التسوية في نظام السوق المالية
د. ملحم حمد الملحم
صدر نظام السوق المالية عام 1424هـ على اسمه لينظم سوق المال في السعودية، وأناط هذا النظام مهمة التشريع والتنفيذ والرقابة “وربما يمكن القول تجوزا الفصل في النزاعات” بهيئة السوق المالية. فأعطيت الهيئة صلاحيات كبيرة بدءا من سلطة التشريع التي تعد أول صلاحية قوية، التي تتفرع عنها مسائل كثيرة.
وإن كان النظام قد مر عليه أكثر من 15 عاما، إلا أنه إلى حد ما من خلال السلطة التي منحها للهيئة، مكنها نسبيا من محاولة التكييف والمواءمة مع التغيرات والتحديثات على السوق المالية والسعي نحو تطويرها. أركز في هذا المقال على مفهوم أساس في نظام السوق المالية وهو مفهوم التسوية في هذا النظام. وهي خطوة تعد متقدمة على مستوى الأنظمة السعودية التي تبعتها تنظيمات أخرى كتنظيم الهيئة العامة للمنافسة الذي منح مجلس إدارتها سلطة التسوية في المخالفات المرتكبة بالمخالفة لنظام المنافسة السعودي. في المادة (64) من نظام هيئة السوق المالية جاءت صلاحية وسلطة التسوية، حيث يمكن للهيئة ألا تقوم بإقامة دعوى ضد المتهم أو المخالف أمام لجنة الفصل في الأوراق المالية إذا تم التوصل لاتفاق بين الهيئة والمتهم أن يدفع المتهم مبلغا لا يتجاوز ثلاثة أضعاف الأرباح التي حققها أو ثلاثة أضعاف الخسائر التي يجنبها نتيجة ارتكابه للمخالفة، وفي الوقت نفسه لن تخل هذه الاتفاقية بأي تعويضات تنتج أو تستحق للغير بسبب ارتكاب هذه المخالفة.
خطوة التسوية هذه وإن كانت خطوة إيجابية من حيث المبدأ، إلا أن صورتها الحالية في نظام السوق المالية يعتريها مجموعة من الإشكالات.
أولها: أن النظام أعطى هيئة السوق المالية صلاحية الاتفاق مع المتهم في حالة ارتكاب مخالفة واحدة وهي مخالفة التداول بناء على معلومة داخلية فقط. لا أجد تفسيرا واضحا لسبب إعطاء الهيئة صلاحية تسوية هذا النوع من المخالفات فقط مع أن مخالفات هيئة السوق المالية كثيرة ومتنوعة. بعبارة أخرى نظام السوق المالية ولوائح الهيئة وقواعدها متشعبة وتشتمل على أحكام كثيرة، وتخصيص التسوية فقط في حالة ارتكاب مخالفة التداول بناء على معلومة داخلية لا يظهر فيها سبب اقتصادي أو مالي خاص يجعل لها هذه المزية، حيث لا توجد في المخالفات الأخرى فلا تتطلب صلاحية التسوية. عندما يوجد صرامة ولو نسبية في تنفيذ الأنظمة، فإنه ستتنوع المخالفات التي يتم رصدها ومحاسبتها.
ثانيها: أن طريقة تقدير المخالفة غير سليمة فافترضت المادة أنه في حالة ارتكاب مخالفة تداول بناء على معلومة داخلية، فإن مرتكب المخالفة إما أن يحقق أرباحا أو يتجنب خسائر، والواقع أنه قد لا يحدث أي منها، فقط يكون هناك تداول بناء على معلومة داخلية لكن يتكبد المخالف خسائر، فكيف سيتم تقدير قيمة التسوية.
ثالثها: إن التسوية من حيث المبدأ لم تضع آليات وإجراءات واضحة لطريقة التسوية، حيث تضمن للهيئة تطبيقها بشكل سليم من جهة، ومن حيث معرفة المتهم بكيفية تعامله مع هذا الإجراء من جهة أخرى وتجعل هذا المفهوم يسير وفق منهج مستقر، ولا يمنع تحديثه من فترة لفترة وفق الإجراءات النظامية.
ختاما، فمفهوم التسوية وإن كان مهما وله جوانب إيجابية للهيئة وللمتعاملين في السوق المالية بشكل عام والمهتمين، لكن قد يكون من المهم النظر في شمول مفهوم التسوية لنطاق معين يشمل متماثلات مبنية على سياسة واضحة، وفي وجود إجراءات واضحة قوية، حيث تضمن تحقق المراد من التسوية بشكل مهني عال يكون نموذجا عالميا.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً