متى يكون لك حق الدفاع الشرعي عن النفس؟
«الدفاع الشرعي في القانون».. يعني رد اعتداء غير مشروع يقع على الشخص نفسه أو ماله أو نفسه أو مال غيره، وهو حق يتيح للشخص استخدام القوة اللازمة والمناسبة لدرء خطر حال، وغير مشروع، يهدد النفس أو المال بنحو قد يستحيل معه لجوء هذا الشخص إلى السلطات العامة لطلب حمايتها من ذلك الخطر.
والهدف من إباحة حق الدفاع الشرعي هو وقاية الحق من الخطر الواقع عليه كما تتفق التشريعات على أن حلول خطر اعتداء على نفس ومال شخص ما يبيح دفع هذا الخطر سواء بنفسه أو بمعرفة الغير من أجل المحافظة على حياته وماله، وهنا تنشأ حالة الدفاع الشرعي.
أولا : تعريف الدفاع الشرعي :ـ
الدفاع الشرعي يعني رد اعتداء غير مشروع يقع على الشخص نفسه أو ماله أو نفسه أو مال غيره.
الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة والمناسبة لصد خطر حال وشيك الوقوع، وهذا الخطر غير مشروع ويشكل جريمة، ويهدد بالإيذاء لحق يحميه القانون والهدف من إباحة حق الدفاع الشرعي هو وقاية الحق من الخطر الواقع عليه.
ثانيا : شروط الدفاع الشرعي :ـ
يقوم الدفاع الشرعي على عنصرين هامين هما :ـ
1- العدوان.
2- الدفاع.
ويشترط في العدوان أن يكون غير مشروع وحال الوقوع على النفس أو المال .
الشرط الأول : العدوان أو الاعتداء :ـ
والعدوان هنا هو الفعل غير المشروع الذي ينوى فاعله التعدي على مصلحة محمية من القانون ويتكون من عنصرين :
العنصر الأول : أن يكون الخطر غير مشروع
فيجب أن يكون السلوك العدواني غير مشروع وأن يكون هذا الفعل مكونا لجريمة على النفس والمال.
ويشترط في فعل الاعتداء أن يهدد بخطر حال غير مشروع ، وأن يقع هذا الفعل على النفس والمال.
أ – الاعتداء فعل يهدد بخطر غير مشروع .. أى كل فعل يعد جريمة .
مثال :ـ
قام أحد اللصوص بالسطو على محل ذهب ومجوهرات ، وقام بسرقته فطارده رجل الشرطة ولم يمثل لأوامره بالوقوف للقبض عليه .. فهنا يحق لرجل الشرطة استعمال السلاح حتى يتمكن من إصابته والقبض عليه.
ولا يجوز هنا للمعتدى أن يرد على أفعال الدفاع الصادرة عن المدافع إذ لا دفاع ضد الدفاع الشرعي .
فلا يجوز استعمال حق الدفاع ضد من تتوافر لديه حالة دفاع شرعي – أو ضد من يؤدى واجبه الوظيفي لأن حالة الدفاع الشرعي تضفى على الفعل وصف الإباحة .
مثال :ـ
لا يجوز استخدام حق الدفاع الشرعي أمام من يستخدم حقه في الدفاع الشرعي
فليس للمتهم المعتدى الاحتجاج بالدفاع الشرعي ضد الشخص الذي يدافع عن نفسه وماله … فإذا دخل شخص لمنزل في منتصف الليل لسرقته وشعر به صاحب المنزل فإذا استعمل حقه ضد هذا اللص وأطلق عليه النار من سلاحه المرخص فلا يحق للمتهم رد اعتداء صاحب المنزل باعتداء مثله محتجا بأنه يدافع عن نفسه .
مثال :ـ
إذا هرب متهم عقب ارتكاب جريمة، وتعقبه رجل الشرطة للقبض عليه وأطلق نحوه عيارا ناريا لتهديده ، فإذا أطلق المتهم على رجل الشرطة فقتله فلا يعتبر في حالة دفاع شرعي عن النفس لأن رجل الشرطة كان يقوم بواجبه الوظيفي الذي فرضه عليه وله القانون.
وتترتب على هذا الشرط جملة نتائج نذكر منها :ـ
1- أنه لا محل للدفاع الشرعي أن كان السلوك مباحا : كاستعمال الأب سلطة تأديب أبنه أو استعمال الزوج سلطة تأديب زوجته، لأن هذا السلوك يدخل في نطاق سلطة الحق في التأديب .
– كما لا يجوز للشخص المأذون بالقبض عليه أن يعتدي على ضابط الشرطة المصرح له بتنفيذ الإذن لأن هذا التنفيذ يعتبر استعمالا لسلطته القانونية .
– كما لا يجوز للمعتدى أن يرد على أفعال الدفاع الصادرة عن المدافع – إذ لا دفاع ضد دفاع .
1. إن الدفاع الشرعي يعد قائما ولو انتفت مسئولية المعتدى : كالمجنون أو الصبي فاقد التمييز أو الشخص المكروه، وفى حالة السكر.
– فالدفاع الشرعي قائم ضد هؤلاء الأشخاص على الرغم من انتفاء المسئولية الجنائية في حقهم .
2. إن الدفاع الشرعي يعتبر قائما ولو كان المعتدى يستفيد من عذر قانوني مخفف.
العنصر الثاني :
أن يكون الخطر حال الوقوع : (أي أن يكون وشيك الوقوع)
ويقع حق الدفاع حتى إذا كان العدوان لم يقع ولم يبدأ بعد، ولكنه على وشك الحصول أو إذا كان قد بدأ واستمر ولكنه لم ينتهي بعد.
– والخطر الوشيك الوقوع هو الذي لم يبدأ بعد ، ولكن ظروف الحال تنبئ عن تحقيقه أي أن احتمالات العدوان ترجح على احتمالات العدول عنه .
مثال :ـ
أن يهدد شخص غيره بالقتل ثم يقوم بتعبئة سلاحه الناري بالذخيرة تمهيدا لإطلاق النار عليه.
أما إذا قام الشخص بتهديد آخر بالقتل لحين البحث عن سلاح فهذا التهديد لا ينشأ للمهدد به حقا في الدفاع الشرعي اذ يستطيع إبلاغ السلطات عنه .
والخطر القائم … ويقصد ذاك الذي بدأ ولم ينته بعد.
مثال :ـ
كأن يقوم شخص بطعن شخص آخر بسكين عدة طعنات دون أن تفضي إلى وفاته فهنا ينشأ للمعتدى عليه الحق في الدفاع الشرعي .
ولكن إذا تمكن رجل الشرطة من انتزاع السلاح من يد المعتدى واستطاع السيطرة عليه ففي هذه الحالة لا يجوز للشرطي أن يستعمل سلاح ضد المعتدى فإذا ما استعمله يكون قد تجاوز حدود الدفاع الشرعي .
أن يكون الخطر مهددا للنفس أو المال :
ويلاحظ هنا أن المشرع قد أباح الدفاع الشرعي ضد أي نوع من أنواع جرائم الاعتداء على النفس، ولكنه اقتصر الدفاع الشرعي عن المال لعدة جرائم فقط .
وجرائم الاعتداء عن النفس:
الاعتداء على الحق في الحياة، والمساس بجسم الإنسان كالضرب والجرح وجرائم المساس بالشرف والاعتبار كالقذف والسب وجرائم الاعتداء على العرض وهتك العرض والفعل الفاضح، وجرائم الاعتداء على الحرية كالحبس والقبض بدون وجه حق والخطف، فجميع الاعتداء على النفس تبيح الدفاع الشرعي، وذلك بصرف النظر عن مدى جسامة الاعتداء، سواء أكان الاعتداء جسيما أو يسيرا ، فهي تبيح الدفاع الشرعي بشرط التناسب .
أما بالنسبة لجرائم الاعتداء على المال :
فقد قيد المشرع الدفاع الشرعي لبعض الجرائم فقط الخاصة بالمال وهي على سبيل الحصر وهي ، جرائم الحريق العمد، والسرقة والاغتصاب ، والتخريب والتعييب والإتلاف ، وانتهاك حرمة ملك الغير، وجرائم دخول أرض مهيئة للزراعة أو مبذورة فيها زرع أو محصول أو مروره بمفرده أو ببهائمه أو دوابه المعدة للجر أو الحمل أو الركوب أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر منها وكان ذلك بغير حق، فهذه هي جرائم الأموال التي يجوز فيها الدفاع الشرعي ، ولذلك فان أي جريمة تقع على المال خلاف ذلك لا يجوز فيها الدفاع الشرعي.
الشرط الثاني : الدفاع عن النفس والمال ونفس ومال الغير :ـ
ولتحقيق شرط دفاع المعتدى عليه لابد من توافر عنصرين لكي يمارس المدافع لحقه في الدفاع وهما «اللزوم والتناسب».
1. لزوم الدفاع :ـ
ويقصد به أن المدافع حين يقوم على فعله إنما يجب عليه أن يسلك سبيل الأفعال المشروعة أولا قبل أن يلجأ إلى ارتكاب جريمة فإن استطاع درء هذا الخطر دون اللجوء إلى استعمال السلاح كان ذلك أفضل ، كما لو قام بانتزاع السلاح الذي يحمله المعتدى .
كما لو استطاع انتزاع السلاح الذي يحمله غريمه ، وإذا كان الخطر صادر عن مجنون أو طفل يمكن التغلب عليه أو الهروب من أمامهما ، فهنا يكون الهروب خيرا للمدافع لدرء هذا الخطر المحتمل .
وحيث يصبح ارتكاب الفعل ليس لازما لدرء الخطر .
2. التناسب :ـ
وهو التعادل الكمي بين فعل الدفاع وخطر الاعتداء وجسامته .
اي أن تتناسب وسيلة الدفاع مع وسيلة الاعتداء فإذا كان التعدي بالأيدى فلا تكون وسيلة الدفاع بالسلاح .
وإذا كان التعدي من طفل أو من رجل ضعيف البنية والمدافع قوى البنية فلا تناسب بين القوتين .
وفى بعض الحالات لا يقاس التناسب بمقدار الضرر الذي تعرض له المدافع فيمكن أن يلحق المدافع بالمعتدى ضررًا أشد مما كان هذا الأخير ينوى إحداثه .
مثال :ـ
فلو حاول شخص اغتصاب أمرأة فدافعت عن نفسها وقتلته وكان القتل الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامها لمنع اغتصابها فأن فعل القتل يصبح دفاعًا شرعيًا حيث تكون مصلحة المعتدى عليها هى حماية عرضها وشرفها أجدر من حماية الحق فى حياة المعتدى .
ثالثا : تحديد نطاق الجرائم التي تكون محلا للدفاع الشرعي :ـ
إن كافة الجرائم المنطوية على العدوان على النفس والمال تبرر حق اللجوء للدفاع الشرعي.
أ – جرائم النفس : اعتبر المشرع كافة جرائم النفس مبيحة للدفاع الشرعي.
ومن أمثلة تلك الجرائم :ـ
1. جرائم الاعتداء على الحياة ( القتل ) سواء أكان عمديا أو الشروع فيه .
2. جرائم الاعتداء على سلامة الجسم كالضرب والجرح وإعطاء المواد المخدرة .
3. جرائم الاعتداء على العرض كاغتصاب الإناث وهتك العرض والفعل الفاضح .
1. جرائم الاعتداء على الحرية الشخصية سواء كانت حرية العقيدة او حرية التنقل كالقبض والحبس بدون وجه حق .
2. جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار كالسب والقذف وإفشاء الأسرار .
والاعتداء في مثل هذه الجرائم إنما يكون بالقول ويكون الدفاع بالقوة المادية لرفعه كمن يستخدم مكبرات الصوت للقذف والسب فيقوم المدافع بمنعه بالقوة من هذا التشهير كأن يحطم هذا المكبر .
ب – جرائم المال : حدد المشرع جرائم الاعتداء على الأموال التي تبيح حق الدفاع الشرعي ، وهى :ـ
1. جرائم الحريق العمد وهى من قبيل الجنايات .
2. السرقة سواء كانت جناية أو جنحة .
3. جرائم التخريب والتعييب والإتلاف .
4. جرائم انتهاك حرمة ملك الغير .
5. جرائم دخول أرض زراعية مهيأة للزراعة أو مبذور فيها زرع أو محصول .
6. جريمة رعي أو ترك الماشية ترعى في أرض زراعية ملك الغير بدون وجه حق وبدون إذن صاحبها .
7. جريمة الإتلاف العمدى لمنقولات الغير .
ملحوظة :ـ
أما جرائم النصب وخيانة الأمانة فلا يترتب عليها حق للدفاع الشرعي .
رابعا : قيود حق الدفاع الشرعي :ـ
هناك قيدان يبطلان الحق في الدفاع الشرعي على الرغم من تحقق شروطه بمعنى أن سلوك المدافع حينئذ يكون غير مشروع .
القيد الأول :ـ
يتعلق بحظر مقاومة مأموري الضبط القضائي أثناء تأديتهم لواجبات وظائفهم مع توافر حسن النية ، ولو تخطى هذا المأمور حدود وظيفته .
والمقصود برجال الضبطية القضائية أعضاء النيابة العامة والشرطة والقوات المسلحة ممن يستخدمون القوة الجبرية في ممارسة اختصاصاتهم .
ويشترط هنا أن يكون العمل الذي يقوم به مأمور الضبط القضائي داخلا في اختصاص وظيفته ، وأن يكون مأمور الضبط حسن النية.
أما إذا كان مأمور الضبط القضائي سيئ النية أى يعلم بأن ما يقوم به غير مشروع ومخالف لواجبات الوظيفة فليس له الحق في استعمال حق الدفاع الشرعي، وإذا اعترض المعتدى عليه، ومنعه من إتمام ذلك العمل المخالف فيحق له منعه باستخدام حق الدفاع الشرعي .
القيد الثاني :ـ
حظر القتل العمد في إطار الدفاع الشرعي إلا في حالتين :ـ
1. الأولى : القتل دفاعا عن النفس سواء ضد القتل أو الإصابة، وإتيان المرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة أو اختطاف إنسان.
2. الثانية : القتل عمدًا دفاعًا عن المال في جرائم الحريق العمد – السرقات – دخول منزل مسكون ليلا – الإتلاف العمدى .
خامسا : آثار الدفاع الشرعي :ـ
يترتب على توافر وتحقيق الشروط في كل من فعلى العدوان والدفاع ، وانتفاء القيود على استعماله .
صار فعل المدافع مباحا ، أما إذا لم تتوافر هذه الشروط ، وخاصة شرط التناسب بين الفعلين فان العمل لا يكون مباحا ويدخل في دائرة التجريم .
حكم تجاوز حدود الدفاع الشرعي :ـ
المقصود بالتجاوز هو استعمال قدر من القوة يزيد ولا يتناسب على ما كان كافيا لمنع الضرر .
أى أن استخدام القوة في الدفاع الشرعي لا يتناسب مع الضرر الواقع على المعتدى عليه، ولا مع الوسيلة المستخدمة في التعدي .
مثال :ـ في حالة التجاوز :
قيام شخص بإطلاق عيار ناري على شخص هرب عقب محاولته سرقة سيارته فارداه قتيلا .
مثال :ـ
استعمال شخص سلاحه بإطلاق عيارًا ناريًا على شخص آخر حاول التعدي عليه وهو يحمل عصا يمكنه أن يتفاداها .
وهنا يجب أن نفرق بين نوعين من التجاوز :
النوع الأول : النية السليمة في استعمال الحق :ـ
اى التجاوز غير العمدى أى أن المدافع لا يقصد إحداث ضرر أشد مما يستلزمه الدفاع فيجوز للقاضي سلطة تخفيف العقوبة فينزل بالعقوبة من الجناية إلى الجنحة .
النوع الثاني : التجاوز العمدى :ـ
الذي يتعمد فيه المدافع تخطي حدود الدفاع فيكون التجاوز غير مقترن بنية سليمة فهنا يسأل عن ارتكابه لجريمة عمديه، ويمكن للقاضي أن يخفف عنه العقوبة إذا التمس له ظرفا مخففا.
أحكــام النقــض
إنه لما كان القانون لا يوجب بصفة مطلقة لقيام حالة الدفاع الشرعى أن يكون الاعتداء حقيقياَ بل يصح القول بقيام هذه الحالة و لو كان الاعتداء وهمياً متى كانت الظروف.
و الملابسات تلقى فى روع المدافع أن هناك إعتداء جدياً وحقيقياً موجهاً إليه، و كان لا يشترط كذلك بصفة مطلقة فى الدفاع الشرعى أن تكون الوسيلة التى يسلكها المدافع لرد الإعتداء عنه قد استخدمت بالقدر اللازم، و كان النظر إلى هذه الوسيلة من هذه الناحية لا يكون إلا بعد نشوء الحق و قيامه وعلى أساس كون ما وقع مبرراً تبريراً تاماً أو جزئياً فإن كان ما وقع مبرراً تبريراً تاماً فقد وجبت براءته و إلا فأنه يكون متجاوزاً حدود حقه فى الدفاع وعوقب على أساس ذلك بعقوبة مخففة باعتباره معذوراً – لما كان ذلك كله كذلك و كان ما قاله الحكم فى نفي حالة الدفاع الشرعى عن النفس التى دفع بها الطاعن يشير إلى احتمال قيام هذه الحالة أو على الأقل إلى احتمال قيام حالة التجاوز فيه ، فهذا الحكم يكون مشوباً بالقصور متعيناً نقضه .
( الطعن رقم 63 لسنة 21 ق ، جلسة 1951/4/9 ).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً