متى يتنازل القاضي عن الحق العام؟!
عبد الله باجبير
«وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» .. صدق الله العظيم .. والعدل هو أرفع القيم التي تعيش عليها المجتمعات وتزدهر، وإذا نظرت إلى النظريات السياسية جميعها والتنظيمات السياسية بمختلف أنواعها وجدت أن العدل في أول السلم فيما يريده الحاكم والمحكوم معاً، فإذا ساد العدل بين الناس اختفت المظالم فكل واحد يحصل على حقه بالعدل .. وكما يقال إن العدل أساس الملك. وفي كل جريمة تقع هناك جانب شخصي وجانب اجتماعي، والجانب الشخصي هو حق المجني عليه على الجاني، والجانب الاجتماعي هو حق المجتمع على الجاني، حتى لا يتكرر ما فعل أو ما جنى ..
وهذا هو الحق العام .. وكما أن من حق المجني عليه أن يتنازل عن حقه بالمصالحة أو قبول التعويض، فإن من حق المجتمع أن يتنازل عن حقه في بعض الحالات .. وهذا بالضبط ما تحاوله مجموعة من رجال الداخلية والعدل والمجلس الأعلى للقضاء وهيئة التحقيق والادعاء العام .. ومحاولتهم تدور حول إلحاق مواد جديدة ضمن نظام الإجراءات الجزائية تمنح المحاكم حق إيقاف تنفيذ العقوبات في الحق العام، والمقصود بالحق العام هو حق المجتمع ..
بشرط أن يكون المحكوم عليه من أصحاب الأخلاق الحميدة أو له ماض نظيف يشهد له وشروط أخرى. وتمضى النصوص بما يشبه المذكرة التفسيرية فتقول إن من حق المحكمة التي أصدرت الحكم بالإدانة وتوقيع العقوبة أن تأمر بتأجيل تنفيذ الحكم لأسباب جوهرية توضحها في أسباب حكمها، على أن تحدد مدة التأجيل في منطوق الحكم. ومنها نص آخر يقول إن للمحكمة التي تنظر الدعوى أن تنص في حكمها على وقف عقوبة السجن التعزيرية في الحق العام إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية أو غير ذلك ما يبعث على القناعة بوقف التنفيذ.
ولكن ذلك يعقد بشرط أن يظل المحكوم عليه وله لمدة ثلاث سنوات تالية لا يرتكب فيها جريمة أخرى حتى يصبح الحكم نهائياً، أما إذا وقع في قبضة القانون مرة أخرى فتضاف العقوبة القديمة إلى العقوبة الجديدة. هكذا تتعدد النصوص الداعية إلى وقف تنفيذ عقوبات الحق العام إذا توافرت شروط وظروف معينة .. كما تنص إحدى المواد على احتساب مدة الإيقاف أثناء التحقيق من مدة الحكم بالسجن إذا صدرت ..
ويطلق سراح الموقوف فوراً إذا غطت فترة الإيقاف مدة السجن. كل هذا محاولة محترمة وجادة في أن يكون القانون أكثر عدلاً، وأن تكون الرحمة ومراعاة الظروف جزءاً من تقدير الموقف، كما يراه القاضي، وهو اتجاه نؤيده ونشجعه ونحترمه.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً