المعارضة في الأحكام المدنية
المعارضة هي طريق الطعن العادي المفتوح للطرف الذي صدر ضده حكم غيابي. عن طريق المعارضة يمكن لهذا الطرف أن يطلب من المحكمة مراجعة حكمها. الطعن بالمعارضة يقدم إذا أمام نفس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم. وهذا التعريف ورد بإيجاز في المادة 327 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: “تهدف المعارضة من قبل الخصم المتغيب،إلى مراجعة الحكم أو القرار الغيابي”.
يجب طبعا على من يرفع معارضة أن يثبت أن له مصلحة في ممارسة هذا الطعن، أي أن الحكم الذي ينوي معارضته قد ألحق به ضررا. هذا بالإضافة طبعا إلى إثبات الصفة، أي أنه كان طرفا في الخصومة الأصلية، وكذا إثبات أهلية التقاضي. وإما الغير فيمكنه فقط مباشرة طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصوم.
سنتطرق بالتتابع إلى شروط المعارضة ثم آثارها .
1- شروط قبول المعارضة
1-1 الأحكام القابلة للمعارضة
ما عدا الحالات التي نص فيها القانون صراحة على منع المعارضة، فإنه يجوز الطعن بطريق المعارضة في كل الأحكام الغيابية سواء صدرت ابتدائيا أو ابتدائيا نهائيا أو نهائيا.
توجد حالات استثنائية منع فيها القانون المعارضة في الحكم الغيابي، ومثال ذلك عدم قابلية الأوامر الاستعجالية الصادرة عن المحكمة للمعارضة (م.303 ف.2 ق.إ.م.إ). في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم ساد نوع من التردد حول قابلية القرارات الاستعجالية الصادرة عن المجالس القضائي للطعن فيها عن طريق المعارضة. هذا التردد كان راجعا لعدم وجود نص صريح يعالج هذه المسألة، ولكن قضاء المحكمة العليا استقر على مبدأ جواز المعارضة حتى في ظل هذا القانون القديم (قرار المحكمة العليا بتاريخ 21 أكتوبر 1987، ملف رقم 50287، م.ق. 40.3.1990؛غ.إ، 9 مارس 1999، ملف رقم 204932، م.ق.112.1.2000). قانون الإجراءات المدنية والإدارية نص صراحة عن جواز المعارضة في القرارات الاستعجالية الصادرة غيابيا عن المجالس القضائية إذ تنص المادة 304 : ” تكون الأوامر الاستعجالية الصادرة غيابيا في آخر درجة، قابلة للمعارضة”.
لا تقبل كذلك المعارضة في الأوامر والأحكام والقرارات الغيابية التي تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق (م.81 ق.إ.م.إ).بالنسبة للأحكام الصادرة في القضايا التجارية، فإن القانون يمنع المعارضة في البعض منها، ومثال ذلك الأحكام الفاصلة في الطعون الموجهة ضد الأوامر الصادرة من القاضي المنتدب المكلف بمراقبة أعمال وإدارة التفليسة، أو الأحكام الخاصة بالإذن باستغلال المحل التجاري (م.232 ق.ت.).
و يكون الحكم الصادر في المعارضة حضوريا في مواجهة جميع الخصوم، و هو غير قابل للمعارضة من جديد (331 ق.إ.م.إ.).
2-1- أجل المعارضة
يجوز الطعن في الأحكام الغيابية بطريق المعارضة في أجل شهر واحد يسري من تاريخ التبليغ الرسمي (م.329 ق.إ.م.إ). ويمدد أجل المعارضة لمدة شهرين بالنسبة للأشخاص المقيمين خارج الإقليم الوطني (م.404 ق.إ.م.إ). وأجل المعارضة يحتسب كاملا كما هو الشأن لكل آجال الأعمال الإجرائية، فيوم التبليغ ويوم انقضاء الأجل لا يحسب (م.405 ق.إ.م.إ). ويجوز طبعا رفع المعارضة دون انتظار تبليغ الحكم.
يبلغ الحكم الغيابي حسب الأشكال العادية أي بتبليغ رسمي بواسطة محضر قضائي. ولكن ما هي البيانات التي يجب أن يتضمنها محضر تبليغ الحكم الغيابي؟ المادة 98 من قانون الإجراءات المدنية القديم كانت تنص على إلزامية الإشارة في سند التبليغ أنه بانقضاء مهلة عشرة أيام يسقط حق الطرف في المعارضة. وهذا البيان كان مقررا تحت طائلة بطلان محضر التبليغ.
قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يتضمن نصا مماثلا، فهل يعني ذلك أنه يستغنى عن هذا البيان في محضر تبليغ الحكم الغيابي؟ قانون الإجراءات المدنية والإدارية أخضع إجراءات تبليغ الأحكام للقواعد التي تسري على كل العقود القضائية والواردة في المواد من 406 إلى 416، وهذه المواد لم تفرض الإشارة إلى المهلة المقررة لممارسة طرق الطعن. ولكون بطلان الأعمال الإجرائية يخضع لقاعدة “لا بطلان بدون نص” (م.60 ق.إ.م.إ) فإن إغفال الإشارة في محضر تبليغ الحكم الغيابي إلى الأجل الذي يجوز فيه الطعن بالمعارضة لا يترتب عليه البطلان. لا شك أن عدم فرض الإشارة في محضر تبليغ الحكم للمهلة المقررة لمباشرة طرق الطعن في الحكم المبلغ، كما كان عليه في التشريع القديم قد ينعكس سلبيا على المتقاضي الجاهل للإجراءات.
3-1- أشكال المعارضة
طبقا للمادة 330 الفقرة 1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ترفع المعارضة حسب الأشكال المقررة لعريضة افتتاح الدعوى. يجب أن يتم التبليغ الرسمي للعريضة إلى كل أطراف الخصومة (م.330 الفقرة 2 ق.إ.م.إ). ويجب كذلك أن تكون العريضة المقدمة أمام الجهة القضائية مرفقة بنسخة من الحكم المطعون فيه وذلك تحت طائلة عدم القبول (م.330 ف.3 ق.إ.م.إ).
ترفع المعارضة إذا بإيداع عريضة مكتوبة لدى أمانة الضبط . وإذا كانت المعارضة ترمي إلى مراجعة قرار غيابي صادر من مجلس قضائي، فترفع كالإستئناف بعريضة تودع في أمانة الضبط للمجلس القضائي. ومهما كان شكل المعارضة،يجب أن تكون العريضة معللة ومتضمنة البيانات المنصوص عليها في المادة 15 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
جزاء مخالفة أشكال رفع المعارضة هو البطلان طبعا.فالمعارضة التي ترفع بموجب عقد غير قضائي مثلا تكون باطلة. وأما طبيعة البطلان المرتب على عدم مراعاة أشكال المعارضة، فلا شك أنها من المصلحة الخاصة. فلا يجوز للقاضي أن يقر البطلان من تلقاء نفسه. ولا يمكن التمسك به إلا من طرف المحكوم عليه غيابيا، كما يجب التمسك به قبل أي دفاع في الموضوع. ولا يجوز كذلك التمسك بالبطلان لأول مرة أمام المجلس القضائي أو المحكمة العليا. ويمكن تصحيح البطلان المتصل بالمعارضة إذا كان ميعاد المعارضة لم ينقضي بعد.
2- آثار المعارضــة
1-2- الأثر الموقف
المعارضة توقف تنفيذ الحكم ما لم يقضي الحكم الغيابي بغير ذلك (قرار المحكمة العليا بتاريخ 6 أكتوبر 1993، ملف رقم 103177، م.ق.26.3.1994 “من المقرر أن يوقف تنفيذ الحكم الغيابي المعارض فيه، إلا إذا نص صراحة على غير ذلك “).
المعارضة تحول دون حيازة الحكم المعارض فيه قوة الشيء المقضي فيه. ويتوقف تنفيذ الحكم لا فقط بسبب ممارسة المعارضة ولكن يتوقف كذلك خلال أجل المعارضة (م.323 ق.إ.م.إ) .ويسري الأثر الموقف للمعارضة الى حين التبليغ الرسمي للحكم الصادر عن المعارضة. ومباشرة إجراءات التنفيذ رغم المعارضة يترتب عليه بطلان هذه الإجراءات وذلك حتى وإن تم تأييد الحكم المعارض فيه لاحقا. لا يكون ثمة أثر موقف إذا أمرت المحكمة بالنفاذ المعجل.
وإذا كان لا يجوز تنفيذ الحكم الغيابي خلال أجل المعارضة أو بعد المعارضة، فإنه يمكن طلب اتخاذ تدابير تحفظية كونها لا تعتبرأعمال تنفيذ. يمكن مثلا الأمر بحجز تحفظي، أو الأمر بحجز ما للمدين لدى الغير، أو طلب قيد رهن عقاري.
2-2 الأثر الناقل
للمعارضة أثر ناقل بمعنى أنه يترتب عليها نشر النزاع من جديد على نفس المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي لتفصل فيه من جديد.
1-2-2- استدعاء المحكمة للفصل من جديد في القضية
تؤدي المعارضة إلى إعادة طرح القضية من جديد أمام نفس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم الغيابي. وباعتبارها طريق للمراجعة فإن المعارضة لا تستلزم أن تكون المحكمة مشكلة من نفس القضاة الذين أصدروا الحكم الغيابي. وإذا كانت الجهة القضائية مشكلة من عدة غرف، فلا يفصل في المعارضة بالضرورة من طرف الغرفة التي أصدرت الحكم الغيابي.
تفحص المحكمة في نفس الوقت صحة المعارضة وتأسيسها، كما تفصل في القضية من جديد من حيث الوقائع والقانون (م.327 ف.2 ق.إ.م.إ). وعكس ما هو عليه في دعوى الاستئناف، يحتفظ كل خصم بصفته الإجرائية كمدع أو مدع عليه، مع ما يترتب عن هذه الصفة في مجال الإثبات. ولكن بالنسبة لصحة المعارضة، فإن الخصم المعارض يلعب دور المدعي.
والحكم الغيابي يسقط بوقوع المعارضة، ومن ثمة يمكن القول أن المعارضة تعيد الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل الحكم. لذلك يمكن للمدعي تعديل طلباته، كما يجوز له حتى تقديم طلبات جديدة على شرط أن لا يكون موضوعها مخالف لموضوع الطلب الأصلي. ويكون الحكم الصادر في المعارضة حضوريا في مواجهة جميع الخصوم، وهو غير قابل للمعارضة من جديد (م.331 ق.إ.م.إ).
2-2-2- المعارضة لا تهدر الحكم الغيابي
قانون الإجراءات المدنية القديم كان ينص فقط على أن المعارضة توقف تنفيذ الحكم الغيابي ومن ثمة فإن المعارضة كان لا يترتب عليها هدر الحكم المعارض فيه. في ظل التشريع القديم فإن الحكم الصادر غيابيا لا يزول إلا إذا تمت مراجعته بعد رفع المعارضة، وإلى ذلك الحين فإنه يبقى قائما.فإذا استبعدت المعارضة لكونها غير مقبولة شكلا، فإن الحكم الغيابي المعارض فيه هو الذي يثبت وينفذ، ونفس الشيء لو ترك الخصم معارضته أو رضي بالحكم. من جهة أخرى إذا أيدت الجهة القضائية الحكم الغيابي المعارض فيه بعد تطرقها للموضوع، كان يجوزلها تبني أسباب هذا الحكم في حكمها الجديد إذا توفرت بعض الشروط.
المادة 327 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أقرت قاعدة جديدة أقل ما يقال عنها أنها تثير تساءلات حول ما قصده المشرع من إقرارها. هذه المادة تنص أن الحكم المعارض فيه يصبح “كأن لم يكن”. فهل يعني ذلك أن المعارضة تهدر الحكم الغيابي وتجعله من العدم مع كل ما يترتب عن ذلك من ٱثار، لا سيما على مصير بعض أعمال أو إجراءات التنفيذ التي اتخذت بموجبه كالحجز التحفظي وكذا على إمكانية تبني أسبابه في الحكم الصادر بعد المعارضة
عبارة “كأن لم يكن” التي يقابلها في الصيغة الفرنسيةnon avenu توحي بأن الحكم الغيابي يصدر تحت شرط فاسخ؛المعارضة تزيل الحكم الغيابي وتزيل كل أعمال التنفيذ المتخذة على أساسه؛ وبعد التحقيق في المعارضة فإنه يجب على القاضي إصدار حكما جديدا دون إمكانية تبني أسباب الحكم المعارض فيه كما كان عليه الحال سابقا. هذه الٱثار للمعارضة التي قد تستنتج من الصيغة التي حررت بها المادة 327 هي في نظرنا غير منطقية، ولا تعكس لا الطبيعة الحقيقية للمعارضة ولا روح المشرع، وهذا لعدة اعتبارات.
المادة 327 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية استعملت مصطلح “ كأن لم يكن ” non avenu فيما أنه لو كانت نية المشرع هو نزع كل أثر للحكم الغيابي ومحوه من الوجود، لاستعمل المصطلح القانوني الدقيق الذي يعبر عن هذه الحالة وهو “منعدم” anéantissement. وهذا ما فعله مثلا يالنسبة للحكم الغيابي الصادر من محكمة الجنايات إذ أن المادة 326 من قانون الإجراءات الجزائية نصت على أن الحكم المعارض فيه “ينعدم anéanti”.
من جهة أخرى إذا سلمنا بالأثر الفاسخ للمعارضة، فإنه يجب منطقيا إسقاط كل أعمال التنفيذ وكل التدابير التحفظية المتخذة بموجب الحكم الغيابي. فمثلا يجب، فور رفع المعارضة، إبطال قيد الرهن القضائي الذي قام به الدائن سابقا أو إبطال الحجز التحفظي الذي ضربه على أموال مدينه، حتى وإن رفضت المعارضة فيما بعد وثبت حق الدائن؛ فيجب في هذه الحالة قيد ٱخر للرهن أو تقديم طلب بالحجز من جديد. هذا الحل غير منطقي. لا يوجد أي مبرر للتمييز بين المعارضة والاستئناف، فيما أن الاستئناف لا يترتب عليه إهدار أو إعدام الحكم المستأنف فيه.
نعتقد إذا أن المشرع لم يقصد من عبارة ” كأن لم يكن” محو وجود الحكم الغيابي فور الطعن فيه وإضفاء الشرط الفاسخ للمعارضة، ولكنه أراد فقط تكريس القاعدة التي مفادها أن الأطراف يرجعون إثر المعارضة إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم المعارض فيه، أي أن دورهم في الخصومة لم تتغير فيمكن للمدعي تقديم طلبات جديدة. وتبعا لذلك فإن التدابير التحفظية وباقي الأعمال التنفيذية المتخذة بموجب الحكم الغيابي تبقى صحيحة وقائمة إلى حين إبطال هذا الحكم إثر المعارضة. هذا وأنه يجوز كما قلنا تبني أسباب الحكم المعارض فيه في الحكم الجديد الصادر إثر المعارضة.
الأستاذ المحامي براهيمي محمد
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً