شروط العمل بالنظم والقوانين
قدمنا في مقالنا وهو (سن النظم والقوانين) أن ولي الأمر إذ وجد أو استجد واقعة لم يكن لها حكم شرعي سابق سواء كان هذا الحكم ثابت بنص أو إجماع أو قياس وجب عليه سن حكم لها إما بالجواز أو المنع سواء كان هذا الحكم منه هو إذ كان أهلاً للاجتهاد أو بتكليفه لفقهاء الأمة المجتهدين وذلك لجعل حكم لهذه الواقعة حماية للأمة وصيانة لمكتسباتها وحقوقها ونعرض اليوم للشروط الواجب توافرها بالنظم والقوانين حتى يمكن العمل بمقتضاها.
الشرط الأول: وهو أن تكون هذه النظم والقوانين متفقة مع الأحكام الشرعية أو معتمده على أصل من أصولها العامة أو أصولها الكلية ولعل المقصود هنا بأحكام الشريعة:
هي أحكام جلب المصالح للفرد والمجتمع ودرء المفاسد والضرر عنهما والمصالح هنا هي المعروفة بالضرورات الخمس وهي – حفظ الدين- وحفظ النفس- وحفظ العقل- وحفظ النسل- وزاد بعض الفقهاء- حفظ العرض- ومهما تنوعت النظم والقوانين فهي ترمي إلى المحافظة على هذه الضرورات وقد تكفل الإسلام بحفظها وبقائها ودفع عنها ما يفسدها من الأحكام وإن كان أغلبها عمومات إلا أنه فصَّل منها ما يحتاج إلى تفصيل وهو قليل مثل أحكام الزواج والطلاق والمواريث وغيره فقد فصلها القرآن الكريم تفصيلاً دقيقاً وجاء السنة للبيان والتكميل وبيان الحكم والعلة من ذلك وكمل هذا الدين بذلك وتمت نعم الله.
ونعود إلى الشرط الأول فتقول أن كل حكم بني على قاعدة من القواعد الشرعية الثابتة والتي أعتبرت أساساً لاستنباط الأحكام أو كان الهدف منه حفظ الضرورات المذكورة فإنه يعتبر من النظم والقوانين لأن تحقيق مصالح الناس هو المطلب الذي من أجله أنزلت الشرئع ولا يؤثر في شرعية هذه النظم والقوانين عدم ورود نص خاص بها سواء من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس ذلك أن الأصول والقواعد التي تقوم على ماقدمنا تكون معتبرة شرعاً وحجة في أثبات الأحكام لأن الشارع اعترف بصلاحيتها أساساً لبناء الأحكام بأكثر من نص من نصوص الكتاب والسنة ولعل ما ذكره ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين عن قاعدة (سد الذرائع) والذي ذكرانها معتبرة بتسعة وتسعين وجهاً من الكتاب والسنة.
الشرط الثاني: للشروط الواجب توفرها في النظم والقوانين حتى يمكن العمل بها وهو أن لا تخالف هذه النظم والقوانين دليلاً من الأدلة التي تثبت حكماً عاماً دائماً للناس في جميع الأحوال والأزمان والمجتمعات والأمكنة ولتحقيق هذا الشرط ينبغي أن لا يكون هناك دليل تفصيلي خاص بهذه الواقعة وهنا لا يوجد مخالفة أصلاً كما ينبغي أيضا في حال وجود دليل تفصيلي مشابه ظاهرياً ولكن في حقيقته لم يقصد كأن يكون هذا الحكم مقيداً بوقت معين أو بسبب خاص أو بحالة خاصة أو مصلحة معينة أو معللاً بعلة غير موجودة أو كان موافقاً لعرف سارٍ وقت الحكم فإذ تغير شيء من هذه الأمور فإن الحكم المستجد لا يكون مخالفاً لإدلة الشرع وأحكامه مخالفة حقيقية وإنما تكون المخالفة ظاهرية فقط دل عليه دلالة النص وإذا لم يتحقق ذلك أن يوجد في النظم والقوانين مخالفة حقيقة للنص فيكون ذلك من باب القوانين الوضعية التي لا علاقة لها بشرع الله.
الشرط الثالث: لجواز العمل بالنظم والقوانين وهو الاعتدال والوسطية في هذه النظم والقوانين بحيث لا تكون كثيرة ومتعدية وجائرة بحيث تتعدى ما أعتبره الشارع نهاية لها ولا أن تكون ضعيفة جامدة وقاصرة بحيث لا تفي بالغرض الذي وضعت من أجله، فيكون بذلك لا فائدة فيها والحاصل في ذلك هناك أن تكون هذه النظم والقوانين بقدر الحاجة وتفي بالغرض الذي وضعت من أجله.
ونخلص من ذلك إلى أنه يلزم في النظم والقوانين لوصفها بالعدالة أن تشتمل على الأحكام والتصرفات التي تعنى بإسعاد المجتمع وتهدف إلى تحقيق مصالح الناس في الأمور والوقائع المستجدة بحيث تكون مستمدة من قواعد الشريعة العامة غير متأثرة بالأهواء والشهوات والأطماع الخاصة وغير متعدية حدود المصالح الحقيقية للأفراد والجماعات ولعل ما سقناه فيه بيان للشروط الواجب توافرها في النظم والقوانين حتى يتم العمل بها فإن كان حقاً فمن الله إن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان والحمد لله رب العالمين.
٭ قاض
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً