الوكيل بالعمولة أن يقدم للموكل المعلومات الضرورية عما وصل إليه في تنفيذ الوكالة ويقدم إليه حساباً به(2)، وتوضح محكمة النقض السورية ذلك بالاجتهاد الذي ينص على مايلي:
“على الوكيل أن يوافي الموكل بالمعلومات الضرورية عما وصل إليه في تنفيذ الوكالة وأن يقدم له حساباً عنها ( المادة 671 مدني ) وأن يكون هذا الحساب مفصلاً وشاملاً لجميع أعمال الوكالة مع المستندات وأن يرد للموكل ما في يده من مال”(3).

في حين أن المشرع المصري نظم هذا الالتزام بشكل مفصل وأوجب أن يكون مطابقاً للحقيقة، وفي حال احتوائه على بيانات غير صحيحة جاز للموكل رفض الصفقات التي تتعلق بهذه البيانات(4)، وبالتصديق على هذا الحساب من جانب الموكل تنتهي مهمة الوكيل(5).

ثالثاً دفع الفوائد
تفرد المشرع السوري بوضع نص خاص يلزم الوكيل بالعمولة أن يدفع فائدة عن الأموال العائدة للموكل اعتباراً من اليوم الذي كان يجب عليه تسليمها أو إيداعها وفقاً لأمر الوكيل(6)،ولا يوجد في القانون التجاري المصري الجديد ما ينص على مثل هذا الالتزام،وعلى ما يبدو فإن المشرع السوري احتاط في هذا النص من سوء نية الوكيل بالعمولة والذي قد يظهر بعد إتمام الصفقة، كذلك إن العقد الذي يبرمه الوكيل بالعمولة وإن كان يبرمه باسمه الخاص لكنه بالحقيقة يهدف إلى نقل الملكية إلى الموكل الذي رغب بالاستفادة من خبرات ومهارات الوكيل فقط، وبالتالي يكون للموكل الحق بالانتفاع من الشيء أو ثمنه فور إتمام الصفقة، علماً أن الفائدة هنا إن لم يكن هنالك اتفاق هي 5% بسبب طبيعة عقد الوكالة التجارية.

المطلب الثاني الواجبات غير النقدية
يقع على عاتق الوكيل بالعمولة مجموعة من الالتزامات التي لا تنقضي إلا بتنفيذها من قبل الوكيل، ولقد عدد القانون التجاري السوري الجديد هذه الالتزامات ضمن الأحكام العامة التي وردت تحت الباب الرابع من هذا القانون وكذلك ضمن الأحكام الخاصة لعقد الوكالة بالعمولة(7).ويمكننا حصرها فيما يلي:

أولاً – تنفيذ العمليات القانونية المكلف بها
يجب على الوكيل بالعمولة تنفيذ العمليات القانونية التي كُلف بها وفق تعليمات وتوجيهات الموكل وبشخصه ولا يجوز للوكيل بالعمولة إنابة شخص آخر للقيام بالصفقة إلا إذا كان مسموحاً له ذلك بحسب اتفاقه مع الموكل، أو كان العرف يسمح بذلك، أو إذا كانت هنالك ظروف تضطره لهذه الإنابة كحالة وجود حرب في بلد البائع مصدر البضاعة وعدم قدرته على إبرام الصفقة(8)، وعلى ما يبدو فإن هذا التشدد الذي اتبعه المشرع في عدم السماح للوكيل بالعمولة بالإنابة مرده إلى الاعتبار الشخصي الذي يقوم عليه عقد الوكالة بالعمولة فالموكل هو تاجر يستعين بخبرة ومهارة غيره للحصول على السلع أو بيعها، ويلتزم الوكيل أيضاً أن يراعي في تنفيذه لتعليمات الموكل حسن النية وكل ما يفيد الموكل العلم به والاطلاع عليه وذلك على ضوء خبرته واجتهاده، مع التذكير بأن الوكيل لا يكون مسؤولاً عن عدم تنفيذ الالتزامات المترتبة على الذين تعاقد معهم إلا إذا كفلهم أو كان العرف يقضي بذلك(9) وهذا ما استقر عليه الاجتهاد في سورية فجاء في قرار محكمة النقض السورية:
” إن الوكيل بالعمولة غير مسؤول عن عدم تنفيذ العقد باعتبار أن تعاقده يكون لحساب موكله إلا إذا قام بين الطرفين شرط خاص يجعل الوكيل ضامناً لتنفيذ العقد مقابل عمولة إضافية”(10).

ثانياً عدم جواز تعاقد الوكيل بالعمولة مع نفسه
لقد أكد القانون التجاري السوري الجديد على عدم جواز تعاقد الوكيل بالعمولة مع نفسه إلا بإجازة خطية(11)، وهو أيضاً ما كان معمول به في القانون التجاري السوري القديم (12)، وعلة المنع وجود التعارض بين مصلحة الموكل ومصلحة الوكيل بالعمولة الذي سيميل لمحاباة نفسه على حساب الموكل(13) في حين أن قانون التجارة المصري الجديد كان أكثر ملائمة للواقع فبعد أن تبنى مبدأ عدم جواز تعاقد الوكيل بالعمولة مع نفسه أورد عليه ثلاثة استثناءات وأجاز التعاقد، وذلك إذا أذن له الموكل في ذلك أو إذا كانت تعليمات الموكل بشأن الصفقة صريحة ومحددة ونفذها الوكيل بدقة أوإذا كانت الصفقة تتعلق بسلعه لها سعر محدد في السوق واشتراها الوكيل أو باعها بهذا السعر(14) ونلاحظ أن في هذه الاستثناءات قد انتفت العلة وبالتالي انتفى المنع.
وعلى ما يبدو أن المشرع السوري لم يكلف نفسه عناء البحث والتقصي عن الغاية من هذا المنع وعمد إلى تكرار من القانون التجاري القديم مع اشتراط الكتابة لإجازة التعاقد.في حين كان يكتفي بالرضا في القانون القديم.

ثالثاً التصريح عن الوكالة والعملاء
يثور لدينا السؤال حول مدى جواز إلزام الوكيل بالعمولة بالتصريح عن وكالته للغير أو بالتصريح عن أسماء عملائه للموكل؟.
لقد سكت المشرع السوري عن تنظيم هذا الالتزام في القانون التجاري السوري الجديد وكذلك كان الحال في القديم، وعليه سنضطر للعودة إلى القواعد العامة في القانون المدني السوري والتي تنظم النيابة باعتبار الوكالة أحد أشكال النيابة، وبالعودة للقواعد العامة يتضح لنا أنه لا يوجد ما يلزم الوكيل بالعمولة بالتصريح عن اسم موكله وجلُ ما هو مطلوبٌ منه أن يصرح أنه يتعاقد لحساب الغير(15)، وكذلك لا يوجد ما يلزم الوكيل بالعمولة أن يصرح عن أسماء عملائه للموكل.
أما القانون التجاري المصري الجديد فقد وضع حكماً جديداً ينص على السماح للوكيل بالعمولة بالتصريح عن اسم موكله إلا إذا طلب الموكل عدم كشف اسمه، في حين ألزم القانون التجاري المصري الجديد بنصه الجديد الوكيل بالعمولة على التصريح عن أسماء عملائه إذا طلب منه الموكل ذلك تحت طائلة اعتباره ضامناً للصفقة(16).

وبذلك يكون المشرع المصري قد خرج عما استقر عليه الفقه والقضاء في مصر والذي كان يلزم الوكيل بالعمولة بالمحافظة على سرية اسم الموكل وأسماء العملاء(17).في حين أن المشرع السوري وعلى ما يبدو قام بقل نفس النصوص من القانون التجاري السوري القديم مع بعض التغيير البسيط.

الخاتمة
بعد البحث والتقصي في نصوص قانون التجارة السوري الجديد الصادر بالقانون رقم 33 لعام 2007 المتعلقة بواجبات الوكيل بالعمولة وجدنا أن أغلبها قد نقل وبشكل شبه حرفي من القانون التجاري السوري القديم الصدر بالمرسوم رقم 149 لعام 1949، ومن خلال التعمق والاستدلال ببقية النصوص الموجودة في القانونيين لاحظنا نفس الطريقة في النقل.
وأيضاً لاحظنا التنظيم السيئ لواجبات الوكيل بالعمولة رغم أهمية هذا العقد في الحياة التجارية عموماً وسورية خصوصاً لانتشار هذه العقود في ظل فتح أسواق جديدة أمام المصدريين السوريين كالسوق العراقية وكذلك العكس، وهذا ما يقودنا بدوره للسؤال عن الطريقة التي وضع بها القانون التجاري السوري؟
لقد كنا في السابق نرى المشرع التجاري السوري يلجأ إلى الاستعانة بقوانين دول أخرى فيترجم لنا هذه القوانين ويلزمنا بها دون التأكد من مدى تناغمها مع الحياة في المجتمع التجاري السوري، وعلى الرغم من سوء هذه الطريقة في وضع تشريع لمجتمع بأكمله وإهانتها لحضارة أمة من أعرق الأمم عبر التاريخ، نجد أن المشرع التجاري السوري لم يعد يكلف نفسه حتى هم البحث والترجمة فبدأ بالنقل من قوانين صدرت في سورية منذ أكثر من ستين عاماً، لدرجة تجعل الباحث يعتقد أن من وضع تلك القوانين ما زال يمارس عمله في إدارة التشريع.
وهنالك علامة استفهام كبيرة عن الطريقة التي توضع بها القوانين التجارية في الجمهورية العربية السورية،وخصوصاً أن الكثير من الأعراف لا تُراعى أثناء صياغة القوانين، والسبب على ما يبدو أن القانون وضع من لجنة غير مختصة، وربما كانت غير مستقلة، ولم يتم عرضه على كبار رجال القانون في سورية للتناقش فيه، وهذا يعني أن عجلة التشريع في سوريا تسير باتجاه مأساوي، ولا سيما بعد أن شاهدنا المقارنة اليسيرة مع القانون التجاري المصري، واتضح لنا الفرق الشاسع.
أخيراً نقترح بتشكيل لجنة من كبار رجال القانون والفقهاء في سوريا ورجال التجارة، تمنح الصلاحيات التامة والاستقلال الكامل في عملها لبدء مشروع إعادة هيكلة التشريع التجاري السوري بما يتناغم مع الحياة التجارية السائدة في سورية ويلبي كذلك تطورات العصر الحالي، ويمكن أن يكون ضمن هذه اللجنة أعضاء متخصصين بشكل دقيق جداً بكل عقد من العقود التجارية مما سيساهم بخروج قانون يأتلف وروح العصر، وأقرب للصواب.
تم بعون الله وفضله
وفوق كل ذي علمٍ ، عليم
المحامي محمد سامر حلو
نقابة المحامين – سوريا – فرع حلب
__________________________________________________ _______________________________________
(1)المادة 161 في القانون التجاري السوري الجديد والمادة 387 في القانون التجاري القديم.
(2) المادة 671 من القانون المدني السوري.
(3)اجتهاد منشور في التقنين المدني السوري ، طعمة واستانبولي ، الجزء السادس ، مكتبة النوري ، عام 1990 ، ص 5590
(4) المادة 158 من القانون التجاري المصري لعام 1999
(5) القانون التجاري الجديد لسنة 1999 ، الدكتور عماد الشربيني ، مرجع سابق ، ص227
(6)المادة 158 من القانون التجاري السوري الجديد وكذلك يقابلها بالقانون التجاري السوري القديم المادة 371
(7) وذلك من المادة 154 وحتى المادة 173 في القانون التجاري السوري الجديد رقم 33 لعام 2007.
(8) المادة 159 من القانون التجاري السوري الجديد.
(9) المادة 162 من القانون التجاري السوري الجديد
(10) نقض أساس 4075 /قرار 3281 لعام 2008 ، منشور في مجلة “المحامون” – عام 2010 – العددين 5-6
(11) المادة 160 من القانون التجاري السوري الجديد
(12) المادة 377 من القانون التجاري السوري القديم
(13)القانون التجاري الجديد لسنة 1999 ، الدكتور عماد الشربيني ، الجزء الأول ، دار الكتب القانونية ، عام 2002 ، ص 222
(14) المادة 156 من القانون التجاري المصري لعام 1999
(15)المادة 107 من القانون المدني السوري
(16) المادة 173 من القانون التجاري المصري لعام 1999
(17) العقود التجارية ، منير الجنبيهى – ممدوح الجنبيهي ، دار الفكر الجامعي ، عام 2000 ، ص 82

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.