حقوق المرأة والتزاماتها
الكل يعرف حق المعرفة أن المرأة هي الجدة والأم والأخت والابنة، وتمثل نصف المجتمع إن لم تزد، والرجل السوي يدرك أن لها حقوقا، وأن عليها التزامات مثلها مثل الرجل، وليس من المقبول أن ينتقص من حقوقها شيء، ولا أن تكلف بالتزام يتنافى مع الضوابط الشرعية الحقيقية التي لا تعصب فيها ولا تزمت، نعم عليها التزامات في المنزل، وفي الوقت نفسه عليها التزامات في الحياة العامة التي تستلزم مشاركتها الحقيقية حسب تأهيلها العلمي في التخصصات المختلفة مثل الطب والتعليم، والعمل في المجالات والمناشط الأخرى الإدارية وغيرها بحيث تقدم الخدمات للنساء بدلا من الرجال؛ لأنها الأعرف بمستلزمات وحاجات النساء، وقد تحقق بعض من ذلك – بحمد الله – بعد أن أخذت المرأة نصيبها من التعلم والتأهيل العالي بعد رفض معارضة المعارضين لتعليمها بحزم وجدية عندما قال ولي الأمر آنذاك ما معناه إن ”الدولة تفتح المجال لتعلم المرأة، ولا تجبر أحدا من الناس على تعليم ابنته”، فإذا بأغلب المعارضين – إن لم يكن كلهم – بعد فترة يدركون مدى خطأ رأيهم، وتولدت لديهم القناعة بإدخال بناتهم في المدارس، وما أكثر ما يثار حول حقوق المرأة، والتزاماتها من آراء، ووجهات نظر مختلفة غير مستغربة في خضم التطور والتنمية، والتقدم في مجالات كثيرة، التي من حق المرأة تشارك فيها، لكن لم يتحقق ذلك في بعض المجالات بسبب الخلط بين مصطلح (منع الاختلاط)، ومصطلح (منع الخلوة) في تحريم مشاركة المرأة في الحياة العامة من متشددين، ومتطرفين في آرائهم نتيجة جهل، أو تعصب لرأي مبني على الهوى اعتقادا من صاحبه أن هذا سيبرز مكانته في المجتمع، وفات عليه أن هذا ربما يعطي نتيجة عكسية لمبتغاه وهدفه، وينطبق عليه المثل القائل (خالف تذكر)، وقد يكون الذكر ليس في صالحه، بل يحط من مكانته وقدره.
أقول ما تقدم بعد ما سمعته من آراء وأحاديث تقال في جلسات خاصة بعد قرار ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – بشأن تمكين المرأة من المشاركة في عضوية مجلس الشورى في الدورة القادمة، وفي المجالس البلدية بالترشيح والانتخاب في الدورات القادمة، وفي تقديري أن هذا القرار يجسد سياسة حكيمة وإيجابية مع متطلبات التطوير والتنمية والتقدم بحيث تشارك المرأة مشاركة حقيقية في صنع القرار باعتبارها تمثل نصف المجتمع، وبالتالي لا بد أن يكون لها دور كامل وفاعل في كل ما يخص المرأة، فلا يمكن أن يقوم الرجل بذلك عنها، فالمرأة هي الأجدر باتخاذ القرارات التي تخص شؤونها ومتطلباتها، ويحقق تطلعاتها في الحياة الخاصة والعامة، وكل ما له صلة بحقوقها والتزاماتها في حدود الضوابط الشرعية التي تحفظ سترها وعفتها وكرامتها، ويبعدها عن الروتين، والبيروقراطية الإدارية المعطلة التي تركزت في أذهان بعض المسؤولين والموظفين بشكل جعلتهم يصفونها بالنظام، وهي مجرد تعليمات إدارية صدرت باجتهادات غير موفقة ربطت بالدين الإسلامي الحنيف – في بعض الأحيان – لتبرير ادعائهم، وفي الوقت نفسه مطالبة النساء بالالتزام بها، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر مسألة تكليف المرأة بالتوكيل الشرعي عنها في أمور لا يوجد نص شرعي أو نظامي يلزمها بذلك إلا الاجتهادات التي ذكرتها آنفا، ففي هذه الصحيفة نشر يوم الأحد 4/11/1432 هـ الموافق 2/10/2011م (ص – 27) تحت عنوان ( بعد ثلاثة أعوام من إلغائه في وزارة التجارة – سيدات أعمال يطالبن بتفعيل إلغاء ”الوكيل الشرعي” في الجهات الحكومية)، وفي اليوم التالي الإثنين 5/11/1432 هـ الموافق 3/10/2011 كتب تحت عنوان (إلغاء شرط تعيين مدير أو وكيل شرعي للمؤسسات النسائية)، وكتب تحت هذا العنوان كلاما يؤكد صحة ما قلته سابقا، ولعل من المناسب الاكتفاء بنقل نص ذكر أنه من تعميم وزارة التجارة الأخير (.. ولعدم وجود نص نظامي يمنع المرأة من إدارة أعمالها بنفسها، وأن مطالبتها بتعيين مدير لمؤسستها جاء بناءً على تعليمات سابقة من الوزارة، ولانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، وما يتطلبه ذلك من التزام بمبادئ المنظمة، ومواكبة للمتغيرات السريعة في هذا العالم.. نفيدكم بموافقة الوزارة لسيدة الأعمال بأن تدير أعمال مؤسستها بنفسها دون إلزامها بتعيين مدير أو وكيل شرعي على أن تكون الإدارة وفق الضوابط الشرعية)، وفي هذا التعميم اعتراف صريح بعدم وجود نص نظامي، وأن ما كان يتم كان بناءً على تعليمات سابقة من الوزارة، وهذا يفهم منه أنه بناءً على اجتهادات فقط، وليس نصا نظاميا، وهذا ذكرني بحوار شاركت فيه في برنامج (واجه الصحافة) الذي يديره الصحافي والكاتب الأستاذ داود الشريان مع ثلاث من سيدات الأعمال في نهاية عام 1431 هـ،
وقد أبديت وجهة نظري بأن ما يتذمر منه سيدات الأعمال من إلزامهن بالتوكيل الشرعي عن أنفسهن عند مزاولة أعمالهن من قبل بعض موظفي جهات حكومية لم يكن له سند شرعي، أو نص نظامي، لكنهن لم يقتنعن بما قلته، وساندهن مدير البرنامج داود الشريان على أساس ما أبرزته إحداهن نسخة من نموذج وزارة التجارة المذيل (بالوكيل الشرعي)، وقلت لهن إن هذا نموذج وليس نظاما، ومبني على اجتهاد موظفي الوزارة كروتين تخمر في أذهانهم وتجسد في هذا النموذج الذي أعتقد أنه مبني على نظام، وبكل – أسف – لم يحضر الحوار أحد من منسوبي الوزارة، فيما ذكر لي الأستاذ داود بأن مسؤولَين قد اعتذرا بسبب السفر؛ مما أوجد فراغا لا يمكن سده، وإزاء ما لاحظته من عدم القناعة بما أبديته فقد كتبت مقالا في هذه الصحيفة بعنوان (سيدات الأعمال.. والوكالات الشرعية) نشر في العدد (6357) بتاريخ 32/12/1431 هـ الموافق 28/11/2010، وبينت في المقال رأيي بشكل أكثر تفصيلا على أنه لا يوجد حكم شرعي، ولا نص نظامي (قانوني) يلزم المرأة بالتوكيل عن نفسها، وأنها مثل الرجل، وفيما اطلعت عليه من كتب الفقه الإسلامي لم أجد أن أحدا تطرق إلى إلزام الشخص السوي كامل الأهلية بالتوكيل سواء كان رجلا أو امرأة، إنما تطرق لبيان أحكام الولاية والوصاية عل الشخص فاقد الأهلية على تفصيل واضح، والولاية والوصاية تختلف عن الوكالة الشرعية، وقد يكون هناك فهم خاطئ أدى إلى الاجتهاد غير الموفق، وبناءً على ذلك أقول إن من حق كل شخص كامل الأهلية سواء كان رجلا أو امرأة أن يزاول عمله بنفسه، ولأي منهما الحق بإرادته المنفردة الحرة أن يوكل غيره إذا رأى لذلك موجبا، ودون أن يفرض عليه ذلك.
وقد تكون هناك أمثلة لما يثار حول معاملات النساء لا مجال للتطرق لها؛ لأنها روايات من أشخاص قد لا يكونون دقيقين في نقلها ممن سمعوا منهم، وأكتفي بأن أختم مقالي بالتمني أن يكون قرار خادم الحرمين سببا لإزالة كثير من معاناة النساء بسبب الروتين المقيت، والبيروقراطية الإدارية المعطلة، وأن تعامل المرأة مثل الرجل في أعمالها وتصرفاتها، والوفاء بالتزاماتها، وبما يكفل حفظ حقوقها، وفق الضوابط الشرعية الحقيقية، والله الموفق، والهادي إلي الطريق القويم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً