بحث ومحاضرات في مقياس مدخل للإقتصاد
الموضوع: المشكلة الاقتصادية
طبيعة المشكلة الاقتصادية:
نحاول في هذا الفصل التعرف على طبيعة المشكلة الاقتصادية و أركانها والأساليب المختلفة التي يمكن إتباعها لمعالجة هذه المشكلة. تظهر المشكلة الاقتصادية في أي مجتمع من المجتمعات البشرية عند ممارسة العمليات الخاصة باستخدام الموارد المتاحة بهدف إشباع الاحتياجات البشرية وقد أدى التطور التاريخي والحضاري للمجتمعات البشرية إلى تعدد وتنوع وتطلع الرغبات و الاحتياجات البشرية و التي يمكن إشباعها عن طريق السلع و التي تنقسم بدورها إلى البضائع وهي السلع الملموسة كالمأكل و الملبس و المسكن و الصناعات ………. والخدمات .services و هي السلع الغير الملموسة كالخدمات التعليمية و خدمات الأطباء والفنانين… وتعتبر هذه الرغبات لا نهائية بالمعيار البشري فدائما توجد التطلعات إلى مأكل وملبس أفضل و مسكن أكثر ملائمة و تعليم أرقى وزيادة بالمطالب الترفيهية لقضاء إجازات أكثر متعة إلا أن حجم الموارد المتاحة لن يكفي باستمرار لتلبية جميع تلك المطالب و الاحتياجات البشرية.
و الموارد المتاحة للمجتمع محددة بالتعريف وهي موارد طبيعية (الأرض بما فيها من خيرات) أو مادية (رأس المال) أو بشرية (العمل) وتستخدم كلمة الأرض للدلالة على الموارد الطبيعية (ثروات بترولية و معدنية). أما كلمة رأس المال فتستخدم للدلالة على كل ما هو من صنع الإنسان و يساعده في إنتاج السلع و الخدمات النهائية مثل: المباني و الآلات والمخزون من السلع الوسيطة و الذي يدخل في إنتاج السلع النهائية و أخيرا العمل يعني جميع أنواع المجهود البشري الذهني و البدني بنوعياته و خبراته مختلفة المستوى و متعددة النوعية و تشترك جميع المجتمعات الغنية و الفقيرة في مواجهة مشكلة الموارد المحدودة لإنتاج كل ما يحتاجه أفراد المجتمع من سلع و خدمات و المشكلة الخاصة بكيفية الإشباع المطالب اللانهائية لأفراد المجتمع بموارده المتاحة و المحدودة جعلت الحاجة إلى تنظيم العلاقة بين الموارد و الاحتياجات ضرورة لا غنى عنها و يتمخض عن هذا التنظيم مشكلتين هما:الندرة و الاختيار ومهما عظم الحجم المتاح من الموارد فانه لن يكفي لإنتاج كل ما يتطلع إليه أو يرغبه الإنسان و يتبع ذلك أن المجتمع عليه أن يقرر ما هي السلع و الخدمات التي يجب إنتاجها قبل غيرها و ما هي تلك التي يمكن الإقلال منها أو حتى التنازل عنها و هذه هي المشكلة الاختيار. و ينتج عن ترتيب المجتمع لاحتياجاته من سلع و خدمات حسب أولوياتها و طبقا لدرجة تفضيله لها و احتياجه إليها ما يسمى بالسلم التفضيلي الجماعي وقد يوجد حل لهذه المشكلة عند إيجاد الإنسان القانع الذي يكفيه القليل وإذا استطعنا تخفيض احتياجات الأفراد من السلع و الخدمات بدرجة كافية ربما يتوافر من الموارد ما يكفي لتلبية تلك المطالب ولكن مثل هذا الحل غير مقبول لأنه غير واقعي و غير منطقي .
أركان المشكلة الاقتصادية:
هناك عدة تساؤلات على الاقتصادي أن يجد الوسائل والمعايير التي تساعده في الإجابة عليها عند قيامه بوضع البرنامج الخاص بتنظيم النشاط الاقتصادي لتخصيص الموارد المتاحة في المجتمع لاستخداماتها المختلفة و هي: ماذا يجب أن ننتج؟ أي ما هي السلع و الخدمات التي يرغب المجتمع إنتاجها و بأي كميات و أي مجتمع يعاني من مشكلة الموارد في مواجهة الاحتياجات اللانهائية لأفراده ، عليه أن يجد وسيلة ما يستطيع من خلالها اتخاذ القرارات الخاصة بتخصيص الموارد على استخداماتها الصحيحة وتعتمد بعض المجتمعات على جهاز الثمنLE PRIX قوى السوق، لحل هذه المشكلة بينما تأخذ بعض المجتمعات الأخرى بأسلوب التخطيطLA PLANIFICATION كوسيلة لتحقيق التخصيص الأمثل للموارد و في كلتا الحالتين فلابد من المفاضلة و الاختيار بين هذه الاحتياجات اللانهائية وهذا يتطلب ضرورة التعرف على ترتيب احتياجات أفراد المجتمع طبقا لدرجة أولويتها.
–كيف ننتج؟ أي ما هي الطريقة الإنتاجية المثلى للحصول على خدمة أو سلعة معينة؟ فهناك أكثر من طريقة فنية لإنتاج السلع و الخدمات وتختلف كل طريقة إنتاجية عن أخرى باختلاف الأسباب التي ينم بها خلق خدمات عوامل الإنتاج(الموارد) فالسلع الزراعية مثلا يمكن الحصول على قدر معين منها باستخدام مساحة صغيرة من الأرض مع الاعتماد المكثف من الأسمدة و الآلات و الأيدي العاملة.بينما يمكن الحصول على نفس القدر من المصحوب استخدام مساحة اكبر من الأرض مع اعتماد بسيط على العوامل الأخرى. –لمن ننتج؟ أي كيف يتم توزيع السلع والخدمات المنتجة على أصحاب الخدمات الإنتاجية و بقية أفراد المجتمع؟ – هل موارد المجتمع مستخدمة بكاملها أم يوجد بعضها عاطلا؟ فوجود بعض الموارد العاطلة يعني الاقتصاد يعاني من مشكلة البطالة و تهدى السياسات الاقتصادية في مثل هذه الحالات إلى التخلص من هذه المشكلة بتوظيف الموارد العاطلة و بذلك تعمل على إرجاع الاقتصاد مرة أخرى في حالة إمكانية الإنتاج ووجود بعض الموارد العاطلة يتشابه مع عدم الاستخدام الأمثل لها. –هل القوة الشرائية لأفراد المجتمع ثابتة أم التقدم ينهي جزءا منها و التقدم في نهاية الأمر يرتبط بحجم الإصدار النقدي في المجتمع و من ثم فان هناك الكثير من التساؤلات حول أسباب و نتائج تغيير حجم الإصدار النقدي و دوافع اثر ذلك على مستويات الأسعار؟ -كيف يمكن ضمان تحقيق معدل مرتفع للمد خول الاقتصادي؟ أي كيف يمكن تحسين و زيادة الطاقة الإنتاجية للمجتمع بتنمية موارده كما ونوعا.
أساليب علاج المشكاة الاقتصادية:
تتميز الحياة الاقتصادية الحديثة بتداخل و تشابك الكثير من القرارات التي تتخذها الوحدات الاقتصادية و الخاصة باستخدام الموارد فهي تعتمد على بعضها البعض و لا تتمتع بالاستقلال الذاتي و عندما تتوافق القرارات التي تتخذها مختلف الوحدات الاقتصادية مع بعضها البعض يصل الاقتصاد إلى ما يعرف بالتوازن و ما لم يحدث ذلك يكون الاقتصاد في حالة عدم التوازن أي انه لم يمكن و ضع جميع القرارات الاقتصادية الخاصة بمختلف الوحدات موضع التنفيذ وهي على عادة التوازن يجد العمل على تحقيق التوافق بين القرارات الاقتصادية المختلفة و يتم ذلك عن طريق التنسيق بينها ويتم هذا التنسيق عادة بإتباع احد أسلوبين أساسيين إما التخطيط و إما عن طريق ترك قوى السوق تلعب دورها حتى يتم هذا التنسيق تلقائيا و يعني أسلوب التخطيط قيام سلطة مركزية تتولى مسؤولية التنسيق بين القرارات التي تتخذها الوحدات الاقتصادية المختلفة و تتعدد الوسائل التي يمكن أن تنسقها هذه السلطة المركزية للتأثير على قرارات الوحدات الاقتصادية فيما يمكنها مثلا عن طريق تحديد حصص معينة للتحكم فيما يكمن استخدامه من الموارد في إنتاج و استهلاك و التبادل للتماشي مع الكميات المتاحة منها ويمكن استخدام وسائل أخرى غير مباشرة كسياسات منع الإعانات و فرض الضرائب و ذلك لتشجيع الوحدات الاقتصادية لاتخاذ بعض القرارات أو الحد من البعض الأخر. كما تستطيع هذه السلطة المركزية أيضا فرض قواعد تنظيمية تلتزم الوحدات الاقتصادية بمراعاتها عند اتخاذ قراراتها و أسلوب التخطيط يمكن أن يكون شاملا لجميع القطاعات أو جزئي يختص ببعض القطاعات دون غيرها. أما الأسلوب الثاني فهو يعتمد على قوى السوق أي قوى العرض و الطلب لتحقيق التنسيق بين القرارات التي تتخذها مختلف الوحدات الاقتصادية أي محاولة تنظيم العلاقات التبادلية بين هذه الوحدات ويستلزم القيام بمثل هذه العلاقات التبادلية وجود وسيط عام للتبادل(النقود)ومن ثمة تتم العملية التبادلية على مرحلتين:
علمية بيع و عملية شراء: فتقوم بعض الوحدات الاقتصادية ببيع الموارد الموجودة لديها في مقابل النقود التي تستخدمها بدورها في سبيل الحصول على الموارد التي ترغب في الحصول عليها وبتقابل الوحدات الاقتصادية المختلفة في السوق وقيام بعضها بعرض ما لديها مقابل المساومات التي تحددها الوحدات الأخرى يحدث تعديل للقرارات الخاصة أو للمساومات في مواجهة بعضها البعض حتى يتم التنسيق الكامل فيما بينها ومن خلال هذه التفاعلات يصل الاقتصاد إلى حالة التوازن بطريقة تلقائية وبذلك فان قوى السوق يمكن أن تحقق بطريقة آلية هدف التخطيط ولكن في ظل عمل قوى السوق بهذه الطريقة لا يوجد ما يضمن التنسيق المنشود في جميع الأسواق كما لا يوجد أيضا ما يضمن أن التنسيق المحقق يتوافق مع الأهداف الاجتماعية المقبولة و في مثل هذه الحالات يستخدم أسلوب لتخطيط لتصحيح مسار هذا التنسيق الناتج عن اليد الخفية وذلك لتحقيق أهداف اقتصادية محددة
النظرية الاقتصادية: ينحصر دور النظرية العلمية عامة في مساعدتنا على التفسير والتنبؤ بالأحداث، والتنبؤ لا يعني التنبؤ بالغيبيات ولكنه تنبؤ مشروط مضمونه أنه إذ أحدث شيء معين فإننا نتوقع أن يترتب على ذلك حدوث أشياء أخرى معينة.
فمثلا:إذ ارتفع سعر سلعة معينة فإننا نتوقع انخفاض المبيعات منها انه إذ ارتفعت المداخيل فإننا نتوقع زيادة الإنفاق والادخارات وإذا زاد العرض النقدي فإننا نتوقع انخفاض سعر الفائدة وتلعب الفروض في النظرية الاقتصادية دورا هاما وقد يختلط الأمر على البادئ في دراسة هذه النظرية من كثرة الافتراضات وبذلك يعتقد أنها بعيدة تماما عن الواقع، ولكن علينا إدراك طبيعة دور الباحث الاقتصادي أعقد وأصعب كثيرا عن دور الباحث العلمي فالأخير يمكنه في معمله التحكم في ظروف البيئة المحيطة به منضبط لدرجة الحرارة، و درجات الضغط ، وما إلى ذلك من المتغيرات التي تتحكم في تجربته أما الباحث الاقتصادي الذي يريد أن يدرس العلاقات بين الدخل والاستهلاك أو بين الأسعار والكميات المطلوبة والمعروضة من سلعة معينة فانه لا يستطيع عمليا عزل العوامل الأخرى والمتغيرة في المجتمع والتي تأثر على العلاقة؛ محل الدراسة ولذلك فهو يلجأ إلى الافتراضات ليقوم بتهيئة البيئة المناسبة للتركيز على دراسة العلاقة بين المتغيرين أو ثلاثة من بين العديد من المتغيرات الاقتصادية وعند وضع فروض النظرية الاقتصادية فانه ينبغي علينا أن نراعي ونتفهم المقصود من إدخال هذه الفروض.
تعريف علم الاقتصاد: مما سبق يمكن أن نستنتج عناصر تعريف علم الاقتصاد وذلك بأنه ذلك العلم الذي يهتم بتفسير و وضع المعايير للسلوك الإنساني عند إقدامه على استخدام الموارد المتاحة والمحدودة لإشباع احتياجه اللانهائية وغير المحدودة توضع تلك الموارد في أفضل استخداماتها الممكنة ليتم الإنتاج طبقا لسلم التفضيل الجماعي مع العمل المستمر على زيادة هذه الموارد كمّا وتحسينها نوعا حتى يمكن تحقيق معدلات نمو مرتفعة للاقتصاد ولضمان ارتفاعات حقيقية في مستويات المعيشة.
اترك تعليقاً