تمت إعادة النشر بواسطة محاماه نت
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
موضوعنا اليوم حول
علاقة القانون الإداري بغيره من العلوم وفروع القانون الأخرى ذات الصلة.
جزء من محاضرات د. عمار بوضياف[/color]
الآن وبعد أن اتّضح لنا المفهوم الفني للقانون الإداري وموقف المشرّع الجزائري منه، وجب تحديد علاقة هذا الفرع من القانون بالعلوم الأخرى ذات الصلة به، وكذا فروع القانون الأخرى وهو سنوضحه في مطلبين اثنين:
المطلب الأول: علاقة القانون الإداري بعلم الإدارة العامة.
تعريف علم الإدارة العامة:
عرّف الفقه علم الإدارة على أنّه علم إنساني يعني بوصف و تفسير و بناء و نشاط جهاز الدولة القائم على توفير سياستها العامة بقصد اكتشاف القواعد المؤدية إلى أفضل تشغيل لهذا الجهاز.[1]
ولقد دأبت معظم الدول على إدراج مادة الإدارة العامة ضمن مقرر الدراسة لإعداد شهادة ليسانس في العلوم القانونية و الإدارية. وهنا يثور التساؤل بشأن التمييز بين القانون الإداري و علم الإدارة العامة، نوضح هذه المسألة فيما يلي:
– معنى الإدارة العامة:
يتحدّد مفهوم الإدارة العامة تبعا لأحد المعيارين المعيار العضوي أو الهيكلي و المعيار الموضوعي أو الوظيفي.
*المعنى العضوي: و يتجسد في السلطات الإدارية و هياكلها المختلفة سواء المركزية أو اللامركزية وسواء أكانت إقليمية كالولاية أو المحافظة أو مرفقية كالمؤسسة.
*المعنى الوظيفي: ويقصد به النّشاط الذي تباشره هذه الهيئات أو السلطات الإدارية و ما تتمتع به من امتيازات بهدف تحقيق المصلحة العامة. وبظهور هذين المفهومين للإدارة العامة طرح السؤال على المستوى الفقهي هل القانون الإداري قانون الإدارة العامة بالمفهوم العضوي أو الوظيفي؟
لقد احتدم النقاش في الفقه بخصوص أسلم المعيارين في تحديد مفهوم القانون الإداري فقيل أن القانون الإداري بصفة عامة هو ذلك القانون الذي ينطبق على الإدارة العامة بمعناها العضوي و الوظيفي، ويؤخذ على هذا التعريف الشمولية والإطلاق وهو ما شأنه أن يبعدنا عن المفهوم الفني للقانون الإداري.
هذا فضلا على أنّ الإدارة العامة قد تخضع في نشاطها كما قلنا لقواعد القانون الخاص، بل أنها تخضع أيضا لفروع أخرى من القانون كالقانون المالي مثلا.
ويتضمّن علم الإدارة العامة مجموعة المبادئ و الأساليب العلمية الّتي تطبق على الإدارة باعتبارها منظمة ونشاط أي أنّه ينصرف لكل من المدلولين العضوي و الوظيفي.
ومن خلال ما تقدم يتبيّن لنا أنّ العلاقة و ثيقة بين العلمين إلا أنّ الفرق بينهما يكمن في أنّ علم الإدارة يهتم بالإدارة العامة من الزاوية الفنية أي يهتم فقط بالجانب القانوني. يقول Bernard Gournay: ” إنّ علم الإدارة يعد أحد الفروع العلوم الاجتماعية الذي يعتني بوصف وشرح وتكوين جهاز الدولة ونشاط وآراء وسلوك الأفراد والجماعات و الأعضاء العاملين فيه. أمّا القانون الإداري فهو نظام له طابع قانوني يتعلّق بدراسة القواعد التي تحكم أعمال الأشخاص الإدارية سواء تعلقت هذه القواعد بنصوص دستورية أو قانونية أو لائحية أو أحكام قضائية.[2]
ولتوضيح ذلك نسوق المثال التالي:
1- في مجال النظرية العامة للموظف: يهتم القانون الإداري مثلا بالموظف العام من زوايا معينة: من هو الموظف العام، ما هي شروط الوظيفة العامة، ما هي حقوقه وواجباته الوظيفية، كيف تنظم ترقيته وتأديبه، ما هي الطرق القانونية لإنهاء العلاقة الوظيفية و غيرها من الموضوعات.
بينما علم الإدارة وإن كان بدوره يهتم بالموظف العام إلا أنّه يركز على جوانب أخرى كدراسة شروط التأهيل للوظيفة دراسة فنية وأكاديمية، وطرق التدريب وكيفياته.
وإذا كان القانون الإداري يعترف للرئيس الإداري بسلطة تنقيط مرؤوسيه، فانّ علم الإدارة يهتم بالكشف عن أفضل السبل لتقدير كفاءة العاملين. وإذا كان القانون الإداري يهتم بالجزاءات أو العقوبات التأديبية و يحدّد أصنافها ودرجاتها، فإنّ علم الإدارة يهتم بمدى نجاعة هذه الجزاءات في دفع عملية الأداء الوظيفي.
ونظرا لهذه العلاقة الوطيدة بين القانون الإداري و علم الإدارة العامة ذهب الدكتور ثروت بدوي إلى القول: ” لذلك نرى أنّ دراسة القانون الإداري تشتمل، إلى جانب ما تشمله من جوانب قانونية متصلة بتحديد اختصاصات السلطات الإدارية المختلفة و القواعد القانونية التي تنظم ممارستها لهذه الاختصاصات و التي تحكم علاقتها بالأفراد…الخ نرى أنها تشتمل حتما دراسة بعض أصول علم الإدارة العامة سواء من حيث تطبيق فكرة المركزية الإدارية أو اللامركزية أو من حيث تنظيم الوظيفة العامة.[3]
2- في مجال القرارات الإدارية: يعتبر القرار الإداري فضاءا مشتركا بين كل من القانون الإداري أو علم الإدارة العامة.[4] فنظرية القرار الإداري تعتبر من أهم نظريات القانون الإداري كيف وأنّ أهمية القرار الإداري امتدت إلى مجال المنازعات، فلو أخذنا على سبيل المثال قضاء الإلغاء نجده ينصب بالأساس على فكرة القرار الإداري اعتبارا من أن دعوى الإلغاء ستنصب عليه.[5]
كما أنّ للقرار الإداري أهمية على مستوى علم الإدارة العامة إذ لا يتصور أن تباشر الإدارة كهيكل سواء مركزي أو محلي أو مؤسسة لنشاطها دون اعتمادها على القرار الإداري كوسيلة تسيير وأداة تنظيم وإدارة. و رغم هذه الصلة والعلاقة، إلا أنّ الفرق يظل واضحا بين القانون الإداري و علم الإدارة فيما تعلق بالقرار الإداري. فالقانون الإداري يهتم بنظرية القرار الإداري من حيث مفهوم القرار الإداري و أركانه وآثاره، إبطاله و سحبه ومختلف طرق انتهاءه،[6] بينما علم الإدارة يهتم بمراحل اتخاذ القرار الإداري ومستوياته و المشاركة في القرار.
وعلى حد قول الدكتور محمد عبد الحميد أبو زيد ” فإنّ الإداري الناجح هو من يجمع بين دراسة علم الإدارة العامة و القانون الإداري حيث تمكنه دراسة هذا القانون من سرعة إنجاز الأعمال وإفراغها في الصورة السليمة من حيث الشكل أو الجوهر. كما يمكن للباحثين في مجال القانون الإداري الاستفادة مما تكشف عنه دراسات مادة الإدارة العامة من مبادئ تحكم تنظيم الإدارة العامة ونشاطها “.[7]
3- في مجال التنظيم: يهتم علم الإدارة المركزية من حيث تركيبها كما يهتم أيضا بالإدارة المحلية و المفاضلة بين نظام الانتخاب و التعيين ومزايا ومساوئ كل نظام. ويتكفل القانون الإداري بدراسة الهياكل الإدارية من الناحية القانونية. فيبيّن مثلا صلاحيات رئيس الجمهورية في المجال الإداري وصلاحيات الوزير والعلاقة بين الأجهزة المحلية المنتخبة وسلطة الوصاية و غيرها من المسائل القانونية.
ومن خلال ما تقدم يتضح لنا أنّ القانون الإداري يبحث في البناء القانوني للأنظمة الإدارية فهو يدرس تفسير النصوص وشروط تطبيق القواعد وإجراءاتها والحقوق و الالتزامات المترتبة عليها وصحة العقود و القرارات ونظرية الأشخاص.كما يتناول الاعتداءات التي تلحقها الإدارة بحريات الأفراد ومسؤولياتها المختلفة.
أمّا علم الإدارة باعتباره علما مستقلا عن القانون الإداري يهتم بالإدارة العامة من حيث تنظيمها الفنية و يتعرّض للأساليب الإدارية من جوانب عملية سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.
وإجمالا نقول أنّ الدراسة القانونية و الفنية تعتبران لازمتان وضروريتان لتقدّم الإدارة العامة تقدما سليما متكاملا. لأنّ القانون الإداري لا يبحث في كل المسائل وكذلك علم الإدارة.[8]
المطلب الثاني: علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى.
أولا: علاقة القانون الإداري بالقانون الدستوري.
يعتبر القانون الدستوري و القانون الإداري فرعان لأصل واحد هو القانون العام. بل إنّ العلاقة بينهما هي أعمق من ذلك بكثير لأنهما يعالجان مسألة واحدة هي السلطة التنفيذية مع تناول كل فرع لها من جهة معينة. فالقانون الدستوري يركز و يهتم بالسلطة التنفيذية كجهة حكومية و كسلطة دستورية والقانون الإداري يهتم بها كإدارة أي من الناحية الإدارية.[9]
ولا شك أنّ تنظيم الدستور لصلاحيات السلطة التنفيذية وإبراز هيئاتها القيادية يفرض تدخل القانون الإداري ليبين نشاط الهيئة التنفيذية لذلك قال بيرتلمي Berthelmey: “إن الدستور يبين كيف شيدت الآلة الحكومية أمّا القانون الإداري يبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم كل قطعة منها بوظيفتها”. وقال ديكروك Ducrocq: ” إنّ القانون الدستوري يقرّر المبادئ الأساسية للقانون العام في الدولة أي المبادئ الّتي تضمن للأفراد حقوقهم السياسية و المالية و الدينية و المدنية. أمّا القانون الإداري هو الّذي يضع هذه المبادئ موضع التنفيذ و يحدّد شروط تطبيقها. و بعبارة أخرى فإنّ القانون الدستوري يحتوي على عناوين وموضوعات القانون الإداري”.[10]
وقد ترتّب عن هذه العلاقة تعذر الفصل بين القانونين لاشتراكهما وتداخلهما في الكثير من الموضوعات لدرجة أنّ بعض الفقهاء ذهب إلى هدم كل محاولة للتفرقة بين القانونين لأنها تفرقة لا تشيد على صرح الحقيقة ولا تحتوي مدلولا قانونيا واضحا، ويظهر ذلك خاصة في انجلترا.[11]
ولقد تضمّن الدستور الجزائري لسنة 1996 الكثير من القواعد ذات العلاقة المباشرة بالقانون الإداري من ذلك نص المادة 15 الّتي أعلنت عن الجماعات الإقليمية للدولة و هي البلدية و الولاية.[12] و المادة 16 التي اعتبرت المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية ومكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية.[13] وصنفت المادة 17 الملكية العامة بأنها ملك المجموعة الوطنية وأعلنت عن مشتملاتها المتمثّلة في باطن الأرض و المناجم و المقالع و المواد الطبيعية للطاقة و الثروات الطبيعية و الحية في مختلف مناطق الأملاك الوطنية البحرية و المياه والغابات كما تشتمل النقل بالسكك الحديدية و النقل البحري و الجوي و البريد و المواصلات السلكية و اللاسلكية.[14]
وقسمت المادة 18 الأملاك إلى عمومية وخاصة لكل من الدولة و الولاية والبلدية وأحالت بشأن تسييرها للقانون.
أمّا المادة 20 فقد ثبتت سلطة من سلطات الإدارة هي سلطة النزع معترفة للمنزوع ملكيته بتعويض قبلي عادل ومنصف.[15] وأحالت هي الأخرى بخصوص ممارسة هذه السلطة للقانون.
وألحّت المادة 21 على الطابع العمومي للخدمة ومنعت أن يتخذ منها مصدرا للثراء[16] وحماية للمتعامل مع الإدارة أو الجمهور وعدت المادة 22 بمعاقبة كل متعسّف في استعمال السلطة على أن يتكفل القانون بتنظيم هذه المساءلة.
وأعلنت المادة 23 عن مبدأ جديد لا نجده في الدساتير الجزائرية الأخرى ألا وهو عدم تحيّز الإدارة على أن ينظم هذا المبدأ أيضا بموجب القانون.
وتبرز العلاقة بين القانون الدستوري و الإداري في مواد كثيرة أخرى من دستور 1996. فهذه المادة 29 أرست مبدأ مهما ألا وهو مبدأ المساواة أمام القانون[17] الّذي يتفرع عنه مبدأ المساواة أمام المرافق العامة وهو الآخر أحد أهم مبادئ القانون الإداري، الذي يفرض على الإدارة العامة ألا تميّز بين فئة المنتفعين من خدماتها سواء بناءا على المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أيّ شرط أو سبب آخر.
أمّا المادة 30 فخصصت للجنسية الجزائرية وأحالت بشأن أنواعها واكتسابها و فقدانها للقانون.[18] ومن البديهي أنّ الجنسية تعتبر أحد أهم شروط تقلّد الوظائف العامة أيا ما كانت طبيعة الوظيفة.[19]
وإذا كانت المادة 41 من الدستور قد أعلنت عن حرية التعبير وإنشاء الجمعيات و ممارسة حرية الاجتماع. فإنّ التمتّع بممارسة هذه الحريات يتوقف على ترخيص من الإدارة المختصة كصورة من صور أعمال الضبط الإداري.
وكذلك الحال بالنسبة للمادة 42 الّتي أعلنت عن حق إنشاء الأحزاب السياسية فانّ الإنشاء متوقف عن عمل إداري يتمثّل في قرار صادر عن وزير الدولة وزير الداخلية. [20]
واعترفت المادة 43 بحق إنشاء الجمعيات أو ما يسمى بالنشاط الجمعوي. ويفرض هذا الإنشاء تدخّل جهة الإدارة كجهة تنظيمية و ضبطية.
واعترفت المادة 44 لكل مواطن بأن يختار محل إقامته وبأنّ دخوله و خروجه من التراب الوطني مضمون و في كلا الوضعيتين إقامة أو خروجا يفرض القانون تدخل جهة الإدارة المعنية (بلدية، دائرة) بغرض الحصول على الوثائق المثبتة للوضعية و لممارسة حرية ما.
وضمن دائرة الحقوق السياسية أعلنت المادة 50 عن حق الترشيح والانتخاب. و من المؤكد أنّ ممارسة هذين الحقين يتطلب تدخل جهات إدارية كثيرة مركزية و محلية كرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الداخلية و الولايات والبلديات.
و صرحت المادة 51 بمبدأ المساواة في تقلد الوظائف العامة و حظرت التمييز أيا كان شكله مع إجازة وضع شروط قانونية لتقلد كل وظيفة حسب طبيعتها وحسب التصنيف و المهام. وكرست المادة 56 الحق النقابي وهو أيضا يمارس داخل الإدارات العمومية (مركزية، محلية، مرفقية).
كما كرست المادة 57 حق الإضراب وهو الآخر يمارس في مجال الإدارات العمومية كما يمارس في القطاع الخاص.
وجاءت المادة 77 محددة لسلطات و صلاحيات رئيس الجمهورية ومن بين الصلاحيات ذات الصلة بالقانون الإداري تعيينه لرئيس الحكومة وإنهاء مهامه. ورئاسته لمجلس الوزراء. فرئيس الجمهورية إلى جانب أنه شخصية سياسية فهو أيضا شخصية إدارية. و بناءا على هذه الصفة الأخيرة اعترفت له المادة 78 من الدستور بالتعيين في وظائف الدولة السامية، ويتعلّق الأمر بتعيين الوزراء و الأمناء العامين للوزارات و القضاة و الولاة…
ويمارس رئيس الحكومة وظائف إدارية كالتعيين في المناصب السامية في الدولة خارج نطاق التعيينات الرئاسية، وتوزيع المهام بين الوزراء ورئاسة مجلس الحكومة و هو ما حددته المادة 85 من الدستور.
واعترفت المواد 91 و 92 و 93 لرئيس الجمهورية بممارسة سلطة الضبط الإداري سواء في حالة الطوارئ أو الحصار أو الحالة الاستثنائية وهو ما سنفصل فيه عند التطرق لنشاط الضبط الإداري.
ومن هذا الكم الهائل من المواد الواردة في دستور 1996 ذات العلاقة بالمجال الإداري يتبين لنا مدى عمق الصلة بين القانون الإداري و القانون الدستوري. فلا يمكن بحال من الأحوال الفصل بينهما أو حتى محاولة إنكار هذه العلاقة الوطيدة.
ومع اختلاف قواعد و مجال اختصاص كل من القانون الدستوري و القانون الإداري، إلا أنّ العلاقة بينهما تظل قائمة لذلك قيل ” إنّ روح دراسة كل من القانون الدستوري و القانون الإداري في دولة ما تعتبر واحدة حتى يمكن تشبيه القانون الدستوري بأنه الصوت و القانون الإداري هو الصدى”.[21] وقيل أيضا أنّ الوظيفة العامة بذاتها وعن طريق الموظفين هي الأداة التي تسوس الحريات بجميع صورها و شتى مظاهرها الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية.[22]
ثانيا: علاقة القانون الإداري بالقانون المدني وقانون الأسرة.
مما لا شك فيه أنّ القانون المدني يعتبر من أقدم فروع القانون، وأنّ قواعده تعد بمثابة شريعة عامة فيما يحكم روابط وعلاقات الأفراد خاصة في الجانب المالي و في مختلف أوجه التصرف سواء بالبيع أو الإيجار أو الرهن…
إنّ أبرز ميزة للقانون المدني أنه قانون المساواة و التوازن فهو ينظر لأطراف العلاقة القانونية نظرة واحدة و لا يفاضل بين مصلحة وأخرى، أو أن يزود متعاقد بسلطة حيال المتعاقد الآخر.
أمّا في مجال القانون الإداري فان العلاقة أو المراكز القانونية ينظر إليها بشكل مختلف تماما عما هو سائد في القانون المدني. فالإدارة باعتبارها طرفا في علاقة ما تحظى بمركز متميز و تمارس بموجبه جملة من السلطات تجاه الأفراد فهي تصدر القرارات الإدارية بإرادتها المنفردة ودون مشاركة الأفراد المعنيين بالقرار، بل وحتى دون رضاهم، ومع ذلك يلزم هؤلاء بتنفيذ هذا القرار و لا يجوز لهم التصدي تجاهه وإلا خضعوا للعقوبة الّتي حددها القانون.[23]
كما أنّ الإدارة في مجال التعاقد لا تخضع لما هو سائد في القانون المدني بأنّ العقد شريعة المتعاقدين، بل يجوز لها من منطلق أنها سلطة عامة أن تعدل العقد الإداري بإرادتها المنفردة.ومن سلطتها أيضا أن توقع الجزاء المالي على المتعاقد معها دون حاجة للجوء للقضاء. و يجوز لها أن تفسخ العقد بإرادتها المنفردة دون أدنى داع لرفع دعوى الفسخ.
و تملك الإدارة أدوات ضغط كثيرة تجاه المتعاقد معها منها و سيلة التنفيذ الفوري لمضمون عقد التوريد على حساب المتعاقد مع الإدارة و هذا في حالة إخلال بالتنفيذ.[24] وهذه الأحكام في مجموعها لا مثيل لها على صعيد القانون المدني وهي الّتي تضفي على القانون الإداري طابعا خاصا و مميزا كيف لا وقد أطلق على قواعده بالاستثنائية وغير المألوفة.
وينبغي الإشارة أنّ قواعد القانون الإداري بدأت تظهر للوجود بعد أن وصل الفقه إلى تحديد مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها مع قناعته أنّ القواعد التي تخضع لها ليست هي قواعد القانون المدني، بل قواعد بديلة تراعي مركز الإدارة و خصوصيتها.[25] ورغم استقلالية القانون الإداري عن القانون المدني على نحو تقدم شرحه و بيانه، إلا أنّ العلاقة بينهما قائمة ولا يمكن هي الأخرى إنكارها بأي حال من الأحوال.
ومن أبرز صور العلاقة أنّ القانون المدني هو من يعلن عن الوجود المدني وعن الشخصية القانونية لأهم الجهات الإدارية كالدولة و الولاية و البلدية و المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري فهذه المادة 49 (تعديل 2005) اعترفت بالشخصية الاعتبارية لكل هذه الجهات المذكورة حتى تمكنها من مزاولة نشاطها و القيام بوظيفتها ويتم بموجب هذه الشخصية الاعتبارية الاعتراف لها بذمة مالية مستقلة وبأهلية التعاقد وبأهلية التقاضي و بنائب يعبر عن إرادتها و بموطن وهو ما ذكرته المادة 50 من القانون المدني.
ولا يتصور أبدا أن تمكن الجهة الإدارية سواء كانت مركزية أو محلية أو مرفقيه من القيام بوظيفتها و تلبية حاجات الأفراد دون توظيف وإعمال عناصر الشخصية الاعتبارية الواردة في القانون المدني.
واعترفت المادة 52 (تعديل 2005) لوزير المالية بأن يمثل الدولة في حالة المشاركة المباشرة في العلاقات التابعة للقانون المدني. ولم يكتف القانون المدني بإضفاء الطابع المدني لأشخاص القانون الإداري بل إلى جانب ذلك كفل حماية مدنية للأموال العامة بموجب المادة 689 منه، فلم تجز التصرف فيها أو حجزها أو تملكها بطريق التقادم وهذا بغرض المحافظة عليها من الزوال.[26] إذ بغير هذه المادة لصار من الممكن الحجز على الممتلكات العامة المستخدمة لأداء النشاط الإداري من قبل القائم بالتنفيذ بما يشل يد الإدارة في تلبية الخدمة العامة وهو ما ينعكس سلبا على المنتفعين من خدمات المرفق العام. وبغير هذه المادة (689) من القانون المدني لصار جائزا التصرف في الأموال العامة بما يؤدي في النهاية إلى ضعف الوسائل المسخرة للإدارة لتلبية الخدمة العامة.
إن بسط الحماية المدنية الثلاثية من عدم جواز التصرف وعدم جواز الحجز وعدم جواز التملك بطريق التقادم يؤدي في النهاية إلى المحافظة على المال العام المملوك للمجموعة الوطنية.
وتضمنت قواعد القانون المدني أحكام المسؤولية في مجال الوظيفة العامة، فهذه المادة 129 (تعديل 2005) أقرّت بصراحة عدم مسؤولية الموظف العام الشخصية عن أفعاله التي تحدث ضررا بالغير إذا ثبت أن قيامه بها كان نتيجة تنفيذه لأوامره سلمية صدرت إليه.
وليس هناك أي مانع أمام القاضي الإداري أن يتبنى قواعد المسؤولية الشخصية أو المسؤولية عن الأشياء الواردة في القانون المدني. إنّ العلاقة بين فروع القانون الخاص و القانون الإداري لا تتوقف عند العلاقة بين القانون الإداري و المدني بل تمتد لفروع أخرى كقانون الأسرة. إذ أنّ القاضي الإداري قد يطبق على النزاع المعروض عليه أحكام و قواعد قانون الأسرة.
وكمثال تطبيقي القرار الصادر عن الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا بتاريخ 1997.01.05 قضية م.م ضد مديرية التربية لولاية البويرة الملف رقم 131778[27] أين طبق القاضي الإداري أحكام الكفالة الواردة في القانون المدني. وكذلك قرار المحكمة العليا في غرفتها الإدارية بتاريخ 19.01. 97 الملف رقم 116191 قضية ورثة ح.أ ضدّ رئيس المجلس الشعبي البلدي لعين العصافير ولاية باتنة إذا طبق القاضي الإداري على النزاع المعروض عليه أحكام الهبة الواردة في قانون الأسرة،[28].وكثيرة هي القضايا التي طبق عليها القضاء الإداري قاعد القانون الخاص. [29]
واعترفت المادة 677 من القانون المدني للإدارة في الحالات الّتي حدّدها القانون وضمن شروطه وكيفياته بنزع الملكية العقارية مقابل تعويض عادل ومنصف و في حالة الاختلاف بشأن مبلغ التعويض جاز اللجوء للقضاء لتحديده.
كما اعترفت المادة 679 من ذات القانون للإدارة أن تمارس سلطة الاستيلاء.[30]. وبينت المادة 680 الجهة الإدارية الممارسة لهذه السلطة وحددها كأصل عام بوالي الولاية أو أي جهة أخرى مؤهلة قانونا.
ثالثا: علاقة القانون الإداري بالقانون الجنائي.
قد يبدو لأول وهلة أن لا علاقة للقانون الإداري بالقانون الجنائي اعتبارا من أنّ الأول قانون سلمي لا يهتم بالسلوك الجرمي أيا ما كانت درجة خطورته، بينما الثاني يهتم بظاهرة الجريمة و يحدد لها عقابا مناسبا. غير أنّ مثل هذا التصور
و الحكم يتبدّد إذا ما وضعنا بعين الاعتبار أنّ ظاهرة الجريمة موجودة في كل محيط بشري. وليس المحيط الإداري ببعيد عن ظاهرة الجريمة. بما ينبغي معه أن يتعرض مقترف الفعل الإجرامي للعقوبة التي يحددها القانون.
ورجوعا لقانون العقوبات الجزائري ولنص المادة 144 (القانون رقم 01/09المؤرخ في 26 جوان 2001) نجدها قد حددت عقوبة تتراوح من شهرين إلى سنتين و بغرامة من 1.000 دج إلى 500.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من أهان قاضيا أو موظفا عموميا أو قائدا، أو أحد رجال القوة العمومية بالقول أو الإشارة أو التهديد أو بإرسال أو تسليم أي شيء إليهم بالكتابة أو الرسم غير العلنيين أثناء تأدية وظائفهم أو بمناسبة تأديتها وذلك بقصد المساس بشرفهم أو باعتبارهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم.
وشددت المادة 148 في العقوبة من سنتين إلى 5 سنوات إذا حدث الاعتداء بالعنف أو القوة. كما وضعت المادة 155 عقوبة لمن يبادر إلى كسر أختام السلطة العمومية تتراوح من 6 أشهر إلى 3 سنوات. وكفلت المادة 158 لسجلات السلطات العمومية و عقودها و سنداتها حماية خاصة ضد الاعتداء عليها محددة عقوبة لهذا الفعل من 5 إلى 10 سنوات.
وجرّمت المادة 175 فعل التعرض لحرية المزايدات و المناقصات ووضعت لها عقوبة تتراوح من شهرين إلى 6 أشهر و بغرامة من 500 إلى0 200.00 دج.
وبينت المادة 183 جريمة العصيان باعتبارها شكلا من أشكال الهجوم على الموظفين أو ممثلي السلطة العمومية عندما يقومون بتنفيذ الأوامر و القوانين واللوائح. وحددت المادة 184 عقوبة للفاعل من 3 أشهر إلى سنتين و بغرامة من 500 إلى 1000 أو بإحدى هاتين العقوبتين. و شددت المادة 185 في العقوبة إلى ثلاثة سنوات في حدها الأقصى إذا وقع العصيان لأكثر من شخصين.
وحددت المادة 205 و 206 عقوبة من 5 سنوات إلى 20 سنة لكل من قلد أو زور طابعا وطنيا (ختما) أو دمغة أيا كانت المادة المستعملة. وجرمت المادة 214 فعل التزوير في المحررات العمومية أو الرسمية محددة أقصى عقوبة لها تتمثل في السجن المؤبد إذا وقعت من جانب الموظف وهذا إما بوضع توقيعات مزورة أو بإحداث تغيير في المحررات أو الخطوط أو بالكتابة في السجلات و غيرها من أشكال التزوير.
أمّا المادة 222 من قانون العقوبات فقد جرمت هي الأخرى فعل التزوير في الوثائق و الشهادات ووضعت لها عقوبة تترواح من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 1500 دج إلى 15000 دج. كما جرّمت المادة نفسها استعمال المزور مع تبيانها لصور هذا الاستعمال.
وجرمت المادة 223 فعل الحصول على وثائق إدارية بتصريحات كاذبة كالايصالات وجواز السفر و غيرها ووضعت لها عقوبة من 3 أشهر الى 3 سنوات و غرامة من 500 إلى 5000 دج.
وبيّنت المادة 242 من نفس القانون جريمة انتحال الوظائف العمومية ووحدت لها عقوبة من سنة إلى 5 سنوات. كما بينت المادة 244 أشكال الانتحال.
وكفلت المادة 301 من قانون العقوبات حماية خاصة لأسرار الوظيفة وجرمت الموظف في حال إفشاء هذه الأسرار ووضعت عقوبة لهذا الفعل تتراوح من شهر إلى 6 أشهر. وبينت المادة 350 من نفس القانون العقوبة المقررة لفعل السرقة وهذا بشكل عام ينطبق وصفه في المجال الإداري.
أمّا المادة 444 فقد كفلت حماية للطريق العام حتى لا يتأثر الجمهور في استعماله. وجرمت فعل وضع أو ترك مواد أو أشياء في الطريق العام محددة عقوبة الغرامة من 100 إلى 1000 دج. وجرمت المادة 453 فعل مخالفة اللوائح التنظيمية وحددت له عقوبة من 50 إلى 200 دج.
كما جرمت المادة 459 فعل مخالفة المراسيم و القرارات المتخذة قانونا من جانب السلطة الإدارية وان كانت قد وضعت لها عقوبة لا تنسجم مع درجة المخالفة وحددتها بما لا يزيد عن 3 أيام حبس.
وبالرجوع للقانون رقم 06 -01 المؤرخ في 20 فبراير 2006 المتعلّق بالوقاية من الفساد ومكافحته نجد المادة 6 منه ألزمت كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأعضائها و الولاة و غيرهم[31] بالتصريح خلال الشهرين الموالية للانتخاب أو التعيين وهذا أمام الرئيس الأول للمحكمة العليا. وهؤلاء الأشخاص المشمولين بالمادة السادسة من القانون المذكور هم يمارسون مهاما إدارية. وجاءت المادة 9 من ذات القانون لترسي المبادئ الأساسية لإبرام الصفقات العمومية كمبدأ علانية المعلومات المتعلقة بالصفقة و مبدأ الشفافية ومبدأ المنافسة الشريفة المبنية على أسس ومعايير موضوعية.
و اعترفت نفس المادة بحق الطعن بالنسبة لكل مترشح في حال عدم احترام الإدارة لقواعد إبرام الصفقة العمومية.
وبينت المادة 11 من القانون 06-01 مظاهر الشفافية في التعامل مع الجمهور من الحصول على المعلومات تتعلق بتنظيم الإدارة و سيرها. وتبسيط هذه الإجراءات وبنشر المعلومات والرد على العرائض و الشكاوي و تسبيب القرارات الإدارية و تبيان طرق الطعن فيها.
وجرمت المادة 25 منه فعل الرشوة ووضعت عقوبة له تراوحت بين سنتين إلى عشر سنوات و بغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.
كما جرّمت المادة 26 فعل الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية ووضعت له ذات العقوبة. وجرم المشرّع فعل الرشوة في مجال الصفقات ووضع له عقوبة تتراوح من 10 إلى 20 سنة و بغرامة من 1.000.000 دج إلى 2.000.000 دج وهذا ما أعلنت عنه المادة 27 من نفس القانون.
أمّا المادة 29 فقد جرمت فعل اختلاس الممتلكات من قبل الموظف أو استعمالها على نحو غير شرعي ووضعت لها عقوبة تتراوح من سنتين إلى عشر سنوات و غرامة من 200.000 إلى 1.000.000 دج. وذات العقوبة قررت لجريمة الغدر المرتكبة من قبل الموظف العام حين يقبل على تلقي أو اشتراط أو أن يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء سواء لنفسه أو لصالح الإدارة أو لصالح الأطراف، وهذا ما ورد صراحة في نص المادة 30 من القانون المذكور.
وجرمت المادة 31 فعل التخفيض الغير قانوني للضريبة و الرسم الذي يقبل عليه موظف إدارة الضرائب وحددت له العقوبة من 5 إلى 10 سنوات و غرامة من 500.000 دج إلى 1.000.000 دج.
أما المادة 32 فقد جرمت فعل استغلال النفوذ من جانب الموظف ووضعت لهذه الجريمة عقوبة تتراوح من سنتين إلى 10 سنوات و بغرامة من 200.000دج إلى 1.000.000 دج.
وجرّمت نصوص كثيرة أفعالا لها علاقة بممارسة الوظيفة العامة من ذلك جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية موضوع المادة 35 من القانون 01/06. والثراء غير المشروع موضوع المادة 37، وتلقى الهدايا موضوع المادة 38.
ومن هذا الكم الهائل من النصوص سواء المقرّرة في قانون العقوبات الجزائري أو في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته نستنتج مدى عمق العلاقة بين القانون الإداري و القانون الجنائي. فالقواعد الجزائية أيا كانت منظومتها القانونية متى تعلقت بمجال الإدارة العامة فهي مسخرة لاشك لحماية الموظف من الغير، وحمايته من نفسه، حتى لا يقبل على ارتكاب أفعالا جزائية مستغلا في ذلك صفته الوظيفية. كما أنّ هذه القواعد الجزائية تحمي أموال الإدارة وممتلكاتها من كل فعل أو سلوك يؤدي إلى اختلاسها أو تبديدها أو نقل الانتفاع بها إلى الغير من غير مبرر أو مسوغ من القانون، لذلك ظهرت تسمية أخرى لفرع جديد من القانون هو القانون الجنائي الإداري.
ملاحظة قواعد قانون العقوبات في الدول العربية متشابهة يمكن الاستشهاد بأي قانون
رابعا: علاقة القانون الإداري بقانون الإجراءات المدنية والإدارية.
للقانون الإداري وثيق الصلة بقانون الإجراءات المدنية هذا الأخير الذي نظمت قواعده الدعوى أمام القضاء من حيث شروطها وقواعد الاختصاص (النوعي و المحلي) و سيرها وأدلة الإثبات وإصدار الأحكام وتنفيذها وطرق الطعن فيها.
وطالما كانت الإدارة غير بعيدة عن النزاع إذا الغالب أنها طرف مدعى عليه، فهي معنية هي الأخرى بالخضوع لقانون الإجراءات المدنية الصادر كمرحلة أولى بموجب الأمر 66-154 المؤرخ 8 جوان 1966 المعدل و المتمم. وكمرحلة ثانية بموجب القانون08/09. المؤرخ في 25 فبراير2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
وبالعودة للأحكام المقرّرة في هذا القانون نجد المادة 7 من قانون الإجراءات الأول مثلا بينت الاختصاص النوعي للمجالس القضائية[32] فاصلة بين الاختصاص الغرف الجهوية و الغرف المحلية.[33] فعقدت الاختصاص بالنظر في دعوى الإلغاء ودعوى التفسير ودعوى فحص المشروعية الخاصة بالقرارات الصادرة عن الولايات (هكذا إطلاقا) للغرف الجهوية الخمس وهي: الجزائر ووهران و بشار و قسنطينة وورقلة. أمّا الغرف المحلية الموجودة إلى حد الآن على مستوى 35 مجلسا قضائيا فتختص بالنظر في دعاوى الإلغاء ودعاوى التفسير ودعاوى فحص المشروعية الموجهة ضد القرارات الصادرة عن رؤساء المجالس الشعبية البلدية وعن المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية. كما تختص بالنظر في دعاوى المسؤولية المدنية للدولة و الولاية و البلدية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية و الرامية لطلب التعويض.[34]ورسمت المواد من800الى 806 من القانون الجديد الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية وكذلك الاختصاص الإقليمي.
وتبرز العلاقة في القانون الإداري بقانون الإجراءات المدنية والإدارية من حيث أنّ هذا الأخير هو الذي يبيّن تشكيلة المحكمة الإدارية و سلطة القاضي الإداري، و سير الجلسات وإجراءات المنازعة الإدارية وأدلة الإثبات وإصدار الأحكام في المادة الإدارية والطعن فيها. وكذلك يبين قانون الإجراءات المدنية الأصول الإجرائية لتنفيذ الأحكام القضائية. وجدير بالإشارة أنّ القانون 98-01 أحال بخصوص الإجراءات لقانون الإجراءات المدنية و هذا ما نصت عليه المادة 40 منه. كما أنّ القانون 98-02 كرس هو الأخر هذه الإحالة بموجب المادة 2 منه بما يؤكد أنّ قانون الإجراءات المدنية في الجزائر و حتىّ اليوم هو القانون العام في المادة الإجرائية.
خامسا: علاقة القانون الإداري بالقانون الدولي العام.
إن العلاقة بين القانون الإداري و القانون الدولي العام تبرز من خلال اهتمام كلا القانونين بالدولة كأحد أهم أشخاص القانون العام. غير أنّ مجال اهتمام القانون الإداري بها ينحصر بالأساس في النّشاط الداخلي ذو الطبيعة الخاصة أي الدولة باعتبارها صاحبة السيادة و السلطان، لا الدولة باعتبارها شخصا من أشخاص القانون الخاص.
بينما يهتم القانون الدولي العام بنشاط الدولة الخارجي مع بقية الدول في المجتمع الدولي وكذلك في علاقتها مع المنظمات الدولية، فكأنما القانونين ينظمان نشاط شخص معنوي عام واحد هو الدولة، لكن ضمن مجالين مختلفين، مجال للنشاط الداخلي تكفل به القانون الإداري. ومجال للنشاط الخارجي تكفل بتنظيمه القانون الدولي العام. ورغم التباعد في المجال، بل في طبيعة القواعد، إلا أنّ العلاقة بين القانون الإداري و القانون الدولي العام تظل قائمة لا يمكن إنكارها، ذلك أنّه لو نظرنا لمجال المنازعات الإدارية فانّه للإمكان أن نتصور أنّ القاضي الإداري كما يطبق نصا داخليا كقانون الوظيفة العامة أو قانون نزع الملكية أو القوانين العقارية أو قانون المالية قد يطبق نص معاهدة دولية على النزاع المعروض عليه إذا كانت الجزائر طرفا فيها ولقيت مصادقة من الجهات المخولة قانونا و تعلقت قواعدها بالنزاع الإداري المعروض على القاضي.
ويعود تأسيس إلزام القاضي الإداري بتطبيق نص المعاهدة إلى المادة 132 من الدستور و التي جعلت للمعاهدة المصادق عليهما من قبل رئيس الجمهورية بعد عرضها على البرلمان مرتبة ومركزا يعلوا القانون. فإذا كان القاضي الإداري ملزم بتطبيق القانون، فانّ إلزامه بتطبيق نص المعاهدة يكون من باب أولى اعتبارا من أنّ المعاهدة تعلو القانون.
فلو تصورنا أنّ نص المعاهدة تعلّق بحماية الموظف العام في مجال المساءلة التأديبية وكرّست المعاهدة إجراءا جديدا عندها يلزم القاضي الإداري بتطبيق هذا النّص اعتبارا أنه يعلو التشريع الداخلي.
وليس القاضي الإداري وحده من يطبق نصوص المعاهدة بل القاضي التجاري و القاضي العمالي و القاضي الشخصي و القاضي البحري و غير هؤلاء من القضاة متى كانت الواقعة المعروضة على القاضي مشمولة بنص المعاهدة، وإلا فما الفائدة أن يصادق رئيس الجمهورية على المعاهدة بعد عرضها على البرلمان ولا تنفذ من قبل الجهات المعنية و منها القضاء.
ونظرا للعلاقة الكبيرة بين القانون الإداري و القانون الدولي العام ظهر إلى حيز الوجود فرعا جديدا من فروع القانون هو القانون الدولي الإداري خاصة وأنّ المجتمع الدولي يسير بخطى ثابتة من أجل توحيد التشريعات في المجال الواحد ومنه الإداري.
وتتجلى لنا تطبيقات القضاء الإداري الجزائري للنصوص الدولية و الخارجية من خلال قرار مجلس الدولة الغرفة الخامسة ملف رقم 002111 بتاريخ 08-05-2000 قضية يونين بنك ضد محافظ نبك الجزائر،[35] و تتلخص وقائع هذه القضية أنّ اللجنة المصرفية ببنك الجزائر رفضت توكيل المحامية الفرنسية المسماة جوال موسار مسجلة بنقابة المحامين لباريس بحجة أنها لم تقدّم رخصة لممارسة نشاط الدفاع بالجزائر مسلّمة من قبل نقيب المحامين وفق ما تنص على ذلك المادة 6 من القانون 04.91 المؤرخ في 1991.01.08 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة، غير أنّ هيئة الدفاع ليونين بنك تمسكت بتطبيق المادة 16 من البروتوكول القضائي المبرم بين الجزائر و فرنسا بتاريخ 1962.08.28 والذي يعفي المحامي الفرنسي من تقديم رخصة للمرافعة أمام الجهات القضائية الجزائرية و يلزم فقط باختيار مقر محامي. وقد قامت المحامية الفرنسية باختيار مقر محامي هو الأستاذ عبلاوي و بالتالي احترمت سائر الإجراءات المنصوص عليها في البروتوكول القضائي. وعليه انتهى مجلس الدولة إلى إبطال القرار المطعون فيه.[36]
سادسا: علاقة القانون الإداري بالقانون المالي.
يهتم القانون المالي أو علم المالية العامة كما يطلق عليه بجوانب النشاط المالي للدولة سواء تعلّق هذا النشاط بالنّفقات العامة للدولة أو بإيراداتها العامة أو بميزانيتها من أجل الوصول إلى إشباع الحاجات العامة.[37]
ومن هنا تبدو العلاقة قائمة بين القانون المالي و القانون الإداري، فالأجهزة الإدارية المختلفة سواء مركزية (الوزارات) أو المحلية (الولايات و البلديات) أو المرفقية (المؤسسات العمومية الإدارية) و غيرها من الهيئات، تحتاج لممارسة نشاطها لنفقات عامة تمكنها من أداء مهامها المختلفة بهدف إشباع حاجات الأفراد و القيام بأعباء السلطة العامة.
من أجل ذلك يقف سنويا أمام البرلمان مختلف الوزراء بغرض الحصول على الإعتمادات المالية لقطاعاتهم وهذا تطبيقا للمادة 122 من الدستور الفقرة 12.
إنّ العلاقة الوطيدة بين القانون المالي و القانون الإداري تتضح من خلال اهتمام القانون الإداري بالمال العام والمال الخاص المملوك للدولة و هيئاتها المختلفة. كما يهتم بنزع الملكية و هو محور أيضا يلقى اهتماما لدى المختصين في العلوم المالية عند البحث خاصة في جانب الإيرادات.[38]
كما أنّ العلاقة تبرز أيضا من خلال منازعات الضرائب فهي تصنف في النظام القضائي الجزائري على أنها منازعات إدارية يؤول الاختصاص بالنظر فيها للقاضي الإداري.[39]
ولقد نجم عن هذه العلاقة الكبيرة و الوثيقة بين القانون الإداري و القانون المالي أنّ بعض المختصين في القانون سواء في فرنسا أو الجزائر أو مصر ساهموا في إصدار مؤلفات في المالية العامة.[40].
وتبرز العلاقة بين القانون الإداري و القانون المالي أن تنفيذ الأحكام الإدارية فيما يتعلق بالجانب المالي منها تنفذ عن طريق الخزينة العامة وهذا طبقا للقانون 02/91 المؤرخ في 8 جانفي 1991. حيث يلزم من صدر الحكم لصالحه ضد إدارة عمومية بإيداع نسخة تنفيذية من الحكم وكل الوثائق و المستندات التي تثبت بأن جميع المساعي لتنفيذ الحكم بقيت دون جدوى لمدة شهرين. وعندها يقوم أمين الخزينة تلقائيا بالأمر بسحب المبلغ من حساب الهيئة المحكوم عليها لصالح الطرف الدائن.
وانطلاقا من هذا الدور ساهمت الخزينة العمومية وهي جهاز تابع وصائيا لوزارة المالية بتنفيذ الأحكام في المادة الإدارية بما يؤكد العلاقة بين القانون الإداري و القانون المالي.
————-
[1] د / ماجد راغب الحلو، علم الإدارة العامة، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة،دون تاريخ، ص 23.
– د/ سليمان محمد الطماوي، الوجيز في الإدارة العامة، القاهرة، دار الفكر العربي، 1976، ص 5.
– د/ محمد عبد الحميد أبو زيد المرجع السابق، ص 38.
[2] الدكتور إبراهيم عبد العزيز شيحا، مبادئ وأحكام القانون الإداري، بيروت الدار الجامعية، 1994، ص 38.
[3] أنظر الدكتور ثروت بدوي، المرجع السابق ص 42.
[4] أنظر الدكتور عمار بوحوش، الاتجاهات الحديثة في علم الإدارة، الشركة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984، ص 109.
وأيضا: الدكتور عادل حسن و الدكتور مصطفى زهير، الإدارة العامة، دار النهضة، بيروت، 1978، ص 44.
[5] لتفصيل أكثر راجع الدكتور محمد الصغير بعلي القضاء الإداري دعوى الإلغاء دار العلوم، عنابة، الجزائر، 2007، ص 71 وما بعدها.
[6] لتفصيل الخلايا الجزئية لنظرية القرار الإداري راجع الدكتور عمار بوضياف، القرار الإداري، المرجع السابق، ص 13 وما بعدها
[7] أنظر الدكتور محمد عبد الحميد أبو زيد، المرجع السابق ص 39.
[8] أنظر الدكتور راغب ماجد الحلو، المرجع السابق، ص 59.
[9] أنظر الدكتور سليمان محمد الطماوي، مبادئ القانون الإداري دراسة مقارنة، القاهرة دار الفكر العربي، ص 47.
[10] أنظر الدكتور مصطفى أبوزيد فهمي، القانون الإداري بيروت، الدار الجامعية، 1993، ص8.
[11] أنظر الدكتور محمد عبد الحميد أبو زيد، المرجع السابق، ص33.
[12] وردت في دستور 1989 بنفس الرقم أي 15.
[13] وردت في دستور 1989 هي الأخرى بنفس الرقم أي 16.
[14] وهو نفس الرقم الوارد في دستور 1989.
[15] نفس الرقم ورد في دستور 1989.
[16] وهو نفس ما أشارت إليه المادة 21 من دستور 1989.
.1 المادة نفسها موجودة في دستور 1989 تحت رقم 29
[18] أنظر الأمر 70-86 المؤرخ في 15 ديسمبر 1970 المتضمن قانون الجنسية الجزائرية المعدل و المتمم بالأمر 05.01. المؤرخ في 27 فبراير 2005.
[19] أنظر المادة 75 من الأمر 06.03 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العامة.
[20] أنظر الأمر رقم 97- 09 المؤرخ في 6 مارس 1997 المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية لاسيما نص المادة 22 منه.
[21] الدكتور محمد أنس قاسم، ديمقراطية الإدارة المحلية الليبرالية و الاشتراكية، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، ص5.
[22] الدكتور محمد حماد شطا، فلسفة الوظيفة العامة، محاضرات مطبوعة ألقيت على طلبة الماجستير، معهد العلوم القانونية و الإدارية بجامعة الجزائر، 1986، ص2.
[23] تسمى هذه بالصيغة التنفيذية للقرار الإداري راجع الدكتور عمار بوضياف القرار الإداري، المرجع السابق ص، 45 وما بعدها.
[24] لتفصيل أكثر راجع الدكتور عمار بوضياف الصفقات العمومية في الجزائر، المرجع السابق، ص.162
[25] أنظر الدكتور سليمان محمد الطماوي، الوجيز في القانون الإداري مصر، مطبعة عين شمس، 1986، ص 17.
[26] لتفصيل أكثر راجع الدكتور إبراهيم عبد العزيز شيحا، أصول القانون الإداري، أموال الإدارة العامة وامتيازاتها دراسة مقارنة، منشأ المعارف، الإسكندرية، 1991، ص 156 وما بعدها. وراجع أيضا:
– قرار المحكمة العليا، الغرفة الإدارية بتاريخ 21-10-1990، الملف رقم 73271 المجلة القضائية العدد الأول، 1992، ص 143.
– قرار المحكمة العليا، الغرفة الإدارية بتاريخ 07-04-1990، الملف 64745، المجلة القضائية، العدد الرابع، 1991، ص 235.
[27] أنظر القرار أعلاه منشور في المجلة القضائية العدد الأول 1997، ص 108.
[28] أنظر القرار أعلاه منشور بالمجلة القضائية، العدد الثاني 1997، ص 144.
[29] أنظر على سبيل المثال قرار المحكمة العليا الغرفة الإدارية الصادر بتاريخ 12- 01- 1985 المجلة القضائية العدد الرابع 1989 ص 231.
ولتفصيل أكثر بخصوص العلاقة بين المسؤولية الإدارية و المسؤولية المدنية راجع الدكتور عمار عوابدي، المسؤولية الإدارية، الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية، ص 77 وما بعدها. وللإطلاع على قرارات قضائية في المادة الإدارية تم تأسيسها بناء على قواعد القانون المدني (مسؤولية المتبوع عن عمل../.. التابع) راجع لحسين بن شيخ آث ملويا، دروس في المسؤولية الإدارية، المرجع السابق، الكتاب الثاني، ص 39.
[30] أبدى الأستاذ لحسين بن شيخ آث ملويا انتقادا لمصطلح استيلاء Emprise مستبدلا اياه بمصطلح تسخيرهRéquisition لأن الاستيلاء يوحي بأن العمل غير مشروع في حين التسخيرة مشروعة.
أنظر مؤلفة دروس في المسؤولية الإدارية، المرجع السابق، الكتاب الثاني، ص10.
[31] ذكر نص المادة 6 من القانون أعلاه فئات أخرى كأعضاء البرلمان ورئيس المجلس الدستوري وأعضاءه ورئيس مجلس المحاسبة ومحافظ بنك الجزائر، والسفراء و القناصلة.
[32] أنظر قرار مجلس الدولة بتاريخ 01/07/2003، الغرفة الثالثة، ملف رقم 010238، ق ص ضد والي تيسمسيلت، مجلة مجلس الدولة، العدد 4، 2003، ص 103.
[33] كانت المادة 7 أكثر المواد في قانون الإجراءات المدنية تعديلا حتى أن الأستاذ الدكتور أحمد محيو أطلق عليها بتقلبات المادة 7، راجع مؤلفه المنازعات الإدارية، ترجمة فايز أنجق وبيوض خالد، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1992، ص 94.
[34] لتفصيل أكثر راجع:
– الدكتور عمار بوضياف، النظام القضائي الجزائري، المرجع السابق، ص 283 ومابعدها.
– الأستاذ بودريوة عبد الكريم، القضاء الإداري في الجزائر الواقع و الأفاق مجلة مجلس الدولة، العدد 6 2005، ص9.
– الدكتور عمار بوضياف، توزيع قواعد الاختصاص القضائي بين مجلس الدولة و المحاكم الإدارية في التشريع الجزائري مجلة تواصل، جامعة عنابة، عدد 17، 2006، ص 182 وما بعدها.
– الدكتور عمار بوضياف المحاكم الإدارية في القانون الجزائري، مجلة مجلس الدولة العدد 5، 2004 ص 65.
– الدكتور محمد الصغير بعلي، القضاء الإداري مجلس الدولة، دار العلوم عنابة الجزائر، 2004، ص 27 وما بعدها.
– الدكتور، محمد الصغير بعلي، المحاكم الإدارية، دار العلوم عنابة الجزائر، 2005، ص 29 وما بعدها.
[35] أنظر المجلة القضائية العدد 6، 2005، ص 68.
[36] ولقد سبق للمحكمة العليا في قرارلها صدر بتاريخ 2002.12.11 أن طبقت أحكام المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الثقافية و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و بالتالي رفضت سجن أي إنسان بمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي. خاصة و قد ثبت انضمام الجزائر إلى تلك الاتفاقية بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89 -08 المؤرخ في 25 أفريل 1989 وبموجب المرسوم الرئاسي رقم 89- 67 المؤرخ في 16 ماي 89 المتعلّق أنظر القرار المذكور المجلة القضائية، العدد الأول 2003، ص 201.
[37] أنظر الدكتور حسين مصطفى حسين، المالية العامة، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1985، ص4.
[38] لتفصيل أكثر راجع أعمر يحياوي نظرية المال العام، دار هومة االجزائر، 2002، ص 17 وما بعدها.
[39] لتفصيل أكثر و للإطلاع على بعض القرارات الصادرة عن مجلس الدولة الجزائري في المادة الضريبية راجع مجلة مجلس الدولة عدد خاص بالمنازعات الضريبية، 2003، ص 63 وما بعدها وكذلك العدد7 من نفس المجلة، ص 102.
[40] نأخذ على سبيل المثال في الجزائر أستاذنا الدكتور محمد الصغير بعلي في مؤلفه المالية العامة، و في مصر أستاذنا حسين مصطفى حسين في مطبوعته المالية العامة و في فرنسا: M.Duverger (Les institution financières
اترك تعليقاً