محاضرات في الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة في السودان
شرح القانون الإداري
إعداد الأستاذ /عبدالواحد عبدالله أبورأي
المقدمة
تمهيد
هذا ملخص لما القيه على طلاب الفصل السادس من محاضرات في مقرر القانون الإدار (2) وسيكون موضوعنا في هذا الجزء الثاني الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة . ولابد لنا أولا أن نتعرف على مفهوم هذه الرقابة , ثم محلها وهو القرار الإداري ، ثم نتعرف على كيفية ممارسة هذه الرقابة ، وشروط ممار…ستها ، وأخيرا نتعرف على السلطات التي يمكن للمحكمة الإدارية ممارستها وهي بصدد الرقابة المذكورة . وبالتالي سنتبع في هذه الدراسة التقسيم الآتي:
الفصل الأول: تمهيدي: في مفهوم الرقابة القضائية .
الفصل الثاني: ماهية القرارات الإدارية .
الفصل الثالث: الطعن في القرارات الإدارية .
الفصل الرابع: أسباب الطعن في القرار الإداري .
الفصل الخامس : إجراءات الطعن الإداري .
الفصل السادس: سلطات المحكمة الإدارية .
الأهداف العامة للمقرر :
بعد الفراغ من دراسة هذا المقرر ينبغي أن يكون الطالب قادرا على أن :
1) تشرح مفهوم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة.
2) تبين مضمون الرقابة القضائية على أعمال الإدارة.
3) تحدد نطاق الرقابة القضائية على أعمال الإدارة.
4) تعدد نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة وتشرح كل نظام.
5) تتعرف على أساليب الرقابة القضائية على أعمال الإدارة.
6) تعرف القرار الإدارى .
7) تبين عناصر القرار الإدارى.
8) تشرح معنى القرار الإدارى.
9) تعدد وتعطى أمثلة للمقررات الإدارية التى لا تقبل الطعن .
10)تشرح بعد ان تعدد شروط الطعن الإدارى.
11 )تعدد وتشرح أسباب الطعن فى القرار الإدارى .
12)تتبع إجراءات الطعن الإدارى.
13 )تعدد وتعطى أمثلة لسلطات المحكمة الإدارية.
14 )تحل القضايا الإدارية المتضمنة لوقائع فعلية.
الفصل الأول (تمهيدي)
مفهوم الرقابة علي أعمال الإدارة
سبق أن بينا أن القانون الإداري يعرف بأنه ذلك الفرع من القانون العام الذي يحكم الإدارة من حيث تكوينها ونشاطها والمنازعات التي تثور بشأنها . وله مدلولين احدهما واسع يشمل القانون الذي يحكم الإدارة العامة ، والآخر ضيق أو فني وهو مجموعة القواعد القانونية التي تطبق علي الإدارة العامة والتي تتميز عن قواعد القانون الخاص التي تطبق علي الأفراد . وعلمنا أن المدلول الواسع يوجد في كافة الدول سواء تلك التي تطبق نظام وحدة القانون ووحدة القضاء ، وهي المنضوية تحت النظام الانجلوسكسوني ، أو تلك التي تطبق النظام المزدوج قانونا وقضاءا ، وهي المنضوية تحت النظام الفرنسي . في حين أن المدلول الفني يوجد في الدول التي تتبع النظام الأخير فقط .
ولما كانت الدول التي تأخذ بالنظام الانجلوسكسوني تجعل الإدارة تخضع لنفس القانون الذي يخضع له الأفراد وتفصل في المنازعات المتعلقة بها نفس المحاكم العادية فان بعض الفقهاء يرون أن مصطلح القانون الإداري في هذه الدول يرادف مصطلح الرقابة القضائية علي الأعمال الإدارية حيث لا توجد قواعد قانونية إدارية متميزة عن قواعد القانون الخاص . وإنما ينصب القانون الإداري حول القواعد الإجرائية المتعلقة بكيفية مراقبة القضاء للإدارة .
وتتمثل هذه القواعد الإجرائية في السودان في قانون القضاء الإداري لسنة 2005م الذي ينص في المادة (11 مقروءة مع المادتان 14 ، 15) منه على سريان أحكام قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م على إجراءات الدعوى الإدارية .
سوف نتطرق هنا إلي مضمون هذه الرقابة ثم نطاقها ثم نظمها بما فيه النظام السوداني وقضائه وأخيرا أساليب هذه الرقابة في المباحث الأربعة التالية .
المبحث الأول
مضمون الرقابة القضائية
لما كانت حقوق وحريات الأفراد منصوص عليها في كافة الأنظمة القانونية فان هذه الحقوق لا تتوافر إلا إذا التزمت الإدارة وخضعت لحكم القانون فيما يتعلق بهذه الحقوق وهو ما يسمي بخضوع الإدارة لمبدأ الشرعية (أو المشروعية) وعندما تقوم الإدارة بالخروج على حكم القانون عمدا أو خطا بما يسبب ضررا بحقوق الأفراد فإنهم يلجاون إلي القضاء لينصفهم وتبدأ من ثم رقابة القضاء علي أعمال الإدارة .
نطاق وهدف هذه الرقابة يختلف في الدول التي تأخذ بالنظام الموحد قانونا وقضاءا عنها في تلك التي تخضع للنظام المزدوج ففي ظل النظام الأول تخضع الدولة لنفس القانون والمحاكم التي يخضع لها الأفراد ومن ثم فليس للدولة مميزات وسلطات إستثنائية تميزها عن الأفراد ولذلك فان الرقابة هنا تقوم علي هدف مزدوج هو حماية الإدارة نفسها من عسف الأفراد بحيث لا يعوقها عن أداء مهامها التي تهدف إلي الصالح العام وفي نفس الوقت حماية الأفراد من تسلط الإدارة . أما في ظل النظام المزدوج فان الفقهاء يرون أن الأعباء الجسيمة الملغاة علي عاتق الإدارة تجعل من اللازم تمييزها عن الأفراد بان يجعل لها الوسائل التي تمكنها من القيام بأعبائها وذلك بتقوية سلطاتها تجاههم مما قد يؤدي إلي تهديد حقوقهم وحرياتهم ومن ثم فان الغرض من الرقابة هو وضع التوازن العادل بين تمكين الإدارة من القيام بأعبائها ببسط سلطاتها من جانب وحماية حقوق الأفراد من الجانب الآخر. وينبغي في الحالتين أن تكون هذه الرقابة حكيمة عادلة يجتهد فيها بحيث لا يضحي بأحد الطرفين وإنما تكون مقياسا دقيقا لحماية الإدارة وتمكينها من أداء مهامها وفي نفس الوقت إحترام حقوق الأفراد وحرياتهم .
المبحث الثاني
نطاق الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة
يعرف الفقه أعمال الإدارة بأنها كل عمل قانوني أو مادي يصدر عن عضو أو أكثر من أعضاء السلطة الإدارية أو من عامل أو أكثر من عمال هذه السلطة في مباشرتهم للوظيفة الإدارية .
وبالتالي فان أعمال الإدارة تنقسم علي أعمال قانونية وأعمال مادية أما الأعمال القانونية التي تصدر عن الإدارة فهي إما أن تكون صادرة من طرف واحد أي جانب الإدارة فقط وهي القرارات الإدارية وإما أن تكون صادرة عن تقابل إرادتين إرادة الإدارة من ناحية وإرادة المتعاقد من ناحية أخري وهي العقود الإدارية .
أما الأعمال المادية فهي التي يقوم بها عمال الإدارة تنفيذا لنصوص القانون ، أو تنفيذا لقرارات السلطات الإدارية المختصة كالقبض علي أحد الأفراد أو منع المرور في أحد الشوارع تنفيذا لأمر رئيس تجب طاعته ، أو ما يقع من رجال الإدارة خطا كالحوادث التي تسببها سيارات الإدارة وتبعا لذلك تكون أعمال الإدارة
1/قرارات إدارية . 2/عقود إدارية . 3/أعمال مادية .
وكل هذه الأعمال تخضع لرقابة القضاء إلا أن الذي يخضع لرقابة القضاء الإداري في السودان هي القرارت الإدارية فحسب أما العقود الإدارية فتخضع للقضاء المدني العادي وتطبق عليها قواعد المسئولية العقدية وكذلك الأعمال المادية تطبق عليها أحكام المسئولية التقصيرية . لذلك ستنصب دراستنا علي القرار الإداري فقط في الفصول القادمة .
وما ذكرناه حكمت به المحاكم السودانية : ففي قضية المؤسسة العامة للزراعة الآلية / ضد / أعمال عبد الباقي عمر عطية وهي قضية إخلال بالعقد بشان تركيب مخازن حيث تخلفت المدعي عليها عن فتح خطابات الاعتماد اللازمة لاستيراد المواد اللازمة لتركيب المخازن قضت المحكمة المدنية بحق المدعي للتعويض عن الإخلال بالعقد في مواجهة المؤسسة العامة للزراعة الآلية ( مجلة الأحكام القضائية 1979- ص 368) .
أما في قضية مجلس بلدي الخرطوم / ضد/ ميشيل قطران وهي متعلقة بالمسئولية التقصيرية للدولة حكمت المحكمة المدنية بالتعويض لصالح المدعي الذي أصيب جراء سقوطه في احدي المجاري التابعة لمجلس بلدي الخرطوم وقد بني الحكم علي أن المجلس البلدي أخفق في إتخاذ الحذر الواجب إتخاذه في هذه الحالات حيث لم تكن هنالك إضاءة عند المجري ولم يكن عليه غطاء .
المبحث الثالث
نظم الرقابة الإدارية علي أعمال الإدارة
سبق أن بينا أن الدول تختلف في السبل التي تتبعها في رقابة القضاء علي الإدارة فمنها ما يأخذ بنظام القضاء الموحد ومنها ما يأخذ بنظام القضاء المزدوج ولأهمية هذا الأمر نتطرق باختصار لكل من هذين النظامين فيما يلي :
أولا نظام القضاء الموحد (الأنجلوسكسوني):
وتأخذ بهذا النظام إنجلترا والدول المتأثرة بنظامها كالولايات المتحدة وأخذت به كذلك بعض الدول العربية كالسودان والعراق والأردن وليبيا ، وفي إنجلترا لا يوجد قضاء إداري منفصل عن القضاء العادي وإنما تخضع الإدارة للمحاكم العادية التي يخضع لها الأفراد كما تخضع للقانون الذي يخضعون إليه . والمبدأ السائد في إنجلترا أن التاج (الملك) لا يخطيء ، ويعتبر الملك هو الدولة ، ولذلك لا تسأل الدولة لأنها لا تخطي . ولكن هذا المبدأ يكاد يكون قولا نظريا لأنه يخضع لإستثناءات تكاد تجعل الأصل هو المسؤولية والإستثناء عدمها . ومن أهم هذه الاستثناءات أن الدولة تخضع في علاقتها التعاقدية للقانون العادي ومن ثم تكون مسؤولة تعاقديا أمام القضاء . أما بالنسبة للمسئولية التقصيرية فإن عدم المسؤولية فيها قاصر علي الموظفين التابعين للهيئات المركزية إذ أنها وحدها تكون فروعا رسمية للتاج أما الهيئات الاخري فهي مسؤولة عن أعمالها . وحتى بالنسبة للموظفين التابعين للهيئات المركزية فإنهم يعتبرون مسؤولون مسؤولية شخصية عن أعمالهم . وإذا حكمت عليهم المحاكم بالتعويض تقوم الحكومة بدفع التعويضات لا كالتزام قانوني عليها وإنما كمساعدة لهؤلاء الموظفين . إضافة لذلك فقد تدخل المشرع الانجليزي في كثير من الأمور وجعل الدولة مسؤولة عن بعض أعمالها . كما أن القضاء الانجليزي تطور في هذا الجانب وأدخل الكثير من القواعد التي تضمن مسؤولية الدولة عن الكثير من أعمالها .
ثانيا : نظام القضاء المزدوج الفرنسي :
لأسباب تاريخية ترجع إلي تعسف القضاء وعرقلته للإدارة في أدائها لأعمالها قام قضاء إداري متخصص في فرنسا سمي مجلس الدولة . وكان ذلك نتاج تطور إستمر منذ عام 1790م حيث حرم القضاء الفرنسي من التعرض للإدارة حتى عام 1989م حيث حكم المجلس في قضية (كادو) ونصب نفسه قاضيا عاما للمنازعات الإدارية بدلا عن الإدارة القاضية . ووجود قضاء متخصص إقتضى وجود مبادئ قانونية خاصة إذ من غير المعقول الخروج علي نظام القضاء الموحد وإنشاء قضاء إداري مع تطبيق نفس المبادئ القانونية التي يطبقها القضاء العادي . ومن ثم فقد لازمت إزدواجية القضاء إزدواجية القواعد القانونية . وعند زوال هذه الأسباب التاريخية رأي الفقهاء الإبقاء علي القضاء الإداري لأنه إستطاع أن ينشيء قانونا جديدا هو القانون الإداري وهو – بلا شك – الأقدر علي تطبيقه وتطويره دون المحاكم العادية التي تنقصها الخبرة اللازمة في هذا الشأن . وهو ما يؤدي لعدم مقدرتها علي حماية الأفراد ومنع إنصراف الإدارة عن المسار الصحيح لبعدها عن جو الإدارة ومشاكلها .
ويقوم القانون الإداري الذي وضعته المحاكم الإدارية علي منح الإدارة مميزات وسلطات تمكنها من تحقيق هدفها وهو تحقيق الصالح العام تفوق ما يمنح للإفراد الذين لا يهدفون إلا للصالح الخاص فيترتب علي ذلك وجود قواعد قانونية تحكم الإدارة نفسها وتحكم علاقتها بالأفراد تختلف عن قواعد القانون المدني العادي . كما يناقش فقهاء القانون الإداري – في هذا النظام – المشكلات التي يثيرها إزدواج القضاء وأهمها مشكلة توزيع الاختصاص وتعارض الأحكام بين جهتي القضاء الإداري والقضاء العادي ، ومشكلة توزيع الاختصاص بنظر المنازعات الإدارية بين المحاكم الإدارية نفسها .
وقد أخذت بهذا النظام الكثير من الدول كهولندا واليونان وتركيا وإيطاليا وبلجيكا وبعض الدول العربية كسوريا ومصر ولبنان .
ثالثا : نظام الرقابة القضائية في السودان:
سار السودان في الخط الانجليزي إلا أن مبدأ عدم مسؤولية الدولة لم يكن مقررا هنا بل إن مبدأ مسؤولية الدولة في خضوعها للقانون قد تقرر في المادة 7 من دستور السودان المؤقت لسنة 1956م وهو أول دستور للسودان بعد نيله للإستقلال ، وقد تواتر النص في الدساتير الأخرى فأصبح مبدأ المسؤولية مبدءا دستوريا . ثم نصت المادة (23) من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974م علي خضوع الدولة وأجهزتها المختلفة لحكم القانون ، ومن ثم فقد أصبح المبدأ قانونيا أيضا . وفوق ذلك فقد تقرر في قانون المرافعات المدنية ابتداء من عام 1972م مبدأ الطعن في القرارات الإدارية ونصت من بعد قوانين الإجراءات المدنية المتعاقبة لسنة 1974م ولسنة 1983م علي إجراءات الطعون في أعمال الإدارة وأخيرا صدر قانون القضاء الدستوري والإداري لسنة 1996م منظما لهذه المسائل ، وتبعه في ذلك القانون الحالي وهو قانون القضاء الإداري لسنة 2005م . هذا ولم يقتصر النص على مبدأ مسؤولية الدولة على السودان فقط بل أن كل الدول التي إتبعت النظام الأنجلوسكسوني – بخلاف إنجلترا – جعلت الأصل هو مسؤولية الدولة عن أعمالها .
القضاء الإداري السوداني :
سبق القول أن السودان سار علي درب الأنظمة التي تأخذ بالقضاء الموحد ومن ثم فان إطلاق لفظ المحكمة الإدارية والقضاء الإداري في السودان إنما يطلق مجازا ويراد به المحكمة العادية عندما تمارس إختصاصها في نظر الطعون الإدارية . وذلك بالضبط كما نقول المحكمة المدنية والمحكمة الجنائية
أما الإختصاص بنظر الطعون فقد كان قديما – قبل صدور قانون المرافقات المدنية لسنة 1972م – للمحكمة الكلية في المديرية إتباعا للنظام الانجليزي ثم جعل قانون المرافعات المدنية لسنة 1972م وقانون الاجراءت المدنية لسنة 1974م الاختصاص لمحكمة المديرية(تعادل المحكمة العامة حاليا) ثم بدأ القانون يتأرجح في الاختصاص ابتداء من سنة 1977م حيث جعل القانون رقم (36) لسنة 1977م الاختصاص لمحكمة الاستئناف وفي تعديل سنة 1982م جعلت المحكمة العليا مختصة بالطعون ضد قرارات الحكومة المركزية وأجهزتها ومحكمة الاستئناف بالقرارات الصادرة من غيرها وهو ما فعله قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م عند صدوره ثم عدل سنة 1986م بموجب تعديل سنة 1406هـ وأعاد الاختصاص لمحكمة المديرية ثم صدر تعديل آخر مؤقت عام 1987م (أوقف العمل به) جعل من اختصاص المحكمة العليا النظر في الطعون في القرارات التي يصدرها راس الدولة ومجلس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء وما عداها تكون من اختصاص محاكم الاستئناف وأخيرا صدر قانون القضاء الإداري لسنة 1996م وجعل الاختصاص لقاضي المحكمة العليا فيما يتعلق بقرار رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء الاتحادي وحكومة أي ولاية وأي وزير اتحادي او ولائي وجعل ما عدا ذلك من اختصاص محكمة الاستئناف ثم عدل هذا الآخر بمرسوم مؤقت بتاريخ 8/3/1997م جعل الاختصاص بالطعن في القرارات الأخيرة لقاضي محكمة الاستئناف بدلا عن محكمة الاستئناف . وهو الذي صدر به قانون القضاء الإداري الحالي لسنة 2005م .
ويلاحظ أن قانون القضاء الإداري والدستوري لسنة 1996م هو أول نص تشريعي يطلق لفظ القضاء الإداري (ثم تبعه في ذلك القانون الحالي) ولكنه بالطبع لم ينشئ قضاءا إداريا منفصلا وإنما نص علي دائرة إدارية بالمحكمة العليا ليست منفصلة وإنما هي كالدائرة المدنية والجنائية ولكن هذا القانون يثير استفهامات عدة وذلك للأسباب الآتية :
1. نادي البعض بان يكون هناك قضاء متخصصا لرقابة أعمال الإدارة ولكنه ليس كقضاء منفصل قائم بذاته وإنما في إطار السلطة القضائية الواحدة .
2. يفرق بعض الفقهاء بين الدول التي ليس بها قضاء إداري ولم تخصص إحدى المحاكم العادية لنظر المنازعات الإدارية ومع ذلك تنظر محاكمها في الطعون الإدارية لان ولايتها تشمل ذلك كالعراق وبين الدول التي ليس بها قضاء إداري مستقل ولكن تختص احدي المحاكم في القضاء العادي فيها بنظر المنازعات الإدارية كليبيا إذ يوجد بكل محكمة استئناف فيها دائرة أو أكثر للقضاء الإداري منذ عام 1971م رغم أن القضاء في ليبيا ممنوع – بصفة عامة – من التعرض للقرارات الإدارية
3. أن قانون القضاء الدستوري والإداري قد خرج عن القاعدة العامة في تشكيل المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف حيث تشكل من دوائر ثلاثية الأعضاء وجعل الاختصاص لقاضي فرد سواء في المحكمة التي تنظر طعون رئيس الجمهورية ومن معه او تلك التي تنظر قرارات من هم دونهم .
كل هذه الأسباب إذا جمعناها مع تسمية القضاء الإداري الواردة في القانون تثير التساؤل حول مدى قصد المشرع في إنشاء قضاء إداري متخصص في الطعون الإدارية ولكنه غير منفصل قائم بذاته ؟ وهل تشكيل المحاكم الإدارية بهذه الصورة : قاض فرد من محكمة استئناف وقاض فرد محكمة عليا ودائرة إدارية بالمحكمة العليا هو تشكيل لمحاكم متخصصة كما كان القضاء الشرعي سابقا ؟
الواقع أن هذا التساؤل لا يمكن أن يجيب عليه إلا القائمين علي الأمر في السلطة القضائية إذ أن النص يحتمل كلا الفرضين . ولكن المتيقن الآن أن الوضع في السودان لا زال متسقا علي مبدأ القضاء الموحد وتختص وفقا للقانون المذكور المحاكم العادية بنظر الطعون الإدارية ولكن القاضي المختص هو قاضي المحكمة عليا او قاضي محكمة استئناف فرد تستأنف قراراته أمام الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا ويمارس قضاة المحكمة العليا وقضاة محكمة الاستئناف اختصاصا إداريا في شكل محاكم من قاضي فرد ويمارسون في نفس الوقت اختصاصا مدنيا وجنائيا وشرعيا في شكل دوائر .
المبحث الرابع
أساليب الرقابة علي أعمال الإدارة
المتتبع لوسائل وأساليب الرقابة علي أعمال الإدارة في السودان يجد أن هنالك ثلاثة طرق للطعن في أعمال الإدارة وهي :
1. الطعن عن طريق الدعوى الإدارية .
2. الطعن عن طريق الاستئناف .
3. الطعن عن طريق المراجعة (أو الفحص) .
أولا الطعن عن طريق الدعوى الإدارية :
الطعن عن طريق الدعوى الإدارية هو الطريق الطبيعي (العادي) للطعن في أعمال الإدارة وهو السبيل للطعن في القرارات المعيبة بأحد العيوب المنصوص عليها على سبيل الحصر في قوانين الإجراءات المدنية المتلاحقة والمادة (23/5) من قانون القضاء الدستوري والإداري لسنة 1996م والمادة (6) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م وهي : عدم الاختصاص وعيب الشكل ومخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة . وقد رأى بعض الفقهاء أن هذا الطريق في السودان يقتصر علي دعوى الإلغاء ودعوى التعويض حيث أن أول نص علي هذا النوع من الطعون كان في قانون المرافقات المدنية لسنة 1972م المأخوذ من قانون مجلس الدولة المصري (الذي يقصره على هاتين الدعويين) إلا أن الرأي الذي يسنده القضاء في أحكامه أن للمحكمة أن تصدر أحكاما تتعدي الإلغاء والتعويض ولذلك فان الطعن عن طريق الدعوي الإدارية أوسع من أن يحصر في دعوى الإلغاء والتعويض ويدخل في هذا الطريق دعوى الإلزام بالواجب القانوني حيث أن المادة (3) من قانون القضاء الإداري الحالي تفسر القرار الإداري بما يشمل رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار الواجب عليها اتخاذه طبقا للقوانين وهو أمر كانت تنص عيه المادة(2) من القضاء الدستوري والإداري لسنة 1996م ، والمادة (422) من قانون المرافعات المدنية لسنة 1972م إلا انه لم ينص عليه في قانوني الإجراءات المدنية لسنة 1974م ولسنة 1983م يؤيد هذا النظر نص المادة (23) من قانون تفسير القوانين النصوص العامة السابق الإشارة إليها . وسيتبين ذلك بجلاء عند التطرق لسلطات المحكمة الإدارية وفقا للقانون الحالي الذي قنن ما ذهب إليه القضاء .
ثانيا الطعن عن طريق الاستئناف :
وهو طريق أسبق تاريخيا من الطريق المذكور بعاليه وهو طريق يقرره القانون ويقوم هذا الاختصاص علي إعتبار تاريخي حيث أنه قبل عام 1972م لم يكن هناك نص عام علي الطعن في القرارات الإدارية ولذلك كان المشرع يعطي حق الاستئناف إلي المحاكم في القرارات الإدارية ذات الأهمية الخاصة.
وطريق الاستئناف هذا لا يخضع لقاعدة قانونية عامة وإنما يعالج المشرع كل حالة علي حدة فتارة يعطي الاختصاص لمحكمة المديرية (المحكمة العامة حاليا) ولمحكمة الاستئناف تارة أخري . وتارة يحدد إجراءات الاستئناف ومدته وتارة يقرر الحق فقط ويترك ما عدا ذلك .
باستقراء نصوص القوانين عن حالات الاستئناف في القرارات الإدارية نجدها تنحصر في أحوال محددة واردة علي سبيل الحصر ويمكننا رد بعضها إلي طوائف محددة : فبعضها قرارات تتعلق برفض التسجيل لممارسة عمل أو مهنة معينة ، وهنالك قرارات رفض الترخيص لعمل معين او مهنة معينة وهنالك طائفة ثالثة من القرارات هي قرارات فرض ضريبة او تقديرها علي شخص معين وهنالك قرارات متنوعة .
ومن أمثلة الطائفة الأولي : قرار رفض تسجيل اسم العمل إذ يجوز استئنافه أمام قاضي العامة بموجب قانون تسجيل الأعمال لسنة 1931م ، وقرار رفض تسجيل شراكة لنفس المحكمة تحت قانون تسجيل الشراكات لسنة 1933م . وقرار رفض التسجيل للمهن الطبية المساعدة لنفس المحكمة بموجب قانون الصحة العامة لسنة 1975م . وقرار المجلس الهندسي برفض التسجيل أو حذفه ليستأنف لدي محكمة الإستئناف بموجب قانون المجلس الهندسي لسنة 1998م .
ومن أمثلة الطائفة الثانية : قرار رفض إصدار الرخصة أو تجديدها يستأنف أمام المحكمة العامة بموجب قانون الرخص لسنة 1922م.
ومن أمثلة الطائفة الثالثة : استئناف قرار أمين عام الضرائب بتقدير الضريبة بموجب قانون ضريبة الأرباح الرأسمالية لسنة 1986م أمام المحكمة العامة ولها أن تأيد أو تعدل أو تلغي القرار .
ومن أمثلة الطائفة الأخيرة : قانون الصحة العامة لسنة 1975م يجيز استئناف قرار مجلس الصحة العقلية المحلي بخصوص احتجاز المريض لدي قاضي العامة خلال شهر .
ثالثا وأخيرا : الطعن عن طريق المراجعة :
وهو الطريق العتيق الذي بدأ به الطعن في القرارات الإدارية في السودان وقد تم أخذه من القانون الانجليزي . والمعلوم أن الأصل في القانون الانجليزي هو عدم مساءلة الإدارة . إلا أن القضاء الانجليزي عن طريق المراجعة أخذ يراقب أعمال الإدارة بحجة الخروج علي الاختصاص . وأخذ يتوسع في تفسير معني الخروج علي الاختصاص فجعله يشمل تجاوز الاختصاص . وبالجملة فان كافة الأسباب العالمية التي تجيز الطعن في القرارات الإدارية تضمنها القضاء الانجليزي في تطوره المضطرد . وقد كان القضاء في السودان ينحو نحو المحاكم الانجليزية حتى صدر قانون المرافعات المدنية لسنة 1972م ونص علي حق المحاكم السودانية في التعرض للقرارات الإدارية . وبالتالي فلم تعد هناك حاجة في السودان لمحاكاة القضاء الانجليزي في هذا التوسع ولكن ظل طريق المراجعة مفتوحا أمامه خصوصا إذا حصن الشارع بعض القرارات الإدارية من الطعن أمام المحاكم . والذي حدث أن المشرع السوداني ولأسباب وجيهة جعل التظلم من بعض القرارات الإدارية لمجالس خاصة ونص في بعض أحيان أخري علي أن قرارات هذه المجالس نهائية واجبة التنفيذ أو نص صراحة علي عدم جواز تعرض المحاكم لها وفي هذه الحالة قرر القضاء السوداني أنه لا يجوز التعرض لهذه القرارات إلا عن طريق المراجعة .
ويفترق طريق المراجعة عن الطريقتين السابقتين في أن أسباب المراجعة مقصورة فقط على عيب الإختصاص بمفهومه المبسط والذي يعني الخروج بالكلية عن الإختصاص ولا يشمل تجاوز الإختصاص والخروج علي الشكل إذ لا يجوز للمحاكم في هذه الحالة الخوض في الموضوع ومراجعة تطبيق القانون ومراقبة الملائمة . ويتضح من ذلك أن مجال المراجعة في السودان يظهر فقط حينما ينص المشرع على تحصين القرار الإداري . ولذلك فان مجال المراجعة أوسع في انجلترا حيث الأصل عدم جواز الطعن أما في السودان فان الأصل جواز الطعن ولا تظهر المراجعة إلا حيث نص المشرع علي تحصين القرار الادري . وبذلك يكون الإشراف القضائي علي القرارات الادراية مكتملا أما بنصوص الطعن تحت قانون القضاء الإداري ، وأما بنصوص القوانين الخاصة عن طريق الاستئناف ، وأما عن طريق الفحص حتى ولو نص القانون الخاص علي أن القرار الإداري نهائي .
الفصل الثاني
ماهية القرار الإداري
نتطرق أولا إلي تعريف القرار الإداري ثم عناصره ثم نعقب ذلك برفض الجهة الإدارية إتخاذ القرار الإداري في المباحث الثلاث التالية:
المبحث الأول
تعريف القرار الإداري
يتخذ الفقهاء في تعريف القرار الادري معيارين : الأول : شكلي ينظر إلي القرار من حيث الجهة التي أصدرته دون النظر إلي مضمونه ، والآخر : موضوعي ينظر إلي موضوع القرار ومضمونه دون النظر إلي الجهة التي أصدرته . وقد دمج فريق ثالث من الفقهاء هذين المعيارين . وقد تبع القضاء الفقه في ذلك إلا أن القضاء لم يتخذ معيارا واضحا وقد أخذت بعض الأحكام بالمعيار الشكلي : ففي حكم المحكمة العليا في قضية : محافظ مديرية الخرطوم ضد بشير عبد الله مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1981م صفحة 92 اعتبرت المحكمة قرار محافظ المديرية بعدم موافقته علي تعديل سجل الأراضي المتنازع عليها قرار إداري واعتبرت أن كل قرار صدر من فرد او هيئة تابعة للسلطة التنفيذية أثناء ممارسته الوظيفة أيا كانت طبيعتها قرار إداري يقبل الطعن وبالإلغاء .
وقد اقتبست المحكمة العليا في قضية يسن ميلاس /ضد/ ورثة عثمان فضل مجلة الأحكام القضائي السودانية 1987م صفحة 209 تعريف الدكتور محمد فؤاد مهنا الوارد في كتابة مباديء وأحكام القانون الإداري واعتبرته أفضل تعريف وهو يعرف القرار الإداري بأنه : (عمل قانوني من جانب واحد يصدر بإرادة احدي السلطات الإدارية في الدولة ويحدث آثارا قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم) ولكن ما تجدر ملاحظته أن معني القرار الإداري في مصر يختلف عن القرار الإداري في السودان لاختلاف النظامين القانونين حيث يمكن أن يشمل هذا التعريف (حسب منطوقه وقصد قائله) اللوائح التي تصدرها هذه السلطات وهي تعتبر في مصر قرارات إدارية بينما تعتبر في السودان قوانين (تشريعات) وليست قرارات إدارية كما سيأتي .
أما المشرع السوداني فهو لم يعرف القرار الإدري إلا تعريفا إجرائيا في المادة (2) من قانون القضاء الدستوري والإداري لسنة 1996م وذلك لأول مرة : (يقصد به القرار الذي تصدره جهة إدارية بوصفها سلطة عامة بقصد إحداث اثر قانوني معين يتعلق بحق او واجب أي شخص أو أشخاص ويشمل رفض السلطة الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كانت ملزمة قانونا باتخاذه) وقد انتقد هذا التعريف بأنه غير جامع (لعناصره كلها) وغير مانع (لغيره من الدخول فيه) . وقد أعاد نفس التعريف مع إختلافات (تعبيرية) خفيفة في المادة (3) من القانون الحالي لسنة 2005م (يقصد به القرار الذي تصدره أية جهة بوصفها سلطة عامة بقصد إحداث أثر قانوني معين يتعلق بحق أو واجب أي شخص أو أشخاص ويشمل رفض تلك الجهات أو امتناعها عن إتخاذ قرار كانت ملزمة قانونا باتخاذه)
المبحث الثاني
عناصر القرار الإداري
يري جانب من الفقه أن عناصر القرار الإداري خمسة هي : أن يصدر القرار من جهة إدارية أثناء ممارستها وظيفتها المخولة لها قانونا ، وان يكون ذلك بوصفها سلطة عامة ، وان يكون القرار تعبير عن إرادة الجهة الإدارية المنفردة أي في غير حالات الفصل في الخصوصة او منازعة ، وان يتعلق القرار بحق شخص أو أشخاص معينين بذواتهم ، وان يكون بقصد إحداث اثر قانوني بحق الشخص أو الأشخاص المعينين . واليك تفصيل هذه العناصر :
أولا : أن يصدر القرار من جهة إدارية : والجهة الإدارية هي الشخص الاعتباري العام الذي يخوله القانون مباشرة الوظيفة الإدارية وعلي ذلك فإن هذه الجهات الإدارية هي :
1. رئاسة الجمهورية : فرئيس الجمهورية مع ممارسته لأعمال الحكومة أو الأعمال السياسية أو أعمال السيادة فهو أيضا يمارس أعمال إدارية منها علي سبيل المثال تعيين وترقية القضاة ومحاسبة نواب رئيس القضاء وقضاة المحكمة العليا وتعيين المراجع العام .
2. السلطات الثلاث : المعلوم أن سلطات الدولة ثلاثة تشريعية وتنفيذية وقضائية ولكل من هذه السلطات الثلاث مدلولان مدلول وظيفي ومدلول عضوي . فالسلطة التشريعية لها مدلول وظيفي هو وضع وإجازة مشروعات القوانين وهي هنا لا تمارس عملا إداريا وإنما تمارس عملا تشريعيا ، ولها مدلول عضوي حيث أنها تحتاج لجهاز إداري يمكن السلطة التشريعية من أداء وظيفتها وهذا الجهاز الإداري يقوم بعمل إداري وبالتالي فهو جهة إدارية . وكذلك الحال بالنسبة للسلطة القضائية فهي تحتاج إلى نشاط إداري لتسييرها وتنظيم عملها لتقوم بوظيفتها القضائية . أما السلطة التنفيذية فأيضا تمارس وظيفتين إحداها حكومية تتمثل في وضع السياسة العامة للدولة والإشراف على تنفيذها والأخرى إدارية تمثل أداة السلطة التنفيذية في تصريف الشؤون العادية وتنفيذ القوانين والوفاء بحاجات المجتمع الأساسية وهي (الخدمة العامة) كما يسميها القانون السوداني .
3. أجهزة الخدمة العامة : وهي الوزارات والمصالح الحكومية والإدارات المركزية والمحلية والهيئات والمؤسسات العامة .
4. المجالس المتخصصة : كالمجلس الطبي والمجلس الهندسي والمجلس البيطري ومجلس تنظيم مهنة القانون .
ثانيا : أن تكون مباشرة الجهة الإدارية لوظيفتها بصفتها سلطة عامة : فالجهة الإدارية أما أن تباشر وظيفتها بصفتها شخص إعتباري عادي كالتعاقدات وغيرها وأما بصفتها سلطة عامة ومعني السلطة العامة هي القدرة علي إصدار القرارات والأوامر الملزمة للغير والقدرة علي تنفيذها .
هذه القرارات الملزمة تنقسم إلي أربعة أنواع هي :
1. قرارات تصدرها الجهات الإدارية من تلقاء نفسها تطبيقا للقانون .
2. قرارات تصدرها الجهات الإدارية بناء علي طلب الأشخاص ولكن ليس علي خصومة او منازعة .
3. قرارات تصدرها الجهات الإدارية علي خصوصات أو منازعات مطروحة أمامها
4. قواعد موضوعية عامة هي اللوائح والقواعد والأوامر .
وليست كل هذه الأنواع قرارات إدارية ولكن سنبين ذلك عند مناقشة بقية عناصر القرار الإداري .
ثالثا : أن يصدر القرار بإرادة الجهة الإدارية وحدها : أي يشكل عمل قانوني انفرادي من جانب واحد . وهذا يجعل الإدارة في موقف الخصم في حالة نشؤ خصومة أو منازعة حول القرار . وهذا القرار الإنفرادي قد يكون نتيجة لتدخل الإدارة من تلقاء نفسها أو بسبب أحد من الأفراد طالبا تدخل الإدارة . ومن هنا يعتبر النوعان الأول والثاني (من الأنواع أعلاه) قرارات إدارية . أما النوع الثالث فيري جانب من الفقه أنه لا يعتبر قرار إداري لسببين : الأول : انه ليس تعبيرا أو إفصاحا عن إرادة جهة الإدارة وحدها وإنما هو نتيجة إنزال حكم القانون علي النزاع المطروح والثاني : أن الجهة الإدارية ليسن خصما في المنازعة المطروحة وإنما هي حكم فيها ويعتبر هذا القرار قرار شبه قضائي . ويري الجانب الآخر من الفقه أن هذا القرار هو قرار إداري . وهذا الرأي أخذ به القضاء السوداني كما جاء في قضية الاتحاد العام لكرة القدم /ضد/ نادي الزهرة مجلة 1980م ص 213 وذلك في ظل قانون الإجراءات المدنية . وثمرة هذا الخلاف الفقهي هو أن الذي يري أن هذا القرار قرار إداري يخضعه لطريق الطعن العادي في القرار الإداري (الدعوى الإدارية) ، وأما من يعتبره قرار شبه قضائي فيري انه لا يجوز الطعن فيه إلا عن طريق الاستئناف أمام القضاء . والمعلوم أن طريق الإستئناف (خلافا لطريق الدعوى) هو طريقا قانونيا وليس طريقا طبيعي (أي لا بد من وجود نص خاص يجيز الإستئناف ويحدد المحكمة المختصة به) .
رابعا : أن يتعلق القرار بحق شخص معين او أشخاص معينين بذواتهم : وبالتالي فان النوع الرابع من القرارات وهو اللوائح لا يدخل في معني القرار الإداري حيث أنها قواعد عامة لا تتعلق بحقوق أشخاص محددين بل هي أعمال تشريعية بمقتضي المادة (13) مقروءة مع المادة (4) من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974م في تعريف كلمة (القانون) .
وتجدر الإشارة إلي أن الفقه اللاتيني يعتبر هذه اللوائح في حكم القرارات الإدارية ويخضعها لرقابة مجلس الدولة . أما في النظام السوداني فان هذه اللوائح يطعن فيها (بحجة عدم قانونيتها) لدي المحكمة العليا اذا كانت مخالفة القوانين المخولة بإصدارها او مخالفة للقوانين العادية الصادرة من البرلمان .
خامسا : أن يكون قصد الجهة الإدارية من إصدارة هو إحداث اثر قانوني بحق الشخص أو الأشخاص المعينين بذواتهم . والمقصود بالأثر (إلغاء مراكز قانونية قائمة أو تعديلها أو إنشاء مراكز قانونية جديدة) . والمركز القانوني هو (مجموعة الحقوق والواجبات التي يقررها القانون لشخص معين)
المبحث الثالث
رفض الجهة الإدارية اتخاذ القرار
ورد في المادة (3) من قانون القضاء الإداري تعريف القرار الإداري كما ذكرناه سابقا حيث شمل التعريف رفض الجهات الإدارية أو إمتناعها عن إتخاذ قرار كانت ملزمة قانونا بإتخاذه وهو عين ما جاء في نص المادة (2) المشار إليها من قانون القضاء الدستوري والادري لسنة 1996م أن ( القرار الإداري يشمل رفض السلطة الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرارات كانت ملزمة قانونا باتخاذها ) . وقد كانت المادة 442 من قانون المرافعات المدنية لسنة 1972 تنص علي أن : ( يعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان الواجب عليها اتخاذه طبقا للقوانين ) ، إلا انه يلاحظ أن قانوني الإجراءات المدنية لسنتي 1974م ، و 1983م لم يتضمنا مثل هذا النص .
يتضح من ذلك النص (في قانون القضاء الإداري الحالي) أن الجهة الإدارية إذا كانت ملزمة باصدرا قرار إداري إلزاما تفرضه قاعدة قانونية ثم أنها رفضت إصداره بسلوك ايجابي إو إمتنعت عن إصداره بموقف سلبي فإنه في الحالين تعتبر قد أصدرت قرارا إداريا يجوز للشخص المتضرر صاحب المصلحة أن يطعن فيه .
الفصل الثالث
الطعن في القرار الإداري
يتعين للحديث عن الطعن في القرار الإداري أن نتبين أولا : ماهية الطعن الإداري ، ثم ثانيا : القرارات الإدارية التي لا تخضع للطعن الإداري ، ثم أخيرا الشروط الواجب توافرها للطعن في القرارات الإدارية .
المبحث الأول
معني الطعن الإداري
الطعن لغة : هو الاعتراض علي الشيء وإعابته والقدح فيه . أما في الاصطلاح القانوني : فهو أسلوب إجرائي للتظلم من أحكام وأوامر المحاكم إلي محكمة أعلي وفقا للأوضاع والإجراءات التي ينص عليها القانون . المقصود (بالطعن في القرار الإداري) في فقه القانون الإداري : (أنه التظلم الذي يرفعه أحد الأفراد ضد الجهة الإدارية أمام القضاء مختصما القرار الذي أصدرته) ويتضح أن إستخدام كلمة الطعن هنا يأتي على خلاف الأصل لمعنى الكلمة لأن القرار الإداري يعرض الخصومة أو المنازعة لأول مرة أمام القضاء والمعلوم أن المنازعة أو الخصومة التي تعرض لأول مرة أمام القضاء تسمي دعوى . وقد سمي التظلم ضد القرار الإداري أمام القضاء طعنا لان فيه معني الاعتراض والاعابة والقدح في القرار , هذا وقد جري الفقه والقضاء علي تسمية الطعن الإداري (بالدعوى الإدارية ). والواقع أن الطعن الإداري يحمل صفتين صفة الدعوى وصفة الطعن ولذلك فان له بعض الإجراءات الخاصة التي تختلف عن إجراءات الدعوى العادية وهو ما سوف نفصله في المبحث الثالث تحت عنوان شروط قبول الطعن .
وتجدر الإشارة إلى أن المادة (3) من قانون القضاء الإداري سنة 2005م قد عرفت (الطعن) بأنه : (يقصد به أي دعوى تقدم من المتضرر من قرار إداري وفق أحكام هذا القانون) .
المبحث الثاني
القرارات الإدارية التي لا تقبل الطعن
هنالك ثلاثة أنواع من القرارات الإدارية لا يجوز الطعن فيها أمام القضاء هي :
1. القرارات في المسائل التي لا تصلح التقاضي .
2. القرارات التي لا تخضع للطعن بنص القانون .
3. القرارات السياسية .
أولا المسائل التي لا تصلح للتقاضي :
هنالك أمورا لا تصلح للتقاضي ، وهي أمور غير مادية كالمجاملات الاجتماعية والمسائل التربوية والثقافية التي لا تشتمل علي مسائل إدارية . وهذه الأمور لا تصلح للتقاضي سواء بالنسبة للدعاوي العامة أمام المحاكم المختلفة أو الدعاوى الإدارية . فالقرار الإداري الذي يصدر من جهة لها حق إصداره لابد لكي يكون قابلا للطعن أمام المحكمة الإدارية أن يكون قرارا صالحا للتقاضي بشأنه . ويطبق ذلك علي القرارات الإدارية المحضة ، وقرارات اللجان الخاصة . ومن الأمثلة الحية على تلك القرارات : القرارات الصادرة من اللجان الرياضية كما جاء في قضية الاتحاد العام لكرة القدم ضد نادي الزهرة الرياضي حيث فاز فريق الزهرة علي فريق المريخ في مباراة دورية لكرة القدم وإحتج نادي المريخ حول قانونية إشتراك أحد لاعبي فريق الزهرة في المبارة ورفضت اللجنة الإدارية الطعن المقدم من فريق المريخ واستأنف المريخ إلي مجلس إتحاد الخرطوم المحلي الذي أيد قرار اللجنة الإدارية وإستأنف المريخ مرة ثانية إلي اللجنة الاستئنافات التي قبلت حجته وإعتبرت فريق الزهرة مهزوما ، تقدم فريق الزهرة بدعوى طعن إداري أمام محكمة الإستئناف وقدم المطعون ضده دفعا بعدم إختصاص المحكمة بنظر النزاع وقد رفضت محكمة الإستئناف الدفع فرفع الأمر للمحكمة العليا . وحيث يقول الطاعنون في طعنهم للمحكمة العليا أن قرارات النزاعات الرياضية ليست قرارات إدارية بناء على عرف قديم أخذت به كل الشرائع الرياضية في العالم ، رد المطعون ضدهم بأن : هذه القرارات هي قرارات إدارية . وعند نظر المحكمة العليا في الطعن ميزت بين نوعين من القرارات الإدارية : القرارات الإدارية المحضة والقرارات التي تصدرها اللجان كمحاكم خاصة ، وأقرت المحكمة العليا أن للمحكمة بصفة عامة ولاية النظر في النوعين ، على أن المحكمة قبلت الطعن وقررت عدم إختصاص المحاكم بنظر الطعون في القرارات الرياضية بعد أن رجعت للمادة (6) من قانون الرياضة الجماهيرية لسنة 1975م التي تنص على أن : (الرياضة الجماهيرية نشاط طوعي يحظر فيها الإحتراف أو تقاضي أي مقابل مادي) والمادة (246) من القواعد العامة لكرة القدم والتي تقرأ : (لا يجوز للإتحاد العام أو أي إتحاد محلي أو إتحاد منطقة أو أي مجلس أو لجنة أو هيئة تتبع له أو نادي أو فريق أو أي عضو أو لاعب فيه أن يتقاضى في المحاكم ضد أي من الهيئات المذكورة فيما يتعلق بأي قرار تتخذه أي من الهيئات المذكورة ولا يشمل ذلك القضايا الجنائية أو التي تتعلق بالموظفين والعمال أو العلاقات التجارية) . وخلصت المحكمة إلى أن النشاط الرياضي وهو نشاط طوعي تحل أسرة الرياضة أمورها فيه من خلال أجهزتها دون أن تنتقل بنزاعاتها أمام المحاكم ، ذلك أن الروابط بين الرياضيين تتسم بالخصوصية وسمو الهدف وتحقيق معاني رفيعة خاصة ولا تتحمل الإجراءات البطيئة في التقاضي أو اللدد في الخصومة إذ يؤثر سلبا ذلك في سير المنافسات ، وإنتهت المحكمة العليا إلى أن تنأى المحاكم عن النظر في المسائل الطوعية بين أطراف يمارسون هوايات بلا عائد مادي . وبديهي أن ذلك لا يعني أن ترفض المحاكم كل ما تعلق بالرياضة ، فهناك علاقات أخرى لا يمنع شيء من الإختصام فيها بسبب صلتها بالرياضة ، فلا يمنع القانون – مثلا – نظر النزاعات المتعلقة بشراء المعدات الرياضية ، أو صيانة الملاعب ، أو أجور الموظفين والعمال ، فهذه علاقات مالية تختلف عن نتائج المباريات وتسديد الأهداف .
ثانيا : القرارات التي لا تخضع للطعن بحكم القانون :
هنالك الكثير من القرارات التي نص القانون صراحة على نهائيتها وتحصينها ضد الطعن أمام القضاء ومن الأمثلة عليها :
1/نص قانون جوازات السفر والهجرة لسنة 1994م في المادة (21) منه على أن قرار الوزير في إبعاد أي أجنبي من السودان ، يعتبر قرارا نهائيا لا يجوز الطعن فيه أمام المحاكم .
2/ وكذا ينص قانون إخلاء المباني العامة لسنة 1969م على أنه لا يجوز لأي محكمة أن تعقب على أي قرار صادر بموجبه .
3/ وينص قانون محاسبة العاملين بالخدمة المدنية القومية لسنة 2007م على نهائية قرار الوزير .
4/ تنص المادة (31) من قانون الهيئة القضائية لسنة 1986 على أن القرارات الصادرة بتعيين القضاة تعتبر نهائية وغير قابلة للطعن أمام أي جهة قضائية .
ثالثا : القرارات السياسية (أعمال السيادة) : وهي أعمال سياسية تتعلق بشؤون الدولة العليا وتكون المسؤولية عنها سياسية لا قانونية . ولذلك فقد نصت المادة (8/1) من قانون القضاء الإداري على عدم جواز الطعن فيها ، بينما نصت الفقرة الثانية على أن (يعتبر من أعمال السيادة :
(أ) تعيين شاغلي المناصب الدستورية القومية والولائية ،
(ب) إعلان الحرب ،
(ج) إعلان حالة الطوارئ ،
(د) تمثيل الدولة في علاقتها الخارجية بالدول والمنظمات ،
(ﻫ) تعيين السفراء وإعتماد السفراء المبعوثين إليها ،
(و) تعيين شاغلي الوظائف القيادية في الخدمة المدنية ) .
المبحث الثالث
شروط الطعن الإداري
تتعدد الشروط التي وضعها القانون للطعن الإداري منها ما يتعلق بالطاعن حيث يشترط وجود مصلحة شخصية مباشرة له في الطعن ، ومنها ما يتعلق بالقرار المطعون فيه حيث يشترط أن يكون نهائيا قد إستنفد طرق التظلم المتاحة ، ومنها ما يتعلق بالإجراءات حيث يشترط أن يقدم الطعن في الميعاد الذي حدده القانون ، وأن يكون الطاعن قد إستنفد طرق التظلم المتاحة قانونا إن كان القرار المطعون فيه يمكن التظلم منه لجهة إدارية أعلى ، وأخيرا يشترط إخطار النائب العام بالنية في رفع الطعن حسب متطلبات المادة (33/4) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م .
الشرط الأول : مصلحة الطاعن :
والمقصود بوجود مصلحة للطاعن هو أنه يتأثر بصورة مباشرة بنتيجة القرار الإداري . وبالتالي فإن الدعوى الإدارية ليست من دعاوى الحسبة التي يحق لكل مواطن رفعها ، بل يشترط في رافعها أن يكون متأثرا بصورة مباشرة من نتيجة القرار المطعون فيه ، أي أن تؤثر على المركز القانوني له. والسبب في ذلك كما أسلفنا أن الغرض من الرقابة القضائية ليس عرقلة الإدارة وتعويقها عن أداء مهامها . بل هو هدف مزدوج يكمن في تمكين الإدارة من أداء واجبها في إشباع حاجات المواطنين بما لا يضر بحقوق الأفراد . وبالتالي فإنه يحق للأفراد المتضررين فقط – وليس غيرهم – أن يطعنوا في القرارات التي تمس مراكزهم القانونية وتصيبهم من ثم بالضرر . وقد نصت المادة (7) من قانون القضاء الإداري على أنه يجب على المحكمة شطب العريضة إيجازيا إذا لم يكن للطاعن مصلحة شخصية فى الطعن .
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء السوداني كان متشددا في هذا الأمر تبعا لتشدد القضاء الإنجليزي وقد أصبح الآن مرنا تبعا أيضا للقضاء الإنجليزي الذي كاد أن يجعل الدعوى الإدارية من دعاوى الحسبة بالنسبة للقرارات التي قد يتأثر بها جزء كبير من الجمهور وذلك بشرط وجود المصلحة الشخصية للطاعن ضمن الآخرين .
ومن الأمثلة على التشدد في السودان قضية سلطات مباني الخرطوم ضد إيفا نجليوس حيث حكمت المحكمة بإنعدام مصلحة المستأجر عند صدور قرار بإزالة المباني التي يستأجرها ومن ثم لا يجوز له الطعن في ذلك القرار .
ومن الأمثلة على المرونة في السودان قضية المجلس الشعبي لمنطقة الخرطوم ضد حسن محمد صالح حيث قضت المحكمة بالعكس وأثبتت توافر المصلحة للمستأجر .
ومن الأمثلة على المرونة الزائدة في إنجلترا قضايا بلاكبيرن الذي هو مواطن نذر نفسه لتعقب الأمور المتعلقة بالأخلاق العامة كالقمار والمسلسلات والأفلام المنافية للآداب وقد قررت المحاكم وجود مصلحة له كفرد من أفراد الجمهور يهمه تطبيق القانون الذي غضت السلطات المحلية الطرف عن تطبيقه بشأن نوادي القمار وأن له أطفالا يخشى عليهم من المسلسلات والأفلام الخليعة . ونلاحظ أن الفرق بين هذا وبين المحتسب في الشريعة يظهر فقط في المحتسب الذي ليس له أطفال من صلبه يخشى عليهم مثلا . بل يخشى على أطفال جميع المسلمين الذين يعتبرهم كأنهم أطفاله . حرصا على المجتمع برمته .
وقريب من ذلك ما أكدته المحكمة العليا السودانية في قضية فريق النيل الرياضي وآخرون ضد معتمد العاصمة القومية وآخر من أنه يكفي – لتوافر شرط المصلحة – أن يكون القرار الإداري قد أثر في وضع مواطن معين أو حرمه فرصة المنافسة بين آخرين لنيل خدمة أو عمل أو أي مزايا أخرى كالمنافسة على التراخيص أو القطع السكنية … ألخ .
الشرط الثاني : نهائية القرار الإداري وعدم قابليته للتظلم الإداري:
بالنظر للقرارات الإدارية نجدها لا تخلو من أحد أمرين :
فإما أن يصدر القرار وينص القانون على أنه يجب تأييده من جهة إدارية أعلى أو أنه يجوز التظلم منه لدى تلك الجهة ،
وإما أن يصدر نهائيا واجب النفاذ لا يحتاج إلى تأييد من أي جهة أخرى ولا يقبل التظلم إداريا أمامها .
فالقرار الأول لا يجوز الطعن فيه عن طريق رفع الدعوى الإدارية إلا بعد أن يتم التظلم منه أمام الجهة المنصوص عليها . يتم الطعن فقط في الحالة الثانية . حيث أن القرار في هذه الحالة ليس نهائيا ، وقد يتم إنصاف الطاعن أمام الجهة الإدارية الأعلى ولن يحتاج من ثم إلى اللجوء للقضاء .
وقد نصت المادة (7) من قانون القضاء الإداري على أنه يجب على المحكمة شطب العريضة إيجازيا إذا كان الطاعن لم يستنفد طرق التظلم المتاحة بموجب القانون
الشرط الثالث : إنتفاء طريق الطعن المقابل :
قد يصدر القرار الإداري نهائيا ولكن ينص القانون على جواز الطعن فيه بالإستئناف أمام محكمة معينة . وفي هذه الحالة لا يجوز الطعن فيه عن طريق رفع الدعوى الإدارية حيث أن القانون قد رسم طريق الرقابة القضائية عليه عن طريق الإستئناف وبالتالي لا يجوز الإحادة عن الطريق الذي رسمه القانون .
الشرط الرابع : شرط مواعيد الطعن :
الدعوى الإدارية تعتبر من بين الدعاوى – كدعوى الشفعة – التي جعل لها القانون ميعادا تسقط إن لم ترفع فيه وذلك حرصا على ثبات المراكز القانونية . حيث أن القرارات الإدارية تؤثر على سير العمل الإداري المتعلق بالجمهور وبالتالي تؤثر على حقوق الآخرين مما يجعل المصلحة العامة في ثباتها وتقصير المدة التي تكون فيها متأرجحة بين الإلغاء والإبقاء . ولذلك فقد نصت المادة (5) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م على الآتي : ((1) يكون ميعاد رفع الطعن ستون يوماً من تاريخ نشـر ذلك القرار فى الجريدة الرسمية أو فى النشرات التى تصدرها أجهزة الدولة أو من تاريخ العلم به علماً حقيقياً أو تاريخ إعلان صاحب الشأن أيهما كان الأسبق .
(2) يبدأ الميعاد فى الأحوال التى يجيز فيها القانون التظلم الى الجهة الإدارية المختصة من تاريخ الفصل نهائياً فى التظلم .
(3) يكون ميعاد التظلم الى الجهة الإدارية المشار إليها فى البند (2) ستون يوماً ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ويحسب الميعاد على الوجه المبين فى البند (1) .
(4) يعتبر رفضاً للتظلم عدم فصل الجهة فيه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ رفعه إليها .
(5) ينقطع سريان الميعاد المنصوص عليه فى البنود (1) (2) و(4) إذا أبلغ المدعى وزير العدل بنيته فى رفع الدعوى على الوجه المبين فى المادة 33(4) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983 ) .
الشرط الخامس : إخطار وزير العدل :
تنص المادة (11) قانون القضاء الإداري على أنه فيما عدا ما نص عليه هذا القانون يتبع فى رفع الطعن والفصل فيه الإجراءات المقررة لرفع الدعوى والفصل فيها بموجب أحكام قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983 ويستثنى من ذلك تطبيق المادة 33(4) منه إذا اقتصرت طلبات الطاعن فقط على طلب إلغاء القرار الإدارى ومعنى ذلك فإن كل طعن تزيد فيه الطلبات عن مجرد طلب الإلغاء كإشتماله على طلب التعويض مثلا فإنه يشترط إخطار وزير العدل بموجب المادة (33/4) إجراءات مدنية والتي تنص على لا يجوز رفع دعوى ضد أي جهاز من أجهزة الدولة حسبما هو معرف في البند (5) أو ضد موظف عام عن فعل نسب إليه بصفته أو أثناء قيامه بواجبات وظيفته أو بسببها إلا بعد أن يقوم المدعى بإبلاغ وزير العدل أو من ينوب عنه في مكاتب النيابة العامة بالنية في رفع الدعوى بعريضة واضحة ومختصرة تتضمن كافة البيانات المطلوب توافرها في عريضة الدعوى وبعدد كاف من الصور ويمضي شهران من تاريخ ذلك التبليغ ما لم يأذن وزير العدل أو من ينوب عنه في رفع الدعوى أو المضي في إجراءات رفعها قبل انتهاء تلك المدة .
الفصل الرابع
أسباب الطعن في القرار الإداري
تنص المادة (6) من قانون القضاء الإداري على أن : يرفع الطعن في القرار الإدارى في الأحوال الآتية :
(أ ) عدم إختصاص الجهة التي أصدرته ،
(ب) وجود عيب في الشكل ،
(ج ) مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه ،
(د ) إساءة إستعمال السلطة .
يتضح من هذا النص أن القانون قد حصر أسباب الطعن في هذه الأحوال الأربعة . وهذه الأحوال تقررت أصلا بواسطة مجلس الدولة الفرنسي وقد قننت في السودان لأول مرة في قانون المرافعات لسنة 1972م المأخوذ من القانون المصري ، ثم تم النص عليها في قانوني الإجراءات لسنة 74 و1983م ثم نص عليها قانون القضاء الإداري الملغى .
المبحث الأول
عيب عدم الإختصاص
المعلوم أن القانون يحدد لكل جهة إدارية إختصاصها ومجال عملها ، فالسلطات الصحية على سبيل المثال إختصاصها ومجالها متعلق بالصحة وكذا سلطات المياه ، والتعليم والزراعة … ألخ . وبالتالي يعد خروجا على الإختصاص أن تصدر سلطات المياه قرارا يتعلق بجهة التعليم وحدها . هذا ويشمل عيب الإختصاص إنعدام الإختصاص بإتخاذ القرار الإداري أو تجاوز الإختصاص في حالة وجودة . وهنالك نوعين لعيب الإختصاص النوع الأول: عيب عدم الإختصاص الجسيم ، وهو يعرف بإغتصاب السلطة وله حالتان : الأولى : أن يصدر فرد عادي ليست له أي سلطات إدارية قرارا إداريا فهنا يعد هذا الشخص مغتصبا للإختصاص ويعتبر قراره هذا باطلا لعدم الإختصاص . والحالة الثانية : أن تصدر السلطات التنفيذية (الإدارية) قرارا من إختصاص السلطة التشريعية أو السلطة القضائية . وهنا يكون إغتصاب للسلطة لأن الإختصاص أصلا لسلطة أخرى من سلطات الدولة الثلاث فلو أصدر وزير الرياضة مثلا قرارا بقانون للرياضة كان قراره هذا مشوبا بعيب إغتصاب الإختصاص لأن إصدار القوانين من إختصاص السلطة التشريعية . النوع الثاني : عيب عدم الإختصاص البسيط وهو عدة أنواع منها الإختصاص المكاني أو المحلي ، ومنها الإختصاص الزماني ، ومنها الإختصاص الموضوعي . ومثال عيب عدم الإختصاص المحلي أن يصدر معتمد محلية معينة قرارا من إختصاص معتمد محلية أخرى . ومثال عيب عدم الإختصاص الزماني أن يصدر موظفا قرارا بعد أن تم فصله من وظيفته أو بعد نقله لوظيفة أخرى . ومثال عدم الإختصاص الموضوعي إعتداء السلطات المحلية على إختصاص السلطات المركزية والعكس أو إعتداء سلطة أدنى على إختصاص سلطة أعلى والعكس أيضا .
المبحث الثاني
عيب الشكل
بعض القرارات الإدارية – وليس جميعها – يتطلب القانون فيه شكلا معينا أو إتباع إجراءات معينة عند إصدراه – كالعقود الشكلية حيث المعلوم أن بعض العقود فقط شكلية – فإذا خالف القرار هذه الإجراءات أو الشكل المقرر قانونا أعتبر مشوبا بعيب مخالفة الشكل . وهنالك صورتين رئيسيتين لهذا العيب : الصورة الأولى : عدم مراعاة قواعد العدالة الطبيعية : ويسمى عدم مراعاة الحق في السماع ، ويأتي هذا النوع في القرارات المتعلقة بالفصل في نزاع بين خصمين أو مجالس المحاسبة . فقد ألغت المحكمة قرارا صادرا بفصل موظف من الخدمة في قضية الهيئة المركزية للمياه ضد محمد أحمد حامد لأن إجراءات مجلس الحاسبة كانت مختصرة بشكل أهدر حق المتهم في الدفاع عن نفسه . وفي قضية أحمد محمد الحسن ضد عبدالله الخليفة محمد ألغت المحكمة قرار حاكم الإقليم الشمالي الصادر في تظلم من قرار لجنة التصرف في الأراضي الحكومية الزراعية حيث ألغى الحاكم قرار اللجنة دون سماع الطرف الآخر ، وقد جاء في حكم المحكمة العليا المؤيد لقرار المحكمة : ( لقد استقر قضاءً على أن الفصل في التظلم من القرار الإداري دون سماح الطرف الآخر يعتبر مخالفة لقاعدة العدل الطبيعي ومخالفة للشكل ويبطل القرار. يبطل القرار الإداري إن لم يحتوي على أسبابه ) . الصورة الثانية : عدم تسبيب القرار الإداري : فإذا صدر القرار الإداري دون تسبيب كان مخالفا للشكل . وقد مر في سابقة أحمد محمد الحسن أعلاه أن المحكمة العليا ذكرت بأن القرار الإداري يبطل إن لم يحتوي على أسبابه .
المبحث الثالث
عيب مخالفة القانون
إن كل عيوب القرار الإداري تمثل في جوهرها مخالفة للقانون فالقرار الصادر من جهة غير مختصة مثلا يتضمن مخالفة تلك الجهة للقانون الذي حدد إختصاصاتها ، ولكن المقصود بمخالفة القانون هنا في فحوى ومحل القرار الإداري ، ومحل القرار هو الأثر القانوني الذي يرتبه وهو إما إنشاء مركز قانوني جديد أو تعديل مركز قانوني قديم أو إلغائه . ومحل القرار يجب أن يكون ممكنا أي غير مستحيل وجائزا قانونا أي متفقا مع حكم القانون ولا يخالف النظام العام أو الآداب ، مثلة مثل كل تصرف قانوني آخر .
وتجدر الملاحظة إلى أن المقصود بالقانون هنا المعنى الواسع للكلمة التي تعني التشريعات بمختلف درجاتها من دستورية وبرلمانية ولائحية وتشمل العرف والمبادئ القانونية العامة وأحكام القضاء المتعلقة بالأمر كما تشمل المنشورات المصلحية والتعليمات المتعلقة بالنشاط الإداري المعين والقرارات الإدارية السابقة المتعلقة بالموضوع . وكما تلتزم الإدارة بنصوص القانون بهذا المعنى تلتزم بروحه وقصد المشرع أو قصد مصدره .
ولعيب مخالفة القانون ثلاثة صور : الصورة الأولى : مخالفة القانون بصورة مباشرة إيجابا بأن تأتي فعلا يحرمه عليها القانون وسلبا بأن تتجاهل تطبيق قاعدة ملزمة وتلتفت عن تطبيقها . وقد تكون هذه المخالفة عمدية أو عن جهل أو خطأ . الصورة الثانية : الخطأ في تفسير القانون تجاوزا لقصد المشرع وذلك إما عمدا مع وضوح النص أو جهلا لغموض النص أو توسيعا للنص أو تضييقا له دون مسوغ قانوني . الصورة الثالثة : الخطأ في تطبيق القانون وتسمى هذه الحالة عيب السبب لتعلقها المباشر بالوقائع القانونية التي كانت هي الباعث في إصدار القرار . فالقرار التأديبي الصادر بفصل موظف معين إنما صدر بسبب وقائع إرتكبها الموظف أعتبرت جريمة تأديبية . فإذا تبين أنه لم يرتكب تلك الوقائع ، أو تبين – مع إرتكابه لها – أنها لا تشكل جريمة تأديبية وإنما كان هناك خطأ تكييفها بواسطة الجهة مصدرة القرار بأنها جريمة تأديبية فهنا يعتبر هذا القرار باطلا للخطأ في تطبيق القانون .
المبحث الرابع
عيب إساءة إستعمال السلطة
ويعرف هذا العيب بعيب الإنحراف بالسلطة كما يطلق عليه أيضا عيب التعسف في إستعمال السلطة . ويتعلق هذا العيب بالغاية من إصدار القرار والغاية من إصدار أي قرار – بلا إستثناء – يجب أن تكون دائما تحقيق المصلحة العامة ، وبالتالي فإن الغاية هنا تتعلق بنية الشخص الذي أصدر القرار . ولا شك أن الموظف الذي يصدر القرار لتحقيق مصلحة ذاتية أو خاصة أو يحابي أي طرف يكون قد أساء إستعمال السلطة وإنحرف وتعسف في إستعمالها .
الصورة الأساسية لهذا العيب هي الخروج عن الهدف العام وهو الصالح العام . ولكن هنالك صورة أخرى تعرف بعيب مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف . ومضمون هذه القاعدة أن القانون قد يحدد للإدارة فيما يتعلق بأمر معين أهدافا معينة – لا تخرج من إطار الصالح العام – ويلزمها بتحقيقها . فإذا هدفت الإدارة بقرارها إلى تحقيق أغراض أخرى وإن لم تخرج عن إطار المصلحة العامة فإن قرارها يكون مشوبا بعيب الإنحراف بالسلطة .
الفصل الخامس
إجراءات الطعن الإداري
المحكمة المختصة : كما ذكرنا فإن الإختصاص بنظر الطعن الإداري ينعقد لقاضي المحكمة العليا فيما يختص بالطعن في القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء القومي وأي وزير قومي . بينما ينعقد الإختصاص لقاضي محكمة الإستئناف فيما يتعلق بالقرارات الصادرة من غيرهم .
إجراءات رفع الطعن : نصت المادتان (4 ، 10) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م على أن الطعن يرفع كما ترفع الدعوى المدنية أي بعريضة تقدم للمحكمة المختصة تشتمل على نفس المشتملات والمرفقات الواجبة في العريضة المدنية يضاف إليها بيان القرار المطعون فيه مع صورة منه وأسباب الطعن ونتيجة التظلم إن وجد .
إجراءات نظر الطعن : نصت المادة (11) على أن ينظر الطعن كما تنظر الدعوى المدنية , إلا أن المادة (10) نصت على جواز الفصل في الطعن بناء على المستندات المقدمة وهنا تعتبر المحكمة الإدارية كمحكمة الإستئناف المدنية حيث يجوز للأخيرة نظر الإستئناف بناء على المستندات المقدمة . وبالتالي إذا لم تفصل المحكمة بناء على المستندات فإنها بعد تبادل المذكرات تقوم بسماع الطرف الذي يقع عليه عبء الإثبات وشهوده ثم تسمع الطرف الآخر وشهوده ومرافعته الختامية ثم تقدم مرافعة من سمع أولا ثم تحجز الدعوى للحكم الذي يصدر في جلسة علنية .
الإستئناف : تستأنف قرارات المحكمة الإدارية بنوعيها أمام دائرة بالمحكمة العليا في خلال خمسة عشر يوما . وبموجب المادة (14) من القانون تنظر المحكمة العليا الإستئناف وفقا لقانون الإجراءات المدنية .
مراجعة حكم المحكمة العليا : حكم المحكمة العليا الصادر في الإستئناف يعتبر نهائيا ولا يقبل الطعن بالنقض ولكن يقبل المراجعة حيث يجوز لرئيس القضاء تشكيل دائرة من خمسة قضاء لمراجعة ذلك الحكم .
تنفيذ حكم المحكمة الإدارية : نصت المادة (15) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م على أن تنفذ الأحكام بنفس الطريقة التي تنفذ بها الأحكام المدنية .
الفصل السادس
سلطات المحكمة الإدارية
نصت المادة (12) من قانون القضاء الإداري على أنه يجوز للقاضى المختص أن يصدر حكمه بالآتى :
(أ ) إلغاء القرار الإدارى المطعون فيه ،
(ب) منع الجهة الإدارية من التصرف على وجه معين ،
(ج ) إجبار الجهة الإدارية على إتخاذ إجراء معين ،
(د ) تقرير الحق ،
(هـ) تعويض المضرور عن الضرر الناتج من القرار الإدارى .
وكانت المادة (27) من قانون القضاء الإداري لسنة 1996م قد نصت لأول مرة على هذه الجزاءات الخمس . والحقيقة أن هذه الجزاءات هي الجزاءات التي جرى عليها العمل القضائي في السودان وهي تقريبا نفس الجزاءات التي توصل إليها القضاء الإنجليزي إلا أن القضاء قد شذبها لتلائم ظروف المجتمع السوداني وقد إستقر عليها . وقد عددت سابقة حامد إبراهيم محمد ضد وزير المالية والتخطيط المنشورة في المجلة القضائية لسنة 1992م صفحة 378 هذه الجزاءات التي إستقر عليها القضاء في : المنع والإجبار والإعلان والإلغاء والتعويض وذكرت المحكمة في حيثياتها أن المادة (313) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م المطبقة حينذاك لم تنشيء إلا جزاء واحدا وهو جزاء التعويض أما جزاء الإلغاء فقد تحدث عنه النص كجزاء موجود أصلا فهو كشف عن وجوده فحسب .
وعلى ذلك فإن الجزاءات المقررة في القانون السوداني خمس وتوجد أمثلة عليها من أحكام القضاء قبل النص عليها قانونا :
1/ الإلغاء : قضية إبراهيم جبريل ضد لجنة إعادة تخطيط غرب القاش (م ع/ط إ/18/1990م) حيث ألغت المحكمة قرار اللجنة لأنها لم تراع التناسب في المساحات .
وقضية بنك النيلين ضد لجنة إستئنافات العاملين بالخدمة العامة حيث ألغت المحكمة قرار اللجنة لعدم إختصاصها بإصدار القرار .
2/ الإجبار : قضية محافظ مديرية الخرطوم ضد بشير عبدالله السلمابي مجلة الأحكام القضائية 1981م صفحة 192 حيث أجبرت المحكمة المحافظ بتسجيل عقد بيع الحكر بعد إلغاء قراره بعدم الموافقة على التسجيل لأنه غير مسبب رغم أن القانون يمنحه حق عدم الموافقة وفقا للقانون .
3/ المنع : قضية سلطات المباني الخرطوم ضد إيفانجيلوسإيفانجليدس حيث أصدرت المحكمة أمرها بمنع السلطات من هدم مباني بدعوى أنها متصدعة .
4/ تقرير الحقوق : قضية محمد عبدالله الميشاوي ضد لجنة قبول المحامين حيث أصدرت المحكمة حكما قررت فيه أن من واجب اللجنة نظر الطلب الذي يتقدم به المحامي لإعادة إدراج إسمه في سجل المحاماه رغم أنه كان قد تعرض لمجلس محاسبة في وقت سابق .
اترك تعليقاً