مبدأ التناسب كمعيار موضوعي للجريمة الادارية في قانون العقوبات المصري

_ أولاً : مفهوم مبدأ التناسب : 

يتم تحديد ما اذا كان سلوك ما جريمة ادارية أو حتى جنائية بالنظر الى القيمة أو المصلحة المعتدى عليها وما أصابها من ضرر وما تعرضت له من خطر وما وقع من خطأ ، وبالنظر الى العناصر الثلاثة السابقة مجتمعة يمكن تحديد رد الفعل المناسب وما اذا كان يحتاج الى تدخل جنائي أم يكفي تدخل اداري ، وقد أشار اعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي الى مبدأ التناسب حين تطلب وجوب ألا يضمن القانون الا العقوبات الضرورية واللازمة والمتناسبة . فالمشرع يجب أن يراعي مبدأ التناسب كما يجب أن يراعيه القاضي ، ويقوم مبدأ التناسب على ثلاثة محاور رئيسية .

_ ثانياً : محاور مبدأ التناسب : 

1- القيم أو المصالح الاجتماعية : 

يقصد بالمصلحة عموماً كل ما يشبع الحاجات المادية أو غير المادية للانسان ويجب أن تكون المصلحة مشروعة حتى يحميها القانون كالحق في الحياة أو الملكية أو الحرية فهي مصالح مشروعة . ومسألة مدى حاجة القيمة أو المصلحة الاجتماعية لحماية جنائية أمر يتعلق بفلسفة كل مشرع وعقليته ، فقد يرى مشرع في بلد ما أن مصلحة ما تحتاج حماية جنائية وقد يراها نظيره في بلد أخرى وهي ذات المصلحة لا تحتاج سوى حماية مدنية .

والمشرع حين يجرم فعلاً ما يجب ألا يكون تحكمياً بل يجب أن يكون التجريم دائماً معبراً عن حاجات المجتمع ومصالحه ويجب أن يكون الفعل يلاقي استهجان أو رفض اجتماعي وأن يكون التجريم مقبولاً بواسطة أغلبية أفراد المجتمع والا أدى غير ذلك الى فقدانهم الثقة في نظام العدالة . ومثال ذلك ، أنه في ظل التطور الصناعي بعد الحرب العالمية الثانية ارتفع معدل الجرائم وتدخل المشرع لحماية المصالح الجديدة التي تولدت عن التقدم التكنولوجي والصناعي ، وجرم أفعال المساس بها . ولاقى ذلك قبول اجتماعي ، ولكن بعد استقرار الأوضاع تغيرت نظرة الأفراد لضرورة التجريم وتحول المجتمع من مجتمع زاجر الى مجتمع متسامح وذلك نظراً لتكرار وقوع بعض الجرائم وعدم حاجتها بعد ذلك لتدخل جنائي بل تحتاج لتدخل أقل . ومثال أخر ارتكاب بعض الجرائم الاقتصادية لا يعبر عن نزعة اجرامية ويكفيها جزاءات غير جنائية كالغرامة والمصادرة الادارية .

2- جسامة العدوان : 

لا يكفي أن تكون القيمة أو المصلحة ثانوية بالنسبة للأفراد حتى تصبح الجريمة ادارية بل يجب النظر الى جسامة العدوان أو خطورته . والعدوان سلوك ايجابي أو سلبي يترتب عليه اهدار مصلحة ما أو تعرضها للخطر .

3- الخطأ : 

يعتبر الخطأ المحور الثالث لمبدأ التناسب حيث أن تحديد السلوك وما اذا كان جريمة جنائية أم ادارية ، يتوقف على ما اذا كان الخطأ عمدي أو غير عمدي . وعليه فلا مجال لتطبيق القانون الجنائي على الجرائم البسيطة أو الصغيرة التي تقع نتيجة خطأ بسيط حتى ولو كان عمدي مثل بعض مخالفات المرور اذ يقع الفعل دون وجود نية لخرق القاعدة القانونية  واعتبر مثل هذه الأفعال جريمة جنائية أدى الى تضخم التشريعات الجنائية نظراً للتصميم على تطبيق مبدأ لا يعذر أحد بجهله بالقانون .

والكثير من الأفعال التي تقع نتيجة خطأ غير عمدي أو اهمال يمكن اخراجها من حيز قانون العقوبات التقليدي وادخالها في حيز قانون العقوبات الاداري مثل الامتناع عن تقديم الاقرار الضريبي الناتج عن اهمال بسيط أما اذا كان ذلك نتيجة غش فانه يمكن اعتباره جريمة جنائية . وقد أخذت ألمانيا بهذا المعيار واعتبرت أن أغلب الجرائم التي تقع نتيجة خطأ عمدي تعتبر جريمة جنائية ، أما اذا وقعت نتيجة اهمال فيمكن اعتبارها جريمة ادارية ومثال ذلك : يعد جريمة ادارية القيام بأعمال الدعارة مرة واحدة ، أما اذا تكرر الفعل فيعتبر جريمة جنائية .

_ ثالثاً : مدى كفاية مبدأ التناسب كمعيار وحيد لتحديد الجريمة الادارية : 

للاجابة على ذلك يجب أن ننقل تجربة المشرع الايطالي الذي اعتمد معيار شكلي لتحديد الجريمة الادارية فأدى ذلك الى اضطراب في تطبيق قانون العقوبات الايطالي مما دعى رئيس الوزراء الايطالي الى اصدار منشور يتم في ضوئه تحديد الجريمة الادارية طبقاً لمبدأ التناسب كمعيار موضوعي لتحديد مضمون الجريمة الادارية بمحاوره الثلاثة .

وفي حالة ما اذا كان هناك عدوان هام على مصلحة ثانوية أو عدوان بسيط على مصلحة أولية يتدخل مبدأ الاحتياط كمعيار موضوعي ثاني لتحديد الجريمة الادارية وبذلك يكون الأمر على الشكل التالي :

مصلحة أولية + عدوان هام = تدخل القانون الجنائي 

مصلحة ثانوية + عدوان بسيط = تدخل قانون العقوبات الاداري 

مصلحة ثانوية + عدوان هام  أو  مصلحة أولية + عدوان بسيط = تدخل مبدأ الاحتياط 

شارك المقالة

1 تعليق

  1. شكراا جزيلا لكن نتمني ان يكون الموضوع مجمول مع بعضه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.