مناقشة قانونية حول مبررات التعويض عن أعمال السيادة دون إلغائها
أ/ عبد الله كامل محادين
أمام التسليم بقيام وجود نظرية أعمال السيادة كواقع فعلى وقانونى فى كافة المجتمعات تقريبا، وأمام التسليم كذلك بضرورة تحصين مثل هذه الأعمال ضد رقابة الإلغاء، لما فى هذه الرقابة من إمكانية مناقشة هذه الأعمال وفحصها وتقدير مدى سلامتها من عدمه، وهو ما يتنافى مع مصالح الدولة العليا، فقد طالب كثير من رجال الفقه بأن يكون البديل الأمثل لذلك هو تعويض الأفراد عن الأضرار التى تصيبهم من جرائها، بمعنى أنه طالما يستحيل إنكار أعمال السيادة، وكما يستحيل كذلك إلغاؤها، فلا أقل من إباحة دعوى التعويض للمواطنين فى خصوصها.
فالذى يهم الحكومة أولا وقبل كل شىء هو بقاء أعمال السيادة دون إلغائها فما الذى يضيرها إذن من تعويض الأفراد الذين نالهم ضرر من جرائها. بل وتأكيدا لعدم المساس بأعمال السيادة فى ذاتها سواء من ناحية الحكم على مسلك الإدارة حيالها، أى من ناحية فحص مشروعيتها لمعرفة ما إذا كانت الدولة قد أخطأت فى خصوصها أم لم تخطيء ، أم من ناحية مدى ملاءمتها، يقرر الفقه أن أساس التعويض فى هذه الحالة ليس هو فكرة الخطأ، وإنما فكرة المخاطر أو تحمل التبعة. تلك الفكرة التى تعنى أن مساواة الجميع أمام التكاليف والأعباء العامة تحتم أن ينال المضرور تعويضا عما يصيبه من ضرر من جراء تلك الأعمال، والتى يجب أن يتحمل نتائجها وتبعاتها كافة أفراد المجتمع، إذ لا يعقل أن من يصاب بضرر نتيجة تصرف لجهة الإدارة، تهدف من ورائه تحقيق الصالح العام أو صالح المجموع، أن يتحمل بمفرده نتائج هذا التصرف، بل يجب أن يشاركه الجميع فى تحمل تلك النتائج.
وهذا هو ما انتهى إليه كبار فقهاء القانون العام فى فرنسا من أمثال “هوريو” Hauriou الذى نادى بضرورة التعويض عن أعمال السيادة فى حالة ما إذا ترتب على هذه الأعمال نزع ملكية خاصة، و”جيز” Jéze الذى ذهب مذهبا آخر، إذ نادى بضرورة التعويض عن كافة أعمال السيادة سواء ترتب عليها نزع ملكية خاصة من عدمه، مع استبعاد كل طعن بالإلغاء فى هذه الأعمال؛ و”دويز” Duez الذى يرى أنه ليس هناك نص فى تشريع، أو هناك مبدأ من المبادئ العامة للقانون يمنع من تعويض الأفراد عن الأضرار التى تحيق بهم بسبب أعمال السيادة، بل أن مثل هذا التعويض – يضيف الفقيه الكبير- إنما هو ما يتفق مع مبادئ العدالة والتى تحتم ضرورة المساواة بين المواطنين أمام التكاليف والأعباء العامة، وإن كان قد اشترط لذلك أن يكون الضرر فى هذه الحالة ذا طابع مادى ومباشر وغير عادى وخاص.
وهكذا يمكن التوفيق – من خلال ما انتهى إليه الفقه – بين ضرورة عدم التعرض لأعمال السيادة بالإلغاء وإنما فقط بالتعويض عن تلك الأعمال على أساس فكرة المساواة أمام التكاليف أو الأعباء العامة وهو ما يقال له فكرة المخاطر وتحمل التبعة، وبين الحماية اللازمة لتحصين أعمال السيادة أو أعمال الحكومة ضد تقدير القاضى لها وفحصه لمدى مشروعيتها، إذ يكتفى فى هذه الحالة فقط بمجرد التحقق من توافر ركن الضرر وعلاقة السببية بينه وبين عمل السيادة أو عمل الحكومة.
اترك تعليقاً