حقوق المالك والمستأجر
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
د. طه زهران
نظم قانون المعاملات المدنية العماني أحكام عقد الإيجار فتناول، على الترتيب، إيجار الأرض الزراعية، والمزارعة، والمساقات، والمغارسة، وإيجار الوقف.
وقبل صدور هذا التقنين المتكامل لعلاقات الإيجار في السلطنة كان المشرع العماني يعالج المشكلات القانونية الناتجة عن تلك العلاقات معالجات استثنائية بالنسبة لعقود الإيجارات المتعلقة بالأماكن السكنية، والمحال التجارية والصناعية والمهنية بصفة خاصة.
فبدأت تلك المعالجات بصدور القرارين السلطانيين رقمي 4 لسنة 1973 و1 لسنة 1974. واستمر القضاء العماني يطبق هذين القرارين والقواعد العامة المعمول بها في المسائل المدنية فيما لا يتعارض مع الشريعة الإسلاميّة حتى عام 1989، حيث صدر المرسوم السلطاني رقم 6 لسنة 1989 متضمناً، لأوّل مرة، التزام المؤجر بتسجيل عقد الإيجار لدي البلدية المختصة خلال شهر من تاريخ إبرامه مع تحمله لرسوم هذا التسجيل، وإذا تقاعس المؤجر عن القيام بهذا الواجب جاز للمستأجر أن يقوم به خصماً من القيمة الإيجارية المتفق عليها، ورتب المشرع على عدم التسجيل في المدة المشار إليها عدم جواز الاعتداد بهذا العقد أمام أيّة جهة رسميّة بالسلطنة بالإضافة إلى مجازاة المؤجر بغرامة ماليّة كبيرة.
كما تضمّن هذا المرسوم كذلك عدم جواز تحويل العقد أو التأجير من الباطن إلا بعد الحصول على موافقة كتابية من المالك، ثم حظر علي المؤجر زيادة القيمة الإيجاريّة إلا بعد انتهاء مدة العقد أو كل ثلاث سنوات إذا زادت مدة العقد عن ذلك ما لم يكن المستأجر قد طلب تحسينات في العين وقام المؤجر بتنفيذها.
واستمر العمل بالمرسوم السلطاني رقم 6 لسنة 1989 في ظل التوازن الواقعي النسبي الذي كان يسود العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين بسبب توافر المعروض من الوحدات السكنية ومعقولية القيمة الإيجارية. ومع بداية العام 2007 بدأ اختلال التوازن يميل لصالح الملاك (المؤجرين) ضد مصلحة المستأجرين بسبب قلة المعروض، وزيادة الطلب مما أدي إلى ارتفاع القيمة الإيجارية إلى ما يجاوز المعدل الطبيعي.
وقد أثر ذلك، دون شك، على مصلحة محدودي الدخل تأثيراً كبيراً. وسارع بعض الملاك، انتهازاً لتلك الفرصة، إلى سحب الوحدات العقارية من المستأجرين بعدم تجديد عقود الإيجار القائمة في أقرب فرصة مواتية لهم، وإعادة تأجيرها بقيمة إيجارية جديدة مبالغ فيها، مما اضطر المُشرّع العماني إلى التدخل للحد من هذه الظاهرة، فأصدر المرسوم السلطاني رقم 72 لسنة 2008 مضيقاً على الملاك من النواحي التالية:
أولاً: حظر زيادة الأجرة إلا بعد مضي ثلاث سنوات من تاريخ بدء العلاقة أو من تاريخ آخر زيادة متعاقد عليها على ألا تتجاوز هذه الزيادة 7% من قيمة الأجرة السنوية المحددة في عقد الإيجار.
ثانياً: حظر إخلاء المحل المؤجر قبل مضي أربع سنوات إذا كان المحل مؤجراً لغرض سكني، وسبع سنوات لغير السكني، مع وجوب تجديد العقد للمستأجر طوال تلك المدة. فإذا رغب المؤجر- بعد انقضاء المدة- في عدم تجديد العقد كان عليه إخطار المستأجر بذلك قبل انتهاء مدة العقد بثلاثة أشهر على الأقل.
استمر الوضع على هذا النحو حتى مطلع 2010 حيث زادت الدخول من ناحية، وزاد المعروض من الوحدات السكنية من ناحية أخرى، فتدخل المشرع بالمرسوم السلطاني (المعمول به حالياً) رقم 107 لسنة 2010 مراعياً جانب الملاك من أكثر من ناحية أبرزها:
جواز زيادة القيمة الإيجارية قبل فوات ثلاث سنوات من تاريخ بدء العلاقة أو تاريخ آخر زيادة متعاقد عليها بمجرد اتفاق الطرفين على ذلك. وهو ما يمكن الملاك من الحصول، مقدما عند التعاقد على موافقة المستأجر علي زيادة القيمة الإيجارية في مدة أقل من الثلاث سنوات، وبنسبة أعلى من تلك التي نص عليها القانون وهي 7%.
إنقاص المدة التي يجوز للمؤجر خلالها طلب الإخلاء لتصبح ثلاث سنوات بدلا من أربعة بالنسبة للمحال السكنية وخمس سنوات بدل سبعة بالنسبة للمحال غير السكنية.
جعل الإخلاء وجوبي في حالة تكرار التأخير في الوفاء بالقيمة الإيجارية دون عذر مقبول بعد أن كان جوازيا لقاضي الموضوع. وذلك بالإضافة إلى حق الإخلاء الطبيعي في حالة الامتناع عن سداد أجرة في مواعيد استحقاقها.
التوسيع من فرص المؤجر في استرداد المحل المؤجر في حال احتياجه هو أو زوجته أو أحد أفراد أسرته من الدرجة الأولي، بعد أن كان الاسترداد موقوفاً على احتياجه لاستغلال المحل بنفسه فقط في المحال غير السكنية.
أحقية المالك طلب الإخلاء إذا استعمل المستأجر المحل المؤجر أو أذن باستعماله في غير الغرض الذي استؤجر من أجله أو كان الاستعمال ضاراً بالمحل أو بالصحة العامة أو كان بطريقة مقلقة للراحة أو مخالفة للقوانين أو منافية للآداب.
منع المستأجر من التنازل عن المحل المؤجر أو تأجيره من الباطن دون إذن كتابي من المالك إلا إذا كان محلاً تجارياً أو صناعياً أو مهنياً وكان التنازل عن العقد ضمن التنازل عن نشاط المحل ذاته.
جواز الإخلاء في حالة الترخيص بهدم المحل لأيلولته للسقوط أو بناء على طلب المالك لإعادة بنائه. ويمنح المستأجر مهلة للإخلاء، تبدأ من تاريخ إخطاره بصدور الترخيص، ولا تزيد على ثلاثة أشهر في حالة الأيلولة للسقوط وستة أشهر في حالة الهدم لإعادة البناء.
عدم أحقية المستأجر في إنهاء عقد الإيجار قبل نهاية مدته أو امتدادها إلا بعد إخطار المالك كتابة بذلك قبل نهاية العقد بثلاثة أشهر على الأقل.
وختاماً فإنّه يجب التنويه إلى ما تحقق من توازن نسبي في العلاقات الإيجارية في ظل هذا المرسوم السلطاني الحالي، الذي يطبق في إطار القواعد العامة لقانون المعاملات المدنية بما يعلي من قيمة الإرادة وحرية التعاقد ويساعد على تسهيل الاستثمار في العلاقات الإيجارية وتحقيق أهدافها المنشودة.
باحث ومحاضر ومحكم دولي ومحامٍ بالمحكمة العليا*
اترك تعليقاً