متى يكون استعمال الحق غير مشروع ؟
أ/ هديل ابو زيد
…يرى فقهاء القانون المدني أن الحق يقوم على أساسين رئيسين هما طرفا الحق ومحل الحق وربما أضاف البعض أركاناً أخرى تبعية أو تكميلية كسبب الحق ومضمونه ومؤيده وجزاؤه.
ويتجلى مضمون الحق بمدى السلطة التي يخولها الحق لصاحبه والصلاحيات التي يتمتع بها هذا الصاحب في التصرف بحقه والانتفاع به واستعماله.
والأصل أن الإنسان إذا استعمل حقه استعمالاً مشروعاً يتفق مع أحكام القانون، ألاّ يكون مسؤولاً عمَا يلحقه هذا الاستعمال بالغير من ضرر، إلا إذا تعمد وقصد الإضرار، بصرف النظر عن الدافع الذي يقف وراء هذا الاستعمال.
قلنا أن من يستعمل حقه ضمن الحدود التي رسمها له الشرع وأجازها له القانون ودون أن يلحق بالناس أذىً سواء كان هذا الأذى مادياً أو معنوياً. مثل هذا الاستعمال لا سبيل إلى مساءَلته أو محاسبته، ويجب في الأصل أن يكون الأمر كذلك، ولو أدى استعماله لحقه ضمن تلك الحدود إلى إلحاق الضرر بالناس، كأن يؤجر شخص أرضاً زراعية يملكها لمزارع أو مزارعين فينتفع هو والمزارعون من ناتج الأرض سنة فأكثر، ولكن يخطر له أن يستعمل هذه الأرض للبناء لا للزراعة، فهنا استعمل صاحب الأرض حقه في الانتفاع من هذه الأرض بالشكل الذي يراه، ولكن الحق ضرراً بالمزارعين بحرمانهم من استئجارها للزراعة وكسب رزقهم منها، إلا أن صاحب الأرض لا يتحمل نتيجة الضرر الذي لحق بالمزارعين لأنه استعمل حقه استعمالاً مشروعاً ومتفقاً مع احكام القانون، ومن هنا جاء نص المادة (91) من مجلة الأحكام العدلية (التي كانت قانوننا المدني قبل إقرار القانون الحالي) والتي صرحت بأن (الجواز الشرعي ينافي الضمان).
ومثال آخر أن من يملك عقاراً أو منقولاً فإنه قادر بحكم القانون أن يتصرف بعقاره بيعاً وهِبةً وهدماً وإحراقاً وبناءً وغرساً واستهلاكاً. وليس للغير أن يحتج أو يجادل أو يعارض في هذا الاستعمال بمقولة أنه فقد منفعة عارضة كانت تأتيه دونما سبب من ملك، ففقدها جراء هذا الاستعمال.
وبالطبع فإن القول بعدم مسؤولية الذي يستعمل حقه لا تعني أن من الجائز استعماله لحقه في مطلق الأحوال كما يشاء أو كما يحلو له ودون ضابط لهذا الاستعمال، بل عليه أن يستعمل هذا الحق بالشكل الذي أولاه إياه القانون وأجازه له، بمعنى ألا يتجاوز مضمون حقه، لأن ثمة حدوداً لكل حق يعينه قانونه أو مصدره، فإذا تجاوز صاحب الحق تلك الحدود فإنه لا يعتبر مستعملاً لحقه بل يعتبر متعدياً أو مسيئاً استعمال حقه.
ففي مثالنا السابق الخاص بهدم الشخص لبنائه، فإنه إذا هدم منزله ليعيد بناءَه من جديد وكان الهدم ضاراً ببناء غيره الملاصق أو المجاور فليس له أن يهدمه إلا بعد أن يتخذ كافة الإجراءات والاحتياطات الكفيلة بمنع الأضرار التي قد تلحق ببناء الجار، وإلا عُدَّ معتدياً كباقي المعتدين، وإن شئت فقل إنه تجاوز أو تعسف أو أساء استعمال حقه في الهدم ويكون جزاؤه ضمان الضرر.
ان نظرية التعسف في استعمال الحق هي نظرية حديثة، أَحَلَّها المشرعون المحدثون مكاناً بارزاً بين النصوص التمهيدية في القوانين المدنية، لأن لهذه النظرية من معنى العموم ما يجعلها تنبسط على جميع نواحي القانون، دون أن تكون مجرد تطبيق لفكرة العمل غير المشروع.قد حذا المشرع الأردني حذو التشريعات الحديثة والمعاصرة فنص عليها في المادة (66) من القانون المدني والتي جرى نصها كالآتي:
المادة – 66 –
1. يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالاً غير مشروع.
2. ويكون استعمال الحق غير مشروع:
أ. إذا توافر قصد التعدي.
ب. إذا كانت المصلحة المرجوة من الفعل غير مشروعة.
ج. إذا كانت المنفعة لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر.
د. إذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة.
إن هذه المادة تنطوي على تعريف غير مباشر لهذه النظرية يقضي بأن (جزاء التعسف الضمان) ..
اترك تعليقاً