مقالة مميزة عن جرائم الإجهاض في قانون العقوبات اللبناني
مجلة الجيش
العدد 295 – January, 2010
إعداد: نادر عبد العزيز شافي
دكتوراه دولة في الحقوق – محام بالإستئناف
يمكن تعريف الإجهاض بأنه الفعل الذي من شأنه إنهاء حالة الحمل عبر قتل الجنين في رحم أمه أو إخراجه عمداً من رحمها قبل الموعد الطبيعي لولادته، حتى ولو خرج حياً وقابلاً للحياة. ولا يعتبر إجهاضاً إذا خرج الجنين من الرحم حياً أو ميتاً نتيجة أعراض صحية أدت الى تقلصات في عضلات الرحم.
وقد حرصت أغلبية التشريعات على معاقبة فعل الإجهاض واعتباره جريمة جزائية لأنه يشكّل اعتداء على حق الجنين في الحياة وفي نموه الطبيعي داخل الرحم حتى الولادة الطبيعية، كما يشكّل إعتداء على صلاحية المرأة في الحمل والإنجاب، وكذلك على حق المجتمع في التكاثر ضماناً لاستمراره وازدهاره. وعاقب القانون اللبناني في المواد من 539 حتى 546 من قانون العقوبات، على الإجهاض الذي ترتكبه المرأة الحامل بنفسها أو يرتبكه شخص آخر برضاها أو من دون رضاها، وعلى التسبّب بالإجهاض، كما عاقب على بيع وسائط الإجهاض أو ترويجها أو تسهيل استعمالها، وشدّد العقوبة عندما يكون الفاعل طبيباً أو جراحاً أو صيدلياً أو أحد مستخدميهم.
شروط ارتكاب جريمة الإجهاض
يشترط لارتكاب جريمة الإجهاض توافر العناصر الآتي ذكرها: وجود الجنين في الرحم، وقوع الفعل المؤدي الى الإجهاض، وتوافر القصد الجرمي.
• وجود الجنين في الرحم:
يشترط لارتكاب جريمة الإجهاض وجود حمل أو إمرأة حامل، ووقوع الإعتداء على الجنين في رحمها. فجريمة الإجهاض تقع على الجنين في الفترة الممتدة بين الإخصاب وبداية الولادة. ولا يشترط مرور مدة معينة على الإخصاب وبلوغ الجنين درجة معينة من النمو. أما الأفعال الواقعة قبل تلك الفترة أو بعدها فلا تؤلف جريمة الإجهاض، ولا يعاقب عليها القانون ما لم تؤلف جريمة أخرى. فلا تعد إجهاضاً أفعال منع الإخصاب كتناول حبوب منع الحمل أو منع الحيوان المنوي من الدخول في جسم المرأة أو منع وصول البويضة الى الرحم أو منع تلقيحها. كما لا تعد إجهاضاً الأفعال التي من شأنها أن تمسّ حياة المولود أو سلامته في أثناء الولادة؛ بل قد تعد هذه الأفعال قتلاً أو إيذاء لأنها واقعة على مولود اكتسب روحاً وحياة عادية.
• وقوع الفعل المؤدي الى الإجهاض:
يُشترط لقيام جريمة الإجهاض ارتكاب فعل يؤدي الى موت الجنين أو خروجه من رحم أمه قبل الموعد الطبيعي لولادته، سواء أكان ذلك بواسطة العنف أم بدونه. وقد تكون وسائل الإجهاض كيميائية؛ كإعطاء الحامل أدوية أو عقاقير أو أقراصاً أو حقناً تحدث تقلصات في عضلات الرحم يكون من شأنها إخراج الجنين أو قتله داخل الرحم. وقد تكون تلك الوسائل نفسية أو معنوية بواسطة استعمال وسائل ترويع المرأة الحامل أو تعذيبها نفسياً أو مفاجأتها بأمور تحدث الرعب في نفسها. وقد تكون وسائل الإجهاض ميكانيكية؛ كالدفع بآلة أو أداة الى الرحم أو توجيه أشعة الى جسم الحامل أو تدليكه بشكل يؤدي الى قتل الجنين أو إخراجه من الرحم، أو ضرب الحامل أو رميها من مكان مرتفع، أو ممارسة الحامل رياضة عنيفة…
وقد يصدر فعل الإجهاض عن الحامل نفسها، أو عن غيرها، أو برضاها، أو بناء على طلبها، أو من دون رضاها، أو رغماً عنها. ولا يشترط أن تبقى الحامل على قيد الحياة بعد ارتكاب جرم الإجهاض؛ فقد يرتكب هذا الفعل بقتل الحامل لإجهاضها، فنكون أمام جريمتي قتل وإجهاض.
ولوقوع جريمة الإجهاض يجب تحقّق نتيجته المتمثلة بإحدى صورتيه: موت الجنين في الرحم، أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته، حتى ولو خرج حياً وقابلاً للحياة، لأن هذا يشكّل اعتداءً على حقه في النمو الطبيعي في رحم أمه وفي الولادة الطبيعية، إضافة الى ولادته قبل اكتمال نموه الطبيعي حيث يندر أن يعيش طويلاً، أو يعيش مريضاً وبحاجة الى علاج دائم طالما بقي على قيد الحياة.
كما يشترط أن تتوافر علاقة السببية بين فعل الإجهاض وموت الجنين أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته؛ أي أن يكون الإجهاض نتيجة لتلك الأفعال التي هدفت اليه.
• توافر القصد الجرمي في ارتكاب جرم الإجهاض:
يُشترط لوقوع جريمة الإجهاض توافر القصد الجرمي لارتكاب الفعل المؤدي الى الإجهاض؛ ومنها علم المتهم بحمل المرأة وإرادته إجهاضها. فإذا ارتكب المتهم الفعل المؤدي الى الإجهاض وكان جاهلاً، لحظة ارتكابه، أنها حامل، كأن يعمد الى ضربها أو قذفها من مكان مرتفع أو طرحها أرضاً، ويؤدي ذلك الى إجهاضها فهو لا يُسأل عن جريمة الإجهاض، لكنه يُسأل عن ارتكابه جريمة إيذائها إذا توافرت شروطها القانونية.
كما يجب أن يعلم الفاعل أن من شأن فعله إجهاض المرأة الحامل. وكذلك يجب أن يتوقع المتهم وقت فعله، حدوث النتيجة الجرمية المتمثلة في الإجهاض بموت الجنين أو خروجه من رحم أمه قبل الموعد الطبيعي لولادته؛ كأن يقوم شخص بإعطاء مادة لامرأة يعلم أنها حامل، لكنه يعتقد أنها لا تضر الجنين أو يعتقد أنها تساعد في نموه، فلا يُسأل عن ارتكابه جريمة إجهاضها إذا حصل ذلك من دون توافر القصد الجرمي لديه، وهذه مسألة إثبات يعود أمر تقديرها الى المحكمة الناظرة بالنزاع.
وأيضاً يجب أن تتجه إرادة المتهم الى إجهاض المرأة الحامل؛ فلا يُعتبر مرتكباً لجريمة الإجهاض إذا أقدم على ضرب امرأة حامل بقصد إيلامها في جسدها من دون أن تكون إرادته متجهة الى إجهاضها، إذ يُسأل في هذه الحالة عن جريمة إيذاء وليس عن جريمة إجهاض.
صور جرائم الإجهاض وعقوبتها
يثبت من النصوص القانونية التي عاقبت على الإجهاض وجود عدة صور لهذه الجرائم، لكل منها عقوبة تختلف عن الأخرى بحسب مقدار جسامتها ووسيلتها والشخص القائم بارتكابها، وهي على النحو الآتي:
• إجهاض الحامل نفسها:
نصت المادة 541 من قانون العقوبات على أنه: «كل إمرأة طرّحت نفسها بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها تعاقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات».
فعندما تقدم المرأة الحامل نفسها قصداً على ارتكاب أفعال من شأنها أن تؤدي الى موت الجنين أو خروجه من رحمها قبل الموعد الطبيعي لولادته، تكون قد ارتكبت جريمة الإجهاض وتعاقَب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات. سواء أقدمت على ذلك من تلقاء نفسها، أو بناء على اقتراح أو تحريض من شخص آخر، أو مكّنت غيرها من إجهاضها برضاها.
فلا يجوز للمرأة أن توافق على إجهاض جنينها؛ إذ للأم رسالة إنسانية ودينية واجتماعية في الحمل والإنجاب وتحمّل آلام الحمل والولادة ومتاعبها.
لكن المادة 545 من قانون العقوبات نصت على أن المرأة التي ترتكب جرم الإجهاض محافظة على شرفها، تستفيد من عذر مخفّف للعقوبة، ويستفيد من هذا العذر المخفّف أيضاً من يرتكب جريمة الإجهاض للمحافظة على شرف أحد فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية. فقد يكون الحمل مصدر عار للمرأة الحامل؛ كأن يكون نتيجة علاقة جنسية غير شرعية، أو نتيجة تعرضها لاغتصاب، أو نتيجة تعرضها لتلقيح إصطناعي أجري عليها من دون رضاها، فتقدم على الإجهاض دفعاً لهذا العار ومحافظة على شرفها.
إلا أنه لا يجوز ارتكاب جريمة الإجهاض لأسباب إجتماعية أو إقتصادية؛ كالإجهاض عندما يكون عدد أفراد الأسرة كبيراً والدخل قليلاً؛ إذ أن حق الجنين في الحياة يرجّح على المركز الإجتماعي والإقتصادي للأسرة.
أما إذا كان الحمل أو الجنين يشكّل خطراً على حياة المرأة الحامل بالموت أو بخطر جسيم، يمكن تطبيق أحكام حالة الضرورة إذا توافرت شروطها القانونية، حيث نصّت المادة 229 من قانون العقوبات على أنه: «لا يعاقب الفاعل على فعل ألجأته الضرورة الى أن يدفع به عن نفسه أو عن غيره أو عن ملكه أو ملك غيره خطراً جسيماً محدقاً لم يتسبّب هو فيه قصداً شرط أن يكون الفعل متناسباً والخطر».
ولا يزال التساؤل جارياً عن جواز الإجهاض الطبي عندما يكون الجنين مصاباً بمرض خطير أو مشوّهاً في رحم أمه، لعدم وجود نص قانوني واضح وصريح يعالج هذه المسألة.
• إقدام الغير على إجهاض الحامل برضاها:
نصت المادة 542 من قانون العقوبات على أنه: مَن أقدم بأي وسيلة كانت على تطريح إمرأة أو محاولة تطريحها برضاها، عوقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات. وإذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله الى موت المرأة عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة من أربع الى سبع سنوات. وتكون العقوبة من خمس الى عشر سنوات إذا نتج الموت عن وسائل أشد خطراً من الوسائل التي رضيت بها المرأة».
ويستفيد من العذر المخفّف مَن يرتكب جريمة الإجهاض للمحافظة على شرف أحد فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية، سنداً للمادة 545 من قانون العقوبات.
• إقدام الغير على إجهاض الحامل من دون رضاها:
نصت المادة 543 من قانون العقوبات على أنه: «مَن تسبّب عن قصد بتطريح إمرأة من دون رضاها عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل. ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل المستعملة الى موت المرأة».
وقد نصت المادة 544 من قانون العقوبات على وجوب تطبيق نص المادتين 542 و543 المذكورتين حتى ولو كانت المرأة التي أُجريت عليها وسائل التطريح غير حامل. ويعتبر هذا النص خروجاً على القواعد العامة في جريمة الإجهاض المشار اليها، التي تشترط وجود جنين في رحم امرأة حامل كأحد شروط هذه الجريمة وعناصرها. إلا أن المشترع اللبناني أراد وضع نص خاص في المادة 544 المذكورة لمنع إستفادة المجرمين من أسباب قانونية قد تعفيهم من تحمّل مسؤولية أفعالهم الجرمية، فأوجب معاقبتهم عند إقدامهم على استعمال وسائل للإجهاض والتطريح حتى ولو كانت المرأة التي أُجريت عليها وسائل التطريح غير حامل.
• جريمة التسبّب بإجهاض حامل:
سنداً للمادة 588 معطوفة على المادتين 554 و557 من قانون العقوبات، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر مَن أقدم قصداً بالضرب أو الجرح أو الإيذاء وتسبّب بإجهاض حامل وهو على علم بحملها.
فلكي تتحقق هذه الجريمة المنصوص عليها في المادة 558 عقوبات وتكتمل، يقتضي توافر أربعة عناصر: أولها حصول فعل الضرب أو الجرح أو الإيذاء القصدي، وثانيها إجهاض إمرأة حامل، وثالثها وجود رابطة سببية بين هذا الفعل القصدي وبين الإجهاض، ورابعها أن يكون الفاعل على علم بحمل هذه الإمرأة.
• جريمة الدعاية لنشر أو ترويج أو تسهيل إستعمال وسائط الإجهاض أو بيعها:
عاقبت المادة 539 معطوفة على المادة 209 من قانون العقوبات، كل دعاية في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو بالكلام أو بالكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير، يقصد منها نشر وسائط الإجهاض أو ترويجها أو تسهيل استعمالها، بالحبس من شهرين الى سنتين وبالغرامة من مئة ألف الى خمسماية ألف ليرة.
كما عاقبت المادة 540 من قانون العقوبات بالعقوبة المذكورة ذاتها، كل مَن باع أو عرض للبيع أو اقتنى بقصد البيع مواداً معدة لإحداث الإجهاض أو سهّل استعمالها بأي طريقة كانت.
• تشديد عقوبة جريمة الإجهاض المرتكبة من طبيب أو جرّاح أو صيدلي أو أحد مستخدميهم:
نصت المادة 546 من قانون العقوبات على أنه: إذا ارتكب إحدى الجنح المنصوص عليها في هذا الفصل طبيب أو جرّاح أو قابلة أو صيدلي أو أحد مستخدميهم فاعلين كانوا أو محرّضين أو متدخلين، شدّدت العقوبة وفقاً للمادة 257. ويكون الأمر كذلك إذا كان المجرم قد اعتاد بيع العقاقير وسائر المواد المعدة للتطريح. ويتعرّض المجرم فضلاً عن ذلك للمنع من مزاولة مهنته أو عمله وإن لم يكونا منوطين بإذن السلطة أو نيل شهادة، ويمكن الحكم ايضاً بإقفال المحل.
ويلاحظ أن سبب تشديد عقوبة هؤلاء الأشخاص المذكورين هنا، هو استغلالهم صفتهم ومركزهم وخبرتهم الطبية والفنية في ارتكاب جرائم الإجهاض بهدف الإثراء المادي غير المشروع لأسباب مخالفة للمبادئ الدينية والإنسانية والأخلاقية والإجتماعية.
المراجع:
– شرح قانون العقوبات – القسم الخاص، د. محمود نجيب حسين – دار النهضة العربية – القاهرة 1992.
– جنايات جبل لبنان الجنوبي، غ 1، قرار رقم 185/96، تاريخ 30/5/1996، ن. ق.، 1996، عدد 10، ومرجع حمورابي الإلكتروني الرقم 413.
اترك تعليقاً