مبدأ شفوية المحاكمة
قرر المشرع الليبي مبدأ شفوية المحاكمة ” المرافعة ” كضمانة أساسية لصحة الإجراءات ولتمكين الجمهور من الرقابة على مجريات التحقيق النهائي الذي تضطلع به المحكمة ، ورتب البطلان على تكوين القاضي عقيدته من دليل لم يطرح أمامه في الجلسة ، حيث قضى بأن : ” يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته ، ومع ذلك لا يجوز له أن يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه في الجلسة “. وعرفه الفقه أنه : وجوب أن تجرى شفويا – بصوت مسموع – جميع الإجراءات فالشهود والخبراء يدلون بأقوالهم شفويا أمام القاضي ، ويناقشون فيها شفويا الطلبات والدفوع التي تقدم شفويا وفي النهاية فإن المرافعات سواء مرافعات الادعاء أو الدفاع تتلى شفوياً.
وشفهية المرافعة هي السبيل إلى تطبيق ” مبدأ المواجهة بين الخصوم ” وتحقيق الرقابة على أعمال التحقيق الابتدائي ليتمكن القاضي من تمحيص الأدلة التي تطرح أمامه وتكوين عقيدته ، الأمر الذي لا يتاح إليه بمجرد الإطلاع على الأوراق التي قد تتضارب فيها الأقوال بسبب ما تنطوي عليه من تداخل ، وتلك من سلبيات نظام التنقيب والتحري الذي يعتمد فيه القاضي على المحاضر والمذكرات التي يقدمها الخصوم في الدعوى ، الاتجاه الذي غلبه المشرع أمام المحكمة العليا باعتبارها محكمة قانون تعتمد على ما تضمنته المذكرات من معلومات لمراقبة صحة تطبيق القانون .
ولقد أورد المشرع استثناءات مبدأ الشفوية ، كما فى حال تعذر سماع الشاهد لوفاة أو مرض أو سفر …وغيره ؛ حيث خول القاضي الاكتفاء بتلاوة شهادته التي أدلى بها في مرحلة التحقيق الابتدائي أو الاستدلال أو أمام الخبير ويجد هذا الاستثناء أساسه في المادة 262 أ. ج المعنونة ” تلاوة الشهادة السابقة لتعذر سماع الشاهد “، ولكن لا يجوز أن يحيل القاضي إلى ما ورد بشهادته بل يجب تلاوتها أي قراءاتها الشهادة وعرضها للمناقشة في الجلسة .
أو عندما يتعذر التذكر أو تتضارب الأقوال : ويجد هذا الاستثناء أساسه فى المادة 263 أ.ج التي قررت أن تتلو الشهادة : ” إذا تعارضت شهادة الشاهد التي أداها في الجلسة مع شهادته أو أقواله السابقة “.
أو فى الأحوال التي يتعذر فيها على الشاهد تذكر الأحداث : ” يجوز أن يتلى من شهادته التي أقرها في التحقيق أو من أقواله في محضر جمع الاستدلالات الجزء الخاص بهذه الواقعة”. ومما لا شك فيه أن الحكمة من هذه الاستثناءات تدعم مبدأ العلانية والشفوية لأنها ألزمت المحكمة بتلاوة الشهادة تقديرا لبعض الظروف الطارئة والاستثنائية التي تستدعيها الضرورة الإجرائية ضمانا لاحترام حقوق الدفاع .
ورغم تقديرنا إلى ما انتهى إليه بعض الفقه بشأن جوازية تلاوة الشهادة . فإن ما استندوا إليه لدعم هذا الرأي لا يفيد الجوازية على اعتبار أن الحكم الذي لم يرتب البطلان على إجراءات المحاكمة التي أغفلت تلاوة الشهادة اكتفي بما تناوله الدفاع من مناقشة لما ورد فيها من أقوال ومن الاستثناءات عدم الامتثال للحضور أمام المحكمة حيث تقرر إنه : ” إذا لم يحضر الخصم المكلف بالحضور حسب القانون في اليوم المبين بورقة التكليف ولم يرسل وكيلا عنه في الأحوال التي يسوغ فيها ذلك ، يجوز الحكم في غيبته بعد الإطلاع على الأوراق “.وما انتهى إليه المشرع لا يعد إخلالا بحق الدفاع لأن الحكم الغيابي يسقط بحضور المتهم في الجنايات ، وللأخير حق الطعن فيه بالمعارضة فى الجنح والمخالفات ، مما لايعد إهدارا لمبدأ الشفوية غير المتحقق لغياب أهم أطراف الدعوى العمومية ، وأيضا الاعتراف بالتهمة مع تقدير أن الاعتراف لم يعد سيد الأدلة وهو ما سنعود له فى مداخلة لاحقة ، مع التأكيد أن ما يجرى فى بعض محاكمنا من انتهاك لمبدأ الشفاهية لوصمة يجب التصدي لها ومواجهتها من قبل القانونيين خاصة المحامون ضمانا لنزاهة القضاء وموضوعيته ولرقابة الجمهور .
اترك تعليقاً