محل الحق:
المواد (22 – 29):
وتنص المادة (22) من المشروع على أن الأشياء المتقومة هي وحدها التي تصلح محلاً للحقوق المادية. والأشياء المتقومة هي الأشياء التي لا تخرج عن التعامل بطبيعتها أو بحكم القانون. فلا تكون محلاً للحق الأشياء التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها كالشمس والهواء، أو تلك لا يجيز القانون التعامل فيها كالخمر والخنزير والحشيش والأفيون، وكذلك الأشياء العامة، ولا يغير من هذا الوصف لتلك الأشياء إجازة نوع معين من التعامل فيها كبيع الأفيون لأغراض طبية وإعطاء رخص للانتفاع ببعض الأشياء العامة.
فالأشياء العامة باعتبارها من الأشياء التي تخرج عن التعامل بحكم القانون، لا يجوز أن تكون محلاً للحقوق المالية، وينص الدستور على أن لها ” حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن ” (م 17).
وقد اعتبرت المادة (23) من المشروع الأشياء المملوكة للدول أو أي شخص اعتباري عام أشياء عامة إذا كانت مخصصة للنفع العام بالفعل أو بمقتضى القانون، ثم رتبت على اعتبارها كذلك ثلاث نتائج:
الأولى: عدم جواز التعامل في تلك الأشياء بما يتعارض مع تخصيصها للنفع العام.
الثانية: عدم جواز الحجز عليها، لأن الحجز بما يستتبعه مع بيع إجباري يتعارض مع ذلك التخصيص.
الثالثة: عدم جواز وضع اليد على هذه الأشياء بما يقتضيه ذلك من عدم جواز كسب أي حق عليها بمرور الزمان.
ومن ذلك يتضح أن المشروع أخذ في تحديد الأشياء العامة، بمعيار التخصيص للنفع العام وهو المعيار الذي تأخذ به غالبية التشريعات ويقره الرأي الراجح في الفقه والقضاء، كما يعتبر المشروع حق الدولة على الأشياء العامة حق ملكية، وهو ما يؤيده نص الدستور في المادة (21) على أن ” الثروات الطبيعية جميعها و مواردها ملك الدولة “، ويُجرى عليه العمل حاليًا بشأن العقارات المستملكة فيتم تسجيلها في إدارة التسجيل العقاري باسم الدولة.
وينتهي التخصيص للنفع العام أيضًا بالفعل أو بمقتضى القانون وهو ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (23)، وبانتهاء التخصيص تصبح الأشياء العامة مملوكة ملكية خاصة للدولة بما يترتب على ذلك من أحكام. ويعرض المشروع بعد ذلك لتقسيم الأشياء التي يصح أن تكون محلاً للحقوق العينية فيقسمها إلى عقار ومنقول ومثلية وقيمية ثم إلى استهلاكية وغير استهلاكية.
وتعرف الفقرة الأولى من المادة (24) العقار بأنه كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله منه دون تلف أو تغيير في هيئته وفي ذلك يتفق المشروع من الفقه المالكي في تحديد العقار فيدخل فيه الأرض والبناء، وكذلك الشجر لأنه لا يمكن نقله مع الاحتفاظ بصورته التي كان عليها، أما المجلة فتعرف العقار بأنه ما لا يمكن نقله من محل إلى آخر كالدور والأراضي (م 129)، كما يعرفه مرشد الحيران بأنه كل ما له أصل ثابت لا يمكن نقله وتحويله (م 2).
وأخذ المشروع في الفقرة الثانية من المادة (24) بنظرية استقرت في الفقه باسم نظرية المنقول بحسب المآل، وهي نظرية لا يوجد بشأنها في التقنينات الأخرى نص عام، وإن وردت لها بعض التطبيقات في نصوص متفرقة من تلك التقنينات تتعلق بالمحصول الزراعي – وهو عقار طبيعته – فتعتبره منقولاً حكمًا في بعض الأحوال لأن مآله الحتمي أن ينفصل عن الأرض ومن ثم يكون منقولاً بحسب المال (انظر على سبيل المثال المواد 1142 فقرة 1، 1143 فقرة 1 مدني مصري و499 مرافعات مصري، وما يقابلها في التقنينات العربية الأخرى).
على أن نظرية المنقول بحسب المآل لا يقتصر تطبيقها على المحصولات فحسب بل تتسع لتتناول كل ما هو معد للانفصال عن أصله، ومن ثم حرص المشروع على أن يستحدث حكمًا عامًا في شأنها فنص على اعتبار الشيء منقولاً إذا كان انفصاله عن أصله وشيك الحصول، ونظر إليه استقلالاً على هذا الاعتبار، ومن ثم يجب أن يتوافر شرطان لإمكان اعتبار العقار بطبيعته منقولاً بحسب المآل،
الأول: أن يكون العقار معدًا بالفعل للانفصال عن أصله في مستقبل قريب، وأن يكون مصيره المحتوم هو هذا الانفصال، وهو ما قد يستخلص من طبيعة الأشياء كما في المحصول والثمار، أو من الإعداد الفعلي من جانب مالك العقار كصاحب الأشجار إذا أعدها للقطع وباعها خشبًا، وصاحب البناء إذا أعده للهدم وباعه أنقاضًا،
والثاني: أن يكون التعامل قد جرى لا على أساس حقيقة العقار في الحال، بل على أساس ما يصير إليه في المآل، فإذا باع صاحب الثمار أو البناء ثماره أو بناءه لمشترٍ، وجب أن يكون كل منهما قد نظر في هذا التعامل إلى الثمار أو البناء لا على أنه قائم على الشجر أو على أنه متصل بالأرض، بل على أنه قد تم قطفه أو هدمه فأصبح منقولاً، فهما يتبايعان في منقول لا في عقار.
وإذا كان المشروع قد ناقض في الحالة السابقة طبيعة الأشياء، واعتبر العقار بطبيعته منقولاً بحسب المآل، فإنه يناقضها أيضًا في حالة أخرى عكسية ويعتبر المنقول بطبيعته عقارًا بالتخصيص في بعض الأحوال فينص في المادة (25) على أنه ” يعتبر عقارًا بالتخصيص المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه رصدًا على خدمته واستغلاله “. دون أن يشترط في تخصيص المنقول لخدمة العقار أو استغلاله أن يكون التخصيص ضروريًا، وفكرة العقار بالتخصيص منقولة أصلاً عن القانون المدني الفرنسي (م 524 و525)، ويأخذ بها جميع القوانين العربية. وهي تطبيق لفكرة أعم هي فكرة التبعية المتمثلة في قاعدة ” الفرع يتبع الأصل ” ولذا نجد بعض التقنينات الأوربية يستغني عنها اكتفاءً بفكرة التبعية، وهي ذات الفكرة التي أخذ بها الفقه الإسلامي وفي ذلك تنص المجلة على أن التابع تابع … (م 47) وعلى أن التابع لا يفرد بالحكم (م 48) وعلى أن من ملك شيئًا ملك ما هو من ضروراته … (م 49)، كما تنص على أن كل ما جرى عرف البلدة على أنه من مشتملات البيع يدخـل في البيـع من غـير ذكـر … (م 230) وعلى أن ما كان في حكم جزء من المبيع أي ما لا يقبل الانفكاك عن المبيع نظرًا إلى غرض الاشتراء يدخل في البيع بدون ذكر … (م 231)، وعلى أن توابع المبيع المتصلة المستقرة تدخل في البيع تبعًا بدون ذكر … (م 232). ومع هذا فقد رأى المشروع أن يأخذ بفكرة العقار بالتخصيص، لأنها وإن كانت تطبيقًا لفكرة أعم، إلا أنها أكثر تحديدًا ووضوحًا، كما أنها أصبحت مستقرة في التشريعات الكويتية (انظر على سبيل المثال المادة 9 من قانون التأمينات العينية).
وتعالج المادة (26) تقسيم الحقوق. والحقوق بحسب الأصل أشياء معنوية لا تقبل أن تكون عقارًا أو منقولاً ولكن المشروع تبعًا للتقاليد القانونية يقسم الحقوق إلى عقار ومنقول، تبعًا لطبيعة المحل الذي تقع عليه، فيعتبر الحقوق العينية التي تقع على العقار عقارًا، سواء كانت من الحقوق العينية الأصلية أو التبعية، وسواء كانت واقـعة على عقار بطبيعته أو على عقار بالتخصيص.
ولم يجارِ المشروع التقنين المصري والتقنينات التي حذت حذوه (المادة 83 مصري وما يقابلها)، في اعتبارها كل دعوى تتعلق بحق عيني على عقار مالاً عقاريًا لأن الدعوى ليست مالاً وإنما هي وسيلة لحماية الحق عن طريق القضاء. كما لم يعرف المنقول تعريفًا مباشرًا كما فعلت بعض التقنينات العربية ومنها التقنين العراقي الذي يعرف المنقول بأنه ” كل شيء يمكن نقله وتحويله دون تلف فيشمل النقود والعروض والحيوانات “، بل اقتصر على أن يقرر في المادة (27) أن ” كل ما ليس عقارًا فهو منقول “، وفي ذلك كل الغناء.
وفي تحديد المقصود بالأشياء المثلية والقيمية، نقل المشروع في المادة (28) منه نص المادة (56) من القانون الأردني التي تتفق مع الفقه الإسلامي في تعريفه لهذه الأشياء (قارن المواد 145 – 148 و1119 من المجلة)، وهو تعريف أدق مما جاء في المادة (85) من التقنين المدني المصري التي تنص على أن “ الأشياء المثلية هي التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء … ” لأن هذا القيام يعتبر نتيجة لكونها مثلية لا تعريفًا لها. وأخيرًا يعرف المشروع في المادة (29) الأشياء الاستهلاكية بأنها ما لا يتحقق الانتفاع به إلا باستهلاكه أو إنفاقه، معتبرًا كل ما أعد في المتاجر للبيع من الأشياء الاستهلاكية.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً