بحث قانوني حول محاربة الاسلام و القانون الدولي للتمييز العنصري ضد الأقليات
محاربة التمييز العنصري ضد الأقليات بين الإسلام والقانون الدولي العام
أ. بومعالي نذير
أستاذ مساعد مكلف بالدروس- – معهد اللغات و علوم الإعلام و الاتصال المركز الجامعي بالمدية- الجزائر
[email protected]
قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ (النساء:01).
مقدمة
إننا نجد العالم اليوم كله مفتونا بمواثيق و اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية و الإقليمية التي تصدر تترى لتعالج أمورا عدة تمس قضايا الإنسان عامة و منها ما تعالج مسألة الأقليات، في حين نجد الشريعة الإسلامية قد قررتها منذ أكثر من أربعة عشر قرن مضى، و على رأس هذه الاتفاقيات نجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بتاريخ 10 ديسمبر 1948م و الذي يحتوي على حوالي ثلاثين مادة ، و أسباب صدور هذا الإعلان و مبررات ظهوره جاءت في مقدمته و التي من أهمها:
1- ارتباط كرامة الإنسان و حقوقه بالحرية و المساواة و العدل و السلام في العالم.
2- ضرورة الحماية القانونية لحقوق الإنسان.
3- تعهد الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة بالتعاون في سبيل مراعاة حقوق الإنسان و الحريات الأساسية و احترامها.
4- دعوة جميع دول العالم إلى الاهتمام بهذا الإعلان و العمل من أجل توطيد احترام الحقوق و الحريات عن طريق التعليم و التربية و اتخاذ الإجراءات المناسبة على مستوى الدول و على المستوى العالمي و الذي مما جاء فيه:
المادة الأولى
يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة و الحقوق و قد وهبوا عقلا و ضميرا ، و عليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء.
المادة الثانية
لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق و الحريات الواردة في هذا الإعلان ، دون أي تمييز ، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر،أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر،و فضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني
أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا ، أو تحت الوصاية ، أو غير متمتع بالحكم الذاتي ، أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.
المادة الخامسة
لا يعرض أي إنسان للتعذيب و لا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.
المادة السابعة
كل الناس سواسية أمام القانون و لهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أية تفرقة ، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان ، و ضد أي تحريض على تمييز كهذا .
و للإشارة فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يكن الوثيقة الوضعية الأولى المعبرة عن حقوق الإنسان بل سبقته وثائق أخرى تطرقت إلى حقوق الإنسان بوجه عام منها:
1. العهد الأعظم بإنكلترا عام 1215 م، و وثيقة الحقوق الإنجليزية عام 1689م.
2. الدستور الأمريكي عام 1787 م،و إعلان حقوق الإنسان و المواطن بفرنسا عام1789 م.
غير أن ما تميز به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن هذه المواثيق و الوثائق الخاصة بحقوق الإنسان كونه وثيقة عالمية صدرت باسم كل الإنسانية فهو لا يخص بلدا دون آخر . و جعل الاعتراف بحقوق الإنسان و ممارستها أحد أغراض هيئة الأمم المتحدة الأساسية.
إذًا فالإسلام كرّم الإنسان و أثبت له هذه الكرامة و المنزلة بإثباتات شتى فهو أكرم مخلوق على وجه هذه البسيطة ، فخلقه الله تعالى في أحسن صورة و أحسن تقويم و لكن للأسف نجد بعض بني البشر ينسبون أنفسهم و أصلهم الأول إلى قرد ، و هو ما عرف بنظرية دارون (مذهب الارتقاء و التطور)(1) .
و جاءت الحضارة الحالية فخدعت الإنسانية بما سمته بالقانون الدولي العام و بما سمته بهيئة الأمم المتحدة – على الدول الضعيفة – و هي تتشدّق و تتغنى بحقوق الإنسان في الوقت الذي نجد فيه المجازر البشرية ترتكب هنا و هناك
في العراق ، الصومال ، الشيشان ، في البوسنة أيام الحرب الأخيرة ، هذه المجازر التي ترتكب على أيدي الكبار و بتخطيط منهم في معظم أقاليم الأرض على مرأى و مسمع الهيئات الدولية المنادية باحترام حقوق الإنسان و على رأس هذه الهيئات نجد هيئة الأمم المتحدة .
لقد استفحلت ظاهرة المطالبة بالحقوق في عصرنا هذا حتى أصبحت موضة من موضاته التي تتطور و تتنوع ، فأصبح لها وبال لا يقل خطرا عن وبال الظلم و الجور الذي سبق في ظهوره ، لأن إدعاء الحقوق لا يقل عن جهل الحقوق في سوء عقباه.
فبعد ما كان الإنسان يجهل حقوقه باعتباره مطالبا بواجبات فقط ساكتا عن حقوقه ، فكانت واجباته اتجاه الدين و العرف و اتجاه الحاكم و اتجاه السادة،كان يعرف واجبات العبيد اتجاه سادتهم و واجبات الصغار اتجاه الكبار و الأبناء نحو الآباء،غير أن نهضة الأمم للمطالبة بحقوقهم أدارت الكفة نحو المطالبة بالحقوق،و الآن لا نسمع إلا أحاديث عن الحقوق الكثيرة
و لا يكاد يذكر واجب واحد بينها.فظهر حق الرعية اتجاه المسؤول،حق المرأة،حق الطفل،حق العامل ،حقوق الأقلية، الحق في الحرية ، الحق في حرية التدين ،والحقوق السياسية و الاجتماعية ، حق الاحتجاج،إنه باختصار طوفان متدفق من الحقوق المطالب بها(2).
إننا لا ننكر على الإنسان المطالبة بحقوقه و لكن ننكر عليه نسيان واجباته تجاه المجتمع الذي يعيش فيه سواء كان فردا أم جماعة، فنجده يطالب بحقوقه في حين يعتدي هو ذاته على حقوق الآخرين.
إنّ من يطالب المجتمع بحفظ حقوقه إنما هو في حقيقة الأمر يطالب نفسه بهذه الحقوق، و إذا هضمت حقوقه فهو الهاضم لها،و لذلك وجب على المطالب بالحقوق أيضا أن يطالب بواجباته و هذا لا يكون إلا في مجتمع متزن منتظم.
أضيف فأقول بأن الحقوق في القرآن الكريم لم يأت ذكرها بصفة حقوق بل بصفة واجبات و تكاليف ، تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمان(3): (…و بعد فما ينبغي أن يفوتنا أن ما يسميه عصرنا [حقوق الإنسان]لا يأتي في القرآن الكريم بصفة الحقوق،و إنما هي فيه فروض ملزمة و تكاليف واجبة . و الفرق بين أن تكون حقوقا،و أن تكون تكاليف مفروضة ، هو أن الإنسان يملك أن يتنازل عما هو من حقه،و أن يفرط فيه.في حين لا يحل له أن يتخلى عما كلف به و فرض عليه).
و إذا كان الكثير من الناس يعيش مستنفذا جهده و طاقته في المطالبة بالحقوق و لا يقنع بما يحصل عليه منها مهما أخذ ، فإن الحقوق ليست غايات يسعى إليها الإنسان لذاتها ، و إنما هي وسائل فحسب تمكن الإنسان من أداء واجباته في الحياة . و إذا كان بعض الناس يمضي في هذه الحياة كما تمضي البهائم و الأنعام ، لا تدري الحياة بوجوده و لا تحس به حين موته . فإن قيمة الإنسان الحقيقية فيما يتركه من آثار و ما يجدده في مظاهر تلك الحياة ، و في إسهامه الإيجابي من أجل خدمة مجتمعه و أمته دينيا و خلقيا و علميا و ماديا ، و لولا هذا لما امتاز الإنسان عن سائر مخلوقات الله ،و لكان وجوده عبثا في الحياة(4)،قال تعالى:﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ** فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ﴾ سورة المؤمنون، آية115/116.
إن الله سبحانه كرّم الإنسان ، خلقه بيده و نفخ فيه من روحه و أسجد له الملائكة ، و سخر له ما في السموات و الأرض ، و جعله خليفة في الأرض و زوّده بما يمكنه من الريادةة و السيادة على وجهها ، و ضمن له حقوقا ليؤدي ما كلف به من واجبات على أكمل الوجوه و على رأس هذه الحقوق ، حق الحياة و التملك و حق الحرية و المساواة و التعلم و غيرها كثير ، يتساوى في هذا كل بني البشر على اختلاف ألوانهم و دياناتهم و أجناسهم و مراكزهم الاجتماعية قال تعالى:﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ سورة الإسراء، آية 70 .
و نجد رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع قد أرسى قواعد سبق بها الإعلانات و الدساتير العالمية لحقوق الإنسان فقال:﴿أيها الناس إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا
في شهركم هذا في بلدكم هذا…ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد ، كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه﴾(5)،فلفظ الناس عام للمسلمين و غير المسلمين ، و لذلك ثنى في خطبته صلى الله عليه و سلم بقوله :كل المسلم على المسلم و هذا فيه دليل على أن المقصود في صدر الحديث البشر أجمعين.
و عليه فقد أردت معالجة ظاهرة أصبحت تمثل نقطة ضعف قد يؤتى منها الكثير من البلاد الإسلامية، و المتمثلة في قضية الأقليات و التي لا تكاد تخلوا منها دولة إسلامية ، بداية من الأقلية الدينية إلى العرقية إلى اللغوية… و خاصة ما أصبح يميز العلاقات الاجتماعية و التجاورية بين المسلمين في البلاد الإسلامية مع غير المسلمين من جراء التعصب أحيانا و الذي مرده بالأساس الجهل بديننا، هذا من جهة ، و من جهة ثانية أردت إبراز مدى صدقية الإسلام في التعامل مع هذه الفئة من المواطنين و المكانة التي أعطيت لهم و الذي لم يعتبرهم كما بشريا مهملا بل ادمجوا في الحياة الإسلامية مع بقائهم على دينهم، و هذه النقطة بالذات قد تكون إحدى نقاط الارتكاز في نظري للتأسيس الفعلي لحوار حضاري مع الغرب، و قد تناولت هذا كله في إطار نظري من خلال النصوص سواء في الإسلام من القرآن و السنة أو من في القانون الدولي العام من خلال المواثيق و المعاهدات الدولية و التي كانت و ما زالت تصدر تترى في المسالة ذاتها و هذا الصدور المتتالي بقدر ما هو مسايرة للأحداث و للمستجدات بقدر ما يكشف لنا عن عورات كثيرة للفكر البشري و خلود المبادئ الإسلامية الكلية و التي ما زالت صالحة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا خلت.
المبحث الأول
محاربة التمييز العنصري في الإسلام
تمهيد
إن ديمومة و خلودها المبادئ الإسلامية مستمد من كونها لم تكن مغلقة على مجتمع أو عنصر أو فئة أو جنس معين، و إنما هي عامة لكل الناس، ثم لأنها مستمدة من خلود شريعة الله الدائمة إلى يوم القيامة التي جاءت منادية بالمساواة بل و أكثر من ذلك جاءت منادية بالعدل و بذم التمييز بين طبقات و فئات المواطنين، ضعيفهم و قويهم، كافرهم و مؤمنهم، كبيرهم و صغيرهم، عربيهم و أعجميهم…لا تفاضل و تمايز إلا بالعمل الصالح و بتقوى الله عزوجل و بمدى تقديم المنفعة و الخير للبشرية، ذلك الخلود القائم على المبادئ الكلية و القواعد الشاملة و الضوابط المرنة، و هذا بسبب كونها متجردة لا تراعي المؤمنين بها إذا تصادمت القضايا مع مبدأ العدل و الحق حتى مع غير المسلمين، و هي أيضا متفتحة لا تقتصر على بلد أو إقليم و هي بالمعنى الشامل إنسانية عالمية ليست كما قد يتصور بعض الكاتبين لمعالجة أمراض و عصبيات و قبليات العرب في ربوعهم، فإن مثل هذا التصور يعصف بالإسلام من جذوره لأنه خاتمة الشرائع، و عام النزعة يشمل كل العوالم و الأجناس بصريح النصوص القرآنية و عليه فإن تجاوز قيم الإسلام في عالمنا يسهم بقسط كبير في إبقاء التخلف و يعوق كل نهضة و تقدم، فلم تقم نهضات العالم إلا بالتزام دقيق و تطبيق صارم شديد لمثل هذه القيم الخالدة و عموما فقد تناولت هذا المبحث من خلال المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: معنى التمييز العنصري في الإسلام
المطلب الثاني: موقف الإسلام من التمييز العنصري.
المطلب الأول
معنى التمييز العنصري في الإسلام
قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(6).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:﴿خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في أوسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد و إن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي و لا لعجمي على عربي و لا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت، قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أي يوم هذا، قالوا: يوم حرام ثم قال: أي شهر هذا، قالوا: شهر حرام، قال: ثم أي بلد هذا، قالوا بلد حرام، قال: فإن الله قد حرم بينكم دماءكم و أموالكم، قال: و لا أدري قال أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، أبلغت؟ قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال: ليبلغ الشاهد الغائب﴾(7).
و في النصوص الشرعية من آيات و أحاديث نبوية متواترة و كثيرة في هذا الموضوع.
و ممارسات المسلمين الذين قاموا بنشر الحضارة الإسلامية على مدى عصور طويلة، حيث تاريخنا الإسلامي حافل بالنماذج الإنسانية في المساواة بين بني البشر، مساواة في المعاملات، و أمام القضاء و في التعليم و التعلم لا تفريق بين الأفراد بسبب الانتماء العرقي أو الديني أو بسبب الوضع الاجتماعي؛ و التاريخ الإسلامي حافل أيضا بأسماء كثيرة تنتمي لأجناس كثيرة و بلاد و أديان عديدة سواء في العلم أو في السياسة أو في تولي مناصب في الحكم.
فالمساواة بين البشر من أهم تعاليم الدين الإسلامي، و عليه فالتمييز العنصري كما يراه علماء المسلمين هو التفريق بين جنس و جنس أو عرق و عرق، أو لون و لون بين الناس قال صلى الله عليه و سلم: ﴿يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد و إن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي و لا لعجمي على عربي و لا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت، قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أي يوم هذا، قالوا: يوم حرام ثم قال: أي شهر هذا، قالوا: شهر حرام، قال: ثم أي بلد هذا، قالوا بلد حرام، قال: فإن الله قد حرم بينكم دماءكم و أموالكم، قال: و لا أدري قال أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، أبلغت؟ قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال: ليبلغ الشاهد الغائب﴾(8).و قال صلى الله عليه و سلم أيضا: ﴿أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة﴾(9)؛ أو هو تفضيل فئة عن فئة أخرى من الناس لكونها من جنس آخر أو لون آخر أو من بلد آخر أو لأنها تتحدث لغة أخرى غير لغة الأغلبية، فعن عمرو بن عوف، قال: قال صلى الله عليه و سلم: ﴿سلمان منَّا أهل البيت﴾(10)، أو باعتبار الوضع الاجتماعي كتفضيل الغني على الفقير(11)، كما أن الاحتقار على أساس الانتماء المذهبي هو أيضا من التمييز العنصري.
المطلب الثاني
موقف الإسلام من التمييز العنصري
عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن﴾(12)، فكلنا أبناء رجل واحد و أم واحدة رغم اختلاف ألسنتنا و ألواننا و مواطننا، و عليه فلا يمكن أن ينظر الإنسان لأخيه الإنسان نظرة احتقار و نقيصة، و إنما الواجب هو أن ننظر إلى البشر جميعا نظرة إنسانية و هذا ما جاء به الإسلام حينما قرر المساواة بين جميع البشر في أصل خلقتهم لأن الأصل واحد فلا فروقات و لا تفاضل بين الأجناس و الأعراق إلا بالتقوى و العمل الصالح، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(13)، فالخطاب للناس جميعا فالله رب الناس جميعا فهم بهذا سواء.
و قوله صلى الله عليه و سلم: ﴿يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد و إن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي و لا لعجمي على عربي و لا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت، قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أي يوم هذا، قالوا: يوم حرام ثم قال: أي شهر هذا، قالوا: شهر حرام، قال: ثم أي بلد هذا، قالوا بلد حرام، قال: فإن الله قد حرم بينكم دماءكم و أموالكم، قال: و لا أدري قال أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، أبلغّت؟ قالوا بلَّغ رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال: ليبلغ الشاهد الغائب﴾(14).
و قوله صلى الله عليه و سلم أيضا: ﴿الناس أبناء علات كأسنان المشط سواء وإنما يتفاضلون بالعافية والمرء كثير بأخيه ولا خير فيمن لا يرى لك عليه من الحق مثل الذي ترى له﴾(15).
و قوله صلى الله عليه و سلم في الرد على الداعين للعصبية و التفرقة العنصرية بأن اعتبرهم من الأشقياء و الفجار حيث قال: ﴿لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية و فخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي و فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم و آدم خلق من تراب﴾(16).
كما أننا نجد وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الصادرة عن وقائع المؤتمر الخامس للفكر الإسلامي تؤكد على هذا المعنى في الفقرة الأولى من المادة الأولى منها: “البشر جميعا أسرة واحدة جمعت بينهم العبودية لله و البنوة لآدم و جميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية و في أصل التكليف و المسؤولية دون تمييز بينهم بسبب العرق أو اللون أو اللغة أو الإقليم أو الجنس أو الانتماء السياسي أو الوضع الاجتماعي أو غير ذلك من الاعتبارات”، و في الفقرة الثانية من المادة نفسها: “إن الخلق كلهم عبيد الله و أن أحبهم إليه أنفعهم لعباده و أنه لا فضل لأحد منهم على الآخر إلا بالتقوى”(17).
و هذا هو رسول الله صلى الله عليه و سلم يغضب يخطب في الناس حينما وصله خبر احتقار رجل أعرابي لبعض من أسلم من غير العرب كسلمان الفارسي و صهيب الرومي و بلال الحبشي رضي الله عن الصحابة أجمعين، و بأنهم غير عرب، فقال صلى الله عليه و سلم: ﴿أيها الناس:إن الرب واحد و إن الأب واحد و إن الأم واحدة، و ليست العربية منكم من أب أو أم و لكنها اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي﴾.
و قد قال تعالى أيضا: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴿*﴾ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿*﴾ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾(18).
فأصل البشرية من تراب، فقد خلق الله عز وجل آدم عليه السلام ثم خلق له زوجة منه فتفرع من نسلهما كل البشر على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم و هم جميعا عباد لله تعالى و إخوة في الإنسانية و قد جاء في الأثر أن الرسول صلى الله عليه و سلم من بين ما كان يناجي به ربه في دبر صلاته قوله صلى الله عليه و سلم: ﴿اللهم ربنا و رب كل شيء أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا و رب كل شيء أنا شهيد أن محمدا عبدك و رسولك، اللهم ربنا و رب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة…﴾(19).
و المساواة أيضا في الدعوة إلى الله و إلى الإسلام، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾(20)، و هذا يعني أن الإسلام صالح لكل الأقوام و الأمم دون تحيز لإقليم أو عنصر أو جنس، قال عليه الصلاة و السلام: ﴿بعثت إلى الناس كافة الأحمر و الأسود﴾(21).
و المساواة في العبادات فالناس كلهم متساوون في تأدية العبادات المفروضة عليهم دون تمييز بينهم كالصلاة و الصوم و الزكاة و الحج ، فكلهم يسجدون واضعين جباههم على الأرض خشوعا و تذللا لا تفاوت و لا تفاضل و لا استثناءات بينهم ـ إلا لأصحاب الأعذار المعتبرة شرعا ـ بل كلهم يقومون بذلك و دون تمييز.
و المساواة أمام القانون، فلا تمييز لشريف على غيره من الناس و لا لغني على فقير، و التاريخ يشهد على ما كان من أمر طلب الشفاعة في حد السرقة للمرأة الشريفة التي سرقت، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ﴿استعارت امرأة على ألسنة أناس يعرفون وهي لا تعرف حليا فباعته وأخذت ثمنه فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسعى أهلها إلى أسامة بن زيد فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع إلي في حد من حدود الله فقال أسامة استغفر لي يا رسول الله ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيتئذ فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما هلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف فيهم تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم قطع تلك المرأة﴾(22)، و أحداث كثيرة خلدها لنا التاريخ في إقامة العدل بين الرعية، و منها ما كان من أمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع اليهودي في قضية الدرع.
و قال تعالى في وجوب الحكم بالعدل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾(23).
و المساواة في تطبيق العقوبات قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(24)، و قوله صلى الله عليه و سلم: ﴿من قتل عبده قتلناه﴾(25).
و رغم اختلاف فقهاء الإسلام في قتل المسلم بالذمي فإن الإمام أبو حنيفة ذهب إلى القول بقتل المسلم بالذمي و أورد في ذلك حديثا للنبي صلى الله عليه و سلم لما أقاد مسلما بذمي و قال: ﴿إنا أحق من وفى بذمته﴾.
و هذا الإمام علي رضي الله عنه يقول:”إنا أعطيناهم الذي أعطيناهم لتكون دماؤهم كدمائنا، و دياتهم كدياتنا” و المقصود هنا أهل الذمة و المعاهدون.
و المساواة بين الجميع في المشاركة في الحياة العامة من تنقل و تجارة و عمل و تولي المناصب…
لقد دعا الإسلام إلى المساواة حين دعا إلى محو الفوارق العرقية و احتقار العصبيات، و اعتبر معيار التفاضل الوحيد هو التقوى و العمل الصالح، فمن عمل ما فيه الصلاح لأمته و لإخوانه في البشرية و اتقى الله في عمله و أتقنه و أدى حقوق الله تعالى و حقوق عباد الله تعالى عليه فهو أفضل من غيره ممن لم يؤدي هذه الحقوق فبهذا فقط يكون التمييز، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾(26).
و قوله عز وجل: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾(27).
و قوله عز وجل ناهيا عن السخرية فيما بين الناس: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(28).
لقد استنكر الإسلام سياسة التمييز العنصري و العرقي باعتباره دينا إنسانيا، و دعا إلى تحقيق المساواة بين الشعوب و الأفراد و منح الحرية لجميع بني البشر و أمر بحماية كل مظاهر التمييز و الأفكار الداعية لذلك، كالفكر الداعي لتمييز شعب على شعب آخر أو تفضيل جنس على جنس آخر، لأن الإسلام يعتبر جميع الناس سواسية متساوون في الحقوق الإنسانية، و لأن الإسلام ينظر إلى الأخطاء التي تترتب على التمييز العنصري كبيرة جدا و ذات أثر وخيم و سيء على الحضارة الإنسانية و مكوناتها، فهي تؤدي إلى الصراعات بين المستعلي و المستعلى عليه، كما تؤدي إلى حرمان طوائف و أقليات بشرية كثيرة من حقوقها الإنسانية، و لأنها تؤدي إلى تهميش طائفة لا بأس بها من الأفراد لكونها من لون معين أو جنس معين أو لأنها تتكلم لغة معينة…كما تؤدي سياسة التمييز العنصري إلى انصراف الأفراد و الشعوب و الطوائف عن التفكير في البناء و التقدم و الرقي بالإنسانية إلى تفكير سلبي مقيت جوهره التعصب و مؤداه التناحر و الصراع و هو ما يحدث في كثير من بلدان العالم اليوم تحت مسميات أزمة الأقليات، و الصراعات العرقية…و غيرها، و قد أكدت الفقرة الرابعة من المادة الثانية و العشرون من وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام على تحريم إثارة الكراهية القومية أو العنصرية بل و حرمة كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التحريض على التمييز العنصري: ” لا يجوز إثارة الكراهية القومية أو العنصرية أو كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التحريض على التمييز العنصري بكافة أشكاله”(29).
و قد يحس الإنسان بنوع من التمايز على غيره من خلق الله تعالى فيلجأ إلى تمييز نفسه عن غيره و لعل الأسباب المرصودة لهذه الظاهرة قد تكون:
* بسبب السلطة: فبتولي بعض الناس السلطة فيترأسون دولة أو قبيلة يصابون بهذا المرض و هو التعالي و الغرور و خاصة حين نجاحهم في هذه الرياسة.
* و قد يكون بسبب المال و الجاه: فقد يتمتع بعضهم بالمال أو بالجاه أو بهما معا و باحتياج الآخرين لهم من فقراء و أصحاب الحاجة فيحسون بنوع من التميز عن هؤلاء مما يدفعهم في كثير من الأحيان إلى التعالي عليهم.
* و قد تكون القوة سببا للشعور بالتعالي عن الناس، فحينما يؤتى بعضهم القوة و يحصل لهم التفوق عن غيرهم من الناس في مجالات مختلفة – فليست القوة هي القوة الجسمية فقط – نجدهم يتسلطون على الضعفاء منهم معتقدين بتميزهم عن هؤلاء الضعفاء و ربما يعزون هذا التفوق لانتمائهم العرقي، و كذلك فيمن يعتقد بعلمه و بلونه و بنسبه على أنه أفضل من غيره فتصبح لديه نزعة عنصرية مؤداها في كل هذه الأسباب السالفة الذكر بأنه من عنصر و عرق مفضل عن غيره من الأعراق و الأجناس الأخرى(30).
المبحث الثاني
محاربة التمييز العنصري في القانون الدولي
تمهيد
إن العنوان أعلاه حاملا لصفة التجريم، فكلمة محاربة تقضي بأن هناك جريمة واقعة و سالبة لحقوق الأفراد أو الجماعات فوجب مقاومتها و محاربتها، و هي من أكبر المشكلات التي تواجهها الأقليات اليوم و في كل المجتمعات تقريبا، إنها جريمة التمييز العنصري بين مواطني الدولة الواحدة و التحريض عليها(31)لأسباب كثيرة عددتها مواثيق و اتفاقيات كثيرة صادرة عن منظمات و هيئات دولية و إقليمية، و التي أكدت على أن التمييز العنصري القائم على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو اللغة أو اللون هو وصمة عار و إهانة لكل الإنسانية أولا و انتهاك صارخ لحقوق الإنسان و حرياته الأساسية التي أقرتها المواثيق و الاتفاقيات التي كانت تصدر تترى، و التي كان من أبرزها إعلان الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري سنة 1963م و الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري سنة 1965م و الإعلان العالمي للقضاء على التمييز العنصري بكل أشكاله سنة 1981م، و عليه فقد قسمت هذا الفصل إلى مطلبين:
المطلب الأول: أسباب التمييز العنصري.
المطلب الثاني: المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و محاربة التمييز العنصري.
المطلب الأول
أسباب التمييز العنصري
قد يكون التمييز العنصري لأسباب عديدة، كاللون أو العرق لوجود اعتقاد بأن هناك أصحاب ألوان معينة ما خلقوا إلا ليكونوا في خدمة غيرهم من أصحاب ألوان أخرى معينة، و محنة الزنوج في أمريكا ليست بالبعيدة، أو كأن يتعالى البعض عن البعض الآخر باعتبارهم من عرق يحق له التعالي عن باقي العروق الأخرى، و قد يكون بسبب ديني كأن يرى البعض بأنهم صفوة اختارهم الله كما هو الحال عند اليهود الذين يحملون شعار شعب الله المختار و أن ما دونهم إنما هم من البوييم و ما خلقهم الله عز وجل إلا لخدمة شعب الله المختار، و قد يكون التمييز العنصري بسبب وضع الأقلية المعاش بغض النظر عن المعايير الأخرى كالدين أو اللون أو العرق أو اللغة، و عموما يمكن حصر أسباب التمييز في سببين رئيسيين و هما:
الفرع الأول
التمييز بسبب اللون أو العرق أو اللغة أو الدين
لقد حاول البعض تقسيم البشر على أساس العروق البشرية(32)، و لقد بات هذا التقسيم قائما في مجتمعات تصنف نفسها و يصنفها غيرها بأنها دول متقدمة و حامية الديمقراطية و الحريات، فنجد النزعة الجرمانية في ألمانيا و نزعة الجنس الأبيض في أمريكا، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر الفرد هنديا أو زنجيا إذا كان واحد من أسلافه المباشرين الستة عشر السابقين هنديا أو زنجيا بالنسبة للزنوج، و هذا له مدلوله في هذه المجتمعات.
هكذا يميز بسبب اللون أو العرق بين بني البشر و لكن لا يكون هذا بلا سبب وجيه، فبالإضافة إلى النظرة الاستعلائية هناك أسبابا أخرى، و تحقيق المصالح من الأسباب المباشرة و الأساسية للإبقاء على سياسة التمييز العنصري أو التغاضي عنها إلى حين ذهاب المصالح، فبماذا نفسر مساندة و تشجيع بعض الدول المتقدمة كبريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية و بعض الشركات الضخمة التي كانت لها مصالح مرتبطة بقيام هذا النظام الإرهابي(33) دونما خجل أو حياء النظام العنصري في جنوب إفريقيا أيام كانت أقلية من خمسة ملايين أبيض تحكم و تسيطر على ثلاثين مليون أسود و خمسة ملايين من الملونين و السبب في رأيي هو أن النظام العنصري في جنوب إفريقيا آنذاك كان يمثل ضمانا للولايات المتحدة الأمريكية لمزيد بسط الهيمنة و الاستحواذ على خيرات البلاد الطبيعية، فقد كانت جمهورية جنوب إفريقيا تغطي حاجات الولايات المتحدة الأمريكية من الكروم بنسبة 48 بالمائة و من البلاتين 82 بالمائة و من المنغنيز 67 بالمائة و من الغاناديوم 73 بالمائة، و يزداد بشكل متواصل حجم التوظيفات الأمريكية في اقتصاد جمهورية جنوب إفريقيا فقد بلغ 14.6 مليار دولار سنة 1983م كما أفادت بذلك الواشنطن بوست(34)، و عليه فنصرة الأقلية البيضاء على الأكثرية السوداء في جنوب إفريقيا كان بسبب اللون الأبيض و الذي هو مرادف للذكاء و التفوق و التحضر و الرقي على غيره من أصحاب الألوان الأخرى كالأسود مثلا و الذي يرمز للخادم عند البيض.
يقول علماء العنصرية أنه بين عروق النوع البشري مميزات طبيعية دائمة تفرق بينها، فما هي هذه العروق المتميزة عن بعضها البعض؟ و ما هي مميزاتها الطبيعية؟( يقسم العلماء عروق البشر إلى أربعة، و هي الأبيض و الأصفر و الأحمر و الأسود، و يضعون لكل منها صفات يريد علماء العنصرية أن يجعلوها طبيعية دائمة، و أهم هذه المميزات الفزيولوجية اللون و هيئة الوجه و الرأس و كمية الدماغ و تلافيفه، و أهم المميزات الأدبية الذكاء و الحضارة و الرقي، غير أن هذه كلها لا تؤلف مميزات طبيعية دائمة لأن للمناخ و اختلاف المعيشة، و تنازع البقاء و غيرها من العوامل تأثيرا كبيرا في ذلك)(35).
إننا نجد اليوم أفكارا و أفكارا حول الموضوع و منها فكرة الشعب المختار و لكننا نقول بأن فكرة تفوق جنس ما على جنس آخر أو على سائر الأجناس الأخرى هي فكرة عنصرية لا يمكن هضمها و حتى أنها لا تستند إلى أساس علمي ولا تاريخي، لأن معظم شعوب العالم قد منحت نفسها هذه الميزة، فمن ينكر عليَّ إذا ادعيت لنفسي هذا الشرف في فترة من فترات التاريخ، و لكن تمسك الصهيونية بفكرة شعب الله المختار يفضح عنصريتها(36).
قد يكون التمييز العنصري بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة علنيا كمعاملة من ينتمون إلى أقليات حسب لونهم أو لغتهم أو عرقهم فانه يمكن أن يكون أيضا مستترا كإرساء تقاليد و أعراف يسير على منوالها المجتمع، و هذه التقاليد تخصص لفرض محتواها على جماعة من الأقليات السالفة الذكر كشكل من أشكال التمييز العنصري، كما قد يكون التمييز العنصري على شكل آخر كتجاهل بسيط أو تجنب هذه الفئة من المواطنين (الأقلية) التي يعتقد أنهم مختلفون أو أنهم أدنى منزلة، و قد يكون في صور أشد أثرا في نفوس هذه الفئة كالمضايقات اليومية أو الاستبعاد و النبذ أو فرض الإقامة، لأن العنصرية هي أن تعتقد بوجود جماعات بشرية ذات خصائص معينة بموجبها توضع هذه الفئة في مرتبة أعلى أو أدنى من الآخرين(37)، و هذا ما يلاحظ جليا في بعض الدول و المجتمعات، فقد طال التمييز العنصري في أميركا السكان الزنوج الذين يعدون 26 مليون نسمة، كما طال السكان الأصليين للقارة الأميركية الهنود الحمر و الذين هم في طريق الانقراض فهؤلاء و الزنوج هم عبارة عن مواطنين من الدرجة الثانية في مجتمع الحقوق المتساوية و الفرص المتكافئة(38).
يقول هولي إيغل(39): “تاريخنا مكتوب بالحبر الأبيض، إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين، و يا الله ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، و ما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض، هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها و سيواجهها الفلسطينيون[…]، إن جلادنا المقدس واحد(40).
و الخلاصة أن الأقليات اليوم تشكوا من سياسة التمييز العنصري و هي سياسة عدم تشجيع الاندماج العنصري و محو الفوارق و هذا ما أدى إلى استحالة قيام مجتمع مختلط العناصر يتحقق فيه السلم الذي هو مبتغى البشرية جمعاء و الذي لا يمكن تحققه إلا بتطبيق ما جاء في مواثيق منظمة الأمم المتحدة مع احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للجميع و دون تفرقة تذكر(41)، و كان من أهم النواحي التي تبرز فيها مظاهر التفرقة العنصرية داخل المجتمع الواحد الحواجز اللونية، فكانت تشمل جميع الاعتبارات التي تحرم الاندماج العنصري كمنع الأقليات بسبب اللون أو الدين أو العرق من دخول أماكن معينة أو السكن في أحياء معينة أو الزواج من خارج دائرة الأقلية التي ينتمي إليها، كأن نجد مثلا لافتة في أميركا كتب عليها( ممنوع دخول الكلاب و السود)، كما نجد التمييز بسبب اللون و العرق وصل حتى إلى ميدان العمل ففي المجتمع الواحد، بل و في المصنع و المؤسسة الواحدة نجد المرتبات تختلف من أبيض لأسود و حتى نوع العمل كذلك مختلف فالأسود يوجه في الغالب إلى أعمال الزراعة و الأشغال المرهقة و الشاقة، و هذا بالرغم مما جاء في المعاهدات و الاتفاقيات الدولية التي تحارب التمييز و التفرقة العنصريين، ففي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية نجد المادة الثانية من القسم الثاني منه في فقرتها الثانية تنص على:” تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بأن تضمن جعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد بريئة من أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب”(42)، و هي المادة نفسها تقريبا من حيث محتواها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية(43) و التي جاء فيها: “تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب”(44).
كما جاء أيضا بالعهد ذاته(العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية) التشديد على وجوب التمتع بالحماية القانونية لجميع الأفراد دون أدنى تمييز بسبب من الأسباب فجاء فيه:” جميع الأشخاص متساوون أمام القانون، و من حقهم التمتع دون أي تمييز بالتساوي بحمايته، و يحرم القانون في هذا المجال أي تمييز و يكفل لجميع الأشخاص حماية متساوية و فعالة ضد أي تمييز سواء كان ذلك على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو صفة الولادة أو غيرها”(45).
و قد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يماثل المعنى السابق ذاته في مادته السابعة:” الناس جميعاً سواء أمام القانون وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز”(46).
و كما هو معلوم فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان في حدِّ ذاته إعلانا ضد العنصرية بكل أشكاله(47) و هذا من بين الأسباب التي أعطته مصداقية عالمية إلى حد ما.
الفرع الثاني
التمييز بسبب وضع الأقليات
يعتبر لفظ الأقليات لفظا واسعا فضفاضا، فيدخل تحت هذا الاسم مسميات عديدة فبالإضافة للأقليات المصنفة على أساس الدين أو العرق أو اللغة يمكن أن نصنف تحت هذا اللفظ، فئات أخرى منها العمال المهاجرين و المشردين و السكان الأصليين أو اللاجئين، و إذا استثنينا المعيار العددي في اعتبار القلة فلفظ الأقلية يسري أيضا حتى على الأغلبية المغلوبة على أمرها و المحكومة من غيرها مثلما كان في جمهورية جنوب إفريقيا(أقلية بيضاء تسيطر على أغلبية سوداء)(48)، هذه الأنواع من الجماعات غالبا ما تشترك في سمات معينة، كالفقر و التهميش في الحياة الاجتماعية و السياسية و الثقافية داخل الدولة التي ينتمون إليها و يتمتعون بجنسيتها(49)، فبسبب وضع هذه الأقليات نجدها تتعرض للتهميش و التمييز، و قد ينتقل أفراد هذه الأقليات إلى وضع المطالبة ببعض الحقوق الثقافية كحق تعلم اللغة الأم أو إحياء العادات و التقاليد الخاصة بهم أو المطالبة بممارسة شعائرهم الدينية، و قد يطالبون أيضا ببعض المطالب السياسية كحق المشاركة في تفعيل الحياة السياسية أو حتى مطالبتهم بحق تقرير المصير:[ و لأفراد الأقليات الحق في التمتع بحقوق الإنسان غير أنهم يطالبون في العادة بحقوق معينة بوصفهم أفرادا في جماعة ما أيضا، و قد يشمل ذلك حسب ماهية تلك الجماعة، على مطالبات بحق تقرير المصير(الثقافي و السياسي)، أو بالأرض أو التعويض(عن نزع الملكية) أو السيطرة على الموارد الطبيعية، أو حرية الدخول إلى المواقع الدينية](50).
و قد أثبت الإعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية و إلى أقليات دينية و لغوية(51) بعضا من الحقوق المذكورة سابقا، ففي الفقرة الأولى من المادة الأولى:(على الدول أن تقوم، كل في إقليمها بحماية وجود الأقليات و هويتها القومية أو الاثنية، و هويتها الثقافية و الدينية و اللغوية، و بتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية).
كما جاء في الفقرة الأولى من المادة الثانية أيضا:(يكون للأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية و إلى أقليات دينية و لغوية ـ المشار إليهم فيما يلي بالأشخاص المنتمين إلى أقليات ـ الحق في التمتع بثقافتهم الخاصة، و إعلان و ممارسة دينهم الخاص، و استخدام لغتهم الخاصة سرا و علانية، و ذلك بحرية و دون تدخل أو أي شكل من أشكال التمييز).
جاء في هذا الإعلان ديباجة و تسع مواد كلها تذكر و تلح على ضرورة و وجوب حماية الأقليات و التشديد على ذلك و احترام هويتها و خصوصيتها، و قد لمح إلى ضرورة تعاون الدول فيما بينها لحماية حقوق الأقليات، فقد جاء في المادة السادسة منه:( ينبغي للدول أن تتعاون في المسائل المتعلقة بالأشخاص المنتمين إلى أقليات، و ذلك في جملة أمور، بتبادل المعلومات و الخبرات، من أجل تعزيز التفاهم و الثقة المتبادلين).
و في المادة السابعة منه أيضا: (ينبغي للدول أن تتعاون من أجل تعزيز احترام الحقوق المبينة في هذا الإعلان)(52).
المطلب الثاني
محاربة التمييز العنصري في المعاهدات و الاتفاقيات الدولية
لقد تصدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد الديباجة بمادتين، المادة الأولى و المادة الثانية، ثم تلتهما المادة السابعة، و قد جاءت هذه المواد الثلاث لتؤسس لإجراءات فعالة فيما بعد لحماية الأقليات العرقية و اللغوية و الدينية، ففي المادة الأولى منه:(يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء).
و قد جاء أيضا في الفقرة الأولى من المادة الثانية منه:(لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر).
و جاء في الفقرة الثانية من نفس المادة: (وفضلا عن ذلك لا يجوز التمييز علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلا أو موضوعا تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أم خاضعا لأي قيد آخر علي سيادته).
و جاءت المادة السابعة منه لتذكر بوجوب القيام بالمساواة أمام القانون و تطبيقها: (الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز).
و حيث أن الأمم المتحدة لا تستطيع أن تظل غير معنية بمصير الأقليات، و حيث أنه من الصعب الوصول إلى حل موحد فيما يختص بهذه المشكلة المعقدة و الدقيقة و التي تتخذ في كل دولة مظهرا خاصا، فقد قررت الجمعية العمومية ألا تعالج مشكلة الأقليات في صلب وثيقة إعلان حقوق الإنسان بنص خاص و إنما أرادت أن تأخذ مسألة الأقليات حقها و حيزًّا هاما بحجم و حيز هذه المسألة، فقررت أن تأخذ بحث مشكلة الأقليات بحثا عميقا لكي تستطيع الأمم المتحدة إقرار إجراءات فعالة لحماية الأقليات العرقية و اللغوية و الدينية و الاثنية، و ذلك من خلال ما صدر فيما بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من اتفاقيات و إعلانات دولية و إقليمية تعالج مختلف القضايا ذات الصلة بالأقليات(53).
إن اهتمام المجتمع الدولي بالأقليات و حقوقها ما زال في تزايد، فكانت الوثائق تصدر تباعا لأجل حماية الأقليات، و بخاصة ما تعلق منها بمكافحة التمييز العنصري و الحماية الواجب تقديمها للأقليات من خلال وثائق كثيرة و قد استطعت أن أرصد عشرة وثائق منها على السبيل المثال و هي(54):
1) الوثيقة الأولى: إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
2) الوثيقة الثانية: إعلان بشان العنصر و التحيز العنصري.
3) الوثيقة الثالثة: إعلان بشان القضاء على جميع أشكال التعصب و التمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد.
4) الوثيقة الرابعة: إعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام و التفاهم الدولي و تعزيز حقوق الإنسان، و مكافحة العنصرية و الفصل العنصري و التحريض على الحرب.
5) الوثيقة الخامسة: الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري و المعاقبة عليها.
6) الوثيقة السادسة: المبادئ التوجيهية المتعلقة بشكل و محتوى التقارير المطلوب تقديمها من الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
7) الوثيقة السابعة: في منع التمييز ضد الأقليات و حمايتها.
8) الوثيقة الثامنة: إعلان بشان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية و إلى أقليات دينية و لغوية.
9) الوثيقة التاسعة: المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية و التمييز العنصري و إرهاب الأجانب و التعصب المتصل بذلك.
10)الوثيقة العاشرة: توصيات لجنة القضاء على التمييز العنصري بالأمم المتحدة.
فأما الوثيقة الأولى رقم (1) و هي إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري فقد اعتمدت و نشرت بموجب قرار الجمعية العامة بتاريخ 20 نوفمبر 1963م تحت رقم:1904 (د – 18) و التي جاءت لتؤكد على ضرورة القضاء السريع على التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم و بكافة أشكاله و مظاهره و ضرورة تأمين فهم كرامة الشخص الإنساني و احترامها و قد جاء هذا الإعلان في (11) إحدى عشر مادة و ديباجة.
و قد جاء في المادة الأولي من هذا الإعلان:”يمثل التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الإثني إهانة للكرامة الإنسانية، و يجب أن يدان باعتباره إنكارا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وانتهاكا لحقوق الإنسان و للحريات الأساسية المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و عقبة دون قيام علاقات ودية و سلمية بين الأمم، و واقعا من شأنه تعكير السلم و الأمن بين الشعوب”(55).
أما الوثيقة الثانية رقم(2) فقد تضمنت الإعلان بشأن العنصر و التحيز العنصري و الذي اعتمده و أصدره المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة في دورته العشرين و المنعقدة من يوم 24 أكتوبر 1978م إلى غاية يوم 28 نوفمبر 1978م بباريس و قد جاءت هذه الوثيقة في(10) عشرة مواد و ديباجة، و مما جاء فيها على سبيل المثال، ما ورد في الفقرة الأولى من المادة الأولى منها:” ينتمي البشر جميعا إلى نوع واحد و ينحدرون من أصل مشترك واحد، و هم يولدون متساوين في الكرامة و الحقوق و يشكلون جميعا جزءا لا يتجزأ من الإنسانية”(56).
أما الوثيقة الثالثة رقم(3) فهي المتضمنة للإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب و التمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد(57)، و قد اعتمد هذا الإعلان و نشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25 نوفمبر1981م تحت رقم 36/55 و قد جاء في(8) ثماني مواد و ديباجة، و مما جاء فيه نجد نص المادة الأولى في فقرتها الأولى:” لكل إنسان الحق في حرية التفكير و الوجدان و الدين، و يشمل هذا الحق حرية الإيمان بدين أو بأي معتقد يختاره، و حرية إظهار دينه أو معتقده عن طريق العبادة و إقامة الشعائر و الممارسة و التعليم، سواء بمفرده أو مع جماعة، و جهرا أو سرا”.
كما جاء في الفقرة الثانية من ذات المادة أنه:”لا يجوز تعريض أحد لقسر يحد من حريته في أن يكون له دين أو معتقد من اختياره”.
أما الوثيقة الرابعة رقم(4) فهي عبارة عن الإعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، و تعزيز حقوق الإنسان و مكافحة العنصرية و الفصل العنصري و التحريض على الحرب و قد أصدر هذا الإعلان من قبل المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة في دورته العشرين يوم 28 نوفمبر 1978م و قد جاء هذا الإعلان في ديباجة مطولة فيها تذكير بمقاصد و مبادئ الأمم المتحدة الواردة في ميثاقها و (21) و إحدى عشر مادة، و مما جاء فيه على سبيل المثال المادة الرابعة منه:” تسهم وسائل الإعلام بدور أساسي في تربية الشباب بروح السلام و العدالة و الحرية و الاحترام المتبادل و التفاهم، بغية تعزيز حقوق الإنسان و المساواة في الحقوق بين جميع البشر و جميع الأمم و التقدم الاقتصادي و الاجتماعي، و لها أيضا دور هام تؤديه في التعريف بوجهات نظر الجيل الناهض و تطلعاته”.
الوثيقة الخامسة رقم(5) فقد احتوت على الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري و المعاقبة عليها و قد اعتمدت و عرضت للتوقيع و التصديق و الانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت رقم 3068 ( د ـ 28 )و المؤرخ في 30 نوفمبر 1973م و كان تاريخ بداية نفاذه هو 18 جويلية 1976م وفقا لأحكام المادة 15 منها، و قد جاءت في ديباجة و (19) تسعة عشر مادة.
أما الوثيقة السادسة رقم(6) فقد تضمنت المبادئ التوجيهية المتعلقة بشكل و محتوى التقارير المطلوب تقديمها من الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، و قد جاءت هذه الوثيقة في تمهيد و جزأين (2) يحتويان في الإجمال على(7) سبعة مواد، و قد اعتمدت هذه المبادئ التوجيهية من قبل لجنة القضاء على التمييز العنصري في جلستها 475 ( الدورة 21) بتاريخ 09 أفريل 1980م، و قد جاء في هذه الوثيقة تعداد لبعض الحقوق التي يجب أن تتمتع بها فئات من الناس(الأقليات) كالحق في التعليم و التدريب و الحق في المساهمة في النشاطات الثقافية و الحق في الحصول على الخدمات المختلفة و الحق في السكن و في الصحة و الرعاية الطبية و الحق في العمل و غيرها.
و جاءت الوثيقة السابعة رقم (7) و كان مضمونها منع التمييز ضد الأقليات و حمايتها، بقرار رقم 1999/23 من قبل اللجنة الفرعية لتعزيز و حماية حقوق الإنسان في دورتها الحادية و الخمسين (51) و كان من بين دوافع إصدار هذه الوثيقة هو قلق الجهات المختصة ـ (اللجنة الفرعية لتعزيز و حماية حقوق الإنسان) ـ المتزايد من انتشار الصراعات العنيفة في أنحاء كثيرة من العالم نتيجة للعداء العرقي أو الديني الذي يسببه و يستغله طرف أو أكثر من أطراف النزاع، و أيضا لما كانت تراه ضروريا و هو ضرورة قيام الدول و الأقليات و الأكثريات على حد السواء بالتماس الحلول السلمية و البناءة للمشاكل التي تمس الأقليات.
و أما الوثيقة الثامنة رقم(8) فهي المتضمنة للإعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية و إلى أقليات دينية و لغوية و قد اعتمد هذا الإعلان و نشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت رقم 47/135 بتاريخ 18 ديسمبر 1992م، و قد تضمن هذا الإعلان بعد الديباجة (09) تسع مواد منها المادة الأولى في فقرتها الأولى تقول:”على الدول أن تقوم كل في إقليمها، بحماية وجود الأقليات و هويتها القومية أو الإثنية، و هويتها الثقافية و الدينية و اللغوية و بتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية”(58).
أما الوثيقة ما قبل الأخيرة و هي الوثيقة التاسعة رقم (9) فقد تضمنت الآراء و التوصيات الخاصة بالمؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية و التمييز العنصري و إرهاب الأجانب و التعصب المتصل بذلك، و بقرار رقم 1999/6 المنبثق عن اللجنة الفرعية لتعزيز و حماية حقوق الإنسان في دورتها الحادية و الخمسين (51) و قد أوصت بأن يعد هذا المؤتمر العالمي إعلانا و برنامج عمل لمكافحة العنصرية و التمييز العنصري، و إرهاب الأجانب و أشكال التعصب المتصلة بذلك، كما أوصت بأن يحدد هذا المؤتمر العالمي إستراتيجية عالمية و على نطاق المنظومة برمتها لمكافحة العنصرية و التمييز العنصري بما يمكن أن يفضي إلى نتائج ملموسة بالنسبة للجماعات المتأثرة(59).
و نصل إلى الوثيقة الأخيرة و هي الوثيقة العاشرة رقم (10) و هي تحمل توصيات لجنة القضاء على التمييز العنصري بالأمم المتحدة و قد احتوت على (21) واحد و عشرين توصية عامة و كلها تتعلق بمسألة التمييز العنصري الذي قد يطال الإنسان عموما و الأقليات بوجه خاص(60)، و كل توصية منها تحتوي على بنود فرعية تشرحها.
خلاصة منهجية
نخلص مما سبق إلى النتائج الآتية
1. إن أهل الذمة أمر شديد الصلة بواقع المسلمين و لم تخل منهم البلاد الإسلامية على مر العصور، فهم جزء من الرعية في الدولة الإسلامية و لا يمكن أن يكون كما بشريا مهملا فلابد من الاستفادة من طاقاتهم باعتبارهم من مواطني البلاد الإسلامية.
2. إن الإسلام لا يجبر أحدا على إتباعه امتثالا لقوله عز وجل: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(البقرة، آية:256)، فهو يعطي حرية الاعتقاد لكل المواطنين.
3. لقد تضمنت آيتان من القرآن الكريم قاعدة ذهبية في عَلاقة المسلمين بغيرهم، و اللتان تعتبران رخصة في صلة الذين لم ينصبوا العداء للمسلمين، وجواز برهم، قال تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾( الممتحنة، آية:8.9)، فهاتان الآيتان حددتا الأساس الأخلاقي والقانوني الذي يجب أن يُعامِل به المسلمون غيرهم، وهو البر والقسط لكل مَن لم يناصبهم العداء، وما كان للعَلاقة بين المسلمين وغيرهم أن تخرج عن الإطار العام والهدف الأسمى الذي من أجله أنزل الله الكتب وأرسل الرسل و هو إقامة العدل و المساواة بين الناس، وكل النوازل والمستجدات ينبغي محاكمتهما على هذا الأساس.
4. إن المواطن في الدولة الإسلامية تترتب عليه واجبات هي من مقتضيات المواطنة مثلما تفرض له حقوق بنفس المقتضى.
5. إنه في وقتنا الحاضر و قد أقصيت أحكام الإسلام عن واقع الحياة في البلاد الإسلامية و التي أصبحت أنظمتها الوضعية لا تفرق بين ذمي أو مسلم مما أنتج الكثير من الآثار السلبية و منها انقضاض الأقلية من أهل الذمة و استئثارها بمقاليد التحكم على حساب الأغلبية المسلمة و بدعم من قوى خارجية و مباركتها في الكثير من الأوقات في بعض البلاد الإسلامية مما ينافي سياسة التعايش و التسامح التي كان مفترضا أن تسود بين أبناء الوطن الواحد.
6. إدراك سماحة الإسلام في معاملته لمواطنيه حتى للمخالفين له في العقيدة، رغم أن هناك الكثير من المبادئ و الأفكار لا تطيق أن ترى مخالفا لها، فتحاربه بشتى الوسائل و الطرق، لكن الإسلام يأمر أتباعه بالعدل حتى مع الأعداء قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ ( المائدة، آية:08).
7. إن الكثير من أصحاب المصالح و الأعداء يبثون الشبهات و الأراجيف للنيل من سماحة الإسلام و هذا باستخدامهم لمختلف الوسائل و الأساليب و مثاله ما يقوم البعض بالترويج له في عصرنا و هو الظلم و القهر الذي سيحل على الأقليات الدينية خاصة في حال طبق الإسلام من خلال وصول أنصار الإسلام السياسي إلى سدة الحكم، رغم أن الإسلام يعطي المخالفين له في العقيدة حقوقا لا يعطيها أي مبدأ آخر لمخالفيه.
8. قال تعالى:﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ*إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾( هود، آية: 118.119)، فقد يكون جهل المسلمين أحيانا بتعاليم دينهم و غير المسلمين بتعاليم دينهم أيضا، مما يصعب فكرة التعايش بينهما بشيء من الاحترام المتبادل و الود و التقدير لخصوصيات الآخر و أتكلم هنا عن المسيحيين خاصة لأنهم أكبر الأقليات الدينية في البلاد الإسلامية، و على الحاملين لمشعل حوار الحضارات و شعار التسامح و التعايش من كلا الطرفين أن يبذلوا مجهودا إضافيا لإقناع الأتباع بضرورة احترام كل ما هو مقدس لدى الطرف الآخر.
9. إن التعايش لم يعد اليوم كما كان عليه أيام حكم الدولة الإسلامية، فقد أصبح تعايشا ماديا سطحيا فحسب أساسه الأعمال و المصالح الاقتصادية، و لم يعد يرق إلى الصعيد النفسي و الروحي و الاجتماعي و الثقافي و التي هي أرقى صور التعايش بين الأفراد و المواطنين داخل الدولة الواحدة حتى و لو اختلفت عقائدهم و لغاتهم و ثقافاتهم و عروقهم.
10. إن الحل لمشكلة الأقليات في اعتقادي لا يمكن أن يوجد داخل إطار النظم السياسية و الاجتماعية التي كانت هي بالأساس السبب في نشوء مشكلة الأقليات، و ذلك من خلال ما سلطته من ظلم و استبداد و كبت للحريات سواء كانت فردية أو جماعية.
11. إن كلمة “أقلية” أصبحت من المصطلحات السياسية و التي ارتبطت بالقانون الدولي و بمصالح الدول الكبرى المهيمنة في الساحة السياسية الدولية.
12. تشمل مطالب الأقليات عادة المساواة مع الأغلبية في الحقوق المدنية والسياسية، مع الاعتراف لها بحق الاختلاف والتميز في مجال الاعتقاد والثقافة خاصة، و هنا نجد اختلافا جوهريا بين ما جاء به الإسلام و أقره و بين ما هو موجود في لوائح القانون الدولي، فالإسلام هو المبادر ابتداء إلى فرض العدل بين صفوف كل المواطنين على اختلاف اعتقاداتهم و ثقافاتهم، بينما القانون الدولي ينتظر طلب هذه الأقلية أو تلك كي يتدخل، و قد يكون تدخله مرهونا بمصالح مختلفة للقوى الكبرى المؤثرة في السياسات الدولية.
13. لقد وضع فقهاؤنا قاعدة فقهية هي قاعدة عدم إنكار تغير الأحكام بتبدل و تبدل الزمان و المكان لقسم من الفقه الإسلامي هو القسم الخاص بالاجتهاد في المسائل التي لا نص قطعي فيها، و التي مصدرها عرف أو مصلحة سكتت عنها النصوص الشرعية، و عليه فلا يمكن لأي مسلم أن يشك في صلاحية الإسلام لكل زمان و مكان، أو أن يشك في حيويته الكفيلة بمعالجة مشكلات كل عصر ومصر عند توفر حسن الفهم و الإحاطة بمقاصد الإسلام و شريعته.
14. نحتاج اليوم في السياسة الشرعية إلى تجاوز المواقف البسيطة التي تحصر الأمر بين حاكم مسلم و رعية مسلمة بيدها زمام المبادرة و الحل و الربط كما نحتاج أن ننظر من حولنا و إلى ظروفنا كيف أصبحت، و كيف تغير حالنا من قوة إلى ضعف و من تفوق إلى تقهقر و على مختلف المستويات؟ فهل هي كما كانت أيام أولئك الرجال الذين أقاموا الأدلة على صحة ما ذهبوا إليه من آراء في زمانهم و لا نحصر الأمر و كأنه بين طرفين احدهما سائل ينقصه الاطلاع الشرعي، وفقيه يجيب بالحل أو الحرمة عن السؤال و فقط دون النظر إلى المآلات و الظروف المحيطة بنا اليوم، فإذا كان الأمر بهذه الصورة لا يمكننا أن نصفه بالعلمية التي جاء بها و نادت إليها الشريعة الإسلامية الباقية الخالدة بصلاحها لكل زمان و لكل مكان.
15. لقد ورثنا مواقف و آراء عن فقهائنا الأوائل و التي بنوها على معطيات عصرهم فاستسهلنا التقليد و أغلقنا عقولنا و توقفنا عند ما جاؤوا به فتقهقرت ظروفنا الحياتية سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدول، و عليه فالمطلوب من علمائنا خاصة اليوم تبني منهجا علميا يصنع مواقفنا الشرعية من القضايا المختلفة التي باتت تهدد و تشكك في صدقية صلاح الشريعة الإسلامية لكل زمان و لكل مكان بفعل التقليد الذي أصبح سمة العصر، فلكل قضية تطرح اليوم خلفيات كثيرة منها الاجتماعية و منها السياسية ومنها الثقافية يجب على الباحثين الشرعيين مراعاتها للحفاظ على تفوق الشريعة الإسلامية في إسعاد البشرية جمعاء بمسلميها و غيرهم خاصة و أننا نرى اليوم مدى افتتان المسلمين قبل غيرهم بما يصدر تباعا من المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و الإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان عامة و الخاصة بحقوق الأقليات على وجه الخصوص، و عليه فيجب إعادة صياغة كل ما يطرح في مسالة الأقليات في ضوء رؤية شاملة تستصحب القواعد الشرعية الكلية، و النصوص الشرعية، مع عدم إهمال أي من التفسيرات المختلفة لبعض النصوص التي تراعي غايات الإسلام في الدعوة في مداه القريب و الانتشار والتمكين في المدى البعيد.
16. إنه و بالرغم من كثرة ما كتب في الفقه الإسلامي في مجال التنظير و ضبط العَلاقة بين المسلمين و غيرهم فقد أصبح أغلبه جزءًا من التاريخ في اعتقادي، و ربما هذا لأسباب عديدة منها على سبيل المثال، أن فقهاءنا قديما لم يعطوا البعد العالمي لرسالة الإسلام في آرائهم الفقهية و هذا لعدم تصورهم لمستجدات الأمة و علاقتها بالآخرين من غير المسلمين في ظل التحديات المفروضة عليها و التي تواجهها في مختلف أطوار حياتها، و لذلك جاءت أفكارهم تمتاز بشيء من المثالية العالية بعيدة عن واقعنا المعاش، فلم يتصوروا ربما يوما انهزام الأمة و ترجعها في وجه قوى أخرى تستغل و تسيس كل ما من شانه تأليب تلك الأقليات عليها من الداخل، بالإضافة إلى أنه لم يكن العالَم القديم يعرف شيئاً اسمه القانون الدولي الذي يحتِّم على كل دولة طرف في الاتفاقيات و المعاهدات سواء كانت دولية أو إقليمية الالتزام بما جاء فيها، في وقت تداخلت فيه مختلف الثقافات، و الأعراق فأصبحت في المكان الواحد و في الزمن الواحد ترى أفرادا من جنسية واحدة و لكن بخلفيات مختلفة، و عليه فانه لابد من الإقرار بان تراثنا الفقهي ليس مقدسا، فوجب الانطلاق منه باعتباره سوابق فقهية أو قضائية نستأنس بها لبناء غيرها مما يصلح للإجابة على إشكالات العصر المختلفة، و إذا وجد في كلام الأقدمين ما يجيب على تلك التساؤلات أخذ به مؤكدين بذلك على ضرورة التواصل والاستمرارية بين أجيال الأمة الإسلامية دون أن ننظر لتلك الإجابات نظرتنا إلى النص الشرعي المقدس.
الهوامش المستعملة في البحث
1) الإنسان في القرآن الكريم ، محمود عباس العقاد ، ص 70 و ما بعدها .
2 ) الشيوعية و الإنسانية ، عباس محمود العقاد ، ص 348 /349
3) القرآن الكريم و قضايا الإنسان ، د- عائشة عبد الرحمان ، ص 148 .
4 ) الإسلام و التقدم الاجتماعي ، د- صابر طعيمة ، ص 82 .
5 ) رواه البخاري في العلم برقم 102 ، و في الحج برقم 1625 ، و في بدء الخلق برقم 2958 و في المغازي برقم 4045 ، و في تفسير القرآن برقم 4294 ، و في الأضاحي برقم 5124 ، و في الفتن برقم 6551 و في التوحيد برقم 6893 ، و رواه مسلم في القسامة و المحاربين و القصاص برقم 3179 ، و رقم 3180 ، و رواه أحمد في مسند البصريين برقم 19492 و رقم 19512 و رقم 19551 ، و رواه الدارمي في المناسك برقم 1836 .
6 ) سورة الحجرات،آية:13.
7 ) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين برقم:15322، و في مسند الأنصار برقم:22399، و برقم:22391، قال الشيخ الألباني حديث صحيح/أنظر صحيح الترغيب و الترهيب، حديث رقم:2963، و أنظر أيضا: غاية المرام، حديث رقم:313.
8 ) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين برقم:15322، و في مسند الأنصار برقم:22399، و برقم:22391، قال الشيخ الألباني حديث صحيح، أنظر صحيح الترغيب و الترهيب، حديث رقم:2963، و أنظر أيضا:غاية المرام، حديث رقم:313.
9 ) صححه الشيخ الألباني، أنظر حديث رقم:2549 في صحيح الجامع، و في رواية للإمام الترمذي، عن أم حصين قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع وعليه برد قد التفع به من تحت إبطه قالت فأنا أنظر إلى عضلة عضده ترتج سمعته يقول يا أيها الناس اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي هريرة و عرباض بن سارية وهذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن أم حصين.
10 ) ضعفه الشيخ الألباني، أنظر حديث رقم:3272 في ضعيف الجامع.
11 ) عبد العزيز الخياط. حقوق الإنسان و التمييز العنصري في الإسلام. ط1،(القاهرة: دار السلام، 1409هـ/ 1989م)، ص:45
12 ) أخرجه أبو داوود في باب الأدب برقم:4452 و اللفظ له، و أخرجه الترمذي في المناقب برقم:3890 و حسنه الشيخ الألباني.
13 ) سورة الحجرات،آية:13.
14 ) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين برقم:15322، و في مسند الأنصار برقم:22399، و برقم:22391، قال الشيخ الألباني حديث صحيح، أنظر صحيح الترغيب و الترهيب، حديث رقم:2963، و أنظر أيضا: غاية المرام، حديث رقم:313.
15 ) ضعفه الشيخ الألباني، أنظر السلسلة الضعيفة حديث رقم:596 ج2؛ ص: 60، و أيضا حديث رقم:3158 من السلسة الضعيفة.
16 ) أخرجه الترمذي في المناقب برقم:3890، و أبو داوود في الأدب برقم:4452، قال الإمام الترمذي هذا حديث حسن غريب.
17 ) المادة الأولى من وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الصادرة عن وقائع المؤتمر الخامس للفكر الاسلامي المنعقد بطهران (إيران) من:29 جمادى الأولى إلى01 من جمادى الثانية1407هـ الموافق لـ: من29 إلى31 جانفي1987م/أنظر:حقوق الإنسان في الإسلام، مقالات المؤتمر الخامس للفكر الإسلامي بطهران،إيران، ص:554.
18 ) سورة الروم،آية:20/21/22.
19 ) أخرجه أحمد في أول مسند الكوفيين برقم:18390، و أخرجه أبو داوود في الصلاة برقم:1289.
20 ) سورة الأعراف،آية:158.
21 ) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم برقم:2606.
22 ) أخرجه الإمام مسلم في الحدود برقم:6289 و 6290 و6302 و في المغازي برقم:3965 و في المناقب برقم:3453 و في أحاديث الأنبياء برقم:3216 و في الشهادات برقم:2454 و اللفظ له، و أخرجه الترمذي في الحدود برقم:1350 و أخرجه النسائي في الزكاة برقم:2454 و في قطع السارق بالأرقام من:4811 و إلى رقم:4819 و أخرجه أبو داوود في الحدود برقم:3802 و أخرجه ابن ماجه في الحدود برقم:2537 و أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم:23008 و24134 و أخرجه الدارمي في الحدود برقم:2200، قال الشيخ الألباني: حديث صحيح.
23 ) سورة النساء،آية:58.
24 ) سورة البقرة،آية:179.
25 ) أخرجه الإمام أحمد في أول مسند البصريين برقم:19245 و 19263 و 19266 و 19273 و 19278 و 19348 و أخرجه أبو داوود في الديات برقم:3914 و أخرجه النسائي في القسامة برقم:4655 و 4656 و 4557 و أخرجه ابن ماجه في الديات برقم:2653 و أخرجه الدارمي في السنن برقم:2252، و أخرجه الترمذي في الديات برقم:1334.
26 ) سورة المجادلة،آية:11.
27 ) سورة النساء،آية:95.
28 ) سورة الحجرات،آية:11.
29 ) الفقرة الرابعة من المادة الثانية و العشرون من وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الصادرة عن وقائع المؤتمر الخامس للفكر الاسلامي بطهران/أنظر: حقوق الإنسان في الإسلام، مقالات المؤتمر الخامس للفكر الاسلامي بطهران، إيران، ص:560.
30 ) عبد العزيز الخياط. حقوق الإنسان و التمييز العنصري في الإسلام. ط1،(القاهرة: دار السلام، 1409هـ/ 1989م)، ص:58 و ما بعدها.
31 ) جاء في نص المادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية: “تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف” ، و قد تصل عقوبة زرع الفتنة و التحريض على البلبلة و إثارة النعرات في قانون العقوبات الجزائري حتى الإعدام/أنظر: وزارة العدل. قانون العقوبات الجزائري . ط3، (الجزائر: الديوان الوطني للأشغال التربوية، سبتمبر2001م)، القسم الثالث، المواد77و78و79، ص:22 و ما بعدها.
32 ) العروق البشرية: يقول علماء العنصرية أن بين عروق النوع البشري مميزات طبيعية دائمة تفرق بينها و يقسموا عروق البشر إلى أربعة، و هي الأبيض و الأصفر و الأسود و الأحمر، و يضعون لكل منها صفات يريد علماء العنصرية أن يجعلوها طبيعية دائمة، و أهم المميزات الفزيولوجية اللون و هيئة الوجه و الرأس و كمية الدماغ و تلافيفه، وأهم المميزات الأدبية الذكاء و الحضارة و الرقي، غير أن هذه كلها لا تؤلف ميزات طبيعية دائمة لأن المناخ و اختلاف المعيشة، و تنازع البقاء و غيرها من العوامل لها تأثيرا كبيرا فيما سنراه و للمزيد/أنظر: حنا نمر.الإنسان و الجماعة و حقوقهما في الماضي و الحاضر.ج1؛ (دمشق: مطبعة الإنساء، أفريل1940م) ، ص:35.
33 ) إبراهيم علي بدوي الشيخ. « الأمم المتحدة و انتهاكات حقوق الإنسان ». المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد: 36، (سنة:1980م)،ص:154.
34 ) أشرف السيد. حقوق الإنسان في مفهوم واشنطن.( دار الفارابي، 1984م)، ص:33 و ما بعدها.
35 ) حنا نمر.الإنسان و الجماعة و حقوقهما في الماضي و الحاضر.ج1؛ مرجع سابق، ص:35.
36 ) حسين غباش. فلسطين–حقوق الإنسان و حدود المنطق الصهيوني. ط1،(القاهرة: المؤسسة العربية للدراسات و النشر 1987م)، ص:07.
37 ) الأمم المتحدة . مبادئ تدريس حقوق الإنسان/أنشطة علمية للمدارس الابتدائية و الثانوية. (جنيف: مركز حقوق الإنسان، 1989م)، ص:78.
38 ) أشرف السيد. حقوق الإنسان في مفهوم واشنطن. مرجع سابق، ص: 64.
39 ) مايكل هولي إيغل من نشطاء هنود شعب سو بالولايات المتحدة الأمريكية،(1996م).
40 ) منير العكش. حق التضحية بالآخر:أمريكا و الإبادة الجماعية.ط1،( بيروت: رياض الريس للكتب و النشر، 2002م)، ص:07.
41) Marc, Schreiber.»L`année internationale de la lutte contre le racisme et la discrimination raciale«. Revue des droits de l`homme. Vol. IV-2-3, Paris : 1971.p:329.
42 ) الفقرة الثانية من المادة الثانية من القسم الثاني من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
43( Patrick, .Thornberry, .international – law and the rights of minorities-(oxford: Clarendon press),p:272-281.
44 ) الفقرة الأولى من المادة الثانية من الجزء الثاني من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية. و أنظر أيضا:
Glaser, s, .droit internationale pénal conventionnel, 2vols. (Brussels : Emile bruiylant, 1978), p:172.
45 ) المادة 26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية.
46 ) المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
47 ( marc, Schreiber.»L`année internationale de la lutte contre le racisme et la discrimination raciale«. Revue des droits de l`homme. Vol. IV-2-3, Paris : 1971.p:312.
48 (Patrick, .Thornberry, .international – law and the rights of minorities-(oxford: Clarendon press),p:314.
49 ) الأمم المتحدة . مبادئ تدريس حقوق الإنسان/أنشطة علمية للمدارس الابتدائية و الثانوية. مرجع سابق، ص:83.
50 ) الأمم المتحدة . مبادئ تدريس حقوق الإنسان.مرجع سابق، ص:84.
51 ) اعتمد هذا الإعلان بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت رقم:47/135، و المؤرخ في18 ديسمبر1992م.
52 ) أنظر المادة السابعة من الإعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية أو إلى أقليات دينية و لغوية.
53 ) ألبير باييه. تاريخ إعلان حقوق الإنسان. ترجمة: محمود مندور، (القاهرة: مطبعة لجنة التأليف و الترجمة و النشر، 1950م)، ص:139.
54 ) بندق، وائل أنور. الأقليات و حقوق الإنسان. ط1، (الإسكندرية: دار المطبوعات الجامعية ،1426هـ/2005م)، ص:07.
55 ) بندق، وائل أنور. الأقليات و حقوق الإنسان. مرجع سابق، ص:12.
56 ( Glaser, s, .droit internationale pénal conventionnel, 2vols. (Brussels : Emile bruiylant, 1978), p: 406.
57 ) لقد اتخذت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة قرارا بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب الديني في جلسة 92 بتاريخ 11 ديسمبر 1980م ، و كان الهدف من هذا القرار تشجيعا و تعزيزا لاحترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين حسبما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة،/أنظر: هيئة التحرير. «قرارات هيئة الأمم المتحدة». المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد: 36، (سنة:1980م)،ص:283.
58 (Glaser,s.droit internationale pénal conventionnel ,2vols .(Brussels: Emile bruiylant, 1978), p:412.
59 ) بندق، وائل أنور. الأقليات و حقوق الإنسان. مرجع سابق، ص:90.
60 ) بندق، وائل أنور. الأقليات و حقوق الإنسان. مرجع سابق، ص:93 و ما بعدها.
قائمة المصادر و المراجع
أولا: باللغة العربية
1. إبراهيم علي بدوي الشيخ. « الأمم المتحدة و انتهاكات حقوق الإنسان ». المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد: 36، (سنة:1980م).
2. أشرف السيد. حقوق الإنسان في مفهوم واشنطن.( دار الفارابي، 1984م).
3. ألبير باييه. تاريخ إعلان حقوق الإنسان. ترجمة: محمود مندور، (القاهرة: مطبعة لجنة التأليف و الترجمة و النشر، 1950م).
4. الأمم المتحدة . مبادئ تدريس حقوق الإنسان/أنشطة علمية للمدارس الابتدائية و الثانوية. (جنيف: مركز حقوق الإنسان، 1989م).
5. بندق، وائل أنور. الأقليات و حقوق الإنسان. ط1، (الإسكندرية: دار المطبوعات الجامعية ،1426هـ/2005م).
6. حنا نمر. الإنسان و الجماعة و حقوقهما في الماضي و الحاضر.ج1؛ (دمشق: مطبعة الإنساء، أفريل1940م).
7. حقوق الإنسان في الإسلام، مقالات المؤتمر الخامس للفكر الإسلامي بطهران،إيران.
8. حسين غباش. فلسطين–حقوق الإنسان و حدود المنطق الصهيوني. ط1،(القاهرة: المؤسسة العربية للدراسات و النشر 1987م).
9. عائشة عبد الرحمان. القرآن الكريم و قضايا الإنسان.
10. عباس محمود العقاد. الشيوعية و الإنسانية.
11. عبد العزيز الخياط. حقوق الإنسان و التمييز العنصري في الإسلام. ط1،(القاهرة: دار السلام، 1409هـ/ 1989م).
12. صابر طعيمة. الإسلام و التقدم الاجتماعي.
13. محمود عباس العقاد. الإنسان في القرآن الكريم.
14. منير العكش. حق التضحية بالآخر:أمريكا و الإبادة الجماعية.ط1،( بيروت: رياض الريس للكتب و النشر، 2002م).
15. هيئة التحرير. «قرارات هيئة الأمم المتحدة». المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد: 36، (سنة:1980م.
16. وزارة العدل. قانون العقوبات الجزائري . ط3، (الجزائر: الديوان الوطني للأشغال التربوية، سبتمبر2001م)، القسم الثالث، المواد77و78و79.
ثانيا: باللغة الأجنبية
1. Marc, Schreiber.»L`année internationale de la lutte contre le racisme et la discrimination raciale«. Revue des droits de l`homme. Vol. IV-2-3, Paris : 1971.
2. Patrick, .Thornberry, .international – law and the rights of minorities-(oxford: Clarendon press).
3. Glaser, s, .droit internationale pénal conventionnel, 2vols. (Brussels : Emile bruiylant, 1978).
مجلة علوم انسانية WWW.ULUM.NL السنة الخامسة: العدد 36: شتاء 2008 – 5th Year: Issue 36 winter
اترك تعليقاً