مدخل لدراسة القانون الاداري
1-تعريف القانون الإداري:
القانون الإداري هو مجموعة القواعد القانونية الغير مألوفة عن قواعد القانون الخاص التي تتعلق بالإدارة العامة حينما تتصرف كسلطة عامة لغرض تحقيق المنفعة العامة.
هذا التعريف يقترض منا توضيح عدة مفاهيم ومسائل منها:
2-الإدارة العامة : للإدارة العامة معينين.
أ-المعنى العضوي (الشكلي): حيث يقصد بالإدارة العامة مجموع الأجهزة والهياكل و الهيئات القائمة في إطار السلطة التنفيذية عبر مختلف مستوياتها، أي مجموعة الأشخاص المعنوية العامة وتنظيماتها وتفريعاتها المختلفة مثل:الولايات، البلديات، الوزارات………..الخ.
ب-المعنى الموضوعي (المادي الوظيفي): وهي مجموعة الأنشطة والخدمات والوظائف والأعمال التي تقوم بها تلك الأجهزة والهيئات إشباعا للاحتياجات العامة للجمهور والمواطنين مثل:تقديم التعليم العام، توفير النقل العمومي، الخدمات الصحية العمومية ……….الخ.
3-موضوع القانون الإداري:
إذا كان القانون الإداري هو قانون أي أنه مجموعة القواعد والأحكام والمبادئ العامة المجردة والملزمة فإن الصفة الثانية في هذا القانون هو كونه إداري والإداري كلمة مستمدة من فعل أدار، يدير الشيء بمعنى حركه ونقله من مكان إلى آخر أو سيره وأحكم تسييره أما اصطلاحا فتفيد هذه الكلمة حسب معجم المصطلحات القانونية :”السلطة المنوط بها السهر على تطبيق القوانين وسير المصالح العامة وفقا للقواعد المستمدة من سلطة الحكومة ،وقد تفيد هذا اللفظ أيضا مجموع المصالح الحكومية المميزة عن موظفيها أو الوظيفة المميزة عن المصالح”.
فالقانون الإداري إذن هو قانون الإدارة ولما كانت الإدارة المقصود هنا هي الإدارة العامة فالإدارة العامة تشكل موضوع القانون الإداري وهو كذلك قانون الإدارة العامة و الإدارة العامة حسب التعريف المذكور هي:
إما مؤسسات أو هيئات أو منظمات وإما هي وظيفة ونشاط يتخذان مظهرا معينا وعلى هذا الأساس يكون للإدارة معنيان :معنى عضوي ومعني مالي.
أ- المعنى العضوي : يراد به مجموع الهيئات والمؤسسات أو المنظمات التي تقوم بتحقيق تدخل الدولة الحديثة قي حياة الأفراد اليومية وذلك تحت إشراف السلطات السياسية فيها وفي هذا المعنى يمكن أن نميز بين نوعين من هذه المؤسسات في الدولة حيث توجد هيئات مركزية مثل رئاسة الدولة والحكومة والوزارات كما توجد هيئات وسلطات اللامركزية مثل : الهيئات الولائية والهيئات البلدية.
ب-المعنى المادي: يقصد ذلك النشاط الذي تمارسه الهيئات المركزية والهيئات اللامركزية المذكورة أعلاه باعتبار أن هذا النشاط وظيفة من وظائف الدولة أنيب للإدارة لتقوم به تحقيق للمصلحة العامة وإشباعا لحاجات المواطنين المتنوعة.
4- وسائل ممارسة النشاط الاقتصادي:
إن النشاط الإداري لا يتحقق من تلقاء نفسه بل لابد من وسائل لكي يتحقق على أرض الواقع وهي على أنواع ثلاثة:
1-وسائل قانونية : إن من سيمات الإدارة العصرية خضوعها للقانون بما يحقق شرعيتها وقبول المجتمع لها ولأعمالها ولا يتحقق ذلك إلا إذا تم تصور نظام متكامل لرقابة هذا النشاط وهذه الأعمال وينطلق هذا النظام بداية من إيجاد وسائل قانونية تعمل بها هذه الإدارة بدل أن تعمل بصفة عفوية كما يفعل الأفراد العاديين ذلك لأنه إذا كان الأفراد العاديين أحرار في اختيار الطريقة التي يتصرفون بها في شؤونهم وأموالهم فإن التصرف في شؤون الإدارة وأموالها هو تصرف في شؤون وأموال الغير ( المجتمع) وهو تصرف خطير قد يخرج به صاحبه عن الهدف الذي نصبه له المجتمع ولهذا كان من الضروري إخضاع كل أنشطة هؤلاء الأفراد عند ممارستهم للنشاط الإداري إلى القانون التي تجبر الإدارة عل اعتماد أساليب وطرق حددها مسبقا تتمثل في وسائل وأدوات خاصة محصورة في وسيلتين هما :
أ-وسيلة القرار الإداري: وهي الوسيلة التي تستعمله الإدارة عندما تتصرف انفراديا وبإرادتها المنفردة لتحقيق هدف مرسوم لها في القانون.
ب-وسيلة العقد الإداري: وفيها تتصرف الإدارة فيها بالاتفاق مع غيرها فتكون إرادتهما مقرونة بإرادة الأفراد الآخرين الذين يتعاملون معا.
2-وسائل بشرية:
إذا كانت الوسيلة القانونية مطلوبة في قيام النشاط الإداري وتحقيق الشرعية للإدارة فإن الوسيلة البشرية لا تقل أهمية عن ذلك فالقانون لا فائدة منه إذا لم يكن هناك من يطبقه من أعوان وموظفين يسهرون على إنجاز نشاط الإدارة بكل صورة وأعوان الدولة أو موظفيها هم كل من كانت له علاقة عمل أو صلة معنية بالإدارة أو الدولة.
3-وسائل مادية:
وهي تتكون من أموال وأملاك الدولة العامة والخاصة المنقولة منها والعقارية كالمباني والآلات والأدوات والأراضي والسيارات وما إلى ذلك من وسائل مادية المختلفة و المتنوعة يستعملها الموظفون بغرض تحقيق إشباع الحاجات العامة للمواطنين ونشير أخيرا إلى أن نشاط الإدارة يتخذ صورا أو أشكالا يتلخص أهماها في الضبط الإداري و المرفق والمؤسسة الإدارية العامة.
4-طبيعة قواعد القانون الإداري:
هل الإدارة العامة تخضع فقط لقواعد القانون الإداري؟
تخضع الإدارة العامة )الدولة ،الولايات ، البلديات….. ( إلى نوعين من القواعد القانونية.
أ-قواعد القانون الخاص: وذلك حيث تتصرف الإدارة العامة تصرف الأفراد، يقضي خضوع نشاطاتها و معاملاتها إلى القواعد نفسها السارية على الأشخاص الخاصة (القانون المدني القانون التجاري….الخ)، واختصاص القضاء يكون القضاء العادي دون الإداري بالفصل في المنازعات التي تثور بصدد القيام بتلك النشاطات.
ب-قواعد القانون الإداري: نظرا لدور الإدارة العامة في تحقيق المصلحة العامة تزود الهيئات الإدارية العامة بمكنات ووسائل قانونية تخولها استعمال ما يعرف بامتيازات السلطة العامة بما يترتب عنها من تدابير وإجراءات وقرارات تمس بالمراكز القانونية للأفراد تتخذها الإدارة بإرادتها المنفردة.
فالقانون الإداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي بحكم نشاط الإدارة العامة وهو موجود في كل دولة أي كان مستواها وتطورها الحضاري.
5-علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى:
من المهم أن نبين عن فروع القانون الأخرى من خلال بيان علاقته بهذه القوانين وتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقتها بالقانون الإداري.
1-علاقة القانون الإداري والقانون الدستوري: القانون الإداري هو القانون الذي يظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة ويحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة ، أما القانون الدستوري فهو القانون الأعلى والأسمى في الدولة والذي ينظم القواعد القانونية التي تتعلق بنظام الحكم فيها والعلاقة بينها وحقوق وحريات الأفراد والضمانات التي تكفلها ويوضح السلطة العامة في الدولة وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانون الدستوري فإذا كان القانون الإداري يحكم السلطة الإدارية المركزية و الغير مركزية فإن القانون الدستوري هو القانون الأساسي والذي يجب أن يسمو عن كافة القوانين الأخرى والتي يجب أن تتقيد به وتحترم نصوصه.
بمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكام الكلية والعامة للسلطة التنفيذية بينما يضع القانون الإداري القواعد التفصيلية التي تكفل تشكيل الأجهزة الإدارية وأداء وظائفها.
2-علاقة القانون الإداري بالقانون المالي: القانون المالي هو مجموعة من القواعد القانونية الخاصة بإضافة الأموال العامة في الدولة وهو مكمل للقانون الإداري الذي يتعلق بتنظيم الأجهزة والهيئات الإدارية ويوضح النظام القانوني الذي يحكم الأموال العامة والحماية القانونية المقررة لهذه الأموال وكيفية الانتفاع بها ومن موضوعات هذا القانون كل ما يدخل ضمن إعداد الميزانية العامة في الدولة وسياسة وأنواع الضرائب المفروضة والإشراف والرقابة عليها .
3-علاقة القانون الإداري بالقانون المدني: إذا كان القانون الإداري مستقل عن القانون المدني من حيث الخصائص والأهداف فهناك علاقة وثيقة بينهما كون القانون المدني الشريعة العامة هو الأصل وهو المصدر لقواعد القانون الإداري المستقلة والمتعلقة بالمعاملات الإدارية (العقود الإدارية المسؤولية الإدارية، الوصاية الإدارية…) وقد استمد القانون الإداري كثير من المفاهيم من القانون المدني كمفهوم الشخصية المعنوية والالتزام والعقد وغيرها بل قد يلجأ القضاء الإداري إلى تطبيق قواعد القانون المدني عندما تكون أكثر ملائمة.
4-علاقة القانون الإداري بالقانون الجنائي: تقرر قواعد القانون الجنائي الأساس القانوني وعناصر الجريمة ولها علاقة وطيدة بقواعد القانون الإداري فيما يتعلق بالجزاءات الإدارية والجزاءات الجمركية كتلك المواد المتعلقة بحماية المواطنين والموظفين وحماية المنشآت والحماية القانونية للمحررات القانونية والشهادات الإدارية من التزوير.
5-علاقة القانون الإداري بقانون الإجراءات الجزائية: يبين (ق.إ.ج) كيفية تحريك الدعوة العمومية الجنائية لحماية مبادئ القانون الإداري وحتى الفصل بين السلطات (رجال الضبط الإداري ، رجال الضبط القضائي ونتائج ذلك…).
6-علاقة القانون الإداري بقانون ( إ.م) : يرتبط ( ق، إ) برابط وثيق ( ق ، إ، م ، إ) حيث نجده يستعمل القواعد الإجرائية المتعلقة بكيفية رفع الدعوة الإدارية وأشكال ذلك ويبين لنا قواعد الاختصاص المحلي والنوعي وكذا أنواع الدعاوى الإدارية. (البطلان، الإلغاء، التعويض…الخ)
إضافة إلى هذه العلاقات الواسعة بين ( ق ، إ) مع مختلف القوانين الأخرى فهناك علاقة وثيقة تربطه بالقانون التجاري والقانون الدولي العام وحتى القانون الدولي الخاص مع بقاء قواعد القانون الإداري مستقلة بذاتها ومتميزة عن باقي القواعد القانونية الأخرى.
7-التميز بين صور النشاط العام المختلفة على أساس المعيار الموضوعي:
يعتبر أصحاب المدارس المادية والموضوعية أن التمييز بين الأعمال القانونية المختلفة يقوم على ماهية هذه الأعمال ويعلوها تعليلا داخليا ويمر دونها تجريدا ما بين صفة الجهاز الذي يقوم به ، ولا يعطون لشك اهتمام لأن المعيار الموضوعي هو الذي يأخذ بالاعتبار على أساس طبيعة العمل بغض النظر عن ملابساته الشكلية وعن عناصره الإجرائية ويتجلى الفرق بين النشاط الإداري وصور النشاط العام في الدولة عن الجوانب التالية.
1-التمييز بين النشاط الإداري والنشاط التشريعي:
فإذا كان التشريع يتميز بالعمومية والتجريد ويتناول وضع القواعد العامة التي تضمنت صور النشاط المختلفة في الدولة سواء منها النشاط أو النشاط الخاص فإن الإدارة العامة مهمتها تكمن في التنفيذ الذي يستهدفه القانون من غرض فتمييز النشاط الإداري كما يتخذه الفقيه جون بيرو بأنه يتصف بالعمومية والتجريد من النشاط الإداري والنشاط التشريعي، رغم أن كون هذه الخصائص غير مخففة دائما في النشاط الإداري كونها تصدر بمخاطبة شخص معين بذاته إلا أنها تمتاز بهذه الخاصية ترتبت تبادل التصريح عن طريق ما يسمى القرارات التنظيمية ( اللوائح التنظيمية ، اللوائح التنظيم الإداري) وهي تخضع للرقابة الإدارية عكس الأعمال التشريعية .
2- التمييز بين النشاط الإداري والنشاط القضائي:
إذا كانت وظيفة القاضي هي تطبيق القانون في كل المنازعات والتي تنتهي بمهمته في تطبيق حكم القاعدة القانونية العامة على النزاع المعروض عليه وعليه فإن الإدارة وإن كانت تخضع للقانون فإنها تعمل في إطار القانون الإداري بهدف تسيير المرافق العامة لإشباع حاجات الجمهور بينما يستهدف القاضي في نشاطه مجرد احترام القانون فالإدارة أيضا تتمتع بسلطة تقديرية في ممارسة نشاطها ولها حرية أوسع وحرية غير تلك التي يتميز بها القاضي فالقاضي له دور وهو حل النزاع ويخضع للتمييز بين عمل الإدارة على أساس المعيار بين الشكلي والموضوعي.
3-التمييز بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الحكومية:
لقد حاول البعض استخدام المعيار الموضوعي للتمييز بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الحكومية فقيل أن الحكومة هي محور السلطة التنفيذية وأن الإدارة ليست إلا أداتها التي تحقق بها أغراضها أو أهدافها فتقوم الحكومة برسم الخطوط العريضة التي تسير عليها الإدارة وتعد لها طريقا وأهدافا عامة لأنشطتها وقيل في التميز بينهما كذلك أن الأولى بيد السلطة المركزية والثانية موزعة بين إدارة مركزية وإدارات لا مركزية ولا تخضع الوظيفة العمومية إلا لرقابة البرلمان لا القضاء على العكس من الوظيفة الإدارية بحيث للأفراد الطعن في سلامة الأعمال الإدارية أمام الجهات القضائية المختصة ولا تكون لهم إمكانية ممارسة هذا الحق (حق الطعن ) إزاء الأعمال الحكومية ولكن هذه التفرقة لا يمكن أن تكون مجالا للتمييز ذلك أن السلطة التنفيذية قد تمارس أعمالا لا تخضع لمراقبة القضاء وأعمال وتصرفات أخرى تخضع للرقابة مما يجعل التمييز بين الوظيفتين صعبا وهو ما جعل بعض الفقهاء للقانون الإداري يعتبرون أن الأعمال الحكومية هي تلك المتعلقة بأمهات الأمور والمسائل الخطيرة والقرارات السياسية والاقتصادية ( إعلان حالة الحرب، المخططات الاقتصادية، الانضمام إلى المعاهدات وغيرها من المسائل السياسية).
أما الإدارة فمهمتها اتخاذ الإجراءات لإشباع الحاجات العادية للمواطنين والقيام بالأعمال المادية وهذا ما أقره الفقيه جورج فيدال ومهما يكن من الحال فالحدود بين الوظيفتين منهارة وهذا لتداخلهما واستحالة الفصل بينهما في بعض الأحيان.
فمن هنا فالمعيار الموضوعي فشل في التمييز بين النشاطين وتبقى نفس الصعوبة إذا اعتمدنا على المعيار العضوي لوحده ذلك أن القائمين على ممارسة الوظيفة الحكومية هم نفسهم المكلفين بالأعمال الإدارية فرجال الحكومة هم نفسهم رجال الإدارة.
8-نشأة القانون الإداري وتطوره:
تعد فرنسا مهد القانون الإداري ومنها انتشر إلى الدول الأخرى يرجع الفضل في ظهور هذا القانون إلى عوامل تاريخية تأتي في مقدمتها الأفكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية (1789) التي قامت على أساس الفصل بين السلطات ومن مقتضاته منع المحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية .
وأدى هذا الاتجاه إلى وجود النظام القضائي المزدوج الذي كان مهيأ لنشوء الازدواج القانوني وظهور القانون الإداري وقد مرت نشأة القانون الإداري في فرنسا بالمراحل الأساسية التالية.
1-مرحلة الإدارة القاضية: لاتجاه الثورة الفرنسية في الفصل بين السلطات صدر قانون 16-24 أوت 1790 الذي نص على إلغاء المحاكم القضائية (البرلمانات) وإنشاء ما يسمى بالإدارة القاضية أو الوزير القاضي كمرحلة أولى قبل إنشاء مجلس الدولة الفرنسي ومنع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الإدارة طرف فيها وأصبحت الهيئات الإدارية هي صاحبة الاختصاص في الفصل بهذه المنازعات وفي مرحلة الإدارة القاضية كان على الأفراد اللجوء إلى الإدارة نفسها للتظلم إليها وتقديم الشكوى فكانت الإدارة هي الخصم والحكم في الوقت ذاته وكان هذا مقبولا إلى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعة السيئة لقضاء البرلمانات التعسفية.
2-إنشاء مجلس الدولة الفرنسي: نشوء مجلس الدولة في 12/12/1797 في عهد نابليون وضعت البنية الأولى للقضاء الإداري الفرنسي مع أن اختصاص المجلس كان استشاريا يتطلب تصديق القنصل.
وفي الوقت ذاته تم إنشاء محاكم أو مجالس الإقليم التي كانت تصدر أحكام لا تحتاج إلى تصديق السلطة الإدارية العليا إلا أن أحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة الذي كانت أحكامه تعرض على القنصل ، فقد كان عمل المحلفين يقتصر على فحص المنازعات الإدارية وإعداد مشروعات الأحكام فلم يكن يملك سلطة القضاء وإصدار الحكم…
قضاء في هذه المرحلة القضاء المقيد أو المحجوز وقد استمر هذا الحال إلى غاية 1872 حيث أصبح قضاءه مفوضا.
3-مرحلة القضاء المفوض: في 24 ماي 1872 صدر قانون منح مجلس الدولة الفرنسي اختصاص البت نهائيا في المنازعات الإدارية…
جهة أخرى ومع أن هذا القانون حول المجلس سلطة البت نهائيا في المنازعات الإدارية فإنه أبقى على اختصاص الإدارة القاضية فلا يملك للأفراد اللجوء إلى مجلس الدولة إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون وفيما عدا ذلك تختص به الإدارة القاضية مما أوجب ازدواج القضاء استمر هذا الوضع حتى تاريخ 13/12/1889 عندما قبل مجلس الدولة دعوى قدمها أحد الأفراد مباشرة من دون المرور على الإدارة في قضية على حكمه فيها أن أصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاص العام في المنازعات الإدارة وبسبب تراكم عدد من القضايا أمام مجلس الدولة حدد المشرع اختصاص مجلس الدولة على سبيل الحصر بموجب المرسوم الصادر في 30/9/1953 وأصبحت المحاكم الإدارية التي كانت تسمى مجالس الأقاليم صاحبة الاختصاص العام في المنازعات الإدارية ، أعقب ذلك بعض المراسيم التي تضمنت الإصلاحات منها المراسيم الصادرة في 30 يوليو 1963 المتعلقة بتحديد النظام الأساسي للعاملين في المجلس وتنظيمه الداخلي ونشاطه الذاتي وتم تعديل هذا النظام بثلاثة مراسيم أخرى في 26 أوت 1975 وبمرسوم 5 يناير 1980 وآخر في 16/12/1987 الإصلاح القضاء الإداري أنشأ بموجبه المحاكم الإدارية نطاق الطعن بالنقض أمام مجلس الدولة وقد أصبح مجلس الدولة خلال تاريخه الطويل قاضي المنازعات الإدارية دون منازع وساهم بإرساء مبادئ القانون الإداري وقواعده المتميزة عن قواعد القانون الخاص واستنتج الحلول المناسبة لمقتضيات حسن سير الإدارة العامة وأكد على وجود استقلال القانون الإداري.
9-خصائص القانون الإداري:
يتميز القانون الإداري ببعض الخصائص لأنه قانون سريع التطور وقانون غير مقننين وأنه من صنع القضاء.
1-القانون الإداري حديث النشأة:
مقارنة بالعديد من فروع القانون الأخرى يعتبر القانون الإداري، بمعناه الفني، قانونا حديثا.
فهذا القانون لم تتضح معالمه الكبرى في فرنسا إلا مع أواخر القرن التاسع عشر ،كما زادت التطورات والتحولات التي عرفتها الحضارة الإنسانية خلال القرن العشرين في عدم اكتمال قوامه.
2-قانون سريع التطور : يتسم القانون الإداري بأنه قانون يتطور بسرعة تفوق التطور الاعتيادي في القوانين الأخرى ولعل ذلك يرجع إلى طبيعة المواضيع التي يعالجها فقواعد القانون الخاص تتميز بالثبات والاستقرار وقد تمر فترة طويلة قبل أن ينالها التعديل أو التغيير على عكس القانون الإداري الذي يعالج مواضيع ذات طبيعة خاصة لتعلقها بالمصلحة العامة وحسن تسيير إدارة المرافق العامة فجانب من أحكامه غير مستمدة من نصوص تشريعية وإنما من أحكام القضاء وخاصة القضاء الإداري الذي يتميز بأنه قضاء يبتدع الحلول للمنازعات الإدارية ولا يتقيد بأحكام القانون الخاص إنما يسعى إلى خلق قواعد تتلاءم مع ظروف كل منازعة على حدى تماشيا مع سرعة تطور العمل الإداري ومقتضيات سير المرافق العامة ولعل من أسباب تطور القانون الإداري هي العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الدولة وهي عوامل متغيرة باستمرار غير مستقرة نسبيا باتساع نشاط الدولة وظهور أزمات اقتصادية وظهور مرافق عامة اقتصادية ما إلى ذلك من الظواهر الاقتصادية والسياسية وضرورة إستعاب القانون الإداري لهذه المتغيرات ومواجهتها أدى بالضرورة إلى التطور المستمر في أحكامه.
3-القانون الإداري من صنع القضاء: يتميز القانون الإداري أيضا في أنه قانون قضائي نشأ عن طريق قواعد ومبادئ إدارية خلقها القضاء وقد ساعد على ذلك عدم تقنين أغلب قواعد القانون الإداري فكان لابد للقضاء أن ينهض من خلال وضع أسس ونظرياته ودور القضاء الإداري في هذا المجال كان متميزا عن دور القضاء العادي الذي ينحصر بتطبيق القانون على المنازعة دون خلق الحلول المناسبة التي تتفق مع طبيعة النزاعات القانون الإداري الأمر الذي أضفى على قواعد القانون الإداري الطابع العملي الذي يتماشى مع ظروف واحتياجات المرافق العامة ومقتضيات سيرها الحسن وتطورها المستمر ومع ذلك يتقيد القضاء بأداء مهامه.
ابتداعه لمبادئ وقواعد القانون الإداري بعدم مخالفة النصوص التشريعية القائمة على أساس أن القضاء إنما يعبر عن إرادة مفترضة للمشرع أما إذا أفصح ووضح إرادته بنصوص تشريعية فإنه يلتزم بتطبيق تلك النصوص في أحكامه.
4-القانون الإداري هو قانون غير مقنن: يقصد بالتقنين أن يصدر المشرع مجموعة تشريعية تضم المبادئ والقواعد العامة والتفصيلية المتعلقة بفرع من فروع القانون كما هو الحال في مدونة القانون المدني أو مدونة قانون المرافعات …الخ وهذا يخفي ما لتدوين القواعد العامة ومن أهميته من حيث إضفائه الثبات والاستقرار على نصوص التشريع وسهولة الرجوع إلى أحكامه.
وقد نشأ القانون الإداري في فترة انتشرت فيها حركة التقنين في أعقاب الثورة الفرنسية وتم تدوين قواعد القانون المدني في مدونة نابوليون إلا أن القانون الإداري لم تشمله هذه الحركة رغم رسوخ مبادئ واكتمال نظرياته ويرجع عدم تقنينه إلى سرعة تطوره وتفرعه مما يجعل من الصعوبة جمع أحكامه في مدونة واحدة وأن أحكامه ذات طبيعة قضائية في الغالب ولا يحضى ما في أحكام القضاء الإداري من مرونة تتأثر بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والسائد في المجتمع وإذا كان عدم تقنين يعني عدم جمع أحكام القانون الإداري في مجموعة أو مدونة واحدة فإن ذلك لا ينفي وجود تقنينات جزئية لبعض موضوعات القانون الإداري ومن ذلك وجود تشريعات خاصة بالموظفين وتشريعات خاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة وقوانين خاصة بالتنظيم الإداري أو القضاء الإداري إلى غير ذلك من مواضيع يتعذر جمعها في تقنين شامل.
10-مصادر القانون الإداري:
يستمد القانون الإداري كغيره من فروع القانون مادة وجوده من عدة مصادر يراد بالمصادر أو المصدر أصل الشيء أو منبعه وعليه فالقانون الإداري نوعين من المصادر المصادر الرسمية و المصادر الغير الرسمية.
يراد بالمصادر الرسمية مجموع السلطات التي لها الحق في إصدار القاعدة القانونية في شكل معين وفقا لإجراءات محددة أما المصادر الغير الرسمية فيراد بها مجموع العوامل والمؤثرات التي تدفع السلطة المختصة إلى إصدار هذه القاعدة أو تعديلها أو إلغائها وإن كانت هذه الأخيرة لا تتدخل مباشرة لإنشاء وتكوين القاعدة القانونية الإدارية مباشرة فإننا نكتفي بدراسة المصادر الرسمية وهي تنقسم بنفسها إلى مصادر مكتوبة والغير المكتوبة.
1-المصادر الرسمية المكتوبة: المصادر المكتوبة للقانون الإداري الجزائري ثلاثة أنواع هي الدستور، المعاهدات الدولية، التشريع بنوعيه العادي والفرعي.
أ-الدستور ( التشريع الأساسي ): يشكل الدستور القانون الأساسي و الأسمى بالنسبة للنظام القانوني بالدولة.فالدستور يعتبر مصدرا للقانون الإداري يضع الأسس العامة لبناء الجهاز الإداري بالدولة و أساليب تنظيمه.
ب-القانون ( التشريع العادي ): فهو المصدر الرئيسي للقانون الإداري، ذلك أن أغلب جوانب الإدارة العامة تنظمها وتحكمها قواعد واردة في قوانين متعددة صادرة عن السلطة التشريعية.
ج-التنظيم ( التشريع الفرعي ): تصدر هيئات الإدارة العامة تنفيذ لمهامها، العديد من القرارات الإدارية ( التنظيمية) التي تتضمن قواعد عامة ومجردة لا تختلف عن القواعد القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية و يأخذ التنظيم العديد من الأشكال:
-المراسيم الرئاسية ( رئيس الجمهورية )
-المراسيم التنفيذية ( رئيس الحكومة)
-القرارات الإدارية ( الوزراء)
-قرارات الولي.
2-المصادر الرسمية الغير المكتوبة: حصرتها المادة الأولى من القانون المدني في الفقرة 2 و3 بقولها إذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
1- العرف: يقوم العرف الإداري على ركنين هما:
أ-الركن المادي: و يتمثل في اعتياد الإدارة العامة في تصرفاتها و أعمالها على سلوك معين بصورة متكررة و مستمرة
ب-الركن المعنوي: و يتمثل في الاعتقاد بالالتزام سواء من جانب الإدارة أو الأشخاص المتعاملين معها
2-القضاء: ما يزال القضاء الإداري في العديد من الدول مصدرا لقواعد القانون الإداري نظرا لدوره المتميز عن القضاء العادي بفعل غياب التشريعات و النصوص أحيانا.
3-الفقه: ليس مصدرا رسميا فمهمة الفقهاء إنما تتمثل في شرح التشريع و التعليق على أحكام القضاء و محاولة استخلاص و استنباط الأحكام و المبادئ العامة و القواعد الأساسية.
ونظرا لخصائص القانون الإداري فإن فقه القانون الإداري يلعب دورا معتبرا من حيث تقديم الإرشاد لكل من المشرع و القاضي.
11-الأسس الفقهية للقانون الإداري:
إن محاولة تفسير القانون الإداري من خلال تأسيسه تاريخيا أو إيديولوجيا لا يكفي إذ تبقى فيه عدة جوانب غامضة لذلك حاول الفقه الإداري تأسيس القانون نظريا منذ الوهلة الأولى لنشأته وقد انقسم هذا الفقه في تبرير قيام القانون الإداري إلى عدة فرق.
فريق يؤسسه على نظرية السلطة العامة وفريق يؤسسه إما على فكرة المنفعة العامة أو الدستور وذلك ما نتعرض بإيجاز .
الفرع الأول: نظرية السلطة العامة:
يحتاج القانون الإداري بالمفهوم الفرنسي الضيق إلى ضرورة تحديد مجال تطبيقه وبالتالي إيجاد معيار لتمييزه من القوانين وتحديد اختصاص القضاء الإداري من اختصاص القضاء العادي وقد بادر فقهاء القرن 19 .إلى ذلك فقالوا بمعيار السلطة العامة الذي مفاده أن الإدارة في نشاطها نتيجة إحدى الصورتين فإما أنها تتصرف كشخص عادي فتبيع وتشتري فإنما تخضع في هذا النشاط لنفس القانون الذي يخضع له الأفراد ويسمى نشاطها هذا بأعمال الإدارة المالية (أعمال تسير) وتخضع المنازعات التي تثور بين هذه الأعمال لاختصاص القضاء العادي وإما هذه الإدارة تتصرف كشخص يتميز ذو سيادة وسلطان فتأمر وتنهي وتتعامل مع الأفراد في المجتمع من مركز المتفوق القوي فالإدارة هنا تستعمل إرادتها المنفردة وتفرضها على الناس وكذا لزم الأمر حتى بالقوة دون تدخل القاضي وتسمى أعمالها بأعمال السلطة العامة إلا أن هذه النظرية تعرضت إلى انتقادات جمة يمكن حصرها في الآتي :
¨ هذه النظرية تضيق كثيرا من نطاق القانون الإداري إذ تحصره في أعمال الضبط الإداري في حين أعمال الإدارة تتجاوز كثيرا هذا المجال.
¨ من الصعوبة معرفة من تتصرف الدولة بمقتضى سلطتها الآمرة ومن تكون غير ذلك فهي تتركز على فكرة ازدواج شخصية الدولة وهي فكرة غير مقبولة لذلك هاجر العديد من الفقهاء هذه النظرية ومن أعمدتها العميد دوغي ومع هذا ما تزال هذه النظرية قائمة.
الفرع الثاني: نظرية المرفق العام.
عندما عجزت نظرية السلطة عن تفسير كل جوانب القانون الإداري وبالتالي عجزت عن تأسيسه تأسيسا سليما أو تمييزه تميزا واضحا عن غيره ظهر فريق آخر من الفقهاء حاول تفسير وشرح مختلف جوانب القانون الإداري من خلال تأسيس نظرية جديدة هي نظرية المرفق العام التي ظهرت في الربع الأخير من القرن 19 ويراد بالمرفق العام المشروع الذي تقوم جهة الإدارة بتنظيمه وتسييره بنفسها ويكون خاضعا لرقابتها ويهدف إلى تحقيق صالح عام تهيمن عليه الإدارة مباشرة أو يكون لها حق الإشراف والرقابة عليه، فالقانون الإداري وفق هذه النظرية هو قانون المرافق العامة يستمد وجوده وقوته من استجابته لحاجات المرافق العامة وصلاحية لتحقيق أهداف هذه المرافق وضمان سيرها بانتظام وتقديم خدمة للمجتمع إلا أن هذه النظرية ونتيجة للتحولات التي شهادتها الحياة الحديثة بعد الحربين العالميتين والتطورات العديدة التي حدثت في المجالات العلمية والتكنولوجية وفي ميادين الإسكان والتعمير والنقل والتعليم والصحة تعرضت للنقد في النقاط الآتية.
¨ ظهور مرافق جديدة اقتصادية ومهنية أدى إلى تدخل القانون الخاص خاصة القانون المدني والتجاري في المرافق العامة.
¨ تمديد العمل بأساليب القانون العام للمؤسسات الخاصة ذات النفع العام وهي مؤسسات تمارس أنشطة لا ترى الدولة فائدة في تحويلها إلى مرافق عامة فتبقى على صورتها الخاصة إلا أن الدولة تزودها ببعض أساليب القانون العام كأسلوب نزع الملكية وإخضاعها للمبادئ التي تحكم المرفق العام.
الفرع الثالث: نظرية المنفعة العامة
يعتبر العلامة الفرنسي مارشال قالين وهو من أكبر أساتذة القانون الإداري من أكد إعلاء مدرسة المرفق العام ويأخذ في مؤلفاته بفكرة المنفعة العامة كأساس لبناء القانون الإداري فيقول ” إن الفكرة الأم في القانون الإداري هي أقل وجودا في فكرة المرفق العام منها في فكرة المنفعة العامة ، فالمرفق العام ليس سوى واحد من الوسائل الفنية الموجهة لخدمة المنفعة العامة ” إذن فالمنفعة العامة عنده هي التي تبرر قيام قانون إداري بقواعد مستقلة ومتميزة فلولا المنفعة العامة ما كان هناك موظف عام ولا عقد عام ولا أموال عامة ولا حتى مسؤولية إدارية.
يلاحظ أن الفقيه مرسال قالين يعتمد معيار المنفعة العامة من منظار كون الهدف في القانون الإداري عكس منظور مدرستين السلطة العامة والمرفق العام اللتان تشكل كل منهما وسيلة من وسائل هذا القانون. فرغم أن معيار المنفعة العامة يبدو لأول مرة أنه معيار مناسب ومفضل لتأسيس القانون الإداري خصوصا أنه تأسس بالهدف والغاية إلا أنه تبين فيه نقاط ضعف وجوانب سلبية قضيت عليه ولو جزئيا ، كالمنفعة العامة فكرة عامة وغامضة تحتاج إلى تعريف وتوظيف حيث الحدود بينما هو عام وما هو خاص غير معلومة.
الفرع الرابع: نظرية الأسس الدستورية.
من بين الفقهاء الذين حاولوا إيجاد أساس جديد يؤسسون عليه القانون الإداري الفقيه الفرنسي جورج فيدال وقد قام بتلك المحاولة دون أن يخرج عن مدرسة السلطة العامة الذي ظل وفيا لها فالأستاذ جورج فيدال يرى أن الإدارة والقانون الإداري لا يمكن أن نميز بينهما بطريقة مستقلة وإنما يجب أن نبدأ من الدستور إذا أردنا أن نجعل لهما تعريفا فهو ينطلق منه (الدستور) ليعرف ويؤسس القانون الإداري وبالتالي يحدد مجال اختصاص القاضي الإداري وهو الذي يشكل مصدرا أساسي للنظام القانون في الدولة وهو الذي يميز بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ، ومن ثمة يجب الانطلاق من معطيات عضوية ( وليست مادية كالمرفق العام والسلطة العامة) لتعريف القانون الإداري والإدارة العامة.
وللوصول إلى هذه الغاية يتوجب تمييز العمل الإداري عن بقية الأنشطة في الحكومة مستبعدا بذلك كل من العمل الدبلوماسي والعمل مع بقية الهيئات العمومية منها العمل التشريعي البرلماني. وأيضا يجب التمييز بين التسيير الخاص والإدارة العامة وهذا في إطار استخراج ما يميز القانون الإداري عن طريق استبعاد أساليب القانون الخاص.
فالإدارة العامة عند الفقيه فيديل عبارة عن مجموعة أنشطة الحكومة والهيئات اللامركزية مستبعدا منها العلاقات الدولية ،العلاقات فيما بين السلطات الثلاث على أ،يمارس نشاط الإدارة هذه الحكومة في إطار نظام السلطة العامة ،إلا أن هذه النظرية لم تصمد طويلا أمام هجمات أعدائها حيث بقيت حبيسة أفكار صاحبها و من أهم من انتقد نظرية الأسس الدستورية الفقيه شال ايزمان من خلال مقال مطول نشر في مجلة القانون اللوم السياسية في فرنسا ،العدد السادس
سنة 1972
¨ وخلاصة القول بالنسبة للتأسيس النظري للقانون الإداري أن الفقهاء لم يتمكنوا من الاستقرار على رأي واحد فمن مدرسة السلطة العامة إلى مدرسة المرفق العام إلى فكرة المنفعة العامة كوسيلة حديثة لتحسين وتطوير نظرية المرفق العام إلى فكرة الأسس الدستورية التي تحاول تدعيم فكرة السلطة العامة إلى غير ذلك من الأفكار والنظريات وهو أمر طبيعي لأن من وظيفة الفقه الاختلاف في الرأي وصولا بالموضوع إلى أفضل صوره والمهم عندنا أنه لا يمكن تأسيس هذا القانون على فكرة واحدة مهما كانت أهميتها ومن ثمة يبدو أنه من الطبيعي استخدام كافة هذه الأفكار معا في معيار مركب يتكون من مدرستين السلطة العامة والمرفق العام في صورتيهما المتطورة حتى تتمكن من الجمع بين الوسيلة والغاية في هذا التعريف فالقانون الإداري هو قانون السلطة العامة كما هو قانون المرافق العامة فالفكرتان متكاملتان.ولا تستبعد أي منهما الأخرى.
أما عن موقف الفقه الجزائري من هذه النظريات فإنه لم يتبلور بوضوح رغم وجود بعض الإشارات فهناك بعض الفقهاء من يميل نحو الأخذ بمدرسة السلطة العامة أولا ثم يكملها بمدرسة المرفق العام ونجد على رأسهم الأستاذ الدكتور : عمار عوابدي الذي يقول في كتابه القانون الإداري :” إن فكرة السلطة العامة بمفهومها السابق المعدل تنجح كمعيار للقانون الإداري فهي المعيار الذي يحدد نطاق تطبيق القانون الإداري فاحتواء العمل على مظاهر السلطة العامة هي التي تكسبه الطبيعة الإدارية……لهذا العمل “.
ويبدوا أن أستاذنا عمار عوابدي بقي الوحيد في هذا الاتجاه إلى حد الساعة ذلك أن أنصار ومدرسة المرق العام أكثر عددا ونجد من بينهم الأستاذ الدكتور محمد بوسماح الذي يعد أول من كتب عن المرفق العام في الجزائري من خلال مقال مطول نشر في المجلة الجزائرية تحت عنوان :” مدخل للتعريف بالمفهوم القانوني للمرفق العام ” فلقد درس في هذا المقال للمرفق العام من كل جوانبه في الجزائر السياسية والإيديولوجية….إلخ أم الأستاذ أحمد محيو فإن موقفه من النظريتين غير واضح فرغم أنه أولى اهتماما خاصا لنظرية المرفق العام في كتابه ” محاضرات في المؤسسات الإدارية ” إلا أنه ينهي حديثه عن تأسيس القانون الإداري يحمله استعارها من الأستاذ رونيه الذي يحاول التوفيق بين فكرتي السلطة العامة والمرفق العام غير أننا نلاحظ أنه يميل أكثر نحو نظرية المرفق العام لأنه كغيره من الفقهاء متأثر بالتوجه الاشتراكي الذي تنتشر فيه فكرة المرفق العام بوضوح.
الفصل الأول: مبادئ التنظيم الإداري
تمهيد:
استعرضنا فيما سبق كيف أن الإدارة العامة تشكل موضوعا لدراسة القانون الإداري وكيف أن تعريف هذه الإدارة يمكن أن ينظر إليه من زاويتين عضوي أو مادي وكيف أن النظرة المادية للإدارة العامة تبحث الجانب المتحرك فيها فتنظر إليها على أنها تتكون من مجموع أنشطة ووظائف واختصاصات داخل الدولة التي تهدف إلى تحقيق إشباع الحاجات العامة تصنف لنا الجانب الثابت فيها باعتبار أنها من هذا المنظور تشكل من مجموعة المؤسسات والهيئات في الدولة.
إن دراسة المؤسسات الإدارية من منظور قانوني يدخل تحت ما يسمى بالتنظيم الإداري والتنظيم الإداري عملية معقدة جدا لاحتوائها على عناصر متعددة كالتمييز بين النظام المركزي والنظام اللامركزي كقيام المؤسسة الإدارية على الشخصية المعنوية وكارتباط مختلف هذه المؤسسات الإدارية مع بعض بنوع من الروابط السلطوية والمتمثلة في الرقابة الإدارية فالتنظيم الإداري يقوم في معظم الدول ولاسيما الدول التي تنتهج النهج الفرنسي على مبدأين رئيسيين هما : مبدأ الشخصية المعنوية ومبدأ المركزية واللامركزية وأضيف إليها مبدأ ثابت هو مبدأ الرقابة الإدارية.
أ-الشخصية المعنوية ابتكار قانوني بحث فيه من قبل فقهاء القانون فهو من صنعه وخياله.
المبحث الأول: مفهوم وطبيعة الشخصية المعنوية:
الشخص المعنوي أو الشخص الاعتباري هو مجموعة من الأشخاص أو الأموال تستهدف تحقيق غرض مشترك معين والشخصية القانونية في نظم القانون هي القدرة على اكتساب الحقوق والالتزام بواجبات وتتجسد في أهلية الأداء وأهلية الوجوب، لقد أوجد الفقه هذه الشخصية بغرض تفسير بعض النتائج القانونية المترتبة على التصرفات التي يقوم بها هذا الشخص إلا أنه لم يتفق على رأي واحد بخصوصه من ثم ظهرت عدة مذاهب تؤكد وتنكر وجود الشخص الاعتباري.
المطلب الأول: المذاهب المنكرة لفكرة الشخص الاعتباري:
ويتصدرها الفقيه الفرنسي دوقى الذي يرى فيها افتراض لا جدوى منه لأنها لا تملك إرادة حقيقية فإرادة الدولة تتكون من إرادات الحكام لا غير وعليه فلا وجود ولا أثر للشخصية المعنوية إلا بالنسبة لغيرها من الهيئات والجماعات وهو القائل بهذه المناسبة ” لم يسبق لي أن تناولت الغذاء مع شخص معنوي” إن هذه النظرية غير مقبولة بالنظر إلى النتائج التي توصل إليها ولهذا هاجر غالبية الفقه هذه النظرية لصالح النظريات المؤيدة لوجود الشخص الاعتباري.
المطلب الثاني: المذاهب المؤيدة لوجود الشخص الاعتباري:
رغم أن غالبية الفقه متفق اليوم على الاعتراف بالشخص المعنوي بالوجود إلا أنه لا يتفق أبدا حول الأسرة التي يقوم عليها هذا الشخص و تكييفه له فعبر على ذلك من خلال ثلاث نظريات هي:
الفرع الأول: نظرية الافتراض ( الحيلة القانونية): يرى الفقيه ساقيني أن الإنسان هو الشخص الحقيقي الوحيد على ظهر الأرض وأن الشخص المعنوي معدوم الإرادة الذاتية وبالتالي فهو مجاز وافتراض ومحضى حيلة قانونية لتفسير كيفية اكتساب هذه الحقوق والتزامها بالواجبات وعلى هذا تكون الأشخاص الاعتبارية من صنع المشرع وحده وهو أمر قد يستغله هذا الأخير استغلالا يضرب لمصلحة العامة لذلك رأى فريق آخر أن الشخص المعنوي شخص حقيقي .
الفرع الثاني : نظرية الحقيقة : يرى أصحاب هذه النظرية أن الشخص المعنوي حقيقة واقعة تفرض نفسها على المشرع الذي لا يملك سوى الاعتراف بها وهو كالشخص الطبيعي يتمتع بإرادة ذاتية في أغلب الحالات ، لكن هذه النظرية بالغت في تشبيه هذا الشخص بالشخص الطبيعي وهو أمر غير مقبول من الناحية المنطقية.
الفرع الثالث: نظرية الحقيقة التقنية: وهي وسط بين النظرتين الواقعية والحقيقية والافتراض القانوني بحيث ترى أن الشخص المعنوي ليس افتراض ولا حقيقة طبيعية بل حقيقة تقنية وهو عبارة عن مجموعة من الأشخاص والأموال المنظمة بقصد تحقيق غرض معين يختلف باختلاف طبيعة الشخص ذاته.
هذا ويترتب عن أخذ بالشخصية المعنوية مجموعة من النتائج أهمها:
1-الاستقلال الإداري للشخص المعنوي عن بقية الأشخاص الطبيعيين المكونين له والاعتباريين الذي يتعامل معهم.
2-دقة مالية تسمح لها بامتلاك الأموال وصرفها في حاجاته.
3-حق التقاضي وتمثيل مصالحه كمدعي أو مدعى عليه أمام الجهاز القضائي ( القضاء الإداري).
4-قبول الهبات والعطايا التي تقوم له من طرف الأشخاص الآخرين كتجسيد أهلية الوجوب.
المطلب الثالث:أنواع الأشخاص المعنوية:
المادة 49 من القانون المدني الجزائري المعدل والمتمم ” تكتب” من قانون رقم 05-10 مؤرخ في 20 يونيو 2005.
الأشخاص الاعتبارية هي:
¨ الدولة، الولاية، البلدية:
¨ المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري.
¨ الشركات المدنية والتجارية.
¨ الجمعيات والمؤسسات الوقف
¨ كل مجموعة من أشخاص أو أموال يمنحها القانون شخصية قانونية.
يستخلص من هذه المادة أن الأشخاص الاعتبارية أو المعنوية على نوعين: أشخاص اعتبارية عامة وخاصة.
1-أشخاص اعتبارية خاصة:
يقصد بالأشخاص الاعتبارية الخاصة مجموع الأشخاص والأموال المرصودة لتحقيق غرض معين في ظل القانون الخاص ( المدني أو التجاري) المادة 49.
2-أشخاص اعتبارية عامة:
أما الأشخاص المعنوية العامة فيقصد بها مجموع الأشخاص والأموال المرصودة لتحقيق هدف معين في ظل القانون العام وهي التي عدلها المشرع في المادة 49 ( الدولة ، البلدية الولاية ، المؤسسات العامة) ويستنتج من هذا التصنيف أن المشرع يميز بين نوعين من الأشخاص المعنوية العامة وهي:
1-الأشخاص المعنوية الإقليمية:
يقصد بها ذلك التجمع الذي يظم عدد من البشر في إقليم معين ومثال: الدولة، البلدية والولاية.
وتتميز هذه الأشخاص بعناصر أساسية ميزة لها هي:
¨ احتوائها على أجهزة منتخبة.
¨ تمتعها بذمة مالية مستقلة لتأدية نشاطها.
¨ تمتعها باختصاص عام داخل حدود إقليمها.
والدولة تعتبر الشخص الوحيد التي تملك صلاحية تحديد الاختصاص لنفسها ودون قيد في حين تستمد الأشخاص الأخرى هذا الاختصاص من الدولة ذاتها.
2-الأشخاص المعنوية المرفقية( المصلحية): فتقوم على وجود مصالح أو مرافق عامة يعترف لها المشرع في الشخصية المعنوية لتأدية اختصاصها المصلحي أو المرفقي (ليس الإقليم).
المبحث الثاني: المركزية واللامركزية الإدارية (الأساس التقني):
إن من المبادئ التي يقوم عليها التنظيم الإداري إلى جانب الشخصية المعنوية التي تستخدم كتقنية قانونية لتفسير تصرفات الدولة وهيئاتها نذكر مبدأين المركزية و اللامركزية الإدارية وهما مبدأين يحددان أسلوب توزيع الاختصاصات والسلطات في الدولة.
فالدولة هي شخص معنوي عام إقليمي على نحو متقدم تتميز بخاصيتين أساسيتين هما:
1-خاصية السيادة: وتتمثل في حق الدولة في بسط نفوذها في المجالين الداخلي والخارجي.
2-خاصية الشمولية: وتتمثل في الشمولية الإقليمية والشمولية الوظيفية بمعنى شمول الدولة واختصاصها بكل إقليمها البري والبحري والجوي وشمول الدولة لكل الوظائف فيها فالوظائف الأساسية في الدولة هي من صلاحياتها وحدها كوظيفة التشريع ووظيفة التنفيذ ووظيفة القضاء.
والدولة كشخص معنوي إقليمي تتوفر على عدد كبير من الهيئات والمؤسسات يتم تنظيمها وتوزيعها عبر الوطن بحسب ما تمليه ظروف المجتمع عادة ما يكون مستوى نضج الشعب مؤشر من المؤشرات التي يقوم عليها هذا التوزيع الذي لا يخرج عن أحد النظامين : النظام المركزي و اللامركزي.
المطلب الأول : النظام المركزي:
نظام إداري يسند فيه اتخاذ القرارات إلى السلطة المركزية في الدولة. ويقصد بالمركزية الإدارية تجميع السلطات في هيئات مركزية في العاصمة وفروعها في الأقاليم ممثلة في الوزراء و المديرين المركزيين والأعوان المنتشرين عبر الأقاليم في تسلسل هرمي تدرجي يخضع فيه الموظف الأدنى للموظف الأعلى رتبة ضمن ما يسمى بالسلطة الرئاسية التي تعطي لصاحبها مجموعة من الاختصاصات يباشرها على مرؤوسيه كاختصاص إعطاء الأوامر للقيام بعمل معين أو الامتناع عن القيام بعمل معين واختصاص توجيههم واختصاص تأديبهم …الخ.
ويمثل الهيئات الإدارية المركزية كل من : (ر.ج) و (و.أ) والوزراء وهي كهيئات مستقلة لا تملك شخصية معنوية لأن هذه الأخيرة تعطي للدولة ككل وما هؤلاء الأشخاص سوى أجهزة ممثلة لها وعاملة باسمها أن لهذه الهيئات نوعان من الاختصاصات : اختصاصات سياسية تقوم فيها بطرح السياسة العامة للبلاد داخل ما يسمى بالحكومة واختصاصات إدارية تتمثل في تنظيم قطاعاتها الإدارية عن طريق الإدارية التنظيمية التي تتخذها لهذا الغرض وإذا كان اللجوء إلى الأسلوب المركزي يحقق بعض المزايا كتدعيم وحدة الدولة وتقوية النظام فيها وخلق نوع من المساواة بين المواطنين فيها فإن لهذا الأسلوب من التنظيم الإداري عيوبه لعل أهمها يكمن في جهل هذا النظام بالحقائق المحلية وفي إفراد بيروقراطية متعفنة مما دفع بالفقه المناصر للتنظيم المركزي إلى محاولة علاج عيوب هذا النظام دون التنازل عنه أو إلغاؤه فظهر أسلوب إداري للتنظيم الدولة هو أسلوب عدم التركيز الإداري.
ويقصد بعدم التركيز الإداري تنازل الأجهزة المركزية عن بعض اختصاصاتها لصالح الأجهزة الإدارية المحلية الممثلة لها في الأقاليم أو هو عبارة عن إعادة لتوزيع سلطات اتخاذ القرار في الدولة بما يحقق تخفيفا في الأعباء العامة للجهاز المركزي على الأجهزة المتنازل لها عن بعض الاختصاصات عن طريق الرقابة السلطة الرئاسية التي تمارسها الإدارة المركزية على أعوان عدم التركيز الذين يمثلهم كل من الوالي ، رئيس الدائرة في التنظيم الإداري الجزائري.
1-تعريف اللامركزية الإدارية:
تعرف اللامركزية الإدارية لكونها :”مجموعة الأشخاص الإدارية العامة المستقلة تمارس اختصاصاتها الإدارية إقليميا ومصلحيا بواسطة مجالس منتخبة أو هيئات إدارية تحت وصاية وإشراف الدولة دون أن تخضع لها “.
وهذا ما تشير إليه المادة 16 من الدستور تنص ” يمثل المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية ومكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية”.
فالتنظيم الإداري اللامركزي تنظيم مقابل التنظيم المركزي ومغاير له تماما وعليه فهو يتميز ويقوم على أركان وخصائص تختلف عن الأركان والخصائص التي يقوم عليها النظام المركزي و أهم هذه الأركان هي :
1-إن اللامركزية تقوم على الشخصية المعنوية وما ينتج عنها من نتائج كالأهلية القانونية والاستقلال الإداري والمالي وحق التقاضي…إلخ
2-إن اللامركزية الإدارية تقوم على مجالس منتخبة أو مسيرة (مدير) ينتخب أو يختار من بين المواطنين محليا أو إصلاحيا تشارك هذه المجالس في تسيير شؤون العمومية المحلية فضلا عن قيامها بتمثيل مواطني الناحية داخل هذه المجالس .
3-إن اللامركزية الإدارية تخضع لرقابة من نوع خاص هي الرقابة الوصائية، الشيء الذي يعطي للمجالس المنتخبة حرية أكبر في التصرف والتحرر دون حرج أو قيد عدا القيد المشروعية أو الشرعية.
4-إن اللامركزية الإدارية تتمتع بالطابع المزدوج هما:
الطابع الإداري والطابع السياسي، أما الطابع الإداري فيتمثل في ممارسة اختصاصاتها الإدارية عن طريق إصدار القرارات الإدارية وإبرام العقود وصفقاتها الإدارية بواسطة أعوان وموظفين عموميين يتصرفون في أموالها العامة أما الطابع السياسي فيكمن في الديمقراطية التي تتجلى في إفساح المجال للمواطنين للمشاركة في تسيير شؤونهم العمومية (مصالح عامة) بأنفسهم عن طريق الانتخاب.
كما تتجلى هذه الديمقراطية أيضا تدريب المواطنين على الخضوع للرأي الغالب واحترام رأي الأقلية في المداولات التي يجريها أعضاء المجلس في اجتماعاتهم وفي ذلك مدرسة للتعلم الديمقراطية.
5-من أركان وخصائص اللامركزية وجود مصالح محلية متميزة عن المصالح العمومية الوطنية ويتجلى ذلك في الاختصاصات التي حددها القانون للبلدية بحيث يعتبر كل ما هو داخل هذه الاختصاصات من الشؤون العمومية المحلية وما لم يدخل فيها ليس كذلك.
2-أنواع اللامركزية :
هناك من يميز بين اللامركزية الإدارية باعتبارها أسلوب الإدارة وتسيير واللامركزية السياسية باعتبارها أسلوب حكم يتمتع بالسيادة والاستقلال السياسي، و إذا كانت اللامركزية السياسية لا تهمنا دراستها الآن إذ تدخل دراستها في مجال دراسة القانون الدستوري فإن اللامركزية الإدارية تشكل محورا من المحاور الأساسية لدراسة القانون الإداري وبالتالي نميز بين نوعين منها هما :اللامركزية الإدارية الإقليمية و اللامركزية المصلحية .
1-اللامركزية الإقليمية : تعني قيام اللامركزية على أساس جغرافي بحيث تقسم البلاد إلى وحدات جغرافية تتمتع بالشخصية المعنوية تضم مجموعة سكانية ترتبط فيما بينه بروابط التضامن وتشخيص من بينها من يقوم بتسيير شؤونها المحلية بصفة مستقلة عن أجهزة الدولة المركزية واهم أمثلة للإدارة اللامركزية في الجزائر حسب المادة 15 المعدل هما الولاية و البلدية.
2-اللامركزية المرفقية أو المصلحية : تقوم على أساس وجود مصالح أو مرافق عمومية متخصصة في ميدان من الميادين كالجامعة و المستشفى فهما مرفقان مستقلان عن المركز ( الدولة، أو الوزارة المعنية ) إلا أن توزيعها لم يكن على أساس الإقليم بل على أساس وجود مصالح مميزة كمصلحة التعليم ومصلحة الاستشفاء ، و البريد وغيرها….إلخ.
3-تقدير نظام اللامركزية:
يتميز النظام اللامركزي في ببعض المحاسن أهمها :
¨ يشكل أقرب التنظيمات الإدارية إلى القضايا المحلية
¨ يشكل مدرسة للتعلم الديمقراطية الإدارية بفضل انتخاب مجالسها وخضوع الأقلية لرأي الأغلبية في مداولات هذه المجالس المنتخبة.
أما عيوب هذا النظام فتتمثل أساسا:
في تجاهل القضايا الوطنية وتغليب القضايا المحلية فضلا عن كونه محل تبديد وتبذير أموال الدولة في قضايا محلية تبدوا تافهة أمام القضايا الأخرى.
الواقع أن اللامركزية الإدارية كما قلنا ليست لا مركزية سياسية بمعنى أنها لا تمثل وحدة لحكم و إنما هي أسلوب ونظام تسيير الإدارة فقط و بالتالي فهي تبقى مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدولة الأم فنحن لسنا بصدد دولة أحادية متكونة من عدة دويلات وإنما نحن أمام دولة موحدة سياسيا وغير مجزأة ( الجزائرية جمهورية ديمقراطية شعبية وهي وحدة لا تتجزأ) علمنا واحد سيادتنا كاملة وغير منقوصة كل ما هناك هو نقل بعض الاختصاصات إلى الهيئات المحلية التي تشارك الدولة في التسيير الإداري ووسيلة ارتباط الهيئات المحلية بالدولة المركزية هي الرقابة والرقابة مبدأ من مبادئ التنظيم الإداري عند البعض وهو ليس كذلك عند البعض الآخر ما المقصود بالرقابة؟.
المطلب الثاني : الرقابة الإدارية :
1-تعريف الرقابة:
الرقابة هي مظهر من مظاهر السلطة و السيادة و القيادة فهي تعني الحراسة وتعني التفتيش وتعني التدقيق كما تعني المراجعة و الإشراف، هذه المترادفات جميعها تؤكد أن الرقابة مفهوم سياسي و ليس مفهوم قانوني لأنها تقوم على السلطة و القوة فهي لا تعبر على علاقة حقوقية (إنشاء مراكز قانونية) وإنما تعبر عن علاقة تبعية بين سيد وتابع بين رئيس يعطي أوامر ومرؤوس يطيع هذه الأوامر وبين قوي يسود وضعيف يخضع ، بين من هو مشرف وبين من هو مشرف عليه.
2-أنواع الرقابة:
للرقابة أنواع نذكر منها:
أ-الرقابة السياسية:
وتتمثل في رقابة المجالس الشعبية للمؤسسات الإدارية ( المادة 159 من الدستور).
ب-الرقابة القضائية :
وتتمثل في مراقبة القاضي الأعمال الهيئات الإدارية عن طريق الدعاوى التي يقدمها المواطنون ضد الإدارة أمام القاضي الذي يحكم لصالح الإدارة برفض دعوة المدعين أو ضد الإدارة بإلغاء قراراتها وبمطالبتها بتعويض المتضررين من تصرفاتها ( المادة 152 من الدستور المعدل).
ج-الرقابة الإدارية:
الرقابة التي تمارسها الإدارة على نفسها ولذلك تسمى أيضا بالرقابة الذاتية فالإدارة وحرصا منها على سرعتها تسعى إلى التقليل من الأخطاء التي قد يقع فيها أعوانها ولذلك فهي تسمى أيضا بالرقابة الداخلية تراقب أعمال الأعوان قبل أن تعرضها للمساءلة من الغير (القضاء و البرلمان ، السياسة الغير) سواء تمثل هذا الغير في القاضي الإداري أو في غيره.
فالرقابة الإدارية تستهدف تحقيق السير الحسن للإدارة وشرعيتها وفاعليتها.
3-أهداف الرقابة الإدارية :
ترمي الرقابة بوجه عام والرقابة الإدارية بوجه خاص إلى تحقيق أحد الأهداف التالية:
أ-الرقابة الشرعية: يراد بها التأكد من مدى مطابقة أعمال الإدارة للقانون.
ب-الرقابة الملائمة: يراد بها التأكد لمدى صلاحية و ملائمة العمل الإداري خصوصا عندما تستعمل الإدارة سلطتها التقديرية عندما يبحث القاضي ليس في مدى مطابقة التصرف الإدارة للقانون لأن الإدارة لا تتصرف وفق القانون وإنما وفق سلطتها التقديرية بل يبحث في مدى ملائمة القرار الذي اتخذته مع الوضع القانوني العام السائد في الدولة.
ج- مراقبة الفاعلية والمردودية: وهي رقابة ترمي إلى حق الإدارة على القيام بأعمالها في الوقت المحدد لها و بأكثر سرعة وبأقل جهد وتكلفة ، فضلا عن تحقيق أكبر مردود وأكبر نتيجة ممكنة من العمل الإداري .
4-صور الرقابة:
يمكن تلخيص هذه الصورة فيما يلي:
1- الرقابة القبلية: (سابقة) :
ويقصد بها الرقابة التي تمارسها الإدارة قبل إنجاز العمل فهي رقابة سابقة عليه.
2- رقابة بعدية: (لاحقة) :
وهي رقابة تمارسها الإدارة بعد إنجاز العمل وهي لاحقة وهناك إلى جانب تلك الرقابة وفي نفس السياق آنية وهناك الرقابة التي تتم أثناء القيام بالعمل الإداري.
3-رقابة خارجية ورقابة داخلية:
وهي رقابة تمارس من قبل هيئات خارجية لأنها تتم من هيئة أجنبية وخارجية عن الهيئة التي تمت مراقبتها أما الرقابة الداخلية فتتم من نفس الهيئة الإدارية المعنية كمراقبة مدير الجامعة لأعوان الجامعة أو مسؤولي المصالح الجامعية.
5-أصحاب الرقابة الإدارية:
تمارس الرقابة الإدارية هيئات محددة هي:
1-السلطات التي لها الحق في إصدار القرارات الإدارية .
2-هيئات التقنين المختلفة ( وزارية، قطاعية …الخ)
3-الرقابة المباشرة: التي تتم من الرئيس على مرؤوسيه.
6-أنواع الرقابة الإدارية:
هناك نوعين من الرقابة الإدارية هما:
1-الرقابة الرئاسية:
وهي رقابة يقوم بها الرئيس الإداري على مرؤوسه ومن خصائص هذه الرقابة أنها رقابة آلية ومفترضة بمعنى أنها لا تحتاج إلى النص القانوني لممارستها وإنما يمارسها صاحبها لمجرد تعينه كرئيس هي تشمل شخص المرؤوس وأعماله بحيث يحق للرئيس أن يوجه ما شاء من التوجيهات للمرؤوس في إطار المهمة المنقولة إليه.
2-الرقابة الوصائية:
إن كانت الوصاية في القانون المدني تعني وجود شخص قاصر وناقص أو عديم الأهلية يعين لهم وصي فإن الوصاية في القانون الإداري لها مفهوم إيجابي لأنها تتم من هيئة كاملة الصلاحيات على هيئة أخرى مستقلة وكاملة الصلاحيات هي الأخرى على أن الرقابة الوصائية لا تتم إلا بالنص ووفق ما يمليه النص فهي ليست رقابة آلية أو مفترضة بل هي رقابة نصية تتم بنص ووفقه، وهي تشمل الهيئة وأهم أساليب هذه الرقابة تتمثل في :
المصادقة والإلغاء والعدول والتعديل وبالمقابل أعطى المشرع للهيئات الموصى عليها ( الجامعة إدارة لا مركزية ومدير الجامعة علاقته بالوزارة هي رقابة وصائية لأنها رقابة هيئة على هيئة ، في حين الوزارة إدارة مركزية).
الباب الثاني: التنظيم الإداري الجزائري
بعد أن استعرضنا الجانب النظري من التنظيم الإداري وحددنا المبادئ التي يقوم عليها هذا التنظيم نشرع الآن في إدارية الجانب العملي منه ونستعرض أولا المؤسسات المركزية ثم نتبعها بدراسة المؤسسات اللامركزية في الجزائر.
الفصل الأول: المؤسسات المركزية الجزائرية.
نبحث فيها :
¨ رئيس الجمهورية صلاحياته والهيئات المساعدة له .
¨ رئيس الحكومة صلاحياته.
¨ الوزارة صلاحياتها وهيئاتها.
المبحث الأول: رئيس الجمهورية:
تنص المادة 70 من الدستور الصادر سنة 1989 المعدل سنة 1996 على ما يلي: ” يجسد رئيس الجمهورية رئيس الدولة وحدة الأمة.
وهو حامي الدستور ، ويجسد الدولة داخل البلاد وخارجها ، له أن يخاطب الأمة مباشرة “.
تضع هذه المادة رئيس الجمهورية على رأس المؤسسات الإدارية والسياسية والعسكرية الجزائرية وبهذه الصفة فهو يحظى بالعديد من الصلاحيات نذكر بعضها على سبيل الاختصار.
1-صلاحيات رئيس الجمهورية: يتمتع رئيس الجمهورية حسب المواد 76، 77، 78 91 إلى 98، 124، 125 إلى 132، 154 إلى 156-164 -166 170-171 إلى 173-174 إلى 176-177.
وبصلاحيات واسعة سياسية إدارية عسكرية دبلوماسية …الخ.
وهي صلاحيات تجعله ، يهيمن على السلطة التنفيذية هيمنة تكاد تكون هيمنة كاملة ، وقد جاء في المادة 77 من الدستور ما يلي:
يضطلع رئيس الجمهورية بالإضافة إلى السلطات التي تخوله أحكام أخرى في الدستور بالسلطات الآتية:
1-هو القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية.
2-يتولى مسؤولية الدفاع الوطني.
3-يقرر السياسة الخارجية للأمة ويوجهها.
4-يرأس مجلس الوزراء.
5-يعين الوزير الأول وينهي مهامه.
6-يوقع المراسيم الرئاسية.
7-له حق إصدار العفو وحق تخفيض العقوبات أو استبدالها.
8-يمكنه أن يستشير الشعب في كل قضية ذات أهمية وطنية عن طريق الاستقبال.
9-يبرم المعاهدات الدولية ويصادق عليها.
10- يسلم أوسمة الدولة ونياشينها أو شهاداتها التشريفية.
أما نحن فلا يهمنا في هذا الموضوع سوى البحث في صلاحيات رئيس الجمهورية فما هي صلاحيات رئيس الجمهورية.
2-سلطات رئيس الجمهورية الإدارية:
تعتبر الصلاحيات الإدارية إحدى أهم الصلاحيات وذلك على اعتبار أنه الرئيس الإداري الأول في البلاد وتتلخص هذه الصلاحيات فيما يلي:
أ-السلطة التنظيمية ( المادة 125/1 ، من الدستور 1989 المعدل ): يقصد بالسلطة التنظيمية الاختصاص المنوط بهيئات السلطة التنفيذية (الإدارة العامة) بسن قواعد قانونية عامة ومجردة لا تختلف من الناحية الموضوعية و المادية عن القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية السلطة التنظيمية موكلة لبعض هيئات و أجهزة الإدارة العامة بينما السلطة التشريعية تسند أصلا للهيئة التشريعية و بهذا الصدد تنص المادة 125 على ما يلي : ” يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون “. وهذا يعني أنه من حق رئيس الجمهورية المساهمة في الوظيفة الإدارية للدولة وذلك بإصدار التنظيمات (اللوائح) المستقلة وهي التنظيمات التي يصدرها الرئيس في المجال الذي لا يحق للبرلمان التدخل فيه إذ بالنظر إلى مبدأ الفصل بين السلطات فإنه لا يحق لأي من السلطات الثلاث التدخل في مجال السلطة الأخرى ولما كان المؤسس ( الدستور) قد حدد مجال التشريع حصر في المادة 122 منه وبعض المواد المتناثرة في الدستور المعدل فإن ما تبقى من هذا المجال يتدخل فيه رئيس الجمهورية عن طريق إصدار تنظيم لا يستند في تأشيرته للقانون بل للدستور. تماما كما يفعل المشرع عندما يصدر القانون ولذلك سمي هذا التنظيم مستقلا في مقابل التنظيمات الأخرى التي لا تكون كذلك ( تسمى بالمراسيم التنفيذية)لارتباط وجودها بوجود القانون الذي تطبقه أو تفسره.
فالتنظيم المستقل بهذا المعني إنما يملأ الفراغ التشريعي الذي تسبب فيه تحديد مجال تدخل البرلمان و من أمثلة التنظيم المستقل الذي يتخذه الرئيس في هذا المجال النصوص التي يتخذها لإعلان حالة الطوارئ أو الحصار أو التعبئة العامة أو الحرب كما جاء في المواد من 91 إلى 95 من الدستور المعدل ، و لكن رئيس الجمهورية بالجزائر لا يمارس السلطة التنظيمية في المجال المستقل وحسب ما يتعداه في نظرنا ليشمل المجال التنفيذي فعمله لا يقتصر على إصدار التنظيمات المستقلة بل تعداه إلى تنفيذ القانون كما هو الحال بالنسبة لتنفيذ ميزانية الدولة.
وهذا تدخل في مجال يعتبر وفق المادة 125 الفقرة الثانية من الدستور من المجالات المخصصة للوزير الأول كما سيأتي بيانه لا حقا.
نلاحظ بأن رئيس الجمهورية يمارس هذه الوظيفة و السلطة ( وظيفة التنظيم) عن طريق إصدار مراسيم رئاسية (كل عمل تنظيمي يتم بالمراسيم الرئاسية دون تمييز بينها)
و المرسوم أداة من الأدوات القانونية التي تستعملها السلطات العليا في الدولة ( رئيس الجمهورية ،الوزير الأول ) لتبليغ المادة التنظيمية أو الفردية فالمرسوم إذن عبارة عن الشكل الذي يفرغ فيه القرار الإداري الذي يتخذه كل من رئيس الجمهورية و الوزير الأول عن أدائهما لوظيفتهما التنظيمية
ب-وظيفة التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية ( المادة 78 من الدستور): تنص على ما يلي: ” يعين رئيس الجمهورية في الوظائف والمهام الآتية “:
1-الوظائف والمهام المنصوص عليها في الدستور.
2-الوظائف المدنية والعسكرية في الدولة.
3-التعيينات التي تتم في مجلس الوزراء.
4-رئيس مجلس الدولة.
5-الأمين العام للحكومة.
6-محافظ البنك الجزائر.
7-القضاة.
8-مسؤولو أجهزة الأمن.
9-الولاة.
“ويعين رئيس الجمهورية سفراء الجمهورية والمبعوثين فوق العادة إلى الخارج وينهي مهامهم ويتسلم أوراق اعتماد الممثلين والدبلوماسيين الأجانب وأوراق إنهاء مهامهم”.
يتضح من هذه المادة أن لرئيس الجمهورية مجال واسع للتعيين في الجمهورية إذ لا يوجد مجال إلا ويتدخل للتعيين فيه تقريبا ، فهو يعين في الوظائف السياسية والدبلوماسية ويعين خصوصا في الوظائف المدنية والعسكرية كما جاء في الفقرة الثانية من المادة 78 المذكورة أعلاه وفي هذه الفقرة فراغ تركه دستور 1989 في هذا المجال ، فقد جاءت في المادة 74 البند السابع من دستور 1989 قبل تعديلها ما يلي: ” يعين رئيس الجمهوري في الوظائف المدنية والعسكرية للدولة وكنتيجة للصيغة العامة التي جاءت فيه هذه المادة وقع خلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سابقا حول من له الحق دستوريا في تعيين الولاة مما اضطر رئيس الجمهورية إلى اتخاذ مرسوم رئاسي في ذلك الوقت يحدد فيه مجال كل من رئيس الجمهورية ومجال رئيس الحكومة في التعيين إلى الوظائف المدنية والعسكرية وهو المرسوم 89-44 الصادر في 10/04/1989 حاول من خلاله إيجاد نوع من التوازن بين الرئيسين في مجال التعيين إلى الوظائف المدنية بحيث ترك لرئيس الحكومة سابقا مجال لا بأس به من الوظائف السامية والوظائف العليا يعين فيه دون العودة لرئيس الجمهورية.
لكن سرعان ما صدر المرسوم الرئاسي رقم 99-239 ألغي بموجبه رئيس الجمهورية الحالي السيد عبد العزيز بوتفليقة المرسوم 89-44 واستبدله بمرسوم جديد 99-240 الصادر في 27/10/1999.
يعيد فيه النظر في مسألة التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية بحيث فسر البند الثاني من المادة 78 المعدل تفسيرا تعطي لرئيس الجمهورية حصة الأسد في التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية.
ولا يترك لرئيس الحكومة مجالا يعين فيه مباشرة رغم ما جاء فيه في الفقرة من المادة 85 من نفس الدستور التي تعطي لرئيس الحكومة صلاحية التعيين دون المساس بأحكام المادتين 77-78 من الدستور المذكورتين أعلاه بل يكون من حقه فقط اقتراح بعض التعيينات على مستوى الحكومة أو الإدارة المركزية أو الإقليمية حسب ما جاء في المادة من المرسوم 99 -240 المذكور أنفا.
وهذا الأمر يؤكد مدى هيمنة رئيس الجمهورية على السلطة التنفيذية وعدم تركه المجال أمام الوزير الأول حاليا ويمارس رئيس الجمهورية هذه المهمة بإصدار مراسيم رئاسية فردية والملاحظ أن لرئيس الجمهورية مهام كثيرة جدا لا يمكن لأي كان القيام بها بنفسه ولذلك فهو يلجأ إلى إحدى الوسيلتين لتخفيف من أعباء المسؤوليات والمهام الكثيرة التي بها هي :
1-التفويض : معناه تسليم بعض المهام للسلطات الأخرى تقوم بها بدلا من صاحبها الأصلي إذ يجوز لرئيس الجمهورية أن يسلم لجهات معينة بعضا من صلاحياته الإدارية وهو ما تنص عليه المادة 87 من الدستور والتي يستنتج منها بمفهوم المخالفة أن من حق رئيس الجمهورية أن يفوض بعض المسؤولية لغيره تربط أن لا يكون ضمن هذه المسؤوليات بتفويض حقه في تعيين رئيس الحكومة وأعضائها ، كذا رؤوساء المؤسسات الدستورية وأعضائها الذين لم ينص الدستور عن طريقه أخرى لتعيينهم.
2-تعيين إدارة لمساعدة رئيس الجمهورية: لتخفيف من أعباء رئيس الجمهورية عين له كذلك جهاز إداري متكامل يتولى عملية مساعدته يسمى رئاسة الجمهورية، وهو يتكون من مجموعة من الأجهزة والهياكل:
1-الهيئات المساعدة لرئيس الجمهورية : عرفت هذه الهياكل و الأجهزة منذ الاستقلال تقلبات عديدة بحيث لم يستقر لا على حال و لا نظام حيث اختلفت اختلاف الرؤساء و تنوعت بتنوع حاجياتهم كما توسعت هذه الأجهزة و الهياكل بتوسع الدولة و ازدياد تدخلها في المجالات المختلفة للحياة السياسية ،الاقتصادية و إذا كانت هذه الأجهزة في بداية عهد الاستقلال المتواضعة فإنها سرعان ما توسعت في السنين الأخيرة و مع ذلك فهي لن تستقر على حال إلى الآن و قد عرفت إدارة رئاسة الجمهورية أفضل تنظيم لها خلال فترة التسعينيات حيث حظيت بالعديد من النصوص القانونية المنظمة لأجهزتها و هياكلها إن دراسة سريعة لهذه النصوص القانونية للهيئات المساعدة لرئيس الجمهورية يتبين بأن رئاسة الجمهورية تحتوي على الأجهزة و الهيئات الإدارية الآتية:
1-الهيئات الدائمة:
أ-الأمانة العامة ( رئاسة الجمهورية ): يتولى على رأسها المهام الأمين العام ويقوم بالمهام الآتية:
¨ يتابع على المستوى الوطني الأعمال السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويعد تلخيص يقدمه لرئيس الجمهورية.
¨ يعتبر الوسيط بين رئيس الجمهورية وباقي هيئات الدولة يبلغها توجيهاته ويعد تقريرا عنها.
¨ يقوم بتحضير جدول أعمال مجلس الوزراء ويشرف على هذه الأعمال هياكل الرئاسة ويسهر على احترام اختصاصات كل منها .
¨ يقوم بكل الدراسات والتحاليل ويعد كل الملاحظات التي لها صلة بعمله .
¨ يشارك في اجتماعات مجلس الوزراء.
¨ هو الآمر بالصرف بالنسبة للإعتمادات المخصصة لرئاسة الجمهورية .
¨ يقوم بالتوقيع باسم رئيس الجمهورية على كل الوثائق والقرارات، المقررات الصادرة في إطار ممارسة مهامه.
ب-ديوان رئاسة الجمهورية : يترأس مدير الديون ومهامه تتحدد في الآتي : تحضير أعمال رئيس الجمهورية وتنظيمها بالاتصال مع مختلف الجهات التي لها صلة بذلك ومن أجل ذلك فهو يعد برنامج إستقبال رئيس الجمهورية ويوميات تنقله كما يقوم بتنسيق أعمال التشريفات والأمن الرئاسي والصحافة بمناسبة تنقل رئيس الجمهورية وأخيرا يتولى هذا الديوان الأمانة العامة لرئيس الجمهورية.
ج-الأمانة العامة للحكومة: خلفا لما قد يتبادر للذهن فإن الأمانة العامة للحكومة التي يترأسها أمين عام هي هيئة وسطية بين رئيس الجمهورية والحكومة تعد مشاريع النصوص التشريعية وفق هذه الصفة.
¨ يقوم بتحضير أعمال مجلس الوزراء والحكومة.
¨ كما أنها تعد مشاريع النصوص التنظيمية، يتولى نشرها ( التشريعية والتنظيمية ) في الجريدة الرسمية.
¨ تشارك في اجتماعات مجلس الوزراء، مجلس الحكومة وتعد ملخص عن أعمالها تتابع مراحل الإجراء وتوزيع القرارات المتخذة على أعضاء الحكومة.
¨ تتابع مراحل الإجراء التشريعي كإرسال مشاريع القوانين التي تعدها الحكومة ولمساعدته على القيام بكل هذه الأعباء عينا لهم مساعدين : مديرو الدراسات ، مديرون مكلفون بالدراسات والتلخيص ، نواب مديرين وإلى جانب كل المهام التي يقوم بها الأمين العام للحكومة يقوم بصلاحية التفويض والتوقيع باسم رئيس الجمهورية.
2-هيئات رئاسة الجمهورية:
تتكون الهيئات تحت سلطة الأمين العام لرئاسة الجمهورية من مديريات ومن مصالح .
أ-المديريات : يختلف عددها بحسب الظروف لكن أهمها:
¨ مديرية الإدارة العامة والوسائل.
¨ مديرية الإقامة الرسمية.
¨ مديرية التشريفات.
¨ مديريات الأمن الرئاسي.
¨ مديريات الإعلام، مديرية الإطارات والكفاءات، مديرية عامة للأمن والاتصالات والمواصلات.
ب-المصالح: أهمها مصلحة المواصلات السلكية واللاسلكية، مصلحة وسائل الإعلام الآلي مصلحة التحليل والتلخيص للمسائل القانونية.
أما الهيئات المؤقتة فتتمثل أساسا في الهيئات الاستشارية و هي باختصار
3-الهيئات الاستثشارية :
هي على نوعين.
أ-المستشارون لدى رئاسة الجمهورية : يحق للرئيس الجمهورية أن يعين ما يشاء من المستشارين في كل المجالات يساعدونه في تقديم المشورة في مجالات تخصصهم وعندما يطلبها منهم ونذكر من أهم هؤلاء المستشارين مستشار دبلوماسي ، سياسي ، اقتصادي اجتماعي ، مستشار شؤون الأمن ويبقى طبيعة عمل هؤلاء المستشارين هو عمل مؤقت يمكن لرئيس الجمهورية أن يستغني عنهم في كل وقت لكن للعمل الاستشاري أهمية بالغة في الأنظمة الإدارية الديمقراطية بحيث لا تخدم أي إدارة تحترم نفسها في الوقت الحاضر من المهمة الاستشارية.
ب-المؤسسات الاستشارية ( المواد 161-162 من دستور الجزائر) : إلى جانب المستشارين التابعين لرئيس الجمهورية هناك هيئات استشارية دائمة وهي وإن كانت لا تخص رئيس الجمهورية بعملها إلا أنها تقوم هي كذلك بتقديم المشورة لرئيس الجمهورية سواء في شكل تقارير دورية أو عندما يطلبها رئيس الجمهورية منها وهي على نوعين : مؤسسات استشارية دستورية وقد أشارت إليها المادتين (161-162) ومؤسسات استشارية أنشأها رئيس الجمهورية مباشرة بمراسيم رئاسية أهمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، وقد أنشأ بالمرسوم الرئاسي رقم 93 المؤرخ في 05/10/1993 والمجلس الأعلى للشباب الذي أنشء بموجب المرسوم الرئاسي رقم 95/256 المؤرخ في 17/08/1995 والمجلس الأعلى للتربية المنشأ لمرسوم الرئاسي 96/101 المؤرخ11/03/1996.
المبحث الثاني: الحكومة.
الفرع الأول: الوزير الأول:
يعتبر الوزير الأول الشخصية الثانية في السلطة التنفيذية حسب الدستور الصادر سنة 1989 والمعدل سنة 1996 حيث أعطه صلاحيات دستورية شأنه في ذلك شأن رئيس الجمهورية وهو من هذه الزاوية يختلف عما كان سائد في دستور سنة 1976 الذي لم يستعمله مصطلح رئيس الحكومة بل استعمل مصطلح الوزير الأول وهو لم يعين لهذا الوزير الأول أي صلاحية لأن الحكومة يديرها رئيس الجمهورية وفق لما جاء في المادة 114 من نفس الدستور التي تنص : ” تمارس الحكومة الوظيفة التنفيذية بقيادة رئيس الجمهورية ” فالوزير الأول حسب دستور 1976 لم يكن يتمتع بصلاحيات دستورية ولما يستمد صلاحياته من تفويض رئيس الجمهورية فقد كان هذا الوزير الأول شأنه شأن باقي الوزراء تحت المسؤولية المباشرة لرئيس الجمهورية الذي يعين ويعزل منهم من شاء.
ويحدد مهامهم كما يشاء ، ما رتب الحكومة من دستور 1989 فيتمتع بصلاحيات دستورية واضحة ومستقلة عن الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية أشارت إليها المواد من 79 -86 بالإضافة إلى المادتين 119/1 والمادة 125/2.
الفرع الثاني :صلاحيات الوزير الأول:
من أهم الصلاحيات التي يتمتع بها الإطار الإداري خارج عن الإطار السياسي .
1-السلطة التنظيمية: تنص المادة 125/2 من دستور 1989 المعدل 1996 على ما يلي : ” يندرج تطبيق القوانين على المجال التنظيمي الذي يعود للوزير الأول ”
و هذا معناه أن الوزير الأول أصبح يتمتع بسلطة لم تكن له في الدساتير الجزائرية السابقة و هي سلطة التنظيم و سلطة التعيين هنا تفيد الحق في إصدار قرارات إدارية عامة و مجردة لتنفيذ سياسة الحكومة في الواقع عن طريق تطبيق القوانين ( التشريعات) التي تصدر عن السلطة التشريعية ( البرلمان) فالتنظيمات إذن عبارة عن مجموعة من القواعد العامة و المجردة التي تتضمن تنفيذ قانون صادر عن السلطة التشريعية.
فالوزير الأول يشارك رئيس الجمهورية في هذه الوظيفة (الوظيفة التنظيمية) حيث خصصت الفقرة الأولى من المادة 125 لرئيس الجمهورية و هي تتحدث في ظاهرها عن التنظيم في معناه المستقل في حين خص الوزير الأول في الفقرة 2 من نفس المادة و لكن ليتكفل هو بإصدار التنظيم الذي يحتوي على تطبيق القانون فالتنظيم الذي يتكفل به الوزير الأول ليس مستقلا لأنه يستند في وجوده على وجود القوانين أو تنفيذها في حين أن التنظيم الذي يصدر رئيس الجمهورية لا يحتاج لها في وجوده.
لأن مهمته الأساسية ليست تنفيذ و لا تفسير القانون بقدر ما هو تكملة و سد الفراغ الذي تركه المؤسس عندما حدد المجال التشريعي و ترك الباب واسعا أما اللوائح التنظيمية المستقلة غير أن ذلك لا يعني أن رئيس الجمهورية لا يحق له إصدار التنظيمات بغرض تنفيذ القوانين التي يصدرها البرلمان في حالات معينة لاسيما تلك المتعلقة بالسيادة ( تنفيذ قانون المالية ) في جانبه الخاص بتوزيع اعتمادات الرئاسة ووزارة الشؤون الخارجية في حين لا يحق للوزير الأول تجاوز المجال التنظيمي الذي حدده له الدستور و هو مجال تنفيذ القوانين.
وهذا يوضح مدى توسع سلطات رئيس الجمهورية على حساب سلطات الوزير فالرئيسان لا يتقسمان الوظيفة التنفيذية و لا يمكن وصف علاقتهما في هذا المجال بالعلاقة المتكافئة و لا بالمتساوية بل هي علاقة هيمنة و تبعية من الوزير الأول لرئيس الجمهورية رغم التقدم الذي أحرزت هذه العلاقة في دستور 1989 و 1996 و الذي قزمه وحدده التعديل الأخير.
2-سلطة التعيين: تنص المادة 85 من الدستور: ” يمارس الوزير الأول، زيادة على السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور ،الصلاحيات الآتية :
1-يوزع الصلاحيات بين أعضاء الحكومة مع احترام الأحكام الدستورية
2-يرأس مجلس الحكومة
3- يسهر على تنفيذ القوانين و التنظيمات
4-يوقع المراسيم التنفيذية
5-يعين في وظائف الدولة دون المساس بأحكام المادتين 77 و78 السابقتين الذكر
6-يسهر على حسن سير الإدارة العمومية.
و قد سبق لنا التفصيل في هذا الموضوع عندما تطرقنا لدور رئيس الجمهورية في هذا المجال و أشرنا إلى الخلاف الذي قام بين الرئيسين و كيف تم معالجته آنذاك و من بعدها كيف تدخل رئيس الجمهورية الحالي بإلغاء المرسوم رقم 89/44 بحيث استعاد لنفسه معظم مجالات التعيين مسؤولي الدولة و لم يترك لرئيس الحكومة إلى الشيء القليل منها و حتى هذا القليل لا يباشر التعيين به مباشرة و إنما يكتفي باقتراح الأشخاص الذين يراهم صالحين لبعض المناصب العليا في الدولة على رئيس الجمهورية ليتم تعيينهم بمراسيم رئاسية حيث اقتصر تدخل الوزير الأول في هذا النطاق على ما جاء في المادة 5 ف2 من المرسوم رقم 99/ 240المتعلق للتعيين في الوظائف المدنية و العسكرية للدولة تنص على ما يلي : ” يعين في المناصب و الوظائف المنصوص عليها في النطاق من 5 إلى 8 من المادة 03 أعلاه باقتراح من رئيس الجمهورية باستثناء وظيفتي رئيس ديوان الوزارة و المكلف بالدراسات و التلخيص اللتين يتم التعيين فيهما باقتراح من الوزير المعني و تلك المنصوص عليها في النقاط 6-1 و6-2و6-3 من المادة 03 أعلاه التي يتم التعيين فيهما وفق كيفية خاصة.
و بهذا يكون المرسوم الرئاسي رقم 99-240 قد أفرغ المادتين 77 ،78 من محتواهما الحقيقي و لهذا اعترض البعض على أحكام هذا المرسوم الذي اعتبروه غير دستوري و هناك وظائف أخرى إدارية للوزير الأول منها سهره على حسن سير الإدارة العمومية وتوزيع الصلاحيات بين أعضاء الحكومة و كذلك يسهر على تنفيذ القوانين و التنظيمات و يشرف على تطبيق برنامج محدد تمت مناقشته أمام البرلمان و هو مسؤول على تنفيذه أمام هذا البرلمان و أمام الشعب و لهذا الغرض فهو ينشئ المرافق الضرورية لتلبية حاجات المواطنين و يصدر أوامره للجهاز الإداري لتنفيذ سياسته و ينشط الطاقم الحكومي بعد أن يعين صلاحيتهم .
كما أنه يوقع على المراسيم التنفيذية بعد موافقة رئيس الجمهورية على ذلك.
الفرع الثالث: الوزارة: تتكون الحكومة من الوزير الأول ومن الوزراء والوزراء هم من يشرف على قطاعات تسمى الوزارات.
1-تعريف الوزارة: هي وحدة إدارية مركزية متخصصة.
فهي مركزية لأنها تصدر قراراتها لتشمل كل التراب الوطني وهي متخصصة لأنها تقوم على مبدأ التخصص والذي يعني أن الدولة عندما تقيم نظامها تقوم بتوزيع المهام الحكومية فيها على عدد من القطاعات يختص كل قطاع فيها لمهمته محددة.
معايير تحديد الاختصاص الوزاري:
لتحديد الاختصاص الوزاري أو الكيفية التي يتم توزيع هذا الاختصاص أوجد علماء الإدارة ثلاثة معايير هي:
1-المعيار الجغرافي :
يفيد هذا المعيار أن توزيع الاختصاص على الوزارات يتم على أساس إقليمي جغرافي بحيث تقسم البلاد مثلا إلى عدد من الأقاليم الجغرافية يوضع على رأس كل إقليم منها وزير يخصص بشؤون هذا الإقليم فالوزير هنا ليس وزيرا للمالية ولا وزير للصحة بل وزير لإقليم معين يتكفل بكل شؤونه سواء كانت مالية أو صحية و تعليمية أو غيرها بحيث يصبح هذا الوزير عبارة عن رئيس حكومة داخل حكومة أخرى و قد طبق هذا النظام في الجزائر عندما أسست محافظة الجزائر الكبرى ووضع على رأسها وزير مفوض فوق العادة إلا أن لهذا النظام مساوئ عديدة منها أنه يدعم الفرقة الوطنية و لا يسمح بالتنمية الموحدة فضلا عن صعوبات تطبيقية من الناحية الواقعية خصوصا في بلدان العالم المتخلف.
2-المعيار الأفقي :
يقوم هذا المعيار على أساس توزيع الاختصاص الإداري انطلاقا من وجود مهمة تشمل كل القطاعات بحيث كلما وجدت وظيفة أو مهمة تشمل كل القطاعات إلا و شكلتها وزارة فمثلا تعتبر وزارة المالية وزارة قائمة على أساس المعيار الأفقي لأنها تشمل كل القطاعات في الدولة فسواء كن في التربية أو التعليم أو الصحة أو الفلاحة أو السكن أو الدفاع أو في أي ميدان آخر فإننا سنكون دائما في حاجة إلى المالية فالتوزيع لا يتم على أساس قطاعات يفصل بينها الاختصاص عموديا و إنما تجمع هذه المهمة بين مختلف القطاعات أفقيا.
3-المعيار العمودي :
هو المعيار الذي يقوم على وجود قطاعات معينة كقطاع الصحة و التعليم و السياحة الخ بحيث يتكفل كل وزير في هذا التقسيم بقطاع اجتماعي أو اقتصادي أو تربوي أو غيره من القطاعات و إذا كانت معظم الدول تأخذ في الوقت الحاضر فإنه ليس هناك من يمنع من الجمع بين هذه الأساليب كما فعلت الجزائر عندما أوجدت محافظة الجزائر الكبرى و هي تمثل المعيار الجغرافي ووزارة المالية و هي تمثل المعيار الأفقي ووزارة التعليم العالي و هي تمثل المعيار العمودي .
و الوزارة و إن كانت وحدة إدارية مركزية هامة في البلاد فإنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية على اعتبار أنها تمثل قطاع من قطاعات الدولة و لا تمثل نفسها فوزير التعليم يتحدث بإسم الدولة في قطاعه ووزير الصحة يفعل نفس الشيء و هكذا يقوم على هذه الوزارة ،وزير يعمل تحت إمرة الوزير الأول و رئيس الجمهورية.
الوزير: مسؤول إداري وسياسي عندما يكون في الحكومة ومسؤول إداري عندما يكون في الوزارة وبهذه الصفة يمارس عدة اختصاصات إدارية.
2-اختصاصات الوزير الإدارية: يمكن حصرها بإيجاز في ما يلي:
¨ يتكفل بالتنظيم الإداري في قطاع وزارته.
¨ يمارس السلطة الرئاسية فيها وبهذه الصفة فهو يعين الموظفين والأعوان الإداريين والتقنيين التابعين لقطاعه ويراقبهم ويسهر على حسن سير أدائهم لأعمالهم ويتكفل بسيارتهم المهنية من حيث ترقيتهم ودفع أجورهم وتكوينهم وتحسين مستواهم وعند الضرورة يسلمهم إلى مجلس التأديب لمعاقبتهم عن الأخطاء الإدارية التي ارتكبوها أثناء ممارستهم لمهامهم.
¨ الوزير هو المسير المالي في قطاعه.و بهذه الصفة يعتبر الآمر بالصرف فيها بحيث لا يمكن لغيره الأمر بصرف الإعتمادات المالية المخصصة لوزارته.
¨ يمثل الدولة في قطاعه ، يبرم العقود و التصرفات القانونية باسمها ،يمثلها أمام القضاء و أمام البرلمان بغرفتيه كما يمثل الدولة في الاحتفالات الدولية و يتحدث باسمها
¨ يساهم في السلطة التنظيمية عن طريق المشاركة في إعداد نصوص المراسيم التنفيذية و كذا بإصدار قرارات إدارية أخرى لتنفيذ برنامج الحكومة في قطاعه.
2-الأجهزة المساعدة الوزير:
هناك نصوص عديدة تنظم الإدارة الوزارية من بينها المرسوم رقم 90/188 المحدد لهياكل الإدارة المركزية في الوزارات الجريدة الرسمية رقم 26 السنة 1990.
أما بالنسبة للمصالح الخارجية للوزارات فلا يوجد نص خاص لها و إنما هناك نصوص عديدة و متنوعة بحسب تنوع هذه المصالح.
1-الإدارة المركزية للوزارة : يميز المرسوم المذكور أعلاه بين نوعين من المصالح الإدارية داخل الوزارة و هي :
أ-الهياكل :تتكون هذه الهياكل حسب المادة 03 من المديريات العامة أو مركزية ،و تنقسم كل وحدة إلى أقسام و كل قسم إلى مديريات فرعية و كل مديرية فرعية إلى مكاتب فالمكتب هو الخلية الأساسية هي الإدارة المركزية للوزارة. أما المواد من 04 إلى 09 منها من نفس المرسوم فتحدد صلاحيات هذه الهياكل و مهامها.
ب-الأجهزة الإدارية: تتكون من :
1-الديوان: يمارس مجموعة من الصلاحيات منها تحضير أعمال الوزير ،تقديم الاستشارة إعداد الملخصات و الدراسات ،تنظيم ربط الصلة بالإعلام و بالجمعيات المدنية. للديوان مدير و رئيس و مكلفون بالدراسات و التلخيص ملحقون بالديوان
2-أجهزة التفتيش و الرقابة و التقييم: بالإضافة إلى الرقابة فهي تسهر على حسن العمل في الوزارة و القطاع.
3-الأجهزة الاستشارية :يخول للوزير تنصيب أية هيئة استشارية في إطار تتطور التشاور بين مختلف القطاعات قصد ترقية نشاطات القطاع و تحسينها.
4-أجهزة تسيير المهمة :و هناك من الأعمال ما هو مؤقت بطبيعته و لذلك يجوز للوزير أن يعين لمدة محدودة و على أساس برنامج محدد مسبقا مسؤولين عن دراسات أو مشاريع يخولهم إن اقتضى الأمر بسلطات الإدارة و التسيير قصد دراسة ملفات و إنجاز مشاريع هذا عن الإدارة المركزية الوزارة.
2-المصالح الخارجية للوزارة : إذا كانت الوزارة جهاز مركزي كما قلنا فإن مهامها تمتد لتشمل كافة التراب الوطني و في ذلك صعوبات شتى نظرا لبعدها عن الشؤون المحلية و تخفيفا لهذا التركيز تنشئ الوزارات عادة مصالح خارجية تابعة لها تتوزع عبر التراب الوطني بحيث تكون هذه المصالح تارة مطابقة للولايات أو الدوائر أو البلديات و تارة أخرى تشمل رقعة جغرافية أكبر فتضم ناحية أو جهة بكاملها المهم أن لكل وزارة عدد من المصالح تقع خارج العاصمة في الولايات و الأقاليم فالمديريات الجهوية للفلاحة و المديريات العامة للصحة و تمثل هذه المصالح في واقع الأمر هيئات عدم التركيز أو هي عبارة عن هيئات إدارية محلية تابعة للدولة و هي تمثل اليد الممتدة للدولة عبر أقاليمها المختلفة.
الإدارة المحلية
لقد عرفنا مما سبق أن أبرز عيوب النظام المركزي هو بعده عن الحقائق المحلية وعدم قدرته على تلبية الحاجات المحلية خصوصا في الوقت الذي اتسعت فيها رقعة المهام التي تمارسها الدولة فقد أصبح من العسير عليها السيطرة على كل مطالب وحاجات المجتمع لاسيما في المناطق البعيدة عن العاصمة لذلك لجأت الدول إلى أسلوب عدم التركيز للتخفيف من حدة القصور إلا أن هذا الأسلوب لم يكن ليفي بالغرض بسبب الإبقاء على السلطات الحقيقية في يد الهيئة المركزية وعدم ترك الفرصة أمام الجماعات المحلية للمشاركة واتخاذ القرارات المحلية بنفسها ولذلك وجد نظام جديد الإدارة الإقليم يختلف عن النظام المركزي كليا هو النظام اللامركزي ، أو نظام الإدارة المحلية الإقليمية وهو نظام يقوم على الديمقراطية الإدارية يوزع السلطات الإدارية بين هيئات محلية مختلفة تحقيق للمبدأ الذي طرحه دستور 1989 المعدل في المادة 14 التي تنص على الآتي ” تقوم الدولة على مبادئ التنظيم الديمقراطي والعدالة الاجتماعية المجلس المنتخب هو الإطار الذي يعبر فيه الشعب عن إرادته ويراقب عمل السلطات العمومية”.
ولقد حددت المادة 15 من الدستور نفس الجماعات الإقليمية حيث جاء فيها: ” الجماعات الإقليمية للدولة هي البلدية والولاية، البلدية هي الجماعة القاعدية ”
فما المقصود بالجماعة الإقليمية:
تعريف الجماعة الإقليمية : هي عبارة عن مفهوم عام يشير إلى كيانات أو ووحدات إدارية خاضعة للقانون العام تتكون من مجموعات بشرية محددة جغرافيا على قطعة ترابية معينة أعطتها الدولة الشخصية المعنوية وسلطته إدارة نفسها بنفسها بواسطة هيئة منتخبة والمثال عندنا البلدية والولاية فيشتركوا الموطنين في تسيير شؤونهم المحلية بعيدا عن تدخل الإدارة المركزية.
المبحث الأول: البلدية
1-التعريف بالبلدية:
تنص المادة الأولى من قانون البلدية على أن:” البلدية الجماعة الإقليمية الأساسية في البلاد، وهي جهاز يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتحدث بموجب قانون “.
يلاحظ على هذا التعريف يقوم على عناصر قانونية في تعريف البلدية ( جماعة إقليمية تتمتع بالشخصية المعنوية، تتمتع بالاستقلال مالي).
احتوى قانون 1967 الأمر رقم 67/24 المؤرخ في 17/01/1967 المتضمن قانون البلدية فإنه احتوى على عناصر سياسية إيديولوجية عندما أشار إلى طبيعة الدور الذي تلعبه البلدية باعتبارها جماعة إقليمية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أساسية وإلى طبيعة تشكيل مجلسها من فئة العمال والفلاحين.
2-مبادئ السير الإداري:
احتوى قانون البلدية الجديد الصادر ب قانون رقم 90/08 المؤرخ في 07/08/1990 على المبادئ ذاتها التي احتوى عليها قانون 1967 من انتخاب على كافة الأصعدة وتسيير جماعي لشؤون البلدية والتي نتطرق إليها كالآتي:
2-1: مبدأ الانتخاب على كل الأصعدة: يخضع أعضاء المجلس الشعبي البلدي إلى قانون الانتخاب الجديد الذي صدر بموجب الأمر 97/07 المؤرخ في 06/03/1997 المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 75/01 منه على ما يلي: ” ينتخب المجلس الشعبي البلدي والمجلس الشعبي الولائي بطريقة الاقتراع النسبي على القائمة” وقد جاء في المادة 76 على أنه ” توزع المقاعد المطلوب شغلها من القوائم بالتناسب حسب عدد الأصوات التي تحصلت عليها كل قائمة تطبيق قاعدة الباقي للأقوى ، ولا تؤخذ في الحسابات عند توزيع المقاعد ، القوائم التي لم تتحصل على 7 % على الأقل من الأصوات المعبرة .
2-2-: مبدأ الجماعة في التسيير: بقي المبدأ ذاته الذي كان قائما في الأمر 67/ 24 لكن بتغيير طفيف لا يمس جوهره ، ولكن يتعلق بتشكيل الهيئة التنفيذية التي كانت في ظل قانون 1967 لتمثل الهيئة التنفيذية جماعية الطابع ، إذ هي تتكون من مجموعة من الأعضاء متساويا فيما بينهم قراراتهم جماعية ، رئاسة المجلس تكون دورية وبالتداول بينهم أما قانون 1990 فقد اعتبر الهيئة التنفيذية هيئة فردية وليست جماعية حسب ما جاء في المادة 13 على أن ” هيئتا البلدية هما المجلس الشعبي البلدي ورئيس المجلس الشعبي البلدي “.
إلا أن هذا المفهوم لم يغير من مفهوم مبدأ جماعية التسيير ، فالقرارات التي تتخذ على مستواها ذات طابع جماعي ولا يتم إلا عن طريق المداولات وبأغلبية أصوات الحاضرين وتبقى عملية تنفيذ القرارات التي لا تحتمل من طبيعتها الجماعية التي تعقيها وتؤخر تنفيذها ولذلك تشغل مبدأ الجماعية في التسيير ما يزال قائم في القانون الجديد.
2-3: الرقابة الوصائية: ما تزال الرقابة الوصائية قائمة كما كانت في قانون 1967 ولم يطرأ عليها سوى تغيير بسيط يتعلق بتخفيف طفيف في حدتها خصوصا في الرقابة على أعمال المجلس الشعبي البلدي فمثلا تنص المادة 41 على أن مداولات م .ش.ب تنفذ بقوة القانون بعد 15 يوما من إيداعها لدى دار الولاية في حين كانت هذه المدة في قانون 1967 تقدر بـ 20 يوما ، وكذلك خفض عدد المداولات التي تشترط المصادقة الصريحة من 06 حالات في قانون 1967 إلى حالتين فقط المادة 42 من قانون 1990 غير أن هذه الرقابة الوصائية تتوقف عند حد رقابة أعمال المجلس للتصديق عليها بل تتجاوز ذلك إلى حد الوصول إلى إبطال هذه الأعمال أو الحلول محله ، فبالنسبة للإبطال هناك نوعين يشير إليهما القانون بطلان نسبي قد يقرره الوالي على بعض أعضاء المجلس ش.ب. بناءا على ما جاء في المادة 45 ” تعتبر المداولات التي يشارك فيها أعضاء المجلس الشعبي البلدي وهم معنيون بها أو يملكون فيها مصالح شخصية هي مداولات قابلة للإبطال أما بالنسبة للبطلان المطلق فقد أشارت إليه المادة 44 التي جاء فيه: ” تعتبر باطلة بقوة القانون”:
¨ مداولات المجلس الشعبي البلدي التي تتناول موضوعا خارجا عن اختصاصهم.
¨ المداولات التي تكون مخالفة للأحكام الدستورية ولا سيم المواد 2-3-9 والقوانين والتنظيم.
¨ المداولات التي تجري خارج الاجتماعات الشرعية للمجلس الشعبي البلدي يصرح الوالي بموجب قرار معلل ببطلان المداولة القانونية”.
أما بخصوص رقابة الهيئة وأعضائها فقد أشارت المواد من 31-36 من القانون إلى كيفية إقالة أعضاء المجلس الشعبي البلدي وإقصائهم وحالات وكيفيات حل المجلس واستبداله جزئيا أو كليا.
2-الهيئات المسيرة للبلدية:
تنص المادة 13 من قانون البلدية على ما يلي: ” هيئات البلدية هما المجلس الشعبي البلدي رئيس المجلس الشعبي البلدي”
1-المجلس الشعبي البلدي(هيئة جماعية تداولية) : يتكون هذا المجلس عن طريق الإنتخاب العام والسري بطريقة الاقتراع النسبي على القائمة مع أفضلية الأغلبية لدورة واحدة لمدة 05 سنوات وذلك على نحو ما هو مبين في القانون العضوي المتعلق بالانتخابات ويتغير عدد أعضاء هذا المجلس بتغيير عدد سكان البلدية وعموما فهو يتراوح ما بين 7 أعضاء في البلدية التي تقل عدد سكانها عن 510 ألاف نسمة وبين 33 عضو بالنسبة للبلديات التي يزيد عددها عن 200001 نسمة.
2-عمل المجلس الشعبي البلدي : يجتمع هذا المجلس فصليا في 4 دورات في السنة واستثناءا كلما دعت الحاجة إلى ذلك وتكون اجتماعاته من الرئيس أو من ثلث الأعضاء في المجلس أو بطلب من الوالي ، ولا تصح هذه الاجتماعات إلا بحضور الأغلبية وهي اجتماعات علنية في الغالب ماعدا حالتين ، فحص قضايا الانضباط بالنسبة لأحد أعضاء المجلس وكذا حالة النظر في الأمن العمومي.
3-لجان المجلس : يتعين المجلس بلجان يكونها من بين أعضائه بعضها دائم وبعضها مؤقت تتشكل هذه اللجان بموجب مداولات من المجلس تعرض على تمثيل مناسب للأحزاب التي يتشكل منها المجلس ، وتهتم هذه اللجان على الخصوص بتحضير ملفات للمجلس في المجالات التي تختص بها كالمجالات الاقتصادية والمالية والتهيئة العمرانية ، والشؤون الاجتماعية والثقافية وغيرها.
4-المداولات : يباشر المجلس الشعبي البلدي أعماله بواسطة المداولات التي يجريها أثناء اجتماعات والمداولة قانونا هي فحص ومناقشة مسألة معينة من طرف هيئة جماعية قبل أن يتخذ القرار النهائي في خصوص نقطة معينة ” وهي تعبر عن إرادة جماعية هي إرادة المجلس الشعبي البلدي ولكنها تختلف عن الرأي الاستشاري لأنها تنتهي به وتشكل قرار إداري حقيقيا وافقا على شرط المصادقة عليه من طرف الوصاية ولا تكون هذه المداولة صحيحة إلا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضاء م.ش.ب الممارسين الحاضرين وفي حالة تساوي الأصوات داخل المجلس يرجح صوت ( ر.م.ش.ب) ولسلامة المداولة اشترط المشرع مجموعة من الشروط تعتبر عناصر.
5-المناقشة: معناها أن المداولات لا تكون صحيحة إلا إذا كان فيها نقاش وحوار بين أعضاء ( م.ش.ب)
¨ التعبير عن الإرادة الجماعية بالتصويت وبخضوع لرأي الأغلبية في المداولة: فالمداولة تعبير عن رأي البلدية باعتبارها شخص معنوي وليس تعبير عن رأي فرد أو أفراد في المجلس الشعبي البلدي.
¨ الالتزام بمضمون المداولة وعدم الخروج عما هو محدد قانونا ( م.ش.ب.) من اختصاص
ولا عما هو مقرر في جدول الأعمال للمجلس أثناء الدورة.
¨ الالتزام ببعض الشكليات والإجراءات القانونية:كما في حالة الالتزام بإجراء المداولات باللغة العربية ومسألة تسجيل المداولة في سجل مرقم مؤشر عليه من قبل المحكمة.
6-تنفيذ المداولة: لا تنفذ المداولة، إلا بعد أن يصادق عليها الوالي فتصبح عندها قرارا إداريا مستوفيا لشروطه.
والتصديق في لغة القانون هو موافقة سلطة عليا على عمل قانوني أبرمته سلطة أدنى منه بحيث تبقى صحة التصرف القانوني المذكور معلقة على هذا التصديق ويقصد بالتصديق أيضا التوقيع على تصرف قانوني مكتوب والإقرار بصحة ما جاء فيه من الوقائع.
وقد نصت المادة 41 من قانون البلدية على ما يلي : ” تنفذ المداولات بحكم القانون بعد 15 يوم من إيداعها لدى الولاية مع مراعاة أحكام المواد 42-43-44-45 أدناه وخلال هذه الفترة يدلي الوالي برأيه أو قراره فيما يخص شرعية القرارات المعلنة وصحتها.
وهكذا لا تنفذ المداولة ولا تكون نهائية إلا إذا صادق عليها الوالي إما حتميا كما في حالة سكوت الوالي وعدم رده على المداولة خلال 15 يوما لإيداعها لديه ، وإما صراحة كما في حالة اشتراط الرد الصريح من الوالي على المداولة وهو ما تشير إليه المادة 42 من قانون البلدية التي جاء بها ” لا تنفذ المداولات التي تتناول المواضيع التالية إلا بعد أن يصادق عليها الوالي”
¨ الميزانية والحسابات.
¨ إحداث مصالح ومؤسسات عمومية للبلدية”
وهذا يجرنا للحديث على ممارسة الرقابة الوصائية على المجلس الشعبي البلدي سواء على الهيئة كهيئة أو على أعضاء هذه الهيئة أو على أعمال هذه الهيئة . والوصاية كما هو معلوم رقابة نصية تمارسها هيئة عليا على هيئة أخرى وانطلاقا من هنا يمارس الوالي رقابة على أعضاء المجلس من خلال ما تضمنته المواد 31 التي تتعلق بإقالة كل عضو يتبين أنه غير قابل للانتخاب والمادة 32 التي تتعلق بتوقيف كل نائب بلدي معرض لمتابعة جزائية والمادة 43 التي تتعلق بالإقصاء النهائي لكل عضو في المجلس الشعبي البلدي تعرض لإدانة جزائية.
أما المادة 35 فتتعلق بالوصاية التي يمارسها الوزير ( وزير الداخلية ) الهيئة التداولية ( المجلس برمته) وبكيفية حلها والأسباب الداعية إلى ذلك وكيفية تعويضها بعد حلها بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء بناءا على تقرير من وزير الداخلية.
أما المواد من 41-46 فتتعلق بممارسة الرقابة على أعمال هذه الهيئة من خلال مراقبة المداولات والمصادقة عليها ( ضمنية أو صريحة ) أو من خلال الإعلان عن بطلانها قانونا ( في حالة مخالفتها لأحكام الدستور والقانون أو قابليتها للإبطال كحالة مشاركة أعضاء من المجلس في المداولة لهم فيها مصلحة الشخصية.
7-صلاحيات المجلس الشعبي البلدي: تنص المادة 84 من قانون البلدية على ما يلي : ” يشكل المجلس الشعبي البلدي إطار التعبير عن الديمقراطية محليا ويمثل قاعدة اللامركزية ومكان مشاركة المواطن في تسيير الشؤون العمومية”.
وتنص المادة 85 من نفس القانون على ما يلي: ” يعالج المجلس الشعبي البلدي من خلال مداولاته الشؤون الناجمة عن الصلاحيات المسندة للبلدية”.
الواقع أن هاتين المادتين تجسدان أو تترجم مبدأ اللامركزية الإدارية المعبر عليها في المواد 14-15-16 من الدستور.
فالمادتين 84-85 من قانون البلدية هو تطبيق لما جاء في المادة 16 بالضبط من الدستور التي تنص ” يمثل المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية، و مكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية”.
من الواضح أن المجلس المنتخب ينشأ إطار ديمقراطيا محليا عن طريق انتخاب وتمكين المواطنين وإشراكهم في تسيير الشؤون المحلية فإن الشؤون العمومية المحلية تشكل الاختصاصات المسندة للبلدية.و خلافا لما هو قائم في فرنسا فإن هذه الشؤون محددة قانونا من خلال ما احتوى عليه الباب الثالث من قانون البلدية من اختصاصات تتعلق على الخصوص بالتهيئة و التنمية المحلية وبالتعمير و الهياكل الأساسية و بتجهيز و تعليم و بالأجهزة الاجتماعية و الجماعية و بالسكن وحفظ الصحة والنظافة والمحيط والاستثمارات الاقتصادية …إلخ غير ذلك من الصلاحيات المحددة قانونا.
2-رئيس المجلس الشعبي البلدي:
1- طبيعة الهيئة التنفيذية للبلدية: كانت الهيئة التنفيذية في القانون القديم هيئة جماعية تتكون من رئيس و عدد من النواب كما تنص عليه المادة 116 التي تنص على ما يلي :” ينتخب م.ش.ب من بين أعضاءه رئيسا و نائب رئيس أو أكثر تتكون منهم الهيئة التنفيذية البلدية و ينتخب هؤلاء الأعضاء بالاقتراع السري و الأغلبية المطلقة ”
أما قانون 1990 فقد أظهر المشرع هذه الهيئة بموجب الفصل الثاني من الباب الثاني من القانون البلدي تحت عنوان ر.م.ش.ب
2- تعيين رئيس المجلس الشعبي البلدي ووضعه القانوني: المادة 47 ” تتشكل الهيئة التنفيذية للبلدية من ر.م.ش.ب يمكن أن يساعده في ذلك نائب أو أكثر”
وهكذا انحصرت الهيئة التنفيذية في القانون الجديد في رئيس م.ش.ب. وحده تساعده هيئة مساعدة.كما تؤكده المادة13 كذلك.
إذا كان المجلس الشعبي البلدي هو الذي يعين رئيسه ونوابه في ظل القانون القديم 1967 طبقا للمادة 116 من القانون البلدي ، فإن القانون الحالي في المادة 48 فإنه يعين هذا الرئيس من بين أعضاء القائمة التي نالت الأغلبية في الانتخابات البلدية وواضح من نص هذه المادة لم يعد له دور في اختيار رئيس المجلس الشعبي البلدي لأنه أصبح مختار وليس معينا لما جاء خطأ في ترجمة المادة 48 ويكون من بين أعضاء القائمة التي نالت أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البلدية وينصب هذا الرئيس بعد اختياره في مدة أقصاها 8 أيام الموالية من إعلان نتائج الاقتراع.
ونظرا للمهام الكثيرة المسندة لرئيس المجلس الشعبي البلدي فقد أوجب المشرع على من يمارس هذه المهمة أن يتفرغ كلية لمهامه الانتخابية ولهذا يقرر أن يمنح له ولنوابه وكذا المندوبين لمهام خاصة تعويض أو علاوة مالية مقابل قيامه لهذه المهام النيابية وفقا لما جاء في المرسوم التنفيذي 91-463 المؤرخ في 03/02/1991 الجريدة الرسمية رقم 24 ولكي يتمكن رئيس المجلس الشعبي البلدي من ممارسة مهامه واختصاصاته القانونية أعطاه المشرع سلطة اتخاذ القرارات الإدارية النافذة سواء لتنفيذ اختصاصه كممثل للدولة أو باعتباره جهاز تنفيذي للبلدية .
ونشير أخيرا أن مهمة المجلس الشعبي البلدي تنتهي بإحدى الطرق الآتية :
¨ نهاية المدة النيابية وهي خمس سنوات.
¨ الاستقالة التي يجب أن يعلم بها المجلس ويخطر بها الوالي فورا.
¨ سحب الثقة منه من طرف المجلس الشعبي البلدي الذي له وفق المادة 55 من قانون البلدية أن ينتهي مهامه عن طريق اقتراع علني بعدم الثقة وبأغلبية ثلثي الأعضاء.
¨ بالوفاة.
3-صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي:
يتمتع رئيس المجلس الشعبي البلدي منذ الإصلاح الأخير 1990 بازدواجية في الصفة القانونية الوظائف والمهام التي يمارسها وهو إلى جانب كونه الممثل الطبيعي والشرعي للبلدية يقوم بتمثيل الدولة عبر تراب بلديته ومن هنا فان له اختصاصات مزدوجة.
*اختصاصات يمارسها لتمثيل البلدية واختصاصات يمارسها باعتباره ممثل للدولة.
1-اختصاصاته باعتباره ممثل للبلدية: إحتوت عليها المواد من 58-66 من القانون البلدي وهي اختصاصات يمارسها في الغالب تحت إشراف ورقابة المجلس الشعبي البلدي.
أ-اختصاصات تمثيله للبلدية: يقوم خلالها ( ر.م.ش.ب) بتمثيل البلدية في :
¨ التظاهرات والاحتفالات الرسمية.
¨ يمثل البلدية في كل الأعمال المدنية والإدارية.
¨ يمثلها أمام العدالة بصفتها مدعى أو مدعى عليها.
ب-اختصاصات كرئيس ( م.ش.م.) (رئاسية)
¨ يقوم باستدعاء المجلس الشعبي البلدي للانعقاد
¨ يحضر جدول أعمال هذا المجلس.
¨ يرأس اجتماعات المجلس.
¨ يقدم تقرير حول الوضعية العامة السائدة في تراب البلدية .
¨ قبول الإعلان عن مداولات وأشغال المجلس الشعبي البلدي.
ج-اختصاصات باعتباره الرئيس الإداري في البلدية.
¨ يصدر القرارات الرامية إلى تنفيذ مداولات المجلس.
¨ يوظف الأعوان والعمال البلدية ويشرف على حياتهم المهنية.
¨ يبرم العقود والصفقات البلدية باسمها.
¨ يشرف على حسن سير الإدارة ( إدارة البلدية ) ومصالحها.
¨ يتخذ كل الإجراءات الخاصة بترقية البلدية ويسهر على صيانتها.
د-اختصاصات مالية:
في هذا الإطار يقوم ر.م.ش.ب بإعداد ميزانية البلدية وينفذها ويعتبر هو الآمر بالصرف فيها.
2-اختصاصات ر.م.ش.ب باعتباره ممثل للدولة: إحتوت عليها المواد من 67-78 من القانون البلدي وهي اختصاصات يمارسها في الغالب تحت إشراف و رقابة الوالي.
كونه ممثل للدولة في تراب بلديته ذلك لأن الدولة في حاجة إلى من يمثلها في المستوى المحلي لأن الإدارة المركزية عاجزة عن تنفيذ كل مقرراتها من مصالحها في العاصمة ولذلك فهي تلجأ إلى التخفيف من عبأ المهام المركزية بإسناد بعضها لأجهزة وهيئات محلية مثل ر.م.ش.ب خصوصا وأن البعض من الشؤون العمومية ذات صبغة وطنية لا يمكن ممارستها إلا على أعلى المستوى المحلي مثل اختصاص الحالة المدنية والتي تعني المجتمع كله لأنها تمثل تاريخ هذا المجتمع وتراثه الإنسان فهي إذن من الأمور الهامة للدولة.
يمكن حصر اختصاصات ( ر.م.ش.ب) في قانون 1990 في النقاط التالية:
1-اختصاصات الضبطية: هناك اختصاصات ضبطية متعددة يمارسها ( ر.م.ش.ب ) فهي باختصار ضابط الحالة المدنية إذ يوقع على وثائق الحالة المدنية ويسلمها لمن يطلبها من المواطنين المعنيين بها كما يشرف على إبرام عقود الزواج ويسهر على مسك دفاتر وسجلات الحالة المدنية و المواليد والوفيات …الخ.
2-وهو ضابط الشرطة القضائية : بهذه الصفة يقوم بكل الإجراءات والتحريات التي من شأنها القبض على المجرمين عبر تراب البلدية وفقا لما تحدده القوانين والتنظيمات في هذا المجال.
3-وهو ضابط الشرطة الإدارية أو البوليس الإداري: وفي هذا الإطار يشرف على تحقيق النظام العام في تراب البلدية من حيث حفظ الأمن العام كالحفاظ على أرواح المواطنين إلى حفظ الصحة العامة والرقابة من الأمراض المعدية من كل مصادرها البشرية والحيوانية.
واستبعاد كل ما قد يتسبب في ذلك بإتباع سياسة وقائية إزاء الأنشطة التي قد تسبب ظهور أو انتشار هذه الأمراض كمراقبة المحلات التجارية المطاعم والمقاهي العمومية ….الخ.
كما قد يدخل في مفهوم تحقيق النظام العام حفظ السكينة العامة ومنع كل ما من شأنه جلب أو سلب راحة المواطنين وإزعاجهم كمنع الضجيج في أوقات معينة من الليل والنهار والمعاقب على كل مساس بالراحة العمومية وكل الأعمال الملمة بها.
ويدخل في مفهوم الضبط الإداري الحفاظ على الآداب العامة ومنع الأعمال المخلة بالحياء والمساس بالأخلاق والآداب العامة بارتكاب الفواحش في الطرقات والأماكن العمومية ومنع الإتيان بأفعال التي لا تليق أخلاقيا في هذه الأماكن ويدخل ضمن الاختصاصات الإدارية الخاصة التي يمارس ر.م.ش.ب بصفته ممثل للدولة تأمين نظام الجنائز والمقابر والسهر على دفن الموتى في ظروف لائقة ووفقا للشعائر والعادات.
كما يسهر على احترام مقاييس التعمير ويسلم رخص للبناء ويسهر على تطبيق النظام العمراني حسب الطرق المحددة في القانون أيضا وبهذه الصفة ينظم الطرق بوضع العلامات المميزة لإرشاد المواطنين ، يساهم في عملية إعداد مخطط التنظيم وتقديم الإسعاف طبقا للتشريع المعمول به ، وأيضا هو المكلف بنشر القوانين والتنظيمات عبر كل التراب البلدية.
10-رقابة رئيس المجلس الشعبي البلدي : يخضع رئيس م.ش.ب في عمله لنوعين من الرقابة بحسب الصفة التي يمارس بها هذا العمل فهو يخضع للرقابة الوصائية باعتباره عضو من أعضاء المجلس الشعبي البلدي وممارسته لاختصاصاته كممثل للبلدية منفذ لمداولاتها وفي هذا الإطار يخضع لنفس ما يخضع له أعضاء المجلس الشعبي البلدي الآخرين من رقابة وصائية ضمنتها أحكام المواد 31 إلى 33 من قانون البلدية وهو يخضع للدولة حسب ما تشير إليه المواد 69-71-77-79-80 من قانون البلدية ، وهي رقابة تندرج من مجرد تقديم تعليمات من الوالي إلى رئيس م.ش.ب لممارسة مهام تدخل في اختصاصه كعون للدولة إلى حد الحلول محله وتعويض في القيام بالمهام الضبطية كما جاء في المواد 81-83 وعبر هذا الحلول أخطر مظاهر الرقابة لما فيها من تقييد لشخص ر.م.ش.ب
11-إدارة البلدية : المواد من 112 إلى 145 من قانون البلدية :
البلدية هيئة إدارية تخضع كغيرها من الهيئات الإدارية لمبادئ التسيير الإداري وهي بذلك تعتمد على مجموعة من الأساليب والوسائل لممارسة النشاط الموكل إليها.
1–أساليب ممارسة النشاط الإداري:تميز المادة 133 ثلاثة أساليب قانونية لممارسة النشاط الإداري البلدي :
1-التسيير المباشر : يقصد به إنشاء مصالح عمومية بلدية لتوفير الاحتياجات العمومية لمواطن البلدية بمباشرة تقديم الخدمات للمواطن بواسطة مصالح تسييرها وتمولها من ميزانيتها الخاصة كما هو الشأن بالنسبة لمصالح الحالة المدنية ومصلحة العامة و التنظيم التي تتكفل بكل ما له صلة بانتخابات من تسجيل ومراجعة القوائم المادي للانتخابات وهو ما تعرفه المادة 134 و 135 من القانون.
2-المؤسسة العمومية البلدية : وهذا الأسلوب للإدارة تعتمد من خلاله مؤسسات عمومية بلدية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي مكلفة بأعمال وأشغال محددة تتمتع طبيعتها بتنوع طبيعة المهنة الموكلة إليها قد تكون من إدارية أو اقتصادية صناعية أو تجارية تباشر البلدية تقديم الخدمة العامة غير مباشرة من خلال إنشاء هذه المؤسسات بإنشاء مقاولة بلدية للأشغال العمومية تتكفل مثلا بشق الطرق وتعبيدها.
3-امتياز المصالح العمومية : وفيه تتعرض إدارة البلدية مع شخص من أشخاص الخاص فرد أو شركه يلتزم فيه هذا الشخص الخاص بإدارة المصلحة التي حددته على نفقته الخاصة مقابل الحصول على رسوم من المنتفعين من هذه المصلحة أو المرافق من أرباحها مع تحمله للمخاطر الناجمة من هذه الإدارة.
4- وسائل ممارسة النشاط الإداري البلدي :
تتكون هذه الوسائل من وسائل بشرية ، وسائل قانونية ، الوسائل المادية .
1-الوسائل القانونية: أشار قانون البلدية إلى نوعين من الوسائل القانونية تمارس بها البلدية نشاطها كبقية الإدارات وهي وسيلة القرارات الإدارية ووسيلة العقود الإدارية .
2-الوسائل البشرية : تتمثل في مجموع الموظفين و الأعوان البلديين الذين يرتبطون مع البلدية برابطة عمل و يخضعون للقانون الأساسي للوظيفة العامة والقوانين الأساسية الخاصة بفئات الأعوان و الموظفين
3-الوسائل المادية : تتمثل في مجموع العقارات و المنقولات التي تملكها البلدية إما ملكية عمومية مخصصة باستعمال للجمهور أو ملكية خاصة موجودة أو مخصصة لخدمة مصالح البلدية و قد حددت شروط الامتلاك لهذه الأموال المواد التالية 112 -116 فضلا عن المواد التي تضمنتها المواد و النصوص القانونية و التنظيمية أملاك الدولة.
المبحث الثاني :الولاية
الولاية جماعة عمومية إقليمية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتشكل مقاطعة إدارية للدولة.
هذا ما نصت عليه المادة الأولى من قانون الولاية رقم 90-09 المتضمن قانون الولاية ونصت المادة الأولى من الأمر 69-38 للقانون القديم على ما يلي: ” الولاية جماعة إقليمية ذات شخصية معنوية واستقلال مالي ، ولها اختصاصات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وهي تكون أيضا منطقة إدارية للدولة”.
إن النصيب المتقاربين من حيث المضمون ولا يوجد خلاف إلا من حيث الإشارة إلى الاختصاصات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الولاية في قانون 1969 الشيء الذي لم يذكره قانون 1990 ونلاحظ أن هناك إتفاق بين النصين من حيث أنهما يعتبران الولاية مقاطعة إدارية للدولة.
وإذا قارنا هاذين النصين بنصي قانوني البلدية على التوالي 1968 ،1990 نجد أن هناك تشابه بينهما من حيث الصياغة ومن حيث الطابع الإيديولوجي الذي يحكمهما ولكننا نلاحظ أيضا أن هناك اختلاف بين نصي البلدية ونص الولاية ، ففي أعتبر المشرع البلدية في القانونين جماعة إقليمية أساسية ، يعرف الولاية من خلال النصين أيضا أنها تشكل جماعة إقليمية من جهة وقاطعة إدارية للدولة من جهة أخرى ، فإذا كنا نعلم أن المقصود بالجماعة الإقليمية كما جاء تعريفها في الدستور وقانون البلدية فماذا يقصد عندما اعتبر الولاية مقاطعة إدارية.
إن الإجابة على هذا التساؤل يمكن في اعتبار الولاية حلقة وصل بين المركزية واللامركزية الإدارية ، فالولاية جهاز وسيط في بناء هيكل الدولة فمن جهة هناك الخلية الأولى لبناء الدولة وهي البلدية ومن جهة أخرى هناك قمة الهرم في الدولة والمتمثلة في الحكومة وحتى لا يكون هناك فراغ بينهما أسست الولاية كوسيط بين القمة والقاعدة ، فالمكانة التي تمثلها الولاية بين هرم الدولة وقاعدتها هي التي فرضت عليها هذه الصفة المزدوجة فالولاية هي في آن واحد جماعة إقليمية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي تميزها هذه جماعية مستحقة ولكنها في نفس الوقت تشكل مقاطعة من مقاطعات الدولة أي جزء لا يتجزأ من الدولة المركزية التي تشرف عليها وتوجه لها الأوامر والتعليمات فيلتقي عندها كل من النظام المركزي والنظام اللامركزي.
اترك تعليقاً