ما هي لائحة فرجينيا للحقوق ؟
فراس سعد المرعب
في 12 حزيران عام 1776 صدرت لائحة فريدة في تاريخ المساعي من اجل الدفاع عن حقوق الانسان في ولاية فرجينيا وهي لائحة فرجينيا للحقوق وتعد اول سند تنص مواده على حقوق الفرد والحريات الفردية وحقوق الانسان.
وكانت هذه الوثيقة تتضمن ايضا اعلان الاستقلال عن سلطة التاج البريطاني جزئيا تتمثل باقامة حكومة امريكية مستقلة في اطار الامبراطورية البريطانية وقد وصفها الكونغرس بالوثيقة الخالدة المعبرة عن الفكر الامريكي حيث ان توماس جيفرسون الذي كتب مسودة هذه الوثيقة لم يكن ميالا الى الانفصال التام عن انكلترا التي كان يحكمها انذاك الملك جورج الثالث والذي رفض معاملة سكان المستعمرات من الامريكيين معاملة الشعوب الناضجة وكان هذا الرفض سببا كافيا لفقدان ولاء الامريكيين له . حتى ان الاخير وبعد تعيين جيفرسون سفيرا لامريكا لدى فرنسا وعندما ذهب للقاء الملك جورج الثالث استقبله ببرود وجفاء وكتب في مذكراته في اشارة الى تلك المقابلة (انها تقرح في العقل الضيق لذلك المخلوق الذي يشبه البغل).
وقد نصت المادة الاولى من هذه اللائحة على : (ان البشر جميعاً متساوون واحرار وغير تابعين ويتمتعون بالحقوق الذاتية والفطرية. ولا يمكن حرمان الاجيال القادمة من هذه الحقوق عبر اي من الاتفاقيات والقرارات سواء بالحرمان من التمتع بالحياة والحريات ام الحرمان من حيازة الملكية والتمتع بالسعادة والامن ) .
لقد ضمنت هذه اللائحة حقوق المواطنين وامنت الحصانة لهم في عدم تعرضهم للاعتقال او تفتيش مساكنهم بدون قرار قضائي. كما تضمن اللائحة حرية المطبوعات وحرية الاعتقاد و الاديان. وعلى الرغم من ان هذه اللائحة بقيت ناقصة وغير منظمة ولم تنصف السود وتحررهم من العبودية، الا انها غدت مثالا اعلى لكل من يطالب بالحريات الفردية.
فالشعب الفرنسي كان اول من تأثر بلائحة فيرجينيا. ففي اوج الصراع بين لويس الرابع عشر وحركة المطالبة بتأمين الحريات الفردية في اوائل عام 1779 ، بادر ماركيز دي لا فايت، احد المشاركين في حرب استقلال امريكا الشمالية وممثل الطبقة الوسطى في المجمع العام الفرنسي، الى طرح مشروع حول “بيان حقوق الانسان في فرنسا”. وبعد اتصاله وتلقي المساعدة من توماس جفرسون، ممثل الولايات المتحدة في باريس واحد المبادرين الى اعلان بيان الاستقلال الامريكي، تم تدوين “اعلان حقوق الانسان والحقوق المدنية” وطرحه دي لا فايت على المجمع العام في 26 آب عام 1789 اثر الثورة الفرنسية.
وأصبح هذا الاعلان لاحقاً القانون الاساسي لفرنسا. كما اصبح هذا الاعلان المصدر الاساسي لدساتير الدول الاوربية. كما استندت اليه العديد من دساتير الدول غير الاوربية ومنها مصر على سبيل المثال. ومنذ الفترة الممتدة من عام 1795 الى عام 1830، صدر في اوربا 70 قانوناً اساسياً تأثر باعلام حقوق الانسان الصدر في 1789 والذي استمد فقراته ومواده بصورة اساسية من اعلان فرجينيا للحقوق .
وفي الفترة بين الحربين العالميتين والتي شهدت ابشع الانتهاكات على يد النازية والفاشية والعسكرية اليابانية، اعلن فرانكلين روزفلت في عام 1941 في رسالته الى الكونغرس الامريكي عن ضرورة رعاية اربعة اركان في حرية الانسان وهي “التحرر من الحرمان، التحرر من الخوف، والتحرر من العوز، وحرية المعتقد والاديان”، كأساس لبناء نظام عالمي جديد. بالطبع لقيت هذه الدعوة المعارضة من قبل المحافظين في الولايات المتحدة، التي كانت الى ذلك الحين تعاني من التمييز العنصري والموقف السلبي ازاء السود والملونين وتمتعهم بالحقوق المدنية المتساوية، الى جانب مظاهر التشريع في ميدان الحقوق الاجتماعية.
وفي العاشر من كانون الاول عام 1948 ، طرح للنقاش على الجمعية العمومية للامم المتحدة مشروع “الاعلان العالمي لحقوق الانسان ” . وفي عام 1948 صدر قرار من الامم المتحدة حول ادانة الابادة الجماعية. كما صدر قرار في 1953 حول الحقوق السياسية للنساء. وفي 19 من كانون الاول عام 1966 الموافقة على اصدار الاعلان عن “الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية والمدنية ، وصدر قرار حول ادانة التعذيب في عام 1984. وصدر قرار حول حقوق الاطفال في عام 1989.
ان كل تلك الاعلانات والصكوك الدولية التي تنادي بحقوق الانسان في المساواة والعدل والكرامة الإنسانية قد وجدت من قديم في تعاليم الأديان والفلسفات، فلا شك أنها كفلسفة، ومفهوم، وتدوين دستوري وقانوني لمبادئها لا يعود لأكثر من قرنين أو ثلاثة من الزمان على الأكثر،وان جل المبادئ التي تقوم عليها تلك الصكوك وفي مقدمتها اعلان فرجينيا الامريكي لعام 1776 يحيل إلى مفهوم الحق الطبيعي وهو مفهوم مركزي وقد استعمله منظرو هذا الفكر في نقد فكرة الحق الإلهي للملوك.
وقد كانت فكرة الحق الطبيعي مفهوما مرجعيا تأسست عليه فلسفة ومبادئ حقوق الإنسان، وأحالت إليه تدويناتها الأولى سواء في إعلان فرجينيا الأميركي 1776 أو إعلان حقوق الإنسان والمواطن للثورة الفرنسية 1789الذي استمد من الاول الكثير من مبادئه او حتى في الصكوك الدولية التي ظهرت بعد ذلك .
اترك تعليقاً