مبدأ سيادة القانون وشغل الوظيفة السعودية
خالد أحمد عثمان
في عددها الصادر بتاريخ 17/8/1433هـ الموافق 7/7/2012، نشرت صحيفة ”الوطن’‘ خبراً مفاده أن المحكمة الإدارية في جدة ألزمت وزارة التربية والتعليم باستكمال إجراءات تعيين مواطنة، تقدمت لوظيفة معلمة، وتم استبعادها من قبل الوزارة بعد ترشيحها من قبل وزارة الخدمة المدنية، وتعيين أخرى بدلاً منها. وأصدرت المحكمة حكماً لصالح المواطنة ضد وزارة التربية والتعليم يتضمن إلزامها باستكمال إجراءات تعيينها، حيث إن مبدأ الجدارة هو الفيصل في عملية الترشيح، وما عدا ذلك يعد مخالفاً لنظام الخدمة المدنية، الذي ينص على أن الجدارة هي الأساس في اختيار الموظفين لشغل الوظيفة العامة، والنظام الأساسي للحكم الذي ينص على ”تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه”.
وأشار الحكم إلى أن المواطنة تظلمت من حرمانها من التعيين بعد ترشيحها من قبل وزارة الخدمة المدنية معلمة رياض أطفال في منطقة الليث، بحجة عدم إثبات إقامتها في المنطقة على الرغم من تقديمها ما يثبت إقامتها في المنطقة، وتم إحلال أخرى بدلاً منها دون سبب مقنع، وتظلمت المواطنة لوزارة الخدمة المدنية، والتي طالبت وزارة التربية والتعليم بتمكينها من مباشرة وظيفتها إلا أن وزارة التربية والتعليم لم تستجب، وبعد عدة مداولات بحضور ممثلي وزارتي الخدمة المدنية والتربية والتعليم، قررت المحكمة الفصل في الدعوى وأصدرت حكمها باستكمال إجراءات تعيينها.
وتعليقاً على هذا الموضوع وفي حدود المعلومات التي تضمنها الخبر، نقول إن المحكمة الإدارية طبقت تطبيقاً صحيحاً مبدأ سيادة القانون الذي يعني خضوع الفرد والدولة بجميع إداراتها ومؤسساتها لحكم القانون، فلا يجوز لأي جهة إدارية أن تخالف القانون أو تتعسف في استعمال سلطتها، ووزارة التربية والتعليم بامتناعها عن تعيين المدعية أخطأت وتعسفت في استخدام سلطتها لأنها حرمت المدعية من شغل وظيفة عامة شاغرة بعد أن استوفت شروط التعيين ورشحتها الجهة المختصة وهي وزارة الخدمة المدنية لشغل هذه الوظيفة، وهي بهذا الخطأ خالفت مبدأ العدل ومبدأ المساواة المنصوص عليهما في المادة (8) من النظام الأساسي للحكم، فبموجب هذين المبدأين كان ينبغي على الوزارة ألا تعين شخصاً آخر لشغل الوظيفة التي رشحت لها المدعية من قبل وزارة الخدمة المدنية، حتى ولو كان هذا الشخص يتساوى في المؤهلات مع المدعية لشغل هذه الوظيفة لأن ترشيح المدعية حظي بالأسبقية، وتبعاً لذلك فإنه لا يستقيم في منطق العدل ولا قسطاس الإنصاف والمساواة أن يستبعد من شغل الوظيفة المرشح لهذه الوظيفة دون مسوغ مشروع ويحل محله شخص آخر لم يرشح لهذه الوظيفة أو قد يكون مرشحاً لوظيفة أخرى.
وأفراد المجتمع متساوون في الحقوق والواجبات، وهم لذلك متساوون في حق العمل وشغل الوظائف العامة. والقانون هو الذي ينظم الفرص المتساوية لأفراد المجتمع دون أي تفرقة أو تمييز. ونظام الخدمة المدنية حدد الشروط العامة لتعيين الموظفين العموميين، ولسنا هنا بصدد بيانها وإنما تجدر الإشارة إلى أن هذا النظام وضع مبدأ مهماً في مادته الأولى، حيث نص على أن (الجدارة هي الأساس في اختيار الموظفين لشغل الوظيفة العامة)، فبموجب هذا المبدأ إذا قدرت وزارة الخدمة المدنية أن شخصاً معيناً يحوز المؤهلات المطلوبة لشغل وظيفة معينة شاغرة ورشحته للجهة الإدارية التي توجد لديها هذه الوظيفة فإنه لا يجوز لهذه الجهة الامتناع عن تعيينه دون مبرر قانوني صحيح لأن هذا الامتناع يعد ــــ كما سلف القول ــــ انتهاكاً لمبادئ العدل والمساواة وسيادة القانون، كما يعد مخالفة صريحة للمادة (29) من النظام الأساسي للحكم التي قررت بأن (تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه..).
وتنفيذاً لمقتضيات هذه المادة، تعتمد الدولة في ميزانيتها السنوية كل عام الوظائف الجديدة التي تحتاج إليها الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية. وينبغي على كل جهة حكومية أن تيسر للمواطنين شغل هذه الوظائف وفقاً للقواعد والإجراءات النظامية المرعية.
ولعل من المناسب أن نشير هنا إلى تصريح الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، رئيس الحرس الوطني، المنشور في الصحف المحلية بتاريخ 20/8/1433هـ الموافق 10/7/2012، والمتضمن أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، قد أمر باستحداث عشرين ألف وظيفة عسكرية في الحرس الوطني، وأن ذلك سيوفر فرصاً وظيفية للمواطنين وأبناء منسوبي الحرس الوطني الذين يعتزون بهذا القطاع.
وأحسب أن الجهة المختصة في رئاسة الحرس الوطني ستوزع هذه الوظائف على قطاعات الحرس في جميع مناطق المملكة بطريقة عادلة تراعي احتياجات كل منطقة تحقيقاً للهدف الذي تغياه خادم الحرمين الشريفين من استحداث هذه الوظائف، وهو تنمية فرص العمل في هذا القطاع العسكري المهم، أمام أبناء الوطن في جميع مناطق المملكة. وأخيراً أعود إلى حكم المحكمة الإدارية الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال فأقول إن قضاءنا الإداري بهذا النوع من الأحكام يعزز ويرسخ مبدأ سيادة القانون، و هو لذلك جدير بالتنويه والإشادة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً